عمال "الديليفري" .. شباب متعلم ومكافح
شكواهم : "رخامة" بعض الزبائن والأمن .. "ورزع" الأبواب في وجوههم
70% من سكان الرحاب لا يدفعون إكرامية!
تحقيق: سمية مصطفى
جزء لا يتجزأ من الرحاب .. هم الضلع الأوسط لمثلث خدمة توصيل الطلبات للمنازل.. وظاهرة يرى البعض أنه لا غنى عنها، فيما يراها البعض الآخر أحد أسباب التلوث السمعي والبيئي التي تكدر هدوء مدينة الرحاب، بسبب الأصوات المزعجة الصادرة من الدراجات النارية، والعادم غير مكتمل الاحتراق الخارج منها. ويتمنى هؤلاء أن تعود الرحاب لسابق عهدها عندما كان عمال الديليفري لايستخدمون سوى الدراجات.
هؤلاء العمال .. كلهم تقريبًا متعلمون؛ طلبة جامعيون أو حاصلون على بكالوريوس أو دبلوم ،بل إن أحدهم طالب في كلية الطب وهو ملقب بين معارفه بالدكتور.. كيف جاءوا للرحاب وما مشكلاتهم في مهنة هدفها راحة الزبون؟ لتسليط الضوء عليهم، قمنا بهذا التحقيق...
أمر تعسفي
• عبد الجليل محمد، دبلوم تجارة.
كيف جئت للرحاب؟
جئت عن طريق أخي، كان يعمل في مصنع ألبان وعندما أراد صاحبه أن يفتتح منفذ توزيع في الرحاب اختاره لهذا العمل، وأخي اختارني لأساعده.
أين تقيم؟
في شقة في الرحاب منذ 6 سنوات نؤجرها أنا وأخي وعدد من العمال والديليفري.
هل هناك مشكلات يواجهها عامل الديليفري ؟
المشكلات مع العملاء تكون فردية، فليس كل العملاء متشابهين، منهم الجيد و منهم من يعاملنا بـ"قلة ذوق و عدم احترام" , وأغلب المشكلات تكون مع أصحاب المحلات؛ مثلاً كنت أعمل مع صاحب أحد المحلات وكان يتعامل معي جيدًا عندما كان محتاجًا لي "فأنا كنت شايل المحل كله"، ولكن عندما احتجته في أمر يخصني لم " يسأل في".
وكيف احتجت له؟
كنت في البداية أستخدم دراجة، فكنت أتأخر في توصيل الطلبات وخاصة عندما اتسعت الرحاب، فطلبت منه أن يشتري لي "فيسبا" فلم يقبل، ثم اقترحت عليه أن أشتري الفيسبا و آخذ عائد الديليفري بالكامل لأستطيع سداد أقساطها فلم يقبل،وتطورت المشكلات بيننا.
كيف؟
في البداية قال لي يجب أن أترك العمل في الرحاب كلها لو تركت العمل معه، ولما لم أقبل قال "إذاً لا تمر من أمام المحل" .. أمر متعسف .
هل هناك مشكلات أخرى؟
رجال الأمن أحيانا "يرخّموا" علينا طلبًا للتصاريح، وخاصة لو كانت منتهية، فالمعاملة بيننا تفتقر للإحترام.
هل العمل مجز ماديًا؟
عامة.. نعم ولكن كوضع انتقالي أنا أطمح أن أنشيء عملاً خاصًا في مجال الألبان فقد اكتسبت فيه خبرة كبيرة.
هل جربت العمل الخاص؟
منذ سنة تقريبًا تركت العمل في الرحاب وأجرت محل في الهرم ولكن لم ينجح وعدت للرحاب.
"جامعي" للأسف.. ولست "صنايعي"
• أسامة حسين سليمان، خريج كلية الآداب قسم جغرافيا
كيف جئت للرحاب؟
منذ سنة 1998 ، كنت أعمل في "المعمار" في عطلة الصيف أثناء دراستي الجامعية، للأسف ليس "صنايعي"، فالصنايعي الذي لديه حرفة يأخذ أجرًا مجديًا أما أنا فقد كنت أنظف بعد البناء وأحمل " الرتش" ولم يكن أجري يكفيني، لهذا فضلت العمل في الديليفري.
