"عيون" من أجل الثورة محمد العقيد فقد عينه في الثورة .. فكيف يراها بالعين الأخرى
• فقد عينه يوم 28يناير وعاد للميدان يوم30 يناير مع زوجته وأخته ووالدته • كنا محتجين .. وقبل أن نصل إلى ميدان التحرير تحولنا إلى ثوار • ثورتنا متحضرة.. وإلا فلماذا لم ننتقم ممن كانوا يعتقلوننا ويعذبوننا؟ • هل سمع التاريخ عن ثوار ينجحون في ثورتهم ثم ينتظرون حكم القضاء على النظام الذي سقط؟ • يوم 28 يناير أصبح الكل مقتنعا بدوره في التغيير وضرورة تواجده لإحداث هذا التغيير • هنأني أحد الإخوة بإصابتي في الثورة وقال: أنت عينك راحت في الثورة وأنا عيني راحت في الاسكواش
حوار – داليا عوض
بعد مرور عام، وفي الذكرى الأولى لقيام الثورة، ومع تفاوت الآراء والتقييمات لما مرت به مصر ومازالت، يطفو الشك بل ربما اليأس على سطح حياة فئة من عامة الشعب، وخاصة مع مرور الوقت وعدم تحقق النتائج المرجوة لتلك الثورة. كان مقررا لهذا اللقاء أن يتم مع أحد مصابي الثورة في الذكرى السنوية لها، لقاء تقليدي يتحدث عن ذكرياته في ذلك اليوم وعن إصابته، لكن اللقاء أخذ منحى آخر عندما لمست هذا الكم من التفاؤل الصادق النابع من يقين بحجم مصر وإرادة شعبها ومقومات الشخصية المصرية، التي ربما تكون مرضت، لكنها لم تمت.
أبو القسام
محمد أسامة العقيد 36سنة - رحابي من الشرقية - متزوج ولديه طفل في الخامسة من عمره أسماه " القسام "، هو خريج جامعة الأزهر، دعوة إسلامية، عام 2000، ويعمل مدرس دراسات إسلامية تخصص أديان ونظم ومذاهب في الجامعة الأمريكية المفتوحة.
• ما ذكرياتك لهذا اليوم؟ بداية أريد أن أؤكد أن ما حدث كان حلمًا لم نكن نتخيله أو نحلم به حتى يوم جمعة الغضب.. أما عن ما حدث فكان كالتالي: قبل يوم 25 يناير سمعنا عن الوقفة الاحتجاجية التي يُعد لها، ونزلنا يوم الثلاثاء أنا وبعض الأصدقاء، وتكرر النزول يوم الخميس 27 يناير، ولكننا انسحبنا بسبب أعداد الأمن الكثيرة وغير المتوقعة، على أمل النزول يوم جمعة الغضب.
• وماذا حدث يوم 28يناير؟ قررنا النزول مجتمعين لمعرفتنا بأن من سينزل وحده سيكون عرضة للاعتقال، فاتجهنا لمسجد الإيمان في شارع مكرم عبيد بمدينة نصر لصلاة الجمعة وأصرت زوجتي وأختي على الذهاب معي، وكنا ما زلنا نتعامل مع الأمر على أنه وقفة احتجاجية ضخمة قد تنفض من قبل الأمن في أي مرحلة من مراحلها كما كان يحدث دائما. كان الترتيب أن نصلي في المسجد ثم تبدأ المسيرة من الأوتوستراد حتى يوسف عباس ثم صلاح سالم ثم العباسية ثم شارع رمسيس وصولا إلى التحرير ولم نكن نعلم إن كنا سنصل إليه فعلا أم لا، وكان الهدف من بعد المسافة أن يزداد الناس كل 100 متر 100 فرد وخاصة في المناطق المزدحمة.
