حكم تعلم السحر ومزاولته والرضا به وتصديق الساحر
السحر والجن والحسد أمور موجودة لا ينبغي إنكارها، رغم أننا لا نراها ولكن نسلم بوجودها لأنها وردت في القرآن الكريم ووردت فيها أحاديث صحيحة
كتبت – أمل أحمد
عن السحر والجن وتلبس الجن بالأنس والحسد كان حديث الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب بعد مغرب الأربعاء الماضي، وهو موضوع يمكن أن يثير ردود فعل متباينة عند القراء بسبب كثرة الخوض في هذه المسائل ما بين مؤيد ومعارض، وبسبب بعض المغالاة فيما يقع أو يروى. الشيخ يقدم الرؤية العقيدية في الموضوع وفيها أن تعلم السحر ومزاولته والرضا به وتصديق الساحر من نواقض الإيمان ومظاهر الردة عن الإسلام.
السحر والجن ( ومن جنسه الشياطين) والحسد أمور موجودة لا ينبغي إنكارها، وهي أمور لا نراها ولكن نسلم بوجودها لأنها وردت في القرآن الكريم ووردت فيها أحاديث صحيحة، كما أن تلبس الجن للأنس أمر متواتر في الأخبار والآثار؛ وإن لم تكن الأدلة التي وردت بشأنه صريحة.
وقد ورد في القرآن الكريم دليل على وجوده في قوله تغالى: " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنه فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من احد الا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الاخره من خلاق ولبئس ما شروا به انفسهم لو كانوا يعلمون" (البقرة -102) وفي الآية إشارة إلى أن السحر يقع منه إضرار بالناس كالتفريق بين الزوجين
كما وردت سورة باسم الجن في القرآن:" قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا" ( الجن 1)، كما ورد ذكره في سورة الأحقاف:"وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين" (الأحقاف 29)، وفي سورة الرحمن وردت أكثر من إشارة منها: " يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" (الرحمن 33)
والجن – ومن جنسه السياطبن – أمر معنوي لا نراه:" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين آولياء للذين لا يؤمنون" (الأعراف27)
فهو يرى الإنسان وينال منه وقد أقسم على إغوائه: "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين (ص 82- 83)، " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين" (الأعراف 17)
إن خطورة عدو لا تراه أشد من خطورة عدو تراه وتستطيع أن تأخذ حذرك منه
العين تنظر ولا تحس بما يخرج منها، ولكن يخرج الحسد كسهم من السهام وقد يصيب المحسود إذا لم يكن قد تحصن من الحسد، وربما يقتله وإن لم يقتله فقد يصيبه بمرض أو كرب أو ضيق أو هم
وينبغي التفريق بين ما ذكرنا وبين أمور أخرى لا ينبغي أن تؤتى؛ فوجود السحر لا يخول للمرء أن يأتي ساحرًا، فالساحر كافر، وهو لا يصل إلى ما يريد من مزاولة السحر إلا إذا كفر بالله، ووالى الشياطين وامتثل لما يأمرونه به، وهم لا يأمرونه بخير- كأن يمتهن كتاب الله أو يسجد لغير الله.
وقريب من الساحر الدجال والعراف والمنجم والكاهن الذي قد يخبر بأمور نراها من الغيبيات، وهي إما غيب ماض أو مستقبل: فأما الماضي فلا يعد غيبًا لأنه وقع بالفعل. ولكن كيف اطلع عليه الآخرون وهم لم يروه؟ هنا يتطرق الشيخ إلى قضية أخرى وهي القرين، فكل شخص من الأنس له قرين من الجن، يعيش معه ويعرف أخباره، ومن ثم فهو يخبر قرين الساحر أو الدجال الذي يقوم بدوره بإبلاغ الساحر.
كيف يعلم الجن الغيب؟
أما الغيب الذي لم يقع؛ فإن الشياطين تسترق السمع لتتسمع ما يخبر به ملائكة السماء ملائكة الأرض " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير" ( سبأ 23)، والأمر كله وفق إرادة أرادها الله ولو شاء ربك ما فعلوه، وقد كان استراق السمع ميسورًا قبل البعثة المحمدية، لكن بعد البعثة حيل بينهم وبين الاستماع " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا" (الجن9) ، فيقذف الشياطين بالشهب وربما نقلوا الخبر قبل أن تنالهم الشهب لشياطين آخرين، فيضيفون إلى كلمة الحق مائة كذبة.. فعلمهم ببعض الغيب وارد.
والمؤسف أن من الناس من هو مفتون بأخبار السحرة والدجالين، وهناك أناس يستخدمون السحر في كل شئ
وكيف يجوز لمسلم أن يذهب لكافر وكيف يصدقه وكيف يطمئن له أن يعالجه؟ وأي علاج يأتي به الساحر؟ والعلاج الناجع من السحر دلنا عليه القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرؤا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة " والبطلة: هم السحرة؛ أي لا يستطيعون النيل من قارئها، فمن قرأها بنية أن يدفع الله عنه ما نزل به من سحر فهي دواؤه بإذن الله.
ومن العلاج أيضًا استخراج السحر، وقد ُسحر الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث سحره رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عَن عائشة رضِي اللَّه عنها، سحره شخص يهودي يدعى لبيد بن الأَعصم، " في مُشط وَمُشَاقَة وجُف طَلعة ذَكر.. في بئْر ذَرْوان"
المُشط لتسريح الشعر، و(مشاقة) أو (مشاطة): ما يسقط من الشعر، (وجف طلع نخلة ذَكَر): هو الغشاء الذي يكون على طلع النخل، ويطلق على الذكر والأنثى, ولهذا قيده بالذكر.