أين تقيم؟
نؤجر شقة في التجمع الأول بـ500 جنيه، كنا ثمانية في الشقة ولكن لأننا نحتاج إلى راحة حقيقية بعد العمل المجهد الطويل فضلنا أن نكون خمسة.
هل هناك مشكلات يواجهها رجل الديليفري ؟
أحيانا الأمن" يرخم " علينا، إنهم لا يعاملونا كما يعاملون السكان.
وكيف "يرخم"؟
مثلاً، في أحد الأيام كنت أمر من البوابة الإلكترونية ولم أعلم أنها تعمل بالفعل، فممرت من المساحة التي بعد عمود البوابة وكان يكفي للموتوسيكل دون أن أصدمه، فصمم الأمن أن أعود للخلف وأمر من الخانة الأخرى.وعندما لم أستجب أوقفني وسحب تصريحي، إنهم لا يتعاملون معنا باحترام.
وهل تعمل حرًا أم لحساب محل بعينه؟
في البداية كنت أعمل لحساب إحدى الصيدليات على شكل شفتات "ورديات"فكانوا يعطوننا 3 جنيهات في الساعة سواء خرجنا بطلبات أم لا، فكنت أحصل على 36 جنيهًا يوميًا بالإضافة للـ "تيبس" (يقصد الإكرامية أو البقشيش)، أنا أعرف أنهم الآن يعطون الديليفري 50 جنيهًا في الوردية. ولكن لو تعطل الموتوسيكل تخصم عدد ساعات العطل من الحساب.
والآن؟
فضلت العمل حرًا، أحصل على 2,5جنيه على الطلب الواحد وأرتاح عندما أريد، هكذا أنا حر نفسي والعائد مجزٍ أكثر والحمد لله.
كل الرحاب تعرفني
• أيمن سلامة محمد.
كيف جئت للرحاب؟
كنت أعمل مزارعًا، مساعدًا لمهندس زراعي في إحدى المدارس في الرحاب ثم تركته لأعمل لحسابي.
أين تقيم؟
في شقة في التجمع الأول مع عدد من العمال.
ما المشكلات التي تواجهك؟
قابلت بعض المضايقات من أمن الرحاب عندما كنت أستخدم الفيسبا بدون رخصة، فعندما كنت مزارعًا كنت أستعمل دراجة، ولكن عندما قررت العمل في توصيل الطلبات لم تكن الدراجة تسعفني، فقررت شراء فيسبا واستخدمتها في البداية بدون رخصة ثم اضطررت لاستخراج الرخصة لأتفادى الاحتكاك بالأمن.
ولماذا لم تستخرج الرخصة من البداية؟
لأن استخراج الرخصة من القاهرة يحتاج إلى عقد إيجار لشقة باسمي، أو أضطر للسفر للمنيا (موطني) بالفيسبا لاستخراج الرخصة من هناك. وكلا الأمرين صعب.
مشكلات أخرى؟
لا، والحمد لله.. فالرحاب كلها تعرفني، وأنا أتعامل بالحسنى مع جميع الناس و لا أحب المشاكل.
هل العمل مجدٍ ماديًا؟
الحمد لله.. خير.
70% أو أكثر من الزبائن لا يدفعون " تيبس"
• عمرو غانم ، يعمل في أحد محلات السوبر ماركت في الرحاب منذ 4 شهور، وهو طالب جامعي في كلية الحقوق.
كيف جئت للرحاب؟
عن طريق أقربائي الذين يعملون في الرحاب منذ سنوات
أين تقيم؟
أنا أصلا من البحيرة، و أسكن حاليًا في الحي العاشر بمدينة نصر مع عدد من العمال.