سؤال استفزازي
وقدر الله أن يشن شيخ المسجد هجوما حادا على المشاركين في الاحتجاجات، فاستفز الناس، وكان يسألهم:" من أجل من تخرجون؟" فيرد كل من في المسجد قائلين:" من أجل مصر" وعلا الصوت في المسجد واضطر الإمام لإقامة الصلاة بسرعة وعقب الصلاة ازداد حماس كل من في المسجد حتى من لم يكونوا معنا في المسيرة، وبدأوا يرددون "الشعب يريد اسقاط النظام"، خرج المصلون من المسجد بالكامل على غير توقعاتنا وبدأنا المسيرة حتى وصلنا آخر شارع مكرم عبيد فوجدنا صفًا من الشرطة فقلنا لهم:" هنعدي .. هنعدي من أي طريق" ففتحوا لنا الطريق وهذا من حكمة قائدهم فعددهم كان قليلا بالنسبة لعددنا، أماعند ميدان الساعة فكان هناك عدد أكبر من الشرطة والبلطجية فلم نحتك بهم وغيرنا طريقنا حتى وصلنا آخر شارع يوسف عباس، وهناك وجدناهم مرة أخرى بعدد أكبر وهاجموا مقدمة المسيرة بالسيوف والسنج، تقدم مني أحدهم بلباس مدني وقال لي: "أنت معاك أهلك ابعد من هنا". ومع الكر والفر هجمت مقدمة المسيرة عليهم وضربتهم وأصيب هذا الرجل فخلصناه من أيديهم وذهبنا به إلى نادي الزهور للعلاج وكان يصرخ في المتظاهرين الذين يضربوه مشيرا إليّ قائلا" الراجل دة يشهد اني مضربتش حد". بعد هذه المواجهة ازدادت الأعداد في المسيرة، وكان معنا د. جمال عبد الهادي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الأزهر، وعمره يفوق السبعين عاما، وقد أصر على السير على قدميه من مدينة نصر حتى رمسيس وهذا شجع الشباب المتكاسل. عندما وصلنا ميدان رمسيس كانت قد وقعت فيه مواجهات نتج عنها دماء وغازات ومصابون وجنود شرطة مصابون ومتعبون، فتطوع البعض بإيوائهم في بيوتهم ليعالجوهم ويطعموهم. وقبل أن نصل عند نقابة الصحفيين في شارع عبد الخالق ثروت في الطريق إلى ميدان التحرير، قطعت علينا الطريق تماما أعداد كبيرة من الشرطة يستخدمون غازًا بدون لون، فكلما حاولنا العبور تراجعنا بسبب الاختناق بالغاز، وظللنا في تلك المحاولات حتى بعد صلاة العصر . حتى هذا الوقت لم تكن الأهداف واضحة، وربما لو كانت الإعاقة كبيرة لكنا تراجعنا ولكن الوضع تبدل تماما عندما وصلنا هذه المنطقة وحدث ما حدث هناك.
هنا تحولنا إلى ثوار
فالشرطة كانت تتصرف بطريقة استفزازية إلى أبعد حد - وهذا خدمنا - " فبعد ما كنا ماشيين عادي بنتكلم ونضحك" كان كل من يتقدم يسقط بسبب الشرطة المرتكزة على الأرض والتي تضرب في الوجه مباشرة ، ومع آذان المغرب وقف الشباب متكاتفين بالأذرع صفًا واحدًا، وبدأوا بالهجوم ليكملوا المسيرة إلى التحرير، أول محاولة فشلت فقمنا بعد الصلاة بهجمة ثانية متكاتفين فسقطنا جميعا، أكثر من 20 شابًا ..أصبنا بالخرطوش في عدة أماكن من أجسامنا، أنا أصبت بخمسين شظية ولكن أسوأها استقرت في عيني ففقدت الوعي، أفقت في مستشفى الأزبكية مع عدد كبير من المصابين، كلنا نعاني من نفس الاصابة.. أسعفونا بإسعافات بسيطة وحجزونا في غرفة ومعنا شخص يقوم بخدمتنا.. شعرت من البداية أنه من مباحث أمن الدولة بسبب خبرتي بهم. وكنت أشك في احتمال اعتقال المصابين كما حدث في تونس، فتحججت بالذهاب إلى الحمام وخلعت الشاش من على عيني وخرجت من المستشفى، وقابلت سيدة نصحتني بالاختباء والابتعاد عن المكان قائلة:" هم بياخدوا المصابين من الشوارع " فسرت معها هي وأخوها ووالدتها وذهبنا لمنزلهم وقدموا لي الطعام والشراب وأوصلني أخوها بالسيارة للرحاب دون أن أعرف من هم أو حتى أسماءهم، ولكني عرفت أنهم مسيحون من الصليب المعلق في بيتهم.
