العمل الجماعي
سر نجاح الدول والمؤسسات الكبرى
• من الخطأ الاعتقاد بأن أيا من العظماء الذين عرفتهم البشرية قد أنجز ما أنجزه بمفرده. بل من المرجح أنه قد اعتمد على فريق عمل من ورائه. فهناك مثل صيني شائع يقول: "وراء كل رجل عظيم فريق عظيم"
• أصبح الفرد في عالمنا المعاصر الممتلئ بالتعقيدات كائنًا متواضعًا للغاية، بحيث يستحيل عليه تحقيق أي عمل عظيم منفردًا، بل لابد له من الاعتماد على فريق عمل يسانده
• الهدف الذي لا يتفق عليه أكثر من فردين لا يستحق التحقيق والهدف الذي يتفق عليه أكثر من عشرة أفراد أولى بالتحقيق من هدف يتفق عليه تسعة.
• على الفرد ألا يقدم على القيام بأي محاولات ذات طابع خطير بشكل منفرد، بل يتوجب عليه أولا تكوين فريق أو جماعة لهذا الغرض.
سواء كنا من المهتمين بالرياضة أم غير مهتمين، لا ننكر أن الفريق القومي المصري الحالي يعتبر ظاهرة، شدت الأنظار كنموذج لنجاح عمل جماعي ربما كان وحيدًا في مصر، وسط الإخفاقات والإحباطات التي تجثم على صدر المصريين. نحن لا نسأل هنا: لماذا التف الشعب حول هذا النجاح ولكن كيف استطاع المنتخب بكل أفراده من لاعبين أو جهاز فني تحقيق ذلك النجاح اللافت؟ أحد عناصر الإجابة هي: روح الفريق .
وللأسف فقد مرت عقود على مصر لا تتحقق فيها إلا النجاحات الفردية في معظم المجالات العملية والعلمية والرياضية بعد أن كانت تحتضن حضارة من أنجح الحضارات القديمة.
هذا ما تطرق إليه جون سي ماكسويل في كتابه ( THE 17 INDISPUTABLE LAWS OF TEAMWORK ) (17 قانونًا لا تقبل الجدل حول العمل الجماعي) بقوله: " أُجريت الكثير من البحوث والدراسات حول موضوع محددات النجاح والفشل في عمل الجماعات والفرق. فوجدت أن الأمر يمتد ويتشعب ليغوص في مجالات العلوم الإنسانية. وكان السؤال هو: ما الذي يجعل فريقًا قادرًا على الإنجاز بينما يعجز فريق آخر؟
فكثيرا ما نجد فرق عمل تعمل بنشاط إلا أنها تفشل في النهاية، بينما قد تنجح بعض الفرق التي لم تبذل كل ما لديها من جهد وموارد. فهل تتدخل المصادفة في النجاح والفشل؟ أم هل هناك فرق عمل وجماعات مصيرها النجاح مهما أخطأت، وفرق عمل وجماعات أخرى مصيرها الفشل مهما أتقنت؟!
