د. نبيل فاروق صاحب "رجل المستحيل" يروي رحلته مع الخيال.. ونظرته للمجتمع
كتبت نسمة جاد في السابعة من مساء الثلاثاء 22 يونيو الجاري استضاف المركز الثقافى بمدينة الرحاب بالتنسيق مع مكتبات "أ" د.نبيل فاروق الروائي وكاتب قصص الأطفال المعروف في لقاء مفتوح تحدث فيه عن نفسه ومؤلفاته وبعض من قضايا المجتمع.
بدأ فاروق حديثه عن نفسه قائلا: ولدت بمدينة طنطا في 9 فبراير عام 1956 وبدأت اهتم بالقراءة منذ طفولتي، وشجعني والدي على ذلك, بدأت الكتابة بالتحديد منذ أن كنت في المرحلة الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية التحقت بجماعة الصحافة والتصوير والتمثيل المسرحي في مدرستى، وبعد حصولي على الثانوية العامة التحقت بكلية الطب في طنطا، وأثناء دراستى تعرفت على زوجتي الدكتورة ميرفت راغب، وقد قلت لها فى بداية ارتباطنا أنني لن أعمل بالطب وسأعمل بالتأليف. لم أكن أعلم لماذا صرحت بهذه الكلمات وكأنه خاطر جاءنى في هذه اللحظة. حصلت على درجة البكالوريوس في الطب والجراحة عام 1980, وقبل تخرجي بعام واحد أي في عام 1979 وعن عمر 23 عامًا كنت قد حصلت على جائزة من قصر ثقافة طنطا عن قصة "النبوءة".
(أشعة الموت)
ويكمل د. نبيل فاروق حديثه: انتقلت إلى محافظة (قنا) في دورة تدريبية لمدة شهرين، وبعد نجاحي فيها بدأت عملي كطبيب في بلدة (أبو دياب شرق) وكانت القراءة تسليتي الوحيدة في هذه الفترة؛ فكنت في كل اجازة أشتري عددًا كبيرًا من الكتب، وفي عام 1984وأثناء عودتي إلى عملي بقنا اشتريت مجلة عالم الكتب لقراءتها بالقطار وهو العدد الوحيد الذى اشتريته، ولم يكن بها أي مضمون يستحق سوى إعلان في الصفحة الأخيرة عن مسابقة تطلب فيه المؤسسة العربية الحديثة كاتبي قصص للخيال العلمي، فأرسلت لهم رواية (أشعة الموت) وفزت من بين أكثر من 160 متسابقاً، فنشرت في العام التالي كأول رواية في سلسلة "ملف المستقبل" الشهيرة ولم يتجاوز عمرى الثلاثين عاماً ثم بدأت بعد ذلك بكتابة رجل المستحيل (أدهم صبرى).
ويعتبر فاروق أنه أطول كاتب في التاريخ كتب عن شخصية واحدة؛ فكل سلسلة قصصية يكون لها نهاية، وأنا عشت مع أدهم صبري 25 سنة، وسيتم تحويل القصة إلى فيلم سينمائي، فلا أظن أن كاتبًا عاش مع شخصيته كل هذه المدة، والشخصيات التي تعيش أكثر من ذلك مثل سوبرمان أو ميكى ماوس يقوم بكتباتها مجموعة من الكتاب. شرلوك هولمز استمر بالكتابة 12 عاما، وإيان فليمنج مؤلف شخصية جيمس بوند لم يستمر كثيرًا لوفاته وكان فاشلاً في التعليم حاولت أمه إدخاله الكلية العسكرية لكنه فشل ثم عمل بالمخابرات البحرية كسكرتير ومع أول عملية بدأ يقترح أفكارًا غريبة، بعدها أصبح العقل المدبر للمخابرات، وله سبع أعمال فقط ولكنه كاتب عظيم.
وقال فاروق: أعشق كل القصص المبنية على الخيال ولكني عند كتابتي حرصت على تقديم الشخصية الخيالية ذات العادات والتقاليد المصرية، وقد حصلت على أربع جوائز رسمية والعديد من الجوائز التشريفية من الندوات والمهرجانات لكني لا أهتم بالجوائز،كما لا أحب التعامل مع الآخرين بالرسميات ولو ذهبت إلى مكان يتعاملون فيها بشكل رسمي أهرب فورا .
ختم النسر
وأتذكر فى بداية حياتي أني ذهبت إلى ناشر لطبع إحدى رواياتي فقال لي "ابقى قابلني لو الرواية دي نجحت" ورفض حتى المناقشة، والآن أراه يتعامل معي وكأني رئيس وزراء، وذهبت أيضا إلى مجلة لنشر إحدى القصص وأكدت لي مديرة التحرير أني سأشكرها في يوم من الأيام بسبب عدم نشرها ولكن بعد حصولي على جائزة الدولة التشجيعية اتصلت بى وطلبت مني نشر قصصي فقمت بإرسال نفس القصة دون إجراء أي تعديل عليها فاتصلت بي وشكرتني رغم أنها نفس القصة التي عرضت عليها من قبل! فنظرة الناس اختلفت لمجرد حصولي على جائزة عليها ختم النسر.