كيف تعرفت على العناوين في الرحاب؟
عندما جئت للرحاب قضيت ثلاثة أيام أتجول فيها مع زملائي حتى حفظتها ..الأمر سهل.
ما المشكلات التي تقابلها مع الزبائن و أصحاب العمل؟
لا توجد مشكلات مع صاحب العمل لأنه قريبي, أما الزبائن فمشاكلهم تختلف من شخصية لأخرى؛ فبعضهم يعاملنا باحترام وذوق و الآخر لا يقدرنا و يعاملنا بقلة احترام، ولكنهم قلة.
هل كل الزبائن تعطيك بقشيش؟
70% من سكان الرحاب يكتفون بقيمة التوصيل ولا يعطوننا "تيبس".
المدام تلطعني نص ساعة
• محمد حسنين من إسنا، يعمل لأحد المخابز في السوق التجاري.. في الرحاب منذ 9 سنوات، في البداية كنت أبيع في محل خضار، ثم عملت في التوصيل.
أين تقيم؟
في شقة في الرحاب مع آخرين.
كيف حفظت الرحاب و تعرفت على العناوين؟
أنا أعمل بها منذ 9 سنوات و شهدت كل التوسعات لهذا أحفظها.
ما مشكلات العمل؟
مشاكل مع الزبائن فبعضهم " رخم".. أحيانًا أصعد الدور الرابع ثم تقول لي "المدام" : "ماعنديش فكة.. إنزل هات فكة", و أحيانًا تأخذ الطلب و"ترزع الباب في وجهي" أو "تلطعني نصف ساعة علشان تحاسبني".. يتحرق دمي و أقرر أن لا أذهب لهذه الزبونة مرة أخرى. (عرفنا أن هناك "سيم" أو اتفاق بين عمال الديليفري إذا جرب أحدهم التعامل مع ربة بيت وكان تعاملها سيئًا فإنهم يكتبون إلى جانب باب الشقة كلمة (حلاقة ) حتى يتفادى باقي عمال الديليفري التعامل معها) .
هل تعمل باليومية أم بالشهر؟
أعمل بالشهر، فاليوم بـ30 جنيه، يعني 900 جنيه في الشهر.
رزع الباب".. يشعرني بالإهانة
هناك ديليفري السوق وديليفري المطاعم الكبرى .. فما الفرق بينهما؟
• أحمد محمد من المنوفية، خريج سياحة وفنادق، متزوج ولي أبناء و أقيم في الرحاب حاليًا في سكن توفره لنا الشركة.
كيف جئت للرحاب؟
في البداية عملت فرد أمن في الرحاب لمدة شهر واحد،ثم انتقلت للعمل في ديليفري أحد المطاعم ثم غيرت المطعم، فالعمل هنا أكثر راحة.
ما الفرق بينك وبين الديليفري العادي؟
الدليفري العادي " مش متأمن عليه و لو حصلت له حاجة و لا كأنه كان موجود " ولكن في المطاعم الكبرى العامل مؤمن عليه ويستطيع أن يطالب بحقه في حالة وقوع أي حادث لا قدر الله.
وهل هناك مميزات أخرى؟
لي مرتب شهري و ملتزم بعقد مع مكان العمل عكس الديليفري العادي غير المرتبط بمكان أو وقت عمل محدد .
ما المشكلات التي تواجهك مع الزبائن أو أصحاب العمل؟
مع الزبائن أكثر ما يضايقني" رزع الباب في وشي" و عدم احترام آدميتي كإنسان، ففي الوقت الذي أكون فيه في منتهى الأدب، ألقى العكس من بعض الزبائن "و كأني أشحت منهم "، و أكثر من 70% منهم لا يعطوني بقشيش، أما أصحاب العمل فالحمد لله لا أجد مشاكل في التعامل معهم .
كيف حفظت شوارع و عناوين الرحاب؟
كنت أتجول فيها بمفردي أو مع أصدقائي و كنت أعمل خرائط ذهنية لنفسي و اعتمدت كذلك على الوصف وحفظتها في إسبوعين.