ويضيف "وتلح عليّ هذه الأسئلة عندما أزور المعالم الأثرية في مصر والعراق واليونان وإيطاليا. فهناك يعتريني شعور كبير بالتقدير لهذه الحضارات القديمة التي بعثت في الشرق والغرب روح النهضة، وأخرجتهما من عصور الظلام والجهل إلى عصر الأنوار والعلم. ولكني عندما أرتد إلى الواقع يصدمني سؤال صارخ، يبدد شعوري السابق بالتقدير، وهو:
كيف أمست مصر والعراق وإيطاليا و اليونان (من) أقل الدول تقدمًا في الحاضر؟
ففي الوقت الذي كانوا فيه يحققون إنجازًا حضاريًا خارقًا لم تكن الولايات المتحدة أو اليابان أو أوروبا أو الصين شيئا يذكر. فما الذي حدث؟ هل كان النجاح الذي حققوه شيئا عارضا لم يستمر؟ أم أن النجاح الحالي للدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين مجرد حادث عارض سيثبت الزمن عدم جدواه؟ وكيف يمكننا التفرقة بين النجاح العارض وذاك الذي يؤدي إلى مزيد من النجاح؟
وشهد شاهد من أهلها
هل بإمكاننا أن نخرج من هذا التفكير بأن هناك أسبابًا عامة مشتركة تجمع بين حالات النجاح، وأخرى مشتركة تجمع بين حالات الفشل؟ هل يمكننا أن نقول إن لكل فريق ولكل منطقة في العالم أسبابًا خاصة بها تجعلها في لحظة معينة من لحظات التاريخ تتفوق على غيرها من الفرق والجماعات والدول، ثم يحدث استنفاذ لهذه الأسباب، فيبدأ وضع هذه المنطقة في الانحدار و الفشل والتخلف، بينما يتقدم غيرها عليها؟
نعتقد أن هذا هو الحال. فمن المرجح أن تتغير الأحوال عما هي عليه حاليًا وتنقلب موازين القوى، وهنا قد تقفز الدول التي نعتقد الآن أنها ستبقى كما هي متخلفة إلى المقدمة وتستعيد قوتها ونفوذها وتصبح أقوى من الدول التي نظن أنها ستبقى قوية.
قوانين نجاح العمل الجماعي
ثم يبدأ ماكسويل في عرض قوانين نجاح العمل الجماعي، نعرض لكم بعضا منها:
أولا : قانون اضمحلال أسطورة الفرد
من أعظم الأفراد إنجازا، من وجهة نظرك؟
هل تعتقد أنهم من الرياضيين أمثال هشام الكروج ومايكل جوردان؛ أم من الفنانين أمثال الأصفهاني وبيكاسو، أم من المحاربين أمثال الإسكندر الأكبر وخالد بن الوليد؛ أم من المبتكرين أمثال توماس أديسون وألبرت أيناشتاين وجابر بن حيان؟
قد تعتقد أن كل واحد من هؤلاء قد أنجز وحده ما عجزت عنه أقوى الجماعات وأقوى الفرق في العالم؟ الحقيقة أن هذا الانطباع غير سليم! فمن الخطأ الاعتقاد بأن أيا من هؤلاء العظماء قد أنجز ما أنجزه بمفرده. بل من المرجح أنه قد اعتمد على فريق عمل من ورائه. فهناك مثل صيني شائع يقول: "وراء كل رجل عظيم فريق عظيم"، فالاعتقاد بأن فردًا واحدًا يستطيع بمفرده أن ينجز عملا مهمًا هو محض أسطورة. إلا أنه من مدعاة الأسف أن السائد لدينا هو التركيز على الأفراد، ونسيان الجماعات وفرق العمل التي تعمل من ورائهم لتحقيق نجاحهم.
فالفرد بحد ذاته في عالمنا المعاصر الممتلئ بالتعقيدات أضحى كائنا متواضعا للغاية، بحيث يستحيل عليه تحقيق أي عمل عظيم منفردًا، بل لابد له من الاعتماد على فريق عمل يسانده. وهذا يفسر سبب نمو واطراد أعداد العاملين بالشركات المعاصرة عما كان عليه الحال منذ نحو قرن من الزمان.
ما الفريق:
الفريق هو مجموعة من الناس يعملون معا، ويوجههم هدف واحد لتحقيق نتائج محددة. ويمكننا اعتبار الفريق بمثابة محطة توليد لطاقات الأفراد الكامنة؛ لان كل فرد فيه يقدم مساهمة فريدة من نوعها.. ولهذا السبب نجد أن محصلة عمل الفريق أكبر وأعظم من محصلة عمل الأفراد منفصلين.
