الرجال من المريخ.. والنساء من الزهرة والأطفال من الجنة (1-2)
كتبت سمية مصطفى
أقام القسم الثقافي بنادي الرحاب مؤخرا ندوة بعنوان "الرجال من المريخ و النساء من الزهرة و الأطفال من الجنة" حاضر فيها استشاري الطب النفسي، ورئيس الرابطة العالمية للطب العلاجي والنفسي د. أشرف علي عبد الله.
بدأت الندوة بعرض مقاطع فيديو لحيوانات تتصارع من أجل الإبقاء على حياة صغارها و تدافع عنهم باستماتة، الأمر الذي يعكس غريزة الأمومة و الأبوة لدى الحيوانات, ثم طرح الدكتور أشرف سؤالاً :هل فقدنا نحن البشر الاهتمام بهذه الغريزة؟ هل تميزت الحيوانات عنا في ذلك ؟!
وعندما أجاب الحضور بأن التعلق بالمادة و الإنشغال بمشكلات الحياة و ضغوطها هي من الأسباب التي أدت إلى انشغالنا كليًا أو جزئيًا عن تلك الغريزة، و عن التعبير عن مشاعر الحب و العطف تجاه أبنائنا. واجههم المحاضر بسؤال آخر: هل تكون ضغوط الحياة مبررًا لذلك؟ ألا تواجه الحيوانات ضغوطًا هي الأخرى ؟
لقد خلقنا الإنسان في كبد
أكد الدكتور أشرف أن المشكلة ليست في وجود الضغوط بل في كيفية رؤيتها والتعامل معها. فالحياة يسيّرها قانون الضغوط والتعب والمعاناة، وهذه تخلق الدافع للحركة والعمل، فالإنسان لا يتحرك إلا تحت تهديد أو رغبة في تحقيق شيء، وعدم الحركة يصل به إلى الموت، بل إن تعريف الذكاء "هو القدرة على حل المشكلات"، فلن يتطور عقلك إلا إذا واجهتك المشكلات و بدأت في التفكير في حلول لها.
وأضاف: إنك إذا قابلت المشكلات بالتذمر ستتعب وتيأس، وأدعوك إلى أن تتذكر قصة سيدنا آدم لتعتبر؛ فقد كان يعيش في الجنة وليس هناك أروع منها، يملك كل شيء، وله فيها مكانة خاصة فقد كانت كل المخلوقات تسجد له وتوقره بما فيهم عزازيل رئيس الجن، ثم أخفق في الاختبار الإلهي فُأنزل إلى الأرض فاقدًا كل ما كان فيه من مكانة وإمكانات وزوجة رفيقة. ُأنزل لحكمة من الحكيم "إني أعلم ما لاتعلمون" فلو لم ينزل آدم إلى الأرض لما كان هناك إبداع بشري، فهو كما أراده الله الخليفة في الأرض ليعمرها، من وجهة نظر آدم هي بالتأكيد مصيبة، فكيف تتوقعون حالته النفسية لفقدان المكانة والزوجة وكل شيء؟
ما وراء المحنة
ظل الحزن واليأس يسيطران عليه حتى تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه. لولا هذه الكلمات لمات من الحزن واليأس، ظل أربعين سنة يبحث عن زوجته حتى وصل "منى" فتمنى على الله أن يكتب لهما الالتقاء، فاستجاب الله له والتقاها في عرفات، فجعل التقاء المسلمين في عرفات منسكًا في الحج، ويليه أكبر عيد من أعياد المسلمين. ثم رأى آدم الحقيقة، فقد أنزله الله تعالى إلى الأرض ليكون نبيًا، وليعمر الأرض. ياللفرحة .. انقلب الحزن إلى فرح .. فالحزن ُمعلّم الإنسان، والحزن والفرح وجهان لعملة واحدة على الأرض.
وبرغم أن الفرح هو ما يهدف إليه الناس الآن، إلا أنه ليس الهدف الأساسي الفطري لحياتنا، فالنفس البشرية تهدف إلى السلام، والجنة تسمى دار السلام لا دار الفرح، والإسلام دين جميع الأنبياء، اشتق اسمه من السلام ، والسلام من أسماء الله الحسنى.
الدورة الحياتية والتغيير
ويضيف د. أشرف: الحزن والفرح وجهان لعملة واحدة، فالطفل يحيا في بطن أمه يتنفس ويمتص الغذاء آمنًا سعيدًا، ثم تنتهي الدورة الأولى من حياته ويأتي دور التغيير فيولد ويخرج إلى العالم الخارجي صارخًا رافضًا حزينًا لفقد المملكة التي عهدها والدخول إلى ما لا يعلم.
