القرشي: محاولات لإلغاء حكم الردة ..باسم حرية الفكر
الدول لا تتسامح في مسائل الخيانة والتجسس لصالح دول أخرى، وتعتبر ذلك إضرارًا بالدولة، وكذلك فإن خيانة الدين لا تقل خطورة عن خيانة الوطن.
هناك كلمات أخرى تحمل أحيانًا ذات المدلول مثل: الظلم والفسق والجهل، وهذه فيها أيضًا أكبر وأصغر، كما أن هناك جاهلية كبرى وجاهلية صغرى
كتبت – أمل أحمد
حذر الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي من محاولات إلغاء حكم الردة بدعوى حرية الفكر، وقال في درسه الأسبوعي يوم الأربعاء الماضي بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب إن الحديث في أمور العقيدة يعد على درجة كبيرة من الخطورة، وهو لا يحتمل الخطأ ولا المجاملة، فالتفوه بكلمة قد يعني الحكم على مؤمن بالكفر أو على كافر بالإيمان، والردة أخطر هذه الأبواب لاسيما وأن مظاهرها كثيرة، ولذلك ينبغي أكثر الأمر بكثير من الحرص وتذكر القاعدة التي تكرر ذكرها، وهي أن الأحكام على العموم وليست على التعيين، أي لا تُطبق على شخص بعينه إلا بعد إقامة الحجة والاستتابة.
ورغم أن حكم الردة مقرر في الكتاب والسنة، إلا أن البعض يريد باسم حرية الفكر (أو حرية الكفر) أن يلغي حكم الردة وألا يكون له وجود، ممن العجيب أن يتم التلاعب بالدين باسم حرية الفكر أو الحرية الدينية، بينما الإسلام لا يحتاج إلى دليل على احترامه لحرية التفكير" لا إكراه في الدين" لأن الإيمان في أصله قلبي ولا يمكن أن تكره إنسانًا على أمر قلبي، قد يقع الإنسان تحت إكراه جسدي أو قولي أم القلب فلا، "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان".
ويوضح الدكتور القرشي جانبًا مهمًا، فلو أكرهت إنسانًا على الإسلام وهو لا يرضاه فإنه يكون قد أسلم ظاهرًا عن غير اقتناع قلبي وهذا ليس إسلامًا بل نفاق.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية قومه، قال له ربه: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس 99)، علمًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه إكراه ولكنه حرص شديد:"لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين" (الشعراء 3)، "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون"(فاطر 8)" فقد كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على هداية قومه فطلب منه ربه البلاغ دون إكراه، لأن الله سبحانه قد أرسل الرسل والنبيين وأنزل الكتب فلا مجال للإكراه.
أما من يدخل في الدين طواعية بكامل إرادته ثم يطعن في الدين كمن قالوا "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" (آل عمران 72) فهذه ليست حرية فكر. ولو أنه ارتد في قرارة نفسه ولم يعلن ذلك فما لنا عليه من سبيل، أما أن يتهم الإسلام ويطعن فيه بالجهر بالردة ومهاجمة الإسلام فهذا غير مقبول، فالإسلام مثله مثل مصابيح الهداية فمن أراد السير في ضوء المصابيح فأهلا به، أما أن يحاول إطفاء المشاعل وكسر المصابيح، فهذه حرب وليست حرية فكر.
ونحن نرى الدول لا تتسامح في مسائل الخيانة والتجسس لصالح دول أخرى، وتعتبر ذلك إضرارًا بالدولة، وكذلك فإن خيانة الدين لا تقل خطورة عن خيانة الوطن.
ولذلك كان التهديد الرادع: ففي الحديث "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري وحديث: "عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، قَال: قَال رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وسلَّم: لا يحِلُّ دمُ امْرئٍ مُسْلِم إلَّا بإِحدى ثَلاث: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بالنَّفْس، وَالتَّاركُ لِدينِه الْمُفَارقُ للْجماعة".رواه الْبخاريّ ومُسْلم.
والضرب بيد من حديد لا من حرير، وبغير ذلك سترى الطعن في الدين؛ في كل قواعده وأصوله، وشرائعه وأحكامه، وسيفتح لهؤلاء المجال لبث سمومهم وهذا غير مقبول، كما أنه يؤدي إلى رد فعل معاكس وإفراط وتشدد وقد رأينا عواقب ذلك.