هل تجد هذا العمل مجزيًا؟
أنا متزوج ولي أولاد، و العمل لم يعد مجزيًا كما في السابق و إذا وجدت فرصة أفضل فلن أتردد في انتهازها.
"قيادتهم" مستفزة
إذا كانت هذه آراء عمال التوصيل فماذا يقول السكان في المقابل وما رأيهم في الديليفري؟
• يقول أسامة شرف: أرى أن أسرع خدمة ديليفري هي في الصيدليات ومطاعم الفوود الكورت. أما باقي الديليفري فأحيانًا كثيرة يكون الطلب غير دقيق ويأتي متأخرًا عن موعده بفارق كبير، و أحيانًا لا يهتمون بجودة الطلبيات في الخضار افتراضًا منهم أننا سنقبل بما سيأتي لنا مهما كان.
هل هذا خطأ الديليفري أم المحل؟
لا أعرف.. ولكن بشكل عام الديليفري وسيلة إنقاذ لنا في الأوقات التي لا نستطيع فيها النزول.
وهل هناك عيوب أخرى؟
الإزعاج.. ليس فقط في الصوت والضجيج الذي يتسبب فيه، ولكن كثيرًا منهم يعرقل حركة السير، ويتعرض للحوادث فيتضررون ويضرونا. وقيادتهم مثيرة للإستفزاز و لا نستطيع تحديد إن كانوا على يميننا أو يسارنا، وهم أيضًا لا يهتمون باستخدام مصابيح الإضاءة ليلاً.
صوت الموتوسيكل مزعج
أما أماني نصر فتقول: إنهم ينقذوننا في المواقف الصعبة، خاصة إذا جاء ضيوف فجأة وليس لدينا شيء نقدمه لهم ، لكن عامة أنا أحب شراء أشيائي بنفسي.
هل هناك عيوب للديليفري؟
يكفي صوت الموتوسيكل- ما أسوأه - عندما كان عمال الديليفري يستخدمون الدراجة لم يكن هناك ازعاج كالآن، ومع أنهم لم يكونوا بنفس السرعة إلا أنني أتمنى أن يعودوا للدراجات لننعم بالهدوء السابق.
لا للديليفري
أما نهى إدريس فتقول: أنا لا أتعامل مع خدمة الديليفري بتاتًا، فأنا أقيم مع بناتي الصغار، وزوجي مسافر، وأخاف مما يكتب في الجرائد، لهذا أنزل بنفسي لأشتري احتياجات المنزل، وفي الحالات الحرجة أطلب من جارتي أن تطلب الطلبات على عنوانها ثم آخذها منها. الحرص واجب.
عدم الإلتزام
ولمعرفة رأي الضلع الثالث في مثلث خدمة التوصيل، وهم أصحاب المحلات سألنا كريم ابراهيم، أحد أصحاب محلات السوبر ماركت عن رأيه فقال: للأسف، مثلهم مثل فئات العمالة الأخرى يتصفون بعدم الإلتزام، والكسل،فالديليفري مفروض يشتغل شهر وينزل أربعة أيام أجازة، ولكن ما يحدث أنه يعمل بضعة أيام ويجمع مائة أو مائتي جنيه فينزل لبلده ولا يعود إلا بعد أن يكون قد صرفهم ويعود يطلب عمل فاضطر أن أقبله مرة أخرى، فليس له بديل.
هل عملهم مجزٍ؟
يصل العائد من عمله مابين 1500 – 2000 جنيه لو التزم بالعمل شهرًا كاملاً.
يشتكي سكان الرحاب من الخطأ و التأخر في الطلبات الذي قد يصل لثلاث ساعات فما السبب من وجهة نظرك؟
الديليفري الطياري يأخد مني الطلبات ثم يمر على الخضري يأخذ منه طلبات أخرى ويمر على عدة محلات بهذا الشكل، وعليه فالخطأ وارد والتأخير أيضًا.