ثم يستمر في الرضاعة سنتين سعيدًا، ثم مع انتهاء الدورة الثانية من حياته التي تكيف معها، وبداية الفطام يصرخ حزينًا مرة أخرى، وتتوالى الدورات .. دورة الإقامة في المنزل قبل المدرسة سعيدًا تنتهي بالحزن عندما يبدأ الحياة المدرسية، ثم.. ثم ..ثم ... الحزن دائمًا يكون ناتج المقاومة للدورة الجديدة، مع أن تلك هي سنة الحياة ( مالكم لا ترجون لله وقارًا وقد خلقكم أطوارا )، والفرح ما هو إلا طور ومرحلة تكيف، ثم يأتي التغيير صاحبًا معه الحزن لفقدان ما اعتدنا عليه وخوفنا مما لا نعلم .
وتساءل د.أشرف: لكن لو افترضنا أن الطفلة التي كانت تسعد عندما نقدم لها عروسة في دورة من دورات الطفولة، قدمنا لها عروسة وهي إمرأة ناضجة، هل ستسعد؟ بالتأكيد لا ، فدورتها تغيرت الآن، إذا فالتغيير حادث لا محالة ولكن الثقة في أن القادم أفضل هو ما يجعلنا لا نحزن، فقد أصبح آدم نبيًا بعد حزنه على نزوله على الأرض.
المدد الروحاني
وأضاف الدكتور أن ما نجتمع من أجله اليوم هو الأسرة اللبنة المهمة في المجتمع، وخاصة أن نسبة الطلاق في مصر وصلت إلى 60% من حالات الزواج مما يقارب نسبة الطلاق في أمريكا. نحن معًا لننقب في ما داخلنا من علم علمه الله لنا. فنحن لا نتعلم شيئًا جديدًا، بل نكتشف ما علمه الله لنا. ولكنا الآن افتقدنا المدد الروحاني من الله، فلقد انقلب الحال و صارت السعادة الخارجية هي الشاغل الأكبر، ولكن لا, فأنت جنتك في صدرك، وسعادتك أيضا في صدرك. القلب مليء بآلاف الخلايا العصبية وهو أقوى من العقل ولذلك عندما يتحدث الله تعالى في القرآن يتحدث عن القلب, فهو محل الحب، وغذاء الروح هو الحب، وهو قمة العبادة وكمال الخضوع لله تعالى ....يقول إبن القيم "اعلم أن أصل العبادة هي محبة الله وإفراده بهذه المحبة" كيف نتعلم أن نحب بعضنا البعض؟ ونحب ما نفعل، حتى الصلاة، يجب أن نفعلها بحب لنصل للفائدة العظمى منها؟ هذه هي وصفة أي مرض أسري.
كيف تعلم الحيوان حب صغاره؟ إنه مدد إلهي يتعلق بالروح لا الجسد. فاهتمامنا بالجسد هو اهتمام خاطيء، حين تصلي لا تهتم بالشكل والأداء بل استشعر الحب فيها لتكتسب المطلوب منها روحيًا. نحن بالنسبة للكون لا شيء إذا نظرنا إلى الجسد، ولكن عظمة الإنسان جاءت من نفخة الله من روحه، يجب ألا نركز على الجسد والماديات كما هو حالنا الآن، ولكن كمثال في علاقتك مع زوجتك إذا قلت لها إني أحبك، قلت ذلك بحضور وعاطفة، فهذا أفضل من أن تشتري لها سيارة. والكارثة أنك تنتظر بعد ذلك شكرها المستمر وإذا لم تشكر تقول إنها لا تقدرك، ويبدأ الغضب وتبدأ المشكلات، هذا ما توصلنا إليه الماديات.
وينقل المحاضر عن نيتشة قوله:" إن أصغر الأشياء هي أكثر ما يسعدنا"، فأقل شيء ممكن أن يسعد الإنسان..لنفترض أنك في نزهة مع عائلتك للحديقة، فلو ركزت على أغصان الأشجار لتجد الطيور ستشعر بسعادة, ولو تأملت الندى على أوراق الشجر ستشعر بسعادة، كذلك لو ركزت على الأشياء الصغيرة في تعاملك مع زوجتك وأسرتك ستشعر بسعادة..أعطهم أصغر الأشياء ولكن بحب وتقدير ولا تربطهم بالماديات . لاتعتقد كما أوهمنا أنفسنا أن الطفل يحتاج إلى كل شيء غالٍ مميز، فلقد أثبتت الدراسات أن الطفل يريد: 1- الحركة والنشاط تبعًا لغريزة الحركة المستمرة. 2- الأمن والشعور بالأمان. 3- تقديرًا ذاتيًا من الأهل والمدرسين. أما الشكل ( الـ FORM ) مثل المدرسة الغالية، أو الألعاب الالكترونية والموبايلات والرفاهيات، فليست احتياجًا حقيقيًا، وإنما نحن من وضعناها، كذبنا الكذبة ثم صدقناها، إنك تجد أعلى نسبة إحباط عند الأطفال في تلك المدارس الغالية، أما الطلبة المتفوقون حقًا فتجدهم في المدارس الحكومية.
د. أشرف عبد الله: بعد الحب .. التدريب على العفو وعدم الغضب ( 2-2) |