وفي العقيدة الطحاوية وهي عقيدة أهل السنة والجماعة: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين ....ولا تكفر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله،ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم.. ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه" ، والأخيرة هي قاعدة: انكار معلوم من الدين بالضرورة، فإذا كفر بهذا المعلوم وجحد، كأن يأخذ من الإسلام الجانب الروحي ويترك المادي، ويقر بالشعائر ولا يقر بالشرائع، أو قال لا إله إلا الله لكنه ناقضها بقول أو فعل أو اعتقاد، أو شكك في موجود الله أو أنكر وحدانية الله، أو قال بأن محمدًا رسول الله لكنه طعن في وحيه وسنته أو عرضه، أو استهزئ بالسنة، فقد كفر بعد إيمان وارتد بعد إسلام، وإذا كان هناك من يجاهر بالكفر دون استحياء فكيف نستحي نحن أن نقول إن هذا كفر؟
صنوف الردة: ويوضح الدكتور الشيخ القرشي أشكالاً للردة مثل:
- اعتناق الشيوعية أو المادية والوجودية والحلول وإنكار البعث
ففي الشيوعية مثلا أن الدين أفيون الشعوب، فكيف يجتمع أن يكون هناك مسلم شيوعي؟
- اللادينية وهي صورة من صور الإلحاد تطورت لتأخذ شكل قبول الدين في صورة العبادات فحسب، أي أن يكون الدين حبيسًا في بعض الشعائر، ورفض الدين نظامًا كاملا يسير الحياة، وآلت إلى "فصل الدين عن الدولة" وسميت بالعلمانية، وهي لا تمت لا للعلم ولا للعالم بصلة.
- الملل المارقة والفرق الباطنية وغلاة الشيعة كالدروز والإسماعيلية الذين ينكرون ما علم من الدين بالضرورة، ويزعمون أن للقرآن ظاهر وباطن.
- البهائية الذين يؤمنون بألوهية البهاء وبنبيه عباس عبد البهاء
- القاديانية أتباع ميرزا غلام أحمد الذي ادعى أنه نبي وأنه حلت فيه روح الإله وتسمي نفسها "الجماعة الإسلامية الأحمدية" تغريرًا بالجهلاء، وتنشط هذه الأيام في مصر ولها قناة فضائية بالعربية.
- قول الكفر أو فعله أو الرضا به مختارًا ولم ينطبق عليه أحد الأعذار الثمانية (وهي: الخطأ والنسيان والإكراه والجهل والتأويل والجنون أو كان حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية)، حتى وإن كان يبغض ذلك بقلبه فلا يشفع له ذلك:
- فمن قال الكفر كفر وإن لم يعتقده
- ومن فعل دون نطق أو اعتقاد فقد كفر.
- ومن اعتقد دون قول أو فعل "ولكن من شرح للكفر صدرًا"
- ومن لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم
- ومن سمع شخصًا ينطق بالشهادة فقال له كذبت
- ومن قال لمن أنكر الشهادة: صدقت
فهؤلاء قد مرقوا من الدين بالكلية
مصطلحات ومترادفات
وبخلاف النواقض الأربعة السابق شرحها وهي الكفر والشرك والنفاق والردة، هناك كلمات أخرى تحمل أحيانًا ذات المدلول مثل: الظلم والفسق والجهل، وهذه فيها أيضًا أكبر وأصغر، كما أن هناك جاهلية كبرى وجاهلية صغرى
الظلم: وقد استخدم القرآن لفظ الظلم وأراد به الكفر والشرك" يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم"(لقمان13)، وفي الحديث "الظلم ظلمات يوم القيامة" وهذا هو الظلم الأكبر، وهناك ظلم أصغر" ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (الأعراف 23).
" قال رب إني ظلمت نفسي فأغفر لي فغفر له"(القصص 16)
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"(الأنبياء 87)
"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم"
وكذلك الفسق: ولقد أنزلنا آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون و"إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه"(الكهف 50) ومعناه مطلق الخروج عن الطاعة أو الدين
أما الفسق الأصغر فمعناه خروج عن الطاعة دون اطلاق " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"(البقرة 197)
" والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون"(النور 4)
والجهل والجاهلية: ويراد به الكفر أو ما دون الكفر (السفه)
فالجهل جهلان أكبر وأصغر
" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ( الأعراف 138-139 ) وهذا تشبه بالجاهلية وهو مخرج من الملة
ومنه: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"
"يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية الأولى"
"ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"
فأمور الثأر والعصبية وتبرج النساء تعد من الجاهلية الصغرى