أطباء أم "ناس لابسة بلاطي بيضاء"
• وماذا عن إصابتك؟ عندما وصلت الرحاب واطمأننت على زوجتي، اتصلت بالدكتور عبد الرؤوف؛ أحد أصدقائي في الرحاب فحضر وذهبنا إلى معهد ناصر فوجدنا سيارة إسعاف يقف بجانبها "ناس لابسة بلاطي بيضا" يطلبون البطاقة الشخصية ويأخذون بيانات المصابين ويركبونهم سيارة الإسعاف المليئة بالمصابين، فطلبت منهم أن أظل في سيارة د. عبد الرؤوف ونسير خلف سيارة الإسعاف إلى المستشفى المحددة فصرخ أحدهم بحدة: "اقعد ما تتكلمش كتير"!.. لهجة لا تصدر من طبيب لمريض، فخرجت بقوة من سيارة الإسعاف، فركض هذا الشخص خلفي ليعيدني لولا تدخل الدكتور عبد الرؤوف الذي منعه من أخذي. وعدنا للمنزل وأرسل لي الإخوان طبيبًا ليتولى مهمة علاجي، ورغم حظر التجول خاطرنا ووصلنا لمركز العيون في روكسي وقام بعملية إسعاف سريعة وكنت أتمنى أن أعود معه للميدان لكنه رفض. وبعد يومين عدت للميدان وفي أثناء إقامتنا في الميدان كان هذا الطبيب يقيم بجواري فكان يتابع العلاج والتغيير على العملية مع بعض الإسعافات البسيطة، وبعد إنتهاء الثورة قمت بعمل العديد من الأشِعات والتصوير المقطعي في أكاديمية العيون لقياس نسبة الإضاءة وثبت أنها صفر. ثم تابعت مع د. مصطفى هيكل أستاذ العيون في جامعة بنها الذي أكد ضرورة إخراج الخرطوش من عيني، بعدها سافرت للسعودية وتابعت في مستشفى الحرس الوطني في الرياض حيث قام الأطباء بعمل جراحة في القنوات الدمعية التي كانت تسبب لي صداعًا نصفيًا يستمر لمدة 3 ايام متواصلة لا أستطيع خلالها الكلام ولا الحركة. وأخيرا أجمع الأطباء على عدم ضرورة إجراء جراحة لإخراج الخرطوش من رأسي، فوجوده لا يضر بل يعتبر معقمًا بسبب درجة الحرارة العالية التي يخرج بها من فوهة البندقية، وخاصة أنه استقر في نفس مكان خروج العصب من المخ إلى العين وهو مكان حرج جدا تسبب في عدم إمكانية الرؤية بتاتا.
صور للأشعة المقطعية على الجمجمة توضح استقرار الخرطوش في قاع العين اليمنى
• ومتى عدت للميدان؟ يوم الأحد 30 يناير، ذهبت ومعي أمي وزوجتي وابني واخوتي وأخذنا خيمة وأقمنا في الميدان. أجمل أيام حياتنا قضيناها هناك لأننا كنا نرى مصر تتغير. الجميع يهدف للتغيير بعد أن كنا قلة نحارب من أجله.. اليوم أصبحنا كثر. مع النظام السابق كانت الأكثرية تنتظر الأقلية لتقوم بالتغيير، هذا إن حدث، أما في ذاك اليوم فقد أصبح الكل مقتنعًا بدوره في التغيير وضرورة تواجده لإحداث التغيير.
