مخالفات السوق التجاري.. على عينك ياتاجر!
• السكان: المخالفات بالسوق مزعجة جدًا.. تؤدي إلى تكدسه وازدحامه.. تعوق الحركة المرورية .. ظاهرة غير حضارية
• بعض أصحاب المحلات: "احنا عارفين أننا مخالفين وأن ده غلط ويعمل زحام ويعوق الحركة، لكن هنعمل إيه أكل العيش مر"!
• د. عبد الستار فتح الله الأستاذ بالأزهر: من يقوم بالتعدي على الطريق المخصص للمارة ظالم لعموم الناس ولا تقبل توبته إلا برد المظالم
كتبت نسمة جاد
مخالفة القانون، والتعدي على حرم الطريق ظاهرة غير حضارية تعاني منها معظم أحياء مصر؛ فلا تكاد تسير في شارع أو ميدان إلا وتجد كثيرًا من الباعة الجائلين وأصحاب المحلات قد فرشوا بضاعتهم على الأرصفة وسدوا الطرق دون مراعاة لحقوق المارة من المشاة في السير على الرصيف ولا حق أصحاب السيارات في أن يجدوا مكانًا لانتظار سياراتهم. وللأسف الشديد قد انتقلت عدوى هذه الظاهرة إلى منطقة السوق بمدينة الرحاب حيث استولى بعض أصحاب المحلات على الرصيف المواجه لمحالهم التي يؤجرونها أو يمتلكونها بالسوق، فتجد أحدهم مفترشًا بضاعته أمام المحل، وبعضهم نزل إلى الشارع أيضًا واحتجز مساحة منه ووضع "كردون" من الخشب خاصةً أصحاب المقاهي لرص كراسيهم فى الشارع وعلى الرصيف وهو ما يسبب ازعاجًا وضيقًا للمارة من السكان.
السوق ضيق
تجولنا في السوق والتقينا بعض السكان ممن ذهبوا للتسوق ومنهم مدام "هند عبد الرازق" مدرسة ألماني التي قالت إن مساحة السوق صغيرة جدًا مقارنة بعدد السكان القاطنين في الرحاب والذين يزدادون يومًا بعد يومٍ، ورغم ذلك فمساحة السوق كما هي وبالتالي يزيد الازدحام كنتيجة منطقية لزيادة السكان ولابد أن نتوقع زيادة حجم المخالفات فى السوق.
أما بالنسبه لافتراش الباعة الأرصفة فهي عقلية المصريين التي لن تتغير بسهولة فتجد الفكهاني، والخضري، وبائع المفروشات، ولعب الأطفال، والأثاث المكتبي وبائع السجاجيد يضع بضائعه أمام المحل كنوع من أنواع الدعاية وصراحة أنا لا ألوم على جهاز المدينة لأنه "هيعمل إيه ولا إيه".
وترى "شيماء حمدى" -طبيبة- أن حجم المخالفات القائمة بالسوق مزعجة جدًا بالفعل، وتؤدي إلى تكدسه وازدحامه مما يعوق الحركة المرورية، بسبب سير المارة فى الشارع بدلا من الرصيف الذى يفترشه أصحاب المحلات ببضائعهم، وإن كان أمن المدينة قد بدأ مؤخرًا في منع أصحاب المحلات من افتراش الرصيف لكن هذا المنع غالبًا ما يكون وقتيًا وسرعان ما تعود "ريمه" إلى عادتها القديمة.
ويؤكد طاهر عبد المنعم –مهندس- أن هذه ظاهرة غير حضارية على الإطلاق لأنها تؤثر على الشكل الجمالي للمدينة وتخلق مشكلات مرورية لأن البضائع المفروشة أمام المحلات تشغل المارين بسياراتهم في الشارع، فينظرون إلى تلك البضائع الموجودة على الرصيف ليتخذوا قرار الشراء من داخل سياراتهم المكيفة بدلاً من السير فى شوارع السوق في حر الشمس، مما يعرقل المرور في الشارع ويشل حركته رغم أنني أعتقد أن هذه الظاهرة ليس لها دور فاعل في الشراء، مشيرًا إلى تخاذل جهاز المدينة في القيام يدوره في مواجهة هؤلاء المخالفين.
ويرى محمد جمال –محاسب- أنه مع التطور الحضاري وانتشار المراكز التجارية والكافيهات داخل المدينة اضطر أصحاب المقاهي بالسوق إلى افتراش أرصفة السوق بالكراسي والطاولات بشكل جمالى مناسب لجذب زبون الكافيهات داخل المدينة وبأسعار أقل.
"هنعمل إيه.. أكل العيش مر"
حاولت مراسلة "رحابى. نت" الاستفسار من أصحاب المحلات والمقاهى ومعرفة دوافعهم وراء الخروج والتعدي على حرم الطريق والشارع لكنهم رفضوا المناقشة قائلين "احنا عارفين أننا مخالفين وأن ده غلط وبيعمل زحام ويعوق الحركة، لكن هنعمل إيه ياآنسة أكل العيش مر".