10 أفضل من 9
وبالرغم من أن فريق العمل هي المسئول الأول عن تقدم الدول والصناعات، إلا أن الكثيرين لا يزالون متمسكين بالفكرة الخاطئة التي مفادها أن الفرد يستطيع بمفرده أن ينجز ما هو أكبر من الفريق أو المجموعة، ظنًا منهم أن الجماعة قد تشتت تركيز الفرد وتعيقه عن بلوغ هدفه، إلا أنه لابد أن نتيقن بأن الهدف الذي لا يتفق عليه أكثر من فردين لا يستحق التحقيق والهدف الذي يتفق عليه أكثر من عشرة أفراد يصبح أولى بالتحقيق من هدف يتفق عليه تسعة أفراد.
أما لماذا لا يزال هناك أفراد لديهم الرغبة في الانفراد والعزلة، فذلك نتيجة للمصائد التالية:
1ـ مصيدة الغرور:
فالغالبية العظمى من الناس يعتقدون أن بإمكانهم أن يفعلوا ما يريدون بمفردهم، بينما يندر أن تجد من الناس من يعترف صراحة بحاجته لفريق عمل لإنجاز ما يريد تحقيقه. وفي هذا الصدد يقول أندور كارنيجي: "يعتقد الطفل دائما أن بمقدوره فعل أشياء كثيرة رغم أنه في حالة قصوى من الضعف والهوان؛ أما الشخص الناضج فهو الذي يستطيع أن يدرك أنه بحاجة للآخرين دون أن يجد في ذلك ضعفًا منه أو هوانًا".
2ـ مصيدة الخوف:
السبب الرئيس وراء إحجام الكثيرين عن العمل داخل فريق عمل هو الخوف. الخوف من منح التفويضات لأعضاء الفريق، وفقدان السيطرة على كل الأمور. فكثير من المديرين يحبون أن يستحوذوا لأنفسهم على كل أسرار العمل، وكلما زاد ضعف المدير زاد خوفه من فقدان سيطرته على الأمور إذا ما سمح لفريق عمل بمساعدته. المدير القوى وحده القادر على منح التفويضات وتمكين أفراد فريقه، دون أن يشعر بالخوف من أن يحل أحدهم محله، أو بالتهديد من فقدان منصبه.
3-مصيدة الغباء وقلة الطموح:
إذا استعرضت غالبية القرارات الخاطئة التي اتخذتها، وغالبية التصرفات السيئة التي ارتكبتها فستجد أنها تشترك في شيء واحد، وهو: أنك قمت بها بمفردك. لكنك إذا نظرت إلى أغلب القرارات السليمة التي اتخذتها، وغالبية التصرفات الحسنة التي فعلتها فستجد أنها تشترك في شيء واحد، وهو: أنك قمت بها داخل فريق. العجيب أنه كلما كبر حلم الإنسان صعب عليه تحقيقه دون الاستعانة بفريق؛ لهذا السبب يمكننا اعتبار أن أغلب من يعملون منفردين أحلامهم متواضعة، وليست لديهم أحلام كبيرة وطموحة تستحق التحقيق.
إن العصر الذي نحيا فيه الآن صار معقدًا لدرجة تجعل نجاح الفرد الواحد المنعزل عن الفريق في عداد المستحيلات. وهذه الحقيقة تحتم علينا الانتقال من البحث عن النجاح الفردي إلى البحث عن النجاح الحقيقي وسط النجاح الجماعي.
ثانيا: قانون الهدف الجماعي
يجب أن يتمتع أعضاء الفريق بالقدرة على رؤية الهدف الجماعي، قبل عقد العزم على تحقيقه. فإذا عجزوا عن رؤية الهدف الجماعي أولا فلن يتمكنوا من الوصول إليه بل ستبرز أهدافهم الشخصية كعوائق أمام تحقيق الهدف الجماعي.