• بعد مرور سنة، هل ما زلت تعتقد أن الأمر يستحق ما ضحيت به؟ بل يستحق أكثر، فالحرية لايشعر بها إلا من حرمها. فقد كنت ممنوعا من صعود منبر في كل قرى الشرقية. كنت أحلم أن أخطب على منبر أو أصلي إمامًا في أحد مساجدها، ولكني كنت ممنوعًا بأمر من أمن الدولة، لم أعين في الأوقاف بسبب أمن الدولة، وبعد نهاية الدراسة، في امتحان الوزارة قال لي الممتحن برغم كفاءتك لن تنجح بسبب أمن الدولة، حتى أنني لم أجد اسمي في قائمة الناجحين ولا قائمة الراسبين. فتركت مجال الدعوة وقدمت للدراسات العليا، أما بعد الثورة فقد استطعت أن أخطب، واختلف أسلوب الخطبة وأصبح أكثر جرأة.
زنزانة 26
• وما قصتك مع أمن الدولة؟ عندما كنت طالبا في الجامعة اعتقلت مرتين، والثالثة وأنا عائد من غزة في ديسمبر 2007، عندما فتحت الحدود أخذنا معونات لرفح وعبرنا ممر صلاح الدين ليلا بالخطأ، فذهبنا إلى قسم الشرطة وسألنا فقال لنا أحدهم إننا الآن في غزة!! .. كان وهمًا سعيدًا وحلمًا أن نصل إلى هناك. ثم دعانا هذا الرجل إلى منزله وصلينا الفجر، وخطبت الجمعة في مسجد الرضوان، ثم دعينا إلى الغداء في دار أبو هين وطلبت منه أن أرى آخرين فاتصل بإسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني الذي دعانا لاجتماع الوزارة،
أقمت هناك عشرة أيام وألقيت محاضرات ودروسًا وخطبت خطبة الجمعة التالية، وعند العودة كان عددنا كبيرًا عند المعبر، وتم احتجازنا في مدرسة رفح يومين، كانا أصعب يومين في حياتي مع زوجتي وابني، ثم رُحلنا بعربات الترحيلات إلى مباحث أمن الدولة في الشرقية ثم إلى مقر أمن الدولة في مدينة نصر، وحجزت هناك في زنزانة رقم 26، الطريف أنني ذهبت هناك بعد الثورة وسجلت أمام زنزانتي لقاء مع إحدى القنوات الأجنبية.
• أليس غريبا أن تأخذ زوجتك وإبنك بل أحيانا والدتك في مثل هذه المواقف؟ زوجتي تشاركني نفس الرغبات والأحلام والحماس، وهي تقوم بذلك برغبة منها، ووالدتي هي من ربت فينا أن ما قدر لنا من موت أو إصابة أو مصاعب كالاعتقال مثلا سوف نمر به لا محالة، فالأفضل أن نعتقل أو نُصاب أو نستشهد في طاعة الله بدلا من أن نصاب في معصية، بل علينا أن نشكر الله على أنه قدر لنا أن نصاب في طاعة، أحد الاخوة اتصل بي وهنأني بإصابتي في الثورة وقال: " إنت عينك راحت في الثورة وأنا عيني راحت في الاسكواش"، القدر حاصل لا محالة ولكن أين؟ • وإذا تجردت من كونك إسلاميا وإخوانيا، ولكن كثائر مصري.. هل ترى مكتسبات الثورة تستحق أيضا؟ نعم، فإذا قسنا سقوط النظام أمام فقدان عين فهو ثمن قليل. مجرد شكل طوابير الانتخابات يستاهل ألف عين وألف شهيد. ربما العامة لا يرون ذلك فالناس تنقسم إلى "قلتين" وكثرة، الكثرة هم كل من كان يعيش ليأكل ويشرب ويعلم أولاده، والقلتين هما قلة مُصلِحة أو تحاول الإصلاح وقلة مُفسدة، وتحدث بينهما مشاغبات واحتجاجات واعتقالات، القلتان تتدافعان، والكثرة منتظرة ومتضررة بسبب أزمات إما مفتعلة أو متكررة ومشابهة لما كان قبل الثورة؛ كأزمة الأمن والغاز والبنزين. وهذه ضريبة مرحلة التغيير في كل ثورات العالم. والقلة المُصلِحة كانت تضم كل إصلاحي وسياسي من كل الأطياف حتى غير المسلمين، فالنظام السابق كان يكره ويخنق كل من هو مصلح، وجميعنا شعر بالفرق لانتهاء التضييق الذي مورس ضدنا جميعا، وكلنا يرى أن الأمر يستحق.
