الشروط السبعة لكلمة التوحيد
كتبت –أمل أحمد
قبل أن يلقي الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي درسه الأسبوعي في أبجديات العقيدة، قدم الشيخ كرم حلمي يوم الأربعاء الماضي مداخلة بين يدي الدرس، وذلك عقب صلاة المغرب بمسجد أحمد عفيفي أمام منطقة المطاعم بالرحاب.
تحدث الشيخ كرم عن أهمية العلم وحضور الدروس العلمية، مستشهدًا بقوله تعالي "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" (المجادلة 11)
وقوله صلي الله عليه وسلم: "من سلك طريقـًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقـًا الي الجنة" (رواه مسلم)
وكما قال الشاعر:
رأيت العلم صاحبه شريف وإن ولدته آباء لآم
ثم واصل الشيخ عمر عبد العزيز حديثه عن كلمة التوحيد؛ وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والمعني اللغوي لكلمة أشهد: (أري- أقر وأعترف- أوقن وأجزم) والأدلة علي هذه المعاني موجودة في اللغة والقرآن الكريم.
مفتاح الجنة
أما المعاني الشرعية أو الإصطلاحية لكلمة "أشهد" التي وردت بالشرع ( كتاب الله والسنة الشريفة) والتي يسميها بعض العلماء شروط كلمة التوحيد فهي سبعة معانٍ شرعية:( العلم واليقين والانقياد والقبول والصدق والإخلاص والمحبة)، ينبغي العلم بها حتي لا ينطق الإنسان بكلمة "أشهد" وهو غافل عنها وعن معناها؛ فكلمة التوحيد بشروطها ومعانيها هي كأسنان المفتاح، وقد سئل أحد السلف: هل مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ فقال نعم، ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا فلا.
ويوضح الشيخ الصورة أكثرفيقول: كم من أناس معهم المفتاح ولكنه بلا أسنان، أو أن أسنانه لا تتفق مع الوضع الصحيح فلا يُفتح الباب. وكذلك هناك من ينطق بكلمة التوحيد ولا يطبقها.
ا- أشهد بمعني (أعلم):
"فاعلم أنه لا إله إلا الله" (محمد 19)
وفي الحديث الشريف:" من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة" (رواه مسلم)
فهذا العلم شرط في كلمة التوحيد؛ عند النطق بها يعلم قائلها أنه لا يقولها جاهلا بمعناها، أو ينطق بها وهو لا ينتوي بهذا النطق تصديقـًا ولا تطبيقـًا، فمثل هذا لا يقبل منه.
لا إله إلا الله تقتضي الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله، فقائلها مؤمن بألوهية الله وحده دون أي معبود سواه، أما من يؤمن بالطاغوت فهو يقتضيه ربًا ولا يقتضيه وليا أو حكمًا. إن لا إله الا الله في أجل معانيها تعني ألا معبود بحقٍ إلا الله." قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" (الأنعام 162)
فالعلم يقتضي توحيد الله ربًا وإلهًا، ذاتًا وأسماءًا وصفات.
ووردت هنا علي الشيخ خاطرة كأن يسأل نفسه: لماذا كان أول ما نزل من القرآن الكريم آيات "اقرأ باسم ربك" ولماذا لم تكن الفاتحة (سيدة سور القرآن) مثلا أو سورة الإخلاص أو غيرها؟ ثم وجد الشيخ الإجابة في الآية التي سبق الاستشهاد ببعض كلماتها: ( فاعلم أنه لا اله الا الله ) فـ"اقرأ" تكون مشفوعة بالعلم، وهو علم (العقيدة أو التوحيد أو الإيمان أو أصول الدين)
وكما نعلم هناك اختلافات بين:
النظرية العلمية التي تحتمل الصدق والكذب، والحقيقة العلمية التي وصلت لآخر صحتها،
والعلم الذي يصل لحد اليقين.
2- اليقين:
وهو الأمر الثابت الذي لا يعتريه شك، ولا يقبل التردد، ولا يحتمل الصحة والخطأ، وقد ورد في القرآن الكريم:" إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا " (الحجرات15) أي لم يشكوا، وعلمُهم علمُ يقين.