وما الحل؟
بعض عمال الديليفري يطلبون مني أن أزيد أجرتهم على الطلب، فهي في السوبر ماركت ما بين 1,75 - 2 جنيه، و عند الخضري 3 جنيه، فلو رفعت لهم الأجر يمكن أن يلتزموا بمحلي فقط.
الديليفري المستجد كيف يتعرف على العناوين؟
عندما يعمل معي أطلب منه أن يلف في الرحاب بعد أن أصف له بالتقريب أماكن المجموعات وأربطها بالبوابات والأماكن العامة، وخلال يومين اثنين يكون قد حفظ الرحاب.
ما رحلة الطلب منذ أن تستقبله على الهاتف وحتى يصل إلى العميل؟
نستقبل الطلب بالهاتف ونكتبه في الفاتورة اليدوية ويقوم عامل المحل بتحضيره ثم نتصل بالديليفري ليأتي ويوصله للعميل.
ما أسوأ مشكلات الديليفري التي قابلتك؟
السرقة، أنا أرسل معه الفاتورة ويمكن أن يغير السعر من 15 إلى 25 جنيهًا مثلاً في الفواتير الكبيرة، وعندما ألومه يقول "سكان الرحاب مبسوطين مش بتفرق معاهم" وقد استغنيت عن عدة أشخاص بسبب ذلك لكن وقت الاضطرار اتعامل معهم.
الطريف أنه أثناء الحوار دخل علينا أحد عمال الديليفري ووجه كلامه لصاحب المحل وقال: "إنت بتسيح علني!! ما تشد الرجالة بتاعتك..الكلام دا تقوله بينك وبين الديليفري.. إنما تقوله للزباين ليه؟".
بين السلب والإيجاب
ولكي تكتمل الصورة ذهبنا إلى علماء الإجتماع لنسألهم كيف يرون الديليفري أو خدمة التوصيل إجتماعيًا ...
الدكتور مدحت أبو النصر- أستاذ الإجتماع بكلية الخدمة الاجتماعية - قال: يُعد إيصال الطلبات إلى المنازل من الأمور اللافتة للنظر في السنوات الأخيرة، حيث انتشرت هذه الخدمة سواء من قبل المحلات التجارية الصغيرة أو المطاعم ومحلات الخضار والفاكهة وصولاً إلى بعض الصيدليات، ونظراً لكثرة حدوث هذا الأمر وتكراره بصورة مطردة في معظم المدن الرئيسة فإنه يمكن تجاوزاً أن يُطلق عليه ظاهرة.
ويشير الدكتور إلى المردود الإيجابي والسلبي سواء على مقدم الخدمة أو المستفيد منها بقوله: الواقع أن هذه الخدمة كغيرها من المظاهر الحديثة في حياتنا لها مردود إيجابي على الطرفين (مقدم الخدمة والمستفيد منها) ولكنها لا تخلو أيضاً من المحاذير التي لا تخفى على كل ذي لب، فهي توفر على الأسرة الكثير من الوقت والجهد، خاصة في ظل تعقد أنماط المعيشة وصعوبة الإنتقال والحركة في كثير من الأحيان، وكثرة مشاغل القائمين على بعض الأسر، وإهمالهم أحياناً، أو الحاجة الملحّة للنساء وكبار السن غير القادرين على تحمل أعباء الخروج والتسوق.
وفيما يتعلق بالمحلات التي تقدم هذه الخدمة يمكن القول إن الذي يشجعها على ذلك أمور عدة منها: أن انتشار الأسواق الكبيرة التي تحتوي جميع أنواع السلع والخدمات تحت سقف واحد أدى إلى جذب الزبائن بصورة كبيرة على حساب المحلات الصغيرة الأمر الذي دفع القائمين عليها إلى تقديم هذه الخدمة ليتميزوا عن غيرهم، وليحافظوا على نسبة مبيعات معينة، يُضاف إلى ذلك المردود المادي نظير إيصال تلك الطلبات، أما المطاعم بصورة خاصة فالفوائد التي تعود عليها متعددة، ومنها الحصول على رسوم التوصيل للمنازل، وأن الزبون الذي يطلب وجباته للمنزل يوفر على المطعم الكثير من التكاليف، سواء في الخدمة، أو الطاولات، أو غسيل الأطباق، أو إشغال العاملين، مما يحقق لصاحب المطعم عوائد مجزية في ظل مصروفات أقل، وهذا كله يدفع إلى الاستمرار في تقديم هذه الخدمة بالنظر إلى الجدوى الاقتصادية لها.