حسني مبارك رايح جاي
• برغم اختلافاتكم؟ الخلاف لدينا له سقف، خلافنا خلاف فكري وثقافي ولكن له سقف.. الوطنية، وهذا ما نتميز به عن الدول الأخرى، كلنا نجتمع على هدف واحد هو مصلحة مصر ونحن شعب طيب لديه مبادئ وأصول، نحب بلدنا ونشترك جميعا في الرغبة في الاصلاح بوجهات نظر مختلفة. حتى من نعلم تماما أن ميله لأمريكا لا يفاخر بتبعيته لأمريكا بل يعتبرها تهمة، نحن شعب ذو حضارة وأصول، هل رأيتِ من قبل ثوارًا بهذا التحضر، ثوار يقومون بثورة ناجحة ثم يقومون بانتخابات، أو ثوارًا ينتظرون حكم القضاء للنظام الساقط بالثورة؟ حسني مبارك ما زال "رايح جاي" على المحكمة والثوار ينتظرون ويحترمون رأي القضاء. حضارتنا وأصولنا وعقيدتنا تمنعنا من فكر الثأر، فمسؤول أمن الدولة الذي كان يعتقلني لا يزال موجودًا وأستطيع أن أنتقم منه ولكن هذا ليس من أصول الشخصية المصرية. هذه ثورة يجب توثيقها، لنعلّمَ الكون حضارة الثورة، كنا 300 ألف شخص ينامون في التحرير، ولم يشعر أحد بضيق، لم يبحث أحد منهم عن محفظته، لم نجع ولم نشعر بالبرد، الدنيا كانت دافئة بالمحبة والتكافل، أمي كانت تجلس على الرصيف فقدم لها أحدهم خيمة لتنام فيها لا نعرفه ولا يعرفنا.
حملة تشويه عالمية
• هل استمرت تلك الروح؟ الروح مازالت موجودة ولكن إعلاميا أريد لميدان التحرير أن يشوه، أرادوا تشويه رمزيته ونزع قدسيته، دُفع بأشخاص ليشوهوه وخاصة أن ثوار بلدان العالم سموا ميادينهم، حتى في أمريكا، ميدان التحرير، هناك إرادة عالمية لتشويه صورة مصر وتشويه الصورة الحضارية الراقية لثورتها وشبابها لأن هذا البلد يسير بخطوات واضحة لقيادة العالم. • كيف يتم هذا التشويه؟ التشويه بدأ من سنوات بمعاونة النظام السابق، فأذكر مثلا في الحرب على غزة عام 2008 كانت القوافل المصرية تصطف بطول 10كم على معبر رفح، وكانت تضم جميع فئات المجتمع؛ المسلم والمسيحي، الغني والفقير، المتعلم والجاهل، لكن الإعلام صورنا على أننا إرهابيين ومتهورين، والمجتمع الدولي يصور الدور المصري الحكومي فقط ولا ينقل الدور المصري المجتمعي وهو الحقيقة المصرية بل يعتم على القوافل المصرية تماما، وإلى جانبنا كان يقف وفد آخر من بلد آخر كان عبارة عن سيارة واحدة، وكانت الكاميرات تصور السيارة من عدة مواقع وتقوم بعمل حوارات مع كل من في السيارة. أما القوافل المصرية فغيبت تماما بقرار سياسي بإخفاء دور مصر، وقرار سياسي لدول صغيرة أن يكون لها دور ريادي وتعامل كقوى كبرى برغم عدم تمتعها بمقومات هذا الدور. وأيضا يحاول الإعلام أن يصور أن الدول العربية تكره مصر، وهذا ما حاولوا تضخيمه في المشكلة بين مصر والجزائر يوم "الماتش" برغم أنه غير حقيقي فعندما نسافر نعامل، لأننا مصريون، أفضل معاملة ونستقبل أفضل استقبال. الاعلام العالمي موجه لتقليل قيمة ودور مصر برغم أن لها موقع ودور محوري اقليمي لا يستطيع أحد مهما كان أن ينكره.