الهدف الجماعي أهم من الهدف الشخصي:
دعيتُ ذات مرة للمشاركة في مؤتمر مهم للغاية حول القيادة. وكان من المقرر عقد اجتماع تحضيري بين المحاضرين ومنظمي الاجتماع للاتفاق على خطة العمل. كنت متشوقًا جدًا لحضور هذا الاجتماع، فقد كنت أتوقع أن يكون الاجتماع مع المحاضرين في مادة القيادة على مستوى عال من الثقافة والإلهام. إلا أن خيبة الأمل أصابتني بشدة خلال الدقائق الخمسة الأولى من الاجتماع. فقد لاحظت أن أغلبية المحاضرين المشاركين كانوا يستعرضون مهاراتهم بشكل فج في محاولة مكشوفة لتعظيم دورهم في المؤتمر على حساب زملائهم. كانت هذه المرة الأولى التي ألاحظ فيها وجود تعارض بين الهدف الشخصي والهدف الجماعي. فالهدف الشخصي لدى أغلب المحاضرين –وهو الاستعراض للحصول على دور أكبر- أنساهم الهدف الجماعي وهو إنجاح المؤتمر.
ويمكن من هذا الموقف استنتاج قانون ينطبق على إدارة فرق العمل، وهو تذكير بأن الهدف الجماعي أهم من الهدف الشخصي. فكثير من الناس تتضخم ذواتهم لدرجة أنهم يعتقدون أنهم أهم من الجماعة أو الفريق. وعندما تتضخم الذات يعجز الفرد عن رؤية الهدف الجماعي، فلا يرى سوى هدفه الشخصي.
ثالثا : قانون النجاح الجماعي
على مر العصور حاول علماء الاجتماع والباحثون وضع نظريات لتفسير قانون النجاح الجماعي
النظرية الأولى
تحاول بعض هذه النظريات تفسير ظاهرة النجاح والفشل الجماعي باللجوء إلى تأكيد أفضلية بعض الخصائص الجينية والسمات الذاتية التي تتمتع بها بعض السلالات البشرية أو الجماعات أو الفرق على غيرها؟
النظرية الثانية
بينما تلجأ بعض النظريات الأخرى إلى تفسير النجاح والفشل اعتمادًا على خصائص البيئة المحيطة بالجماعات والفرق، فترى أن بعض الظروف البيئية تدفع بالجماعة نحو إحراز النجاح وتحقيق مزيد من الإنجاز؛ بينما يفشل الآخرون ممن لا يجدون مثل هذه الظروف البيئية المواتية متوفرة حولهم.
ولكن تعجز مثل هذه النظريات الجينية والبيئية عن تفسير كيف أن بعض الجماعات والفرق التي تعمل في نفس الصناعة والمجال، بل ونفس المؤسسات، تنجح في مرحلة ما بينما قد تفشل في مراحل تالية وتقصر عن تحقيق نفس المستوى السابق من التقدم.
النظرية الثالثة
ونظرا لضعف هاتين النظريتين ظهرت نظرية بديلة وهي مقتبسة من نظرية "التحدي والاستجابة" لأرنولد توينبي، الذي قال: إن الإنجاز يحدث عندما تهرع الجماعة وتنتفض لتقاوم أحد الظروف البيئية الاستثنائية التي تتحداها وترهبها من خلال زيادة نشاطها وجهدها، فتكون النتيجة أن تنشط الجماعة وتتولد فيها طاقة أكبر من المتوقع؛ فتتمكن من مواجهة التحديات، والتغلب على المعوقات أكثر من غيرها. أما الجماعات التي تفشل فهي تلك التي لاتجد ما تتحداه، ولا تجد ما تحشد قواها في مواجهته. وهذه الجماعات تظل خاملة كسولة وتعتاد ذلك الوضع؛ لتفاهة وقلة التحديات التي تواجهها.
