الشيخ خالد عبد الله: تذكر قبل أن يمضي عهد الذكرى.. وأجعل أملك في الدنيا قصيرًا
كتبت – أمل احمد
في الدرس الأسبوعي لفضيلة الشيخ خالد عبد الله ضمن سلسلة "ترويض النفس" التي تجعل الإنسان يسير علي النهج الصحيح, قام الشيخ كرم حلمي إمام مسجد أحمد عفيفي بالرحاب بتقديم درس السبت الماضي، وتوضيح فضل مجالس العلم بقوله: جاء في كثير من الأحاديث النبوية حَثٌّ على مجالس الذكر، وأنها روضة من رياض الجنة: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: هي مجالس الذكر أو حلق الذكر" (رواه الترمذي وحسنه) .
وأهمية مجالس العلم: قوله تعالى: "يَرفَع اللَّهُ الَّذِين آمَنوا مِنكُم وَالذِينَ أُوتوا الْعِلْم دَرَجَات" (المجادلة)
وعن مجلس العلم وآداب المسجد حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله (يدرسونه) ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
ثم بدأ الشيخ خالد عبد الله حديثه مما قرأه الإمام في صلاة المغرب من أواخر سورة الفجر"وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (23-24)
الإنسان الذي غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع والعطاء، والذي أكل التراث أكلا لمًا، وأحب المال حبًا جمًا، والذي لم يكرم اليتيم ولم يحض على طعام المسكين، والذي طغى وأفسد وتولى؛ يومئذ يتذكر.. يتذكر الحق ويتعظ بما يرى. . ولكن لقد فات الأوان، ومضى عهد الذكرى، فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحدًا، وإن هي إلا الحسرة على فوات الفرصة في دار العمل في الحياة الدنيا.
وحين تتجلى له هذه الحقيقة يقول يا ليتني قدمت شيئًا لحياتي. فالآخرة هي الحياة الحقيقية التي تستحق اسم الحياة، وهي التي تستأهل الاستعداد والتقدمة والادخار لها.. يا ليتني؛ أمنية فيها الحسرة الظاهرة، وهي أقسى ما يملكه الإنسان في الآخرة.
ثم يصور مصيره بعد الحسرة الفاجعة والتمنيات الضائعة: " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد"
وضرب الشيخ مثلا بالتذكرة بعد الامتحان، وأبناؤنا يؤدون امتحان الثانوية العامة هذه الأيام، عندما ينسي الطالب الإجابة ولا يكتبها ثم يعرفها بعد خروجه من اللجنة وتسليم ورقة الاجابة فيتذكرها ويجد أنه كان يعرفها ولكنه نسيها، فالتذكرة هنا في غير محلها، ويندم عليها الانسان أشد الندم.
ولكي لا تصاب بالندم لابد أن تتقي الله في كل خطواتك وتتعظ قبل فوات الأوان، ويضرب الشيخى مثلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل أشعث (جعد شعر الرأس لعدم تمشيطه ) أغبر (غيّر الغبارُ لون شعره لطول سفره في الطاعات كالحج) ومأكله حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عنه قال: قاَل رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طَيب لا يَقبَل إلا طَيِّبًا، وإنَّ الله أَمَرَ المُؤمِنينَ بِمَا أَمَرَ به المُرْسَلين فقال تعالى: "يا أَيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيَّباتِ واعمَلُوا صالحاً" (المؤمنون: 51) وقال تعالى: "يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ" (البقرة: 172) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعثَ أَغْبَرَ يَمُد يَدَيْه إلى السماءِ يا رَب يا رَب، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْربُهُ حَرَامٌ، وغُذِّيَ بالحَرَامِ فأني يستجاب له ( رواه مسلم)
كيف يكون العمل مقبولاً طيباً: إن من أعظم ما يجعل عمل المؤمن طيبًا مقبولاً طِيْبُ مَطعمه وحِلّه، وفي الحديث دليل على أن العمل لا يُقبل إلا بأكل الحلال، وأن الحرام يُفسد العمل ويمنع قَبوله. يقول أحدهم للسلف الصالح أوصني فأوصاه بخواتيم سورة النحل
(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل 128)
الشيطان لا يترك الانسان حتي في نومه
ولا يأمن الانسان مكر الشيطان حتي عند سكرات الموت، فعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه فجعل يعرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده هكذا: لا بعد لا بعد، ففعل هذا مرة وثانية، فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبة أي شيء هذا قد لهجت به في هذا الوقت تعرق حتى نقول قد قضيت، ثم تعود فتقول لا بعد لا بعد؟. فقال لي: يا بني ما تدري ما قلت؟ قلت: لا، فقال: إبليس لعنه الله قائم حدائي عاض على أنامله يقول لي: يا أحمد فُتَنّي فأقول: لا بعد، لا بعد حتى أموت.
