الرحاب بعيون عراقية.. د.قيس نافع متحدثًا عن نعمة "وآمنهم من خوف"
0لم تسلم عائلة واحدة في العراق من فقدان واحد أو اثنين على الأقل من أفرادها منذ الاحتلال
0يحزنني جدًا وأنا عربي مسلم أن يقال عني أجنبي
0مصر كانت محببة لي قبل أن آتي إليها.. ويكفي أنها بلد الأزهر
0يعجبني في الرحاب وجود إدارة للمساجد تتولى الإشراف والاهتمام بخدمة بيوت الله.. ويؤرقني الشباب الطائش والكلاب السائبة والزحام المروري والسرقات
حوار: أحمد غانم
د. قيس نافع القيسي يبلغ من العمر 44 عامًا، من مواليد العراق، ومقيم بالرحاب, حاصل على بكالوريوس الصيدلة من جامعة بغداد عام 1989 ودبلوم عالٍ في الصيدلة السريرية من جامعة بغداد عام 1998. التحق بكلية الشريعة والقانون وحصل على ليسانس الشريعة والقانون من جامعة بغداد عام 2004 وهو الآن يدرس في السنة الأولى ماجستير شريعة وقانون في جامعة الأزهر.. حاصل على شهادة "المدرب المحترف" من المركز الكندي للتنمية البشرية سنة 2009..التقيناه عبر سطور هذا الحوار
حدثنا عن ظروف مجيئك للرحاب؟
بالطبع نتيجة لتردي الوضع الأمني في العراق، ونقص الخدمات بشكل غير طبيعي، وانتهاك الحرمات، والتعرض لكافة أنواع التجاوزات، وحفاظًا على حياة عائلتي، والحرص على أن يعيشوا حياة كريمة، اتخذت قرار السفر, وقبل أن أسافر كنت ألتقي أصدقاء لي يريدون الرحيل أيضًا فعرفت منهم أنهم كانوا ينوون السفر للقاهرة ولاقى ذلك هوى في نفسي، وقد سبقوني في الوصول لمصر. أخذت منهم أرقام هواتفهم وجئت إلى مصر وحدي عن طريق البر وحجزت في أحد الفنادق بوسط القاهرة، وفي اليوم التالي اتصلت بأصدقائي وعرفت أنهم يسكنون في مكان جميل يسمى مدينة الرحاب وأرشدوني إلى كيفية الوصول إليه. وبالفعل وصلت إليهم وكانوا ثلاثة وسكنت معهم. كان أحدهم قد استأجر الشقة لكي يأتي بأهله فيما بعد ثم غير رأيه وأراد تركها، فاستأجرتها بدًلا عنه ورجعت إلى العراق وأنهيت متعلقاتي هناك وأتيت بزوجتي وأولادي وجئت مباشرة إلى الرحاب ومن ساعتها وأنا أسكن في هذه المدينة الجميلة.
ولماذا اخترت القاهرة بالذات ولم تفضل سورية أوالأردن رغم أنهما الأقرب من حيث المسافة بالنسبة للعراق؟
أصدقك القول إن مصر كانت محببة لي قبل أن آتي، وإن سألت عن السبب أقول: لعدة أمور منها مكانة مصر في العالم العربي والإسلامي على السواء حيث كان العراق ومصر بالإضافة إلى السعودية من مراكز القوى في الساحة العربية والإسلامية، وهذا يعطي لهذه البلاد مكانة ليست بالقليلة في النفوس والعقول. يضاف إلى ذلك وجود الأزهر جامعًا وجامعة، كمرجعية للعالم الاسلامي مما أعطى بعدًا دينيًا لمكانة مصر في قلوب المسلمين، مع ما أنجبت مصر من أعلام أفذاذ من علماء ومفكرين اسلاميين كان لهم دور لا ينكر في المسيرة الفكرية للحضارة الاسلامية، ونستطيع أن نضيف المعالم السياحية التي تنعم بها مصر والتي تجعل منها إحدى الأماكن المفضلة كبلدان سياحية. وهناك أسباب ثانوية أخرى عضدت وساندت بمجموعها أن تكون لمصر مكانة في قلبي لاينافسها بلد آخر, وهناك سبب شخصي ألا وهو رغبتي في الدراسة في الجامعة العريقة تاريخيًا وعلميًا, جامعة الأزهر حيث أنني الآن أدرس في السنة الأولى ماجستير شريعة وقانون في الأزهر.
هل في العراق نظام "الكومباوند" أو المجمع السكني كالرحاب؟
النظام السكني في العراق مختلف نوعًا ما عما هو في مصر، فالعراق يتميز بكثافة سكانية غير عالية بمقارنة بمساحته الشاسعة، لذلك فإن البناء الأفقي هو السائد هناك حيث نظام البيوت (وتسمى هنا الفلل) هو المنتشر، ويتفاوت بناء هذه البيوت من ناحية الرقي العمراني من مكان لآخر، أما الشقق فهي مقارنة بمصر تعتبر قليلة جدًا وعادة يسكن الشاب المتزوج المقتدر في بيت مستقل مباشرة، أما من لا يمكنه ايجاد مكان مستقل فيسكن مع أهله وبعد سنة أو سنتين يجد له بيتًا خاصًا به.
