القرشي: تنحية الشريعة من أكبر مظاهر الردة
أي زعم بأن حكم البشر أفضل من حكم الله، أو يساويه، أو فيه دراية أفضل بمصالح العباد، مثل هذا القول يتنافى مع حكم التوحيد لما فيه من اتهام كبير، فالاعتراض على الشرع اعتراض على صاحبه
شخص يحج وهو يبغض تلك الفريضة، أو إمرأة تتحجب وهي تبغض الحجاب.. ما حكمهما؟
كتبت – أمل أحمد
بعد تعريف الردة وذكر بعض مظاهرها؛ واصل الأستاذ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي الحديث عن مظاهر أخرى للردة، وذلك في درسه الأسبوعي كل أربعاء بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب.
فمن مظاهر الردة: من يعتقد أن حكم الطاغوت أو حكم البشر أفضل من حكم الله تعالى، أو أن هدي أحد من البشر أفضل من هدي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالله تعالى هو خالق الخلق وهو أدرى بصنعته ، " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك 14) وهو يعلم سبحانه يعلم أن حكمه يصلح الخليقة، فقد خلق الخلق وعلم ما يصلحهم وبنى حكمه على العدل المطلق والعلم المطلق. فكيف يقال إن شريعة الإسلام لا تناسب العصر أو أنها شريعة البدو غير المتحضرين أو شريعة الصحراء، وأن القوانين الوضعية البشرية المستوردة هي التي تليق بالناس وتتكيف مع مصالحهم؟ قد يظهر شخص يدعي أنه يستطيع أن يصلح زمانه أو بلده أو طائفته، لكن من يستطيع أن يضع نظامًا للعالم بأسره، في مختلف أزمانه دون أن يطغى عليه جهله أو تقصيره أو رغباته؟ إن مثل هذه الادعاءات السابقة من مظاهر الردة المنتشرة "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون" (المائدة 50)
إن من أكبر مظاهر الردة تنحية الشريعة واستيراد قوانين وأفكار مليئة بالهوى والظلم والقصور ثم يقال إنها أفضل من شرع الله. في مثل هذا الموقف لا ينبغي أن نجامل أو نحابي، بل ينبغي أن يُعلم جليًا أن أي زعم بأن حكم البشر أفضل من حكم الله، أو يساويه، أو فيه دراية أفضل بمصالح العباد، مثل هذا القول يتنافى مع حكم التوحيد لما فيه من اتهام كبير، فالاعتراض على الشرع اعتراض على صاحبه. "ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون" (المائدة 50)، وفي المقابل ينبغي ألا نبادر بالتكفير، بل نلتمس للناس المعاذير.
من قال: ما الذي يعجبك في الإسلام؟!
ومن مظاهر الردة من قال – مستنكرًا- لمن دخل في الإسلام: ما الذي يعجبك في الإسلام؟! عندها يكون قد دخل في الإسلام شخص وخرج آخر.
ومن مظاهرها: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لو كان ذلك الشخص يؤدي الفريضة التي يبغضها. مثال ذلك : شخص يحج وهو يبغض تلك الفريضة، أو إمرأة تتحجب وهي تبغض الحجاب، وقس على ذلك "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم" (محمد 9) ويستوي في ذلك أن تكون الكراهية نابعة من نفسه أو إملاء هواه، أو تكون تابعة للغير موافقة لهواه." ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم" (محمد 26)، فقد جعلهم الله سواء، ويترتب على ذلك إحباط عملهم "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا" (الفرقان 23)
ومن مظاهر الردة: جحود معلوم من الدين بالضرورة؛ فإنكار شئ من الدين كإنكار الدين بالكلية، وقد قيد العلماء ذلك بأن يكون معلومًا من الدين بالضرورة كأركان الإسلام، أما إن كان أمر فيه خلاف أو اشتباه فلا ينطبق عليه الحكم
وكذلك استحلال الحرام أو تحريم الحلال كاستباحة الزنا أو شرب الخمر أو الربا وسائر الأمور قطعية الثبوت (أي التي وردت في كتاب الله) قطعية الدلالة (بوضوح المعاني والكلمات)، ومن ناحية الحلال والحرام، هناك إجماع لا ينخرق بفتوى شخص واحد، ولكن هذا لايعني التسرع في التكفير، فإن تأول فهو معذور حتى لو اخطأ في التأويل. فمن قال بحل فوائد البنوك لم يقل إن الربا حلال (فهذا القول الأخيركفر بواح)، ولكن إن لم تكن فوائد البنوك هي الربا فما الربا إذًا؟
إن من يتعامل بالربا وهو يعتقد بحرمته يعد مسلمًا، أما من يعتقد أن الربا حلال حتى لو لم يتعامل مع أحد البنوك فهو على خطير عظيم لأن هذا من مظاهر الردة.
ومن مظاهرها: الغضب عند ذكر اسم الله تعالى أو اسم الرسول صلى الله عليه وسلم أو تلاوة القرآن أو ذكر الإسلام أو سماع موعظة، وكراهية ذلك " وإذا تُتلى علَيْهِم آيَاتُنا بَيِّنَات تعرف في وجوه الَّذِين كَفَروا الْمُنكَر يكادون يَسْطُون بالَّذين يَتْلُون عَلَيْهم آيَاتنا قل أَفأُنَبّئكم بشَر من ذلكم النَّار وعدها اللَّه الَّذِين كَفَروا وبئْس الْمصير" (الحج 72)
ومن مظاهر الردة ترديد الشبهات والاعتقاد بقول من يرددها.
السؤال في أمور الدين
أما السؤال عن أمور الدين فلا بأس فيه، وإن جاء السؤال بصيغة الاستنكار فلا نحمله على معنى الاستنكار
فحين نزلت الآية من سورة النور: والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُم ثَمَانِين جَلْدَة ولا تَقْبَلوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وأُولَئك هُمُ الْفَاسِقُون (4) قال سعد بن عبادة وهو من سادة الأنصار: لو أتيت لكاع وقد يفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته و يذهب، و إن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ما تسمعون إلى ما قال سيدكم؟ فقالوا: لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها، فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبرتك، فقال: فإن الله يأبى إلا ذلك، فقال: صدق الله ورسوله.
بعدها أنزل الله تعالى: والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَت اللَّهِ عَلَيْه إِن كَانَ مِن الْكَاذِبِين (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِين (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَان مِنَ الصَّادِقِين (9) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيم (10).