فحاولنا التحدث إلى بعض العمال بالمقاهي والمحلات فقال عامل بمحل لتصليح المكيفات "رفض ذكر اسمه": أنا أعمل منذ شهر ونصف، وأستنكر تصرفات أصحاب المحلات الذين يقومون بافتراش الرصيف ببضائعهم، فهم فى غنى عن مثل هذه التصرفات كونهم ملاك للمحلات وهي في نظري تصرفات غير حضارية بمدينة ذات طابع مختلف عن غيرها من العشوائيات.
ويقول محمد شكرى - عامل بأحد مقاهي المدينة: إننا نعاني من حالة ركود، فمدينة الرحاب ليست سياحية، فكثرة المقاهي وارتفاع فاتورة الكهرباء والمياه والضرائب وزيادة أسعار المواد الاستهلاكية قد يؤدي إلى إغلاق بعض المقاهي، فكل مقهى يشغل على الأقل ثلاثة عمال مهددين بالتسريح في أي وقت، وهو ما يفرض على صاحب المقهى المنافسة بكافة الأشكال لجذب أكبر عدد من الزبائن، وهو ما يجعله يلجأ إلى استغلال الرصيف المقابل للمقهى.
ويؤكد عبد الرازق محمد - عامل بأحد المطاعم بالسوق أنه نظرًا لضيق المكان يستحيل استيعاب الزبائن داخل المطعم مما يضطر صاحب المطعم إلى افتراش الرصيف فقط، وهو لايؤذى أحدًا ولا يقوم بافتراش الشارع!!.
إيمان علي- تعمل بسوبر ماركت داخل السوق لا ترى في استغلال الرصيف عيبًا أو ضررًا، فسكان المدينة يأتون إلى السوق بسياراتهم قاصدين أماكن الشراء مباشرة والتنقل بالسيارة داخل السوق غير مستخدمين الرصيف وبالتالى نستغله فى وضع صناديق المياه المعدنية لأنها تأخذ حيزًا كبيرًا من مساحة المحل لكبر حجمها.
رفض واستنكار ومقاطعة
وتعلق الدكتورة هالة منصور- أستاذ علم الإجتماع بكلية الآداب جامعة بنها على هذا الوضع بقولها: ينقسم رأيي في هذا الموضوع إلى جزئين: السلوك والنظام، فالنظام له ضوابط لتحمى حق الشارع والمفترض أن يحافظ عليها أفراد معنيون بالشارع كالمحليات والشرطة، لكن إذا استبحنا حق الشارع وقام كل شخص باستغلال الرصيف أو الشارع وتحايل على ذلك بأي شكل من الأشكال سواء بالرشوة أو البلطجة، فإنني أبحث عن السلوك وأقوم بتقييمه لمعرفة مدى سلبية الناس وموافقتهم على الوضع عن طريق شراء بضائعهم من المحلات المخالفة أو الجلوس فى المقاهي الموجودة بالشارع، وبالتالى فمثل هذه التصرفات تشجعهم على الاستمرار في انتهاك حق الشارع أو الرصيف، ويصبح هذا بالنسبة لهم سلوكًا طبيعيًا، بل حقًا مكتسبًا لا ضرر منه، لأننا لم نقابله بالرفض والاستنكار والمقاطعة إذا اقتضى الأمر.
وتضيف الدكتورة هالة: شيئا فشيئا يتحول الموضوع إلى ثقافة؛ لا بمعنى التعود، إنما السماح لأنفسنا بأي شىء يخضع لتحقيق مصالح شخصية، فالشخص(البائع أو صاحب المقهى) بدأ يشعر بحقه وأنه لا يحتل حرية الآخرين ورغباتهم، لذلك لابد من أن أحمى حقي كمواطن بالالتزام بالضوابط التي تحافظ على حقي فى الطريق العام وعدم السماح للمخالفات التى تضرني وتسبب لى المتاعب.
ظلم لعموم الناس
ويقول الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد الأستاذ بجامعة الأزهر إن الطريق ملك لكل الناس، وللجميع حق الإنتفاع به، وقد حذر الإسلام من كل ما يلحق الأذى بالمارة، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والجلوسَ على الطرقات).
فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها.
فقال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقها).
قالوا: وما حق الطريق؟
قال صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر) "البخاري".
ويعد استغلال الطريق المخصص للمارة أذىً، وفى نفس الوقت حرام؟ أذىً لو لم يضر أحدًا، أما إذا تعرض شخص من المارة أو حتى دابة لوقوع حادث فيعد عندئذ حرامًا.
ويقول: لقد حث الإسلام على إزالة الأذى عن الطريق وجعله من الطاعات التي تقرب إلى الله عز وجل والتي تدخل صاحبها الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)
ويختم الدكتور فتح الله كلامه بالقول إن من يقوم بالتعدي على الطريق المخصص للمارة ظالم لعموم الناس وليس للمسلمين فقط ولا تقبل توبته إلا برد المظالم وذلك سيصعب عليه لعدم قدرته على الإلمام بحجم الأذى الذى تسبب به للناس وليس أمامه إلا الاستغفار لله عز وجل.