ما أكثر ما يعجبك في الرحاب؟
توفر الخدمات بشكل متكامل نوعًا ما، بحيث قد لا يحتاج الساكن بالمدينة إلى الخروج منها لتلبية احتياجاته، كما يعمل جهاز المدينة جاهدًا لأن يحافظ على مستوى المدينة من حيث المساحات الخضراء وتوفير الأمن والنظافة والهدوء مقارنة بوسط القاهرة، كما يعجبني جدًا في الرحاب وجود إدارة للمساجد تتولى الإشراف والاهتمام بخدمة بيوت الله، كما أن المستوى الإجتماعي لسكان المدينة راقٍ جدًا، ويتميز السكان بإحترام بعضهم للبعض الآخر، كما يعجبني وجود بعض الأنشطة الثقافية التي يقوم بها المركز الثقافي لنادي الرحاب، وحرص الكادر فيه على خدمة السكان ثقافيًا واجتماعيًا، ويكفي أن أفراد عائلتي يشعرون براحة شديدة في العيش بالمدينة.
وما أكثر ما يزعجك؟
يزعجني تجمع بعض الشباب الطائش في بعض الأماكن وإحداث مشاكل نحن في غنى عنها, وعدم استغلال أولئك الشباب لوقتهم فيما ينفع, كما يضايقني وجود بعض الحالات السلبية وسطهم كتعاطي المخدرات, وارتكاب بعض التصرفات التي تخدش الحياء أمام الناس بدون خجل وعدم منح صلاحيات لأفراد الأمن لوقف بعض التجاوزات والأخلاقيات السلبية لبعض الشباب وخاصة الذين هم من خارج المدينة, كما تؤرقني ظاهرة الكلاب السائبة أو التي قد تكون برفقة بعض السكان وقد تؤذي المارة, أضف لذلك ما نستطيع أن نسميه بالاختناق المروري حيث يمكننا القول إن المساحات المخصصة لوقوف السيارات أقل مما ينبغي, كما أن بعض الأماكن كبعض التقاطعات بدأت تعاني من الزحمة المرورية، ومما يزيد من هذا الأمر التهور في قيادة السيارات عند البعض خاصة فئة الشباب, وفيما يتعلق بالأمور الإدارية للمدينة فمما لا شك فيه هناك بعض السلبيات كعدم تسجيل عقود الشقق للملاك حتى الآن وبعض القصور الأمني أيضًا حيث حدثت سرقات، وعدم الإستجابة لبعض الشكاوى؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر لعب الأولاد في الحدائق الداخلية للمجموعات وعدم الجدية في منعهم من ذلك، وأعتقد أنه لا يوجد تواصل فعال بين الجهاز والملاك لعدم وجود من يمثل الملاك أمام جهاز المدينة.
ماذا يعجبك في المصريين عمومًا؟
الطيبة الصادقة عند الكثير منهم، وسرعة الاندماج والتآلف معهم، وبناء علاقات ايجابية بوقت قصير، وتقديرهم واحترامهم للآخرين وخاصة لمن يستحقون ذلك, وحب الشعب المصري للتدين وكل ما له صلة بالدين، ورسوخ محبة الله ومحبة الرسول عليه الصلاة والسلام في قلوب الأغلبية منهم، والمستوى الثقافي إجمالا، والذكاء الاجتماعي الذي يتميز به شعب مصر.
وما لا يعجبك فيهم؟
الأمور التي سوف أذكرها قد لا تختص بالمصريين وإنما هي موجودة بالواقع المصري بمعنى أن المجتمع ككل بمجموع ظروفه قد تجعل الإنسان يتصرف بصورة سلبية، بدليل أن بعض التصرفات هنا تتغير إذا ذهب الأشخاص أنفسهم إلى مجتمعات أخرى، ومع ذلك فإن ما سأقوله لا يعدو كونه تحليلا شخصيًا يسري عليه الخطأ والصواب فأقول ما لايعجبني الظواهر التالية:
- الإنفصام النكد عند البعض (وأوكد عند البعض) بين الإلتزام الديني في المسجد والمعاملات المادية خارجه.
- السلبية في حل ما يواجهون من المشاكل العامة، وغياب الثقة في جدوى التعاون الإيجابي مع مؤسسات الدولة في حل تلك المشاكل
- غياب روح العمل الجماعي عند الناس، وحب العمل الفردي وخاصة في مؤسسات المجتمع المدني وكأن كل شخص يتمنى ظهور العمل باسمه هو.
- عدم الالتزام بقانون المرور في الشوارع من قبل قائدي السيارات
- تأثر البعض بقشور الحضارة الغربية وتقليدهم في الأمور المظهرية فقط، وخذ على سبيل المثال انتشار استخدام المصطلحات الأجنبية وحشوها وسط الكلام وكأنه دلالة على سعة ثقافة المتكلم.