النظرية الرابعة
وهناك نوع رابع من النظريات يفسر النجاح والفشل الجماعي بأسلوب اقتصادي ويستخدم مصطلح "العائد/التكلفة" لتفسير تحركات الجماعات. فيقول بأن كل القرارات والتصرفات التي تصدر عن الجماعة تتم بوعي تام وإدراك كامل للتوابع الإيجابية والسلبية لهذا القرار أو التصرف. وبناء على ذلك فإن الفريق الذي ينجح يكون هو صاحب القرار الذي يدر أكبر عائد بأقل تكلفة، بينما الفريق الذي يفشل هو صاحب القرار الذي يجلب أكبر تكلفة وأقل عائد. لكن هذه النظرية أيضا تقصر عن تفسير معظم حالات النجاح على مر العصور مثل:
• دراسة العين وحدوث الرؤية كما فعل ابن الهيثم.
• آلات الطباعة الباهظة الثمن التي اخترعها جوتنبرج الألماني.
• حساب اللوغاريتمات التي ابتكرها الخوارزمي.
• قانون الجاذبية الأرضية لنيوتن.
فما نوع المكاسب الاقتصادية التي كان يتوقعها القائمون عليها؟
فلا تنسوا أن عدد من يعرفون القراءة والكتابة في هذه اللحظات من الزمن لم يكن يزيد على 10% من إجمالي سكان العالم. فهل كان هؤلاء يفكرون في العائد أو التكلفة المتضمنة في هذه الابتكارات والممارسات؟!
ما نستنتجه من هذا أن اعتبارات قياس (العائد/ التكلفة) لم تكن تحكم شيء في الفترات الذهبية من الحياة البشرية، على عكس ما يحدث الآن في الحضارة المادية الحالية.
ما استراتيجيات النجاح الجماعي؟
إذًا مع مثل هذا القصور من النظريات المفسرة للنجاح والفشل، يمكننا أن نستنتج أن العوامل الأساسية في التقدم والتخلف ليست عوامل جينية ولا سلالية ولا بيئية ولا اقتصادية ... بل من المرجح أن تكون عوامل نفسية واجتماعية وروحية.
دعونا إذًا نبحث هذا الفرض الذي توصلنا إليه نتيجة سقوط بقية الفرضيات السابقة. فإذا بحثنا عن السمات التي تميز الجماعات الناجحة من الداخل.. فستجد أنها تشمل أربع سمات:
1ـ وجود قدر من المنافسة الصحية بين الأفراد:
وهذا يعني انتشار ما يشبه الروح الرياضية بين الأفراد، دون تفشي المشاعر السلبية كالحسد أو الغيرة التي تؤدي إلى استنزاف القوى في تدمير الغير والكيد له، بدلا من التفكير في وسائل إيجابية للتفوق عليه.
2ـ توافر حب المخاطرة:
فهو يدفع الأفراد إلى مغامرة استكشاف واستعمال بعض الوسائل والمناطق غير المطروقة بواسطة الآخرين لتحقيق السبق في الاستفادة منها.
3ـ وجود نظام دائم للتحفيز يدفع إلى الإنجاز والتفوق:
فمن متابعة وتحليل ما يتم داخل الفرق والجماعات الناجحة يمكن ملاحظة أن شحذ الإيمان والاقتناع بالروح العامة لكل جماعة مع وجود حوافز تفوق ومكافآت، أمور تؤثر جدًا في الموظفين الجدد والصغار؛ لأنها تعطيهم المزيد من الحماس للقيم والثقافات والأهداف المؤسسية التي يجب أن يتبنونها.
4ـ إحساس الفرد بالانتماء إلى الجماعة والتنافس مع الجماعات الأخرى:
ويظهر ذلك في متابعة إنجازات الجماعات الأخرى والتركيز على تطوير الذات. فيمكنك أن تلاحظ أن أكثر الدول تقدمًا تلك التي تمتلك أفضل شبكات لنقل المعلومات والاتصالات، التي ترصد تقدم الدول المجاورة، وتتعامل مع هذا التقدم بشكل إيجابي، مما يوفر لها حافزًا خارجيًا لإحراز التفوق على الدول المحيطة بها.