وفي الحديث: "من قال لا إله إلا الله موقنًا بها دخل الجنة " (رواه النسائي)
العلم الذي يبلغ مبلغ اليقين
قيل لأبي الدرداء ضي الله عنه يومًا: إن بيتك قد احترق، قال: "ما احترق وما كان الله ليفعل ذلك"، ثم فسر كلامه: "لكلماتٍ تعلمتها من رسول الله صلي الله عليه وسلم من قالها صباحًا ومساءًا لم يصبه شئ".، فهو يوقن بصدق كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لن يصيبه شئ ما دام قد قاله.
وكما وصف النبي عسل النحل دواءًا لرجل اشتكى مرض أخيه بمعدته ولم يأت العلاج بنتيحة في المرتين الأولى ولا الثانية، وفي الثالثة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسقه عسلا.. صدق الله وكذبت بطن أخيك" وهذا هو علم اليقين.
ويأتي اليقين في كتاب الله عز وجل على ثلاث مراحل:علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
"كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" (التكاثر5-8)
والتفسير، أنه بعد العلم باليقين يأتي عين اليقين، كأنك تراه رأي العين، ثم يأتي حق اليقين (وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين، وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية حجيم، إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم (الواقعة 90 - 96)
ومن الممكن أن يأتي اليقين في القرآن بمعني الموت "واعبد ربك حتي يأتيك اليقين" (الحجر99) "وكنا نكذب بيوم الدين حتي أتانا اليقين"(المدثر 46- 47) فالموت يقين لا شك فيه.
3- الانقياد:
لابد أن يكون العلم واليقين مصحوبان بالانقياد والقبول لهذا الدين، والخضوع والارتضاء بكلمة التوحيد، والتسليم والقبول بالطاعة لله.
"فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" (النساء 65)
"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"( الأحزاب 36)
"فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" وهذا متعلق بالمشركين وأهل الكتاب الذين خسروا أنفسهم بسبب عدم الانقياد ولا القبول لدين الله.
4- القَبول:
أي القبول بمقتضيات كلمة التوحيد وشروطها "ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن"، وفي الحديث:" لا يؤمن أحدكم حتي يكون هواه تبعًا لما جئت به"
5- الصدق:
الذي يتنافي مع الكذب والنفاق، فما قيمة أن يقول الإنسان لا إله إلا الله كاذبًا بها!، فلا بد من الصدق عند النطق بها، كما ورد بالسنة الشريفة:" من قال لا إله إلا الله موقنًا بها، يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه دخل الجنة" ومعناه التوافق بين تصديق القلب واعتراف اللسان.
6– الاخلاص:
فلا يقولها المرء رياءًا ولا نفاقًا، ولا مصلحة أو منفعة، ليعصم دمه وماله، ولا يقول: لا إله إلا الله، لرغبة أو رهبة كما ظهر النفاق في المدينة في بداية الإسلام. "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" 0(البينة 5)، " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصًا له الدين" (الزمر 2)
فكما يقول العلماء الإخلاص هو سر بين الله والعبد لا يطلع عليه ملكٌ فكتبه، ولا شيطانٌ فيفسده.
" قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين" (الزمر 11)
وهناك المعني الحسي للإخلاص نجده في آيات سورة النحل" وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين" (النحل 66)؛ لبنًا خالصًا من كل شائبة، لونه أبيض ليس فيه رائحة الفرث ولا جراثيم الدم، وهكذا يريد الله أن يكون الإخلاص في التوحيد.
وفي الحديث:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه" رواه البخاري
7- المحبة:
وهي سابع الشروط والمعاني لكلمة لا اله الا الله ومقتضياتها.
" ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله"
وهو الحب الذي يجعل الإنسان يضحي في سبيل الله ويحبه أكثر من أهله وولده وماله.
(ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الايمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف به في النار)
وهو حبٌ لكلمة التوحيد ومن أجلها(لا إله إلا الله