قصر الأمل
وبهذا الحكاية يختتم الشيخ حديث الموت ليبدأ حديثه عن قصر الأمل، يقول الإمام ابن القيم : "فأما قصر الأمل: فهو العلم بقرب الرحيل، وسرعة انقضاء مدة الحياة، وهو من أنفع الأمور للقلب. وهناك أمل محمود وأمل مذموم فعندما أتمني أن أؤدي العمرة مثلا أو الحج فهذا أمل محمود، أما أن تأمل أن تفعل شيئا دنيويا بعد مدة أو سنوات وتجهز له فأنت لا تدري ستحيا أم تموت. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنّما أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأمّا طول الأمل فإنّه ينسي الآخرة "
وقد كان السلف يتعوذون من موت الفجاءة، إلا أن طول الأمل قد عمَّ، وفارق كبير بين من باغتته مصيبة وهو متحسب لها، مترقب عواقبها، وبين من باغتته المصيبة وهو لاهٍ ، فكيف إذا كانت تلك المصيبة هي أعظم المصائب وعواقبها أخطر العواقب، إنها مصيبة الموت، وعاقبتها النار لكل من غفل عنها واستهان بها ولم يتجهَّز لها.
" الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (الحجر)
والمرضى يتفاوتون في قصر الأمل وطوله، فأطولهم أملا المشركون الذين قال الله فيهم: " يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة" (البقرة 96)، وأقصر منهم أملا من يأمل البقاء إلى آخر المشيب وهو أقصى عمر شاهده في حياته ورأى أهله، ومنهم من يأمل البقاء إلى سنة مقبلة، ومنهم من قصر أمله إلى أن يصل إلى يوم واحد.
كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
فقد وردَ عَنْ عَبْدِ الله بن عمر أنه قال: "أَخَذَ رَسولُ اللهِ بِمَنْكِبَي فقال: "كُنْ في الدُّنْيا كَأَنكَ غَريبٌ أو عابِرَ سبيل"، وكان يقول: "إذا أمْسَيْت فلا تَنْتَظر الصباح وإذا أَصبحت فلا تنتَظر المساء وخُذ من صحتِك لِمرضك ومن حياتِك لموتِك "، وهي عصارة فهمه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
والتشابه بين حال الإنسان في الدنيا وحال الغريب أو عابر السبيل واضح بيِّن وهو أن كلاهما على سفر، فإن " الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حطٌّ عن رحالهم إلا في الجنة أو النار.. وليس من أمله مقصور على شهر كمن أمله شهر ويوم؛ بل بينهما تفاوت في الدرجة عند الله، فإن الله لا يظلم مثقال ذرة، ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره.
لذا أوصانا الشيخ بعد روايته لهذا الحديث أن نختار مرتبة من أعلى مراتب قصر الأمل وأشرفها؛ بحيث لا نغفل عن الموت ليلا أو نهارًا، فإن حدث وعشنا إلى المساء شكرنا الله على توفيقه لنا في طاعته نهارًا، وإن حدث وعشنا إلى الصباح شكرناه على مثل ذلك من الليل، وذلك كل يوم. وكما يقول الإمام قبل الصلاة صلوا صلاة مودع.
وقد كان رجل يوصي إمرأته كل يوم بما يوصي به المحتضر، وعندما سأل سائل علي الباب عن رب البيت متى يرجع أجابت المرأة: "من كانت نفسه بيد غيره لا يعلم متي يرجع