تتغير هذه السمات النفسية والإجتماعية وتتأرجح بين الظهور والأفول داخل نفس الجماعات والفرق، ويحدث الفشل والجمود نتيجة غياب السمات الأربع المذكورة سابقًا. فقد يكون السبب مثلا عدم وجود نظام مكافأة يدفع للإنجاز والتفوق، أو انعدام حب المخاطرة، أو عدم إحساس الفرد بالانتماء إلى الجماعة في مقابل الجماعات الأخرى. وبهذا يكون الدرس المستفاد هو أن درجة نجاحنا تتوقف على البيئة الصحية الداخلية التي نصنعها مع زملائنا في الفريق.
رابعا: قانون قمة إيفرست
تعتبر قمة إيفرست أعلى قمم الأرض، وهي من أكثرها استعصاء على التسلق. يعلمنا استعراض قصص النجاح والفشل في تسلق قمة إيفرست أنه كلما زادت درجة مشقة المهمة زادت الحاجة لفريق العمل. فجميع الحالات التي حدثت فيها محاولات لتسلق القمة بشكل منفرد أدت إلى موت صاحبها. أما الحالات التي نجحت في التسلق فهي تلك التي تمت بواسطة الفرق والجماعات.
والدرس الذي نتعلمه من ذلك أنه يجب على الفرد ألا يقدم على القيام بأي محاولات ذات طابع خطير بشكل منفرد، بل يتوجب عليه أولا تكوين فريق أو جماعة لهذا الغرض.
يقول أحد من نجحوا في تسلق قمة إيفرست:
"لا تستطيع أن تتسلق قمة إيفرست بالدخول في سباق مع زملائك حول من سيصل قبل الآخر. فأنت لا تستطيع أن تترك زملاءك لتصل إلى القمة وحدك، بل يجب أن تكون روح الفريق التي تسود بين جماعة المتسلقين تدعو إلى الحذر، وتحض على التعاون لا على التنافس. فإذا سقط أحد أفراد الفريق فإن ذلك يحد كثيرا من قدرة الفريق على إكمال مهمته. فسقوط زميلك يزيد احتمالات سقوطك أنت بعد ذلك".
خامسا: قانون اختيار الفريق قبل الطريق
إذا كان الحلم في حجم قمة إيفرست فلا تقدم عليه وحدك، بل كون فريقا لتحقيقه. فلا يكفي أن يكون لديك حلم طموح ولا رؤية واضحة. بل لابد أن يكون لديك فريق عمل صالح معادل لطموح حلمك، وإلا قادك إلى حتفك.
ويختلف نوع الفريق الذي تحتاج إليه باختلاف المهمة أو الحلم الذي تبغي تحقيقه:
• فإذا كانت مهمتك جديدة فأنت تحتاج إلى فريق مبتكر.
• وإذا كان حلمك يحتوي على تحد ومواجهة فأنت تحتاج إلى فريق متماسك ومتآزر.
• وإذا كانت مهمتك ذات طابع متغير فأنت تحتاج إلى فريق مرن وسريع.
• وإذا كانت مهمتك طويلة الأجل فأنت تحتاج إلى فريق ذي إصرار وعزيمة.
• وإذا كان حلمك يحوي مهام متنوعة ومختلفة، فأنت تحتاج إلى فريق متكامل.
• وإذا كانت مهمتك خطيرة فأنت تحتاج إلى فريق جريء.
فإذا كان لديك حلم يستحق التحقيق، فإما أن تبحث عن فريق مناسب أو أن تتجنب تحقيقه؛ لأنه قد يكلفك غاليا.