وقد شفي بإذن الله برقية جبريل عليه السلام وقراءة المعوذات وهي سور الإخلاص والفلق والناس
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم قراءة أذكار الصباح والمساء، ففيها تحصين للإنسان من السحر والحسد والجن، ولا ينال الجن من الإنسان إلا عند غفلته عن ذكر الله " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين" (الزخرف36)
وأسوأ من الذهاب للساحر لطلب العلاج، الذهاب إليه لطلب القيام بالسحر لإيقاع الأذى بالناس
وفي الحديث: "من أتى عَرّافاً فَسَأَلَه عن شيء، لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِين يومًا" وذلك حتى لو لم يصدقه
تلبس الجن للأنس
التلبس أمر متواتر في الأخبار والآثار؛ صحيح أن الأدلة لم ترد بشأنه صريحة لكن بعضها يضفي المعنى مثل قوله تعالى: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ( البقرة 275)، وقوله تعالى: " ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الأنس وقال أولياؤهم من الأنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم" (الأنعام 128)
وفي رواية المرأة التي كانت تصرع وتتكشف فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدعو لها فتشفى أو أن تصبر وتدخل الجنة، فهل هو صرع من الجن أم من التشنج العصبي، والغلام اذي كان يتخبط فدعا له النبي صلى الله عيه وسلم وقال اخرج عدو الله فإني رسول الله فلم يكن من الصبيان أحسن منه
وقد ذكر ابن تيمية أمر التلبس في مجموع الفتاوى، وابن القيم وابن الجوزي، وقال الأول: تلبس الجن بالأنس أمر متواتر في حياة الناس، وكيف ينكر وهو واقع ملموس ومعالجة أهل العلم لمن يصيبه الجن تفوق الحصر.
وقد ارسل أحد الولاة لأحمد بن حنبل أن جارية أصابها المس فقال أحمد لأحد تلاميذه اذهب إلى الجارية وخذ معك هذا القبقاب وقل له إن أحمد بن حنبل يأمرك أن تخرج وإلا ضربتك، فنطق الجن وقال سنخرج طوعًا لأحمد، فلما مات أحمد بن حنبل عاود الجن تلبس الجارية فلما ذهب تلميذ أحمد وأمره بالخروج قال خرجنا طوعًا لأحمد أما أنتم فلا طاعة لكم علينا.
فالأمر مرتبط بطاعة الراقي واجتهاده في الدعاء، كما هو مرتبط باعتقاد الممسوس وحسن عبادته، وخير وسيلة للعلاج أن يعالج المرء نفسه بالتعوذ ومزيد من التضرع لله تعالى واللجوء إليه، فهذا لا غنى عنه حتى مع وجود الراقي.
وقد يقع التلبس من أكثر من جني، وقد يكون عددهم كبيرًا، وقد يخرج البعض ويبقى البعض ما يستدعي استكمال العلاج.
وقد يظهر الجن في صورة مادية ويأخذ شكل الثعابين، كما في قصة الفتى من الأنصار الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، ثم استأذن في العودة لأهله فوجد ثعبانًا في سريره، فضربه بالرمح فقتله لكن الثعبان تمكن من الفتى في الوقت نفسه وقتله وماتا معًا،
فقال النبي إن بالمدينة إخوانًا لكم من الجن فإذا رأيتموهم فآذنوهم ثلاثًا.. وإلا فاقتلوهم. لأنه إما أن يكون ثعبانًا على الحقيقة، أو شيطان كافر.
حكم من يعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد
وهناك من يدعي أنه يسع المرء الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر عليه السلام (الذي جاء ذكره في سورة الكهف) الخروج عن شريعة موسى عليه السلام، وما يُعرف عند الشيعة وبعض المتصوفة بالحقيقة والشريعة، فيزعمون أنه بعد أن نزل جبريل بالشريعة التي علّمها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، نزل جبريل بالحقيقة فكتمها النبي وخص بها أناسًا من أمته، فخص بها عليًا رضي الله عنه، وأعطاها عليّ للأئمة من بعده. وهو تقوّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له دليل.
وفي البابية والقاديانية والبهائية شئ من هذا القبيل، وكلامهم امتداد لمذهب الشيخية وهم من غلاة الباطنية، الذين يدعون أن للإسلام ظاهرًا وباطنًا وأن الباطن يخالف الظاهر، وأن الباطن يخص البعض دون البعض، وفي ذلك يقول الشاعر: "وإن كنت في علم الشريعة عاصيًا فأنا في علم الحقيقة طائع".. بل إتهم يبررون ارتكاب الكبائر على أنه نوع من الحقيقة، أي أن مرتكب الكبيرة اطلع على اللوح المكتوب فوجد نفسه مرتكبًا للكبيرة فنفذ كلام لله.
ويزعمون أن الخضر صاحب الحقيقة أفضل من موسى صاحب الشريعة ولهم في ذلك تخبطات كثيرة تتعلق بالخضر عليه السلام وأنه لا يزال حيًا وأنه يغشى مجالسهم.. كما نسجوا أسطورة العلم اللدني نسبة إلى قوله تعالى" آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علمًا " رغم أن كلمة لدنا تعني "من عندنا" ولم يقع تكرار اللفظ لأن القرآن يتصف بالبلاغة
والحق أن الخضر نبي صاحب شريعة، وقد كان بعض الأنبياء والمرسلين يتزامنون في وقت واحد، ولكل منهم شريعته " لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا" ولكن شريعته تختلف عن شريعة موسى عليهما السلام. فقد قال موسى إنه أعلم أهل الأرض ولم ينسب العلم لله، فعاتبه الله بأن أمره بالبحث عن عبد من عباد الله هو أعلم منه (وهو نبي ولكن مرتبته أقل من مرتبة موسى النبي الرسول كليم الله وهو من أولي العزم من الرسل)