نظام التعليم
وعن التعليم فى مصر يقول د.كتورنبيل: لم أكن الأول أثناء دراستى فأعلى درجة وصلت لها هي الثالث، وكنت دائم الغياب بالكلية، وأثناء عملي بالتدريس الجامعي لم أكن أنهر الطلاب المتأخرين أو الغائبين، فأي طالب يستطيع الدخول بعدي دون مشكلة بعكس ما كنت أعامل به من قبل أساتذتي أثناء دراستي. أما بالنسبة لنظام التعليم فينحصر عندنا على مكتب التنسيق ورغبة الآباء في اخيار الكلية التي تصنع مستقبلا جيدًا لأبنائهم من وجهة نظرهم. لم أكن ديكتاتورًا في حياة أولادي، فلهم مطلق الحرية لإختيار ما سيتعلمونه، نجلي شريف درس هندسة الكمبيوتر لمدة عام ونصف لكنه قرر الانتقال إلى علوم الكمبيوتر فانتظرني حتى عودتي من عملي وكان مضطربًا وتصور أنه سيدخل معي في مناقشة طويلة ولكني قلت له افعل ما تشاء، فتخيل أني لم استمع إلى كلامه جيدًا فكرره وسألني عن الفترة التي قضاها فى دراسة الهندسة فقلت له بعد مرور عشر سنوات ستذكر العام ونصف العام كخمس دقائق، وهو الآن يقوم بتحضير ماجستير فى أمريكا ولو كنت فرضت عليه مجالاً معينًا كان سيفشل به ولكنه درس ما يحلو له وابتكر فيه، يجب تربية الأبناء على الإحساس بالمسئولية تجاه اختياراتهم؛ فالإنسان الحر كالسيف، والسيف إذا كسرته سيصبح مقبضًا ونصلا بلا معنى، لم يكن دوري في الحياة كسر أولادي ونهرهم فليس من الضروري أن يستمع الأبناء إلى كلام الآباء إنما الأهم أن يقتنعوا به، فخوف الأبناء من الآباء يجعلهم يفعلون ما يريدون خارج المنزل وهى العلاقة الفاشلة بين الآباء والأبناء الموجودة داخل كثير من الأسر المصرية .
اللغة العربية
وحذر د. نبيل فاروق من انحدار مستوى اللغة العربية قائلا: أنا لم أتعلم أصول الكتابة إلا لدراستي باللغة العربية وقراءتي المتعددة، أما الآن فقد مزج الشباب اللغة العربية بالإنجليزية، ولو استمر هذا الحال فبعد 20 سنة مش هنعرف نتكلم ولا نقرأ القرآن، فنحن الآن نحتاج إلى تفسيرٍ لعدم معرفتنا بمعاني كثير من الكلمات رغم أنها لغة عربية، وقد كان الإنجليز يومًا يتكلمون بالعربية كنوع من التفاخر لكننا الآن نقوم بالعكس كنوع من الوجاهة الإجتماعية كما يقوم الشباب بكتابة العربي بالحروف الإنجليزية ويعني ذلك أننا سنفقد الكتابة باللغة العربية إذا استمر الوضع أكثر من ذلك.
مصر أصبحت عزبة
وتطرق د.نبيل فاروق في حديثه إلى المقارنة بين الأوضاع السياسية التى مرت بها مصر فيقول: فقدت مصر كيانها كدولة وأصبحت عزبة وقرر الضباط الأحرار الاستيلاء عليها لخدمة مصالحهم وتعاملوا من منطق ملاك العزبة وليس نظارها .
فعلى سبيل المثال كانت "كوبونات" ماركة سيارة غير متوفرة بالسوق المصري موجودة مع فنانة لها علاقة بأحد رجال الثورة توزعها كيفما تشاء، كما أن معظم الشقق التي يعيش بها الضباط القدامى هي من التأميم، واستخدم الفن أيضا لتملق الثورة فقد ألقى يوسف بك وهبي خطبة على خشبة المسرح لإلغاء حرف الفاء من اللغة العربية على اعتبار أنه حرف العائلة المالكة ( فاروق، فريدة، فؤاد، فريال) وفيلم "الحموات الفاتنات" فيلم كوميدي لكن فى نهايته غنى أبطال الفيلم أغنية عن "الإنضباط والجد والعمل" لقيام الثورة في ذلك الوقت، بينما جسد فيلم "الزوجة الثانية" هذه الفترة بشكل مجازي في مقولة " شيخ البلد بتاعنا والمأذون بتاعنا "والعروسة هي مصر التي وقعت بين أيديهم ليفعلوا بها ما يحلو لهم .