سادسا: قانون الحلقة الضعيفة
قوة أي سلسلة تعادل قوة أضعف حلقة من حلقاتها، لأنك إذا قمت بجذب السلسلة من الطرفين فإنها تنقطع وتنفرط عندما تنكسر أضعف حلقة فيها. كذلك الأمر في حالة الفريق.. فقوة الفريق ككل قد تعتمد على قوة أضعف عضو فيه. في مارس عام 1989 وقعت كارثة بيئية سببها تسرب النفط من سفينة تابعة لشركة إكسون، سكب فيها حوالي 53 مليون جالون من النفط في البحر، فتوقفت السياحة وماتت الأسماك والطيور البحرية، واضطرت إكسون إلى دفع مبلغ يزيد عن 3,5 بليون دولار تعويضات عن الحادث. كل هذه الكارثة حدثت بسبب حلقة واحدة ضعيفة في السلسلة وهي إهمال قبطان السفينة الذي كان نائمًا عندما حدث الارتطام الذي أدى لتسرب النفط. لذا فعندما تُكَوِّن فريقك عليك أن تسأل نفسك ثلاثة أسئلة:
1ـ من يريد أن ينضم للفريق ويشاركني الطريق؟
2ـ من يختلف طريقه عن طريق الفريق؟
3ـ من يجب ألا ينضم للفريق؟
عليك دائمًا أن تستأصل الحلقات الضعيفة من السلسلة، أي أن تستأصل العناصر الضعيفة التي تسبب المشكلات، وتعوق الفريق عن الإنطلاق. ويمكنك تحديد هذه العناصر الضعيفة من خلال الأسئلة التالية:
1. من لا يمكنهم التوافق مع بقية الفريق.
2. من لا يظهرون تميزا ولا تقدما في مهاراتهم العملية وفي إنجازاتهم.
3. من يعجزون عن رؤية الصورة الإجمالية للمواقف.
4. من لا يعالجون نواقصهم وتحيزاتهم الشخصية.
هؤلاء هم أعضاء الفريق الذين يجب التخلص منهم، كي يقوى فريقك وكي تكون متأهبًا للأزمات فأثناء الأزمات تنفرط الحلقات الضعيفة وتصبح مصدر الخطر. ولتوضيح ذلك افترض أن لديك فريقًا مكونا من خمسة أفراد، وأن أربعة منهم يحصلون على 10 درجات لتقييم فاعليتهم، وأن بين أعضاء الفريق فردًا واحدًا يحصل على 5 درجات فقط. فإنك ستعتقد أن محصلة مجموع قدراتهم وإمكانياتهم ستكون:
10+10+10+10+5= 45
فإذا افترضت أن جميع الأفراد الخمسة يحصلون على 10 فإن المحصلة تكون
10+10+10+10+10= 50
طبعا ستعتقد أن الفرق بين ( 50 و 45 ) ليس كبيرا. وبناء على ذلك يمكنك الإبقاء على الفرد الضعيف. إلا أن هذا الحساب خاطئ. ففي أثناء الأزمات تكون محصلة جهد الفريق أكبر من مجرد حاصل جمع جهود أفراده. بل تصبح نتيجة فريقك:
10×10×10×10×5=50ألف
بينما تصبح نتيجة الفريق الذي يحتوي على خمسة أفراد أكفاء كما يلي:
10×10×10×10×10=100ألف
أي أن نتيجة فريقك تنخفض إلى النصف نتيجة وجود فرد واحد غير كفء. لهذا عليك أن تحرص على الحصول على أفضل نتيجة ممكنة من جهود الفريق بألا تسمح بوجود فجوات كبيرة في الأداء.
ونختتم عرضنا لكتاب هذا الشهر بسرد مميزات تكوين الفريق للعمل الجماعي وعي:
1- حل المشاكل والإنجاز بالاستفادة من مواهب متعددة للأفراد لصالح المجموع.
2- زيادة فاعلية الاتصال بين الأعضاء والمشرفين على تنفيذ مشروع ما.
3- تحقيق مصلحة الغالبيةِ العظمى من أعضاء الفريق حتى إن كان على حساب أقلية معينة.
4- زيادة الإنتاجية حيث تصبح محصلة مجهودات الكل أكبر من مجموع مجهودات الأعضاء المنفردين.
5- تنمية الشعور بالاتحاد والصداقة والحب أثناء التنفيذ وخاصة مع وجود التشجيع وخلق جو من التعاون.