شعب مريض "بس لا مات ولا اتشل"
• ما حلمك لمصر في 25يناير2013 ؟ لا أحلم، بل أنا على يقين أن مصر ستسود العالم كله وليس العرب، وهذا ليس بعصا سحرية أو خاتم سليمان بل اعتمادا على نماذج إسلامية فشلت في الجزائر وأفغانستان أو إختلفت عنا في ماليزيا وتركيا وفي حماس، فكل نموذج جُرب وفشل أعطى مصر خبرة. خاصة أن لدينا مقومات مختلفة عن هؤلاء. التجربة المصرية ستكون أحسن من كل التجارب فلدينا النموذج الأفضل وعندنا الشعب الأفضل.
أثناء زيارة وفد من مبادرة شركاء في الوطن لكنيسة إمبابة
• الشعب الأفضل؟ أعتقد أنه ليس عيبا أن نعترف بعيوب الشعب المصري التي يعلمها الجميع ولا داعي لتكرارها؟
لا أنكر العيوب، ولكن أليس المواطن المصري الحالي هو نتيجة لمحاولات هدم الشخصية المصرية لأكثر من 60 سنة؟ ورغم ذلك جاءت طفرة الثورة فغيرت منه، الثورة أثبتت أن الشعب كان مريضًا "بس لا مات ولا اتشل". والدليل على ذلك أن الشعب المشارك الحي الايجابي كان 10% قبل الثورة والآن أصبح 60% . ونهضات الأمم تعتمد على الإرادة فهي مقياس التغيير، وهي ما نعول عليه في الشخصية المصرية بلا منازع، هل هناك شعب في الدنيا يطيق ما تحملناه في السنوات الماضية؟ لو نزل مليون شرطي لقمع ثورة في أي بلد كما حدث هنا يوم جمعة الغضب هل كانت ستنجح؟ "دول وصلونا أن نعيش في المقابر وعشنا"، المصري لديه قدرة غير عادية على الصبر، امتحن في الضغوط السياسية والأمنية ونجح فما بالنا لو امتحن في الانتاجية؟. ما علينا إلا أن نوجه قدراته للاتجاه الصحيح وننتظر، فكل بنيان قوي يحتاج إلى وقت، وفي نفس الوقت لدينا في مصر مشاكل يمكن حلها خلال سنة، مثل مشكلة البطالة وأزمة الإسكان والصحة، كلها لا يحتاج إلا لقرار سياسي. بالإضافة لضرورة الاهتمام بالتعليم والإعلام فهما أساس تغيير الشعب.
• ألا يحتاج الأمر لميزانية تعجز عنها مصر في ظروفها الحالية؟ مصر واسعة ومليئة بموارد طبيعية مقتولة، ولو وجد من لديه القدرة على أخذ القرار السياسي السليم فلن ننتظر معونة ولن نعتمد على السياحة فقط. نحن نُخوف بالأزمات والمجاعة والاحتياج للمعونة الأمريكية لنظل خاضعين، ولكن موارد مصر المميزة تحتاج فقط إلى حكومة تدعمها وخاصة الموارد البشرية المصرية الضخمة الهاربة. كل المتميزين في بلاد العالم مصريون ولو عادوا إلى مصر لتغيرت الظروف