وقال د. نبيل بالرغم من كل مساوئ الملك فاروق لكنه كان ديمقراطيًا، فكان يركب سيارته بمفرده ويسير في الشارع وسط الناس وهناك واقعة حدثت مان فقد كان رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا يقف على رصيف محطة سكة حديد مصر وسط الناس كأي مواطن، منتظرًا القطار ولكنه تأخر فأذن للصلاة فدخل فصلى مع المصلين وخرج، فسأله شاب عن هويته ليتأكد من شخصيته ثم صفعه على وجهه فأمسكه النحاس وذهب به إلى قسم شرطة قصر النيل لتحرير محضر ثم عاد إلى المحطة بعد أن فاته القطار، لكنه شعر بالذنب تجاه الشاب فقرر العودة إلى القسم والتنازل عن المحضر حتى لا يكون سببًا فى ضياع مستقبل الشاب، وعندما دخل القسم كان الشاب قد غادر إلى منزله منتظرًا الدعوى القضائية التي ستقام ضده كأي مواطن عادي اعتدى على مواطن آخر وهذه هي الديمقراطية المبنية على التكافؤ. وبقياس هذه المواقف على واقعنا اليوم نستطيع معرفة الفرق، فإذا قرر وزير السفر بالقطار سنجد 100,000عسكري وضابط لحراسته ولو حاول شخص أن يلقى السلام عليه سيمنعوه بالقوة .
وقال د. نبيل: السلطة لها شهوة حتى في أمريكا، وعلى سبيل المثال قام محافظ نيويورك بجمع توقيعات من مجلس الشيوخ لمد فترة ولايته مدة ثالثة، فإذا لم يكن هناك قانون يلزم تغيير الولاية بعد فترتين استمر الحاكم دون تغيير, فالنظام الديكتاتوري هو الذي يضع الرؤساء مكان "بابا وماما "ويملكون كل السلطات ولا يشعر المرؤسين بالظلم، فعلى سبيل المثال كنت أعمل بقرية كانت المرأة فيها لا تظهر منها إلا عين واحدة للرؤية، وكانت سعيدة وراضية إلى أن دخل التليفزيون البلد وبدأت ترى الفنانات بالمايوهات فأصبحت تتمرد على وضعها، وأعتقد أن مصر في هذه المرحلة الآن؛ اضرابات في كل مكان، وبدأ الأمن يفقد السيطرة مما أدى إلى ظهور العنف الذي قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة كقيام ثورة شعبية.
"خالد سعيد"
وتطرق د.نبيل في حديثه إلى قضية "خالد سعيد" شاب الإسكندرية الذي أطلق عليه شهيد الشرطة، والعديد من المفارقات التي صدرت فى بيان وزارة الداخلية، ومطالبة أمريكا التحقيق لمجرد أن إخوته يحملون الجنسية الأمريكية، فهذه الواقعة ورطت الجهاز الأمني فالصورة التي ظهر بها "خالد" بها آثار تعذيب مبرح، وتبرير الداخلية بأن تشوهات الجثة ناتجة عن فحص الطبيب الشرعي كلام غير منطقي فـ"الفحص لا يت بشاكوش". فبأى حق يتسبب الأمن فى قتل شاب بدعوى أنه مجرم ولو اعترف مسئول حكيم بالخطأ، بدلاً من حماية اثنين من المخبرين وضابط هم فى النهاية مجرد أشخاص معرضين للصواب والخطأ، لتجنب حالة السخط التي أصابت الرأي العام وظهور جماعة أطلقت على نفسها اسم "جماعة خالد سعيد" لمعاقبة العنف الأمنى ليصبح "خالد سعيد" القشة التى قصمت ظهر البعير .
"شوية ديمقراطية"
وأكمل د.نبيل حديثه قائلا: مع ذلك يجب الإعتراف أن لدينا "شوية ديمقراطية" بدليل النقد الذى يوجه إلى النظام والسلطة، فمن قبل كان يجب أخذ موافقة على النشر لطرح الكتاب بالسوق وأتذكر أني كتبت رواية بها كلمة "اسرائيل" فرفض الموظف المسئول الحاصل على دبلوم تجارة التصريح لي بنشر الكتاب، ورواية أخرى كتبتها عن الموساد ولم يعرف المسئول بالتصريح عن النشر معناها فوافق عليها، الآن تم إلغاء هذه التصاريح، فالتطور يحدث خطوة تلو الأخرى ولعدم مقارنتنا بالماضي لا نشعر بالفرق, وأتصور أن الكوارث هي التي تصنع الشعوب، فمنذ هزيمة 67 إلى انتصار 73 كانت هناك قيمة للمجهود المبذول، وإسرائيل في ذلك الوقت كانت دولة صغيرة ولكن الفارق الآن بيننا وبينها كبير فهى أصبحت دولة من دول العالم الأول ونحن مجرد مستهلكين ومتلقين.
طالع أيضا
د.نبيل فاروق "رجل المستحيل": أنا زهقت! |