تقليل الاستهلاك الفردي
بحماس شديد تشجع د. حنان سالم هذه الخدمة وتقول إنها ليست بها أي سلبيات على الإطلاق، فاستخدام الهاتف في طلب أشياء محددة، استخدام مقنن لطلب ما نحتاجه بالفعل، دون أن تشتهي أعيننا أشياء أخرى قد نراها إذا ذهبنا إلى “السوبر ماركت” بأنفسنا، وربما لا نكون في حاجة ملحة إليها، مما يزيد استهلاكنا بطريقة سلبية، بالإضافة إلى عدم تضييع الوقت، وتوفيره لأشياء لا يمكن لأحد القيام بها سوى ربة المنزل، وأهم من كل ما سبق أن هذه الخدمة هي في واقع الأمر خدمة من المجتمع لإيجاد فرص عمل للشباب، هناك شباب يعملون في أماكن مختلفة ليقوموا بهذه الخدمة، وهي مجزية في كثير من الأحيان. أما أصحاب المحلات فيعترفون بأن إضافة خدمة التوصيل للمنازل هي خدمة تساهم في تسويق البضائع والمنتجات وكثرة الأرباح، بالإضافة إلى أن المتجر أو المحل لا يتكلّف أجر التوصيل.
خطر أمني جديد
أما الدكتور عبد المجيد الحسين أستاذ علم الاجتماع فهو متحفظ ويميل إلى رفض هذه الظاهرة ويقول: إن المتتبع والمتأمل في أحوالنا مؤخراً مع مقارنتها بالماضي يجد أن التغير في المجتمع قد سار بخطى سريعة، وليس هذا مجال حصر تلك التحولات والتي منها ظاهرة التوصيل للمنازل التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ولا تستطيع الجزم بكونها ظاهرة إيجابية أم سلبية؟ فمع إيجابياتها فالبعض يتمنى أن تختفي بسبب الآثار السلبية لها من عدة نواح أهمها الجانب الأمني، فهذه الخدمة فتحت على الناس أبواباً لم نكن في حاجة لفتحها في الأصل لأن بعض العمالة قد تستغل ذلك سلباً في أمور لا تحمد عاقبتها، وأعني بذلك عدم الحرص عند استلام المشتريات، مما قد يتسبب في تسهيل عمليات السطو التي تتعرض لها بعض المنازل.
اعتياد الكسل
ويضيف الدكتور: اللافت انتشار الظاهرة بين شتى الطبقات، بشكل لم يألفه مجتمعنا، وهذه ظاهرة غير صحية في تقديري فهي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتكاسل المستهلك المعروف بحبه النزول للسوق واختيار ما يريده وما يتفق مع ميزانيته، لأننا اعتدنا الكسل الذي بلغ منا مبلغه وأصبح الإنسان منا يتمنى لو أن أحداً يرفع اللقمة إلى فمه. فاعتماد الناس على هذه الخدمة فتح الباب أمام البائع لتصريف البضائع قريبة انتهاء الصلاحية والبضائع الرديئة والسلع ذات الأحجام الكبيرة، فالطلبات التي يتم إيصالها غالباً ما تكون من النوع الرديء, كما أنها تساعد على زيادة الاستهلاك دون أن نشعر، وتفقدنا متعة الشراء واختيار ما نحتاجه بأنفسنا، والشعور بالرضا عن هذا الاختيار.
استطلاع رأي عن عمال الديليفري