- الإهمال الأسري عند البعض والتقصير في تربية الأبناء، وقد يكونون معذورين بعض الشئ لوجود حالات العمل بأكثر من مكان ولساعات طويلة من اليوم، أو لهجرة البعض الآخر ظنًا من الأبوين أن المهمة تنحصر في توفير أسباب الرزق فقط.
لو عاد بك الزمن هل ستختار مصر؟
أقولها بصراحة ومن غير مجاملة: طبعًا سأختار مصر بالرغم من وجود السلبيات، لأنه لا يوجد مكان فيه الكمال، ولكن المميزات التي تنعم بها مصر بلدًا وشعبًا قد لا تتوفر في كثير من البلدان، ولا أبالغ إن قلت إن مصر تأتي في المرتبة الثالثة؛ بعد بلدي العراق لأنه بلدي الذي عشت فيه، وبعد السعودية لأنها تحتضن أشرف البقاع عند الله ... أستطيع القول إنني لم أشعر هنا بالغربة القاتلة التي يشعر بها كثير ممن تركوا أوطانهم، ومن المؤكد أن ذلك يأتي من طبيعة شخصيتي أولا ومن طبيعة المكان والناس الذين أعيش في وسطهم.
"وآمنهم من خوف"
"وآمنهم من خوف" ماذا تمثل لك هذه الكلمات التي جاءت في القرآن الكريم بالنسبة لاخواننا في العراق؟
آه ... لقد قلبت لدي المواجع والأشجان .. ولكن نقول: الحمد لله على كل حال، ونشكو إلى الله وحده سبحانه كل من كان سببًا في شتاتنا وهجرتنا، وصدق من يقول إن المرء لا يشعر بالنعمة ويعرف قدرها إلا بعد أن يفقدها .. ونعمة الأمان من ضمن هذه النعم التي لا يعطيها الناس مكانتها ولا يشعرون بأهميتها كما ينبغي، حتى لو رأى الناس غيرهم ممن يفتقدونها، فإنهم لا يدركون أهمية الشيء إلا بعد أن يفقدوه، فمن يقع في ظروف يكون الخوف فيها محيطًا به من كل جانب سيشعر ساعتها بكل معاني الأمان التي كانت غائبة عنه، وسيتذوق حينها قوله تعالى حين ذكر ما امتن به على قريش (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف), فهذه النعمة وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم من ضمن النعم التي يغبن فيها كثير من الناس، أي من النعم التي لا يحسن الناس استغلالها، فحين يحرم الإنسان من نعمة الأمان يحرم من كل شيء، لأنه بوجود هذه النعمة يستطيع أن يمارس أعماله الأخرى، أما حين تهدد حياته الأخطار فسيكون كل همه تجنب هذه الأخطار؛ هذا إذا كان الأمر يخصه فقط فكيف إذا كان الأمر يخص كل من حوله؛ فكل من حوله تحدق بهم الأخطار من كل جانب.. فمما لا شك فيه أن الحياة سيصيبها الشلل المفزع، وتكون الحياة بلا أمان أشد ما تكون مرارة. فأنا أوصي نفسي وكل من يقرأ كلامي أن يقول في دعائه:( ربنا آمنا في أوطاننا) ولا بأس أن يضيف (ولا تسلب وقت النزع إيماننا) آمين, أما بلدي العراق تحديدًا فقد عانى- ولا يزال- كثيرًا من ويلات فقدان نعمة الأمن والأمان، وذلك قدر الله، ونحن راضون به ولكن لا بأس من وصف الواقع، وليس من باب التسخط على الله.
هل معنى ذلك أن الناس تحجم عن الخروج من البيوت في العراق إلا لضرورة؟
نعمة الأمان غابت عن بلدي سنين طويلة، ولا تزال غائبة، فالناس لا يخرجون من بيوتهم إلا وقد وضعوا في حسبانهم أنهم قد لا يرجعون إلى أهلهم سالمين؛ يخرجون وأرواحهم على أكفهم...وليس لهم بديل عن الخروج، ولأنهم أيضا قد لا يحصلون على السلامة حتى لو قعدوا في بيوتهم! فالناس هناك أيقنوا لا محالة أن قدر الله آت آت، لذلك لابد من ممارسة تفاصيل حياتهم اليومية في أصعب الظروف, وهذا مما يسألني الناس عنه في مصر كثيرًا, وهو كيف يعيش الناس هناك في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي يسمعون عنها, ومن ضمن الآثار التي ترتبت على فقدان الأمان فقدانك لحياتك أو لحياة من تحب أو فقدانك لبلدك ولأهلك وأحبابك حينما تقرر البعد عن مصدر الخطر, مما يدل على أن الخيارات المتوفرة لديك أحلاها مر, وتخيلوا معي أن العائلة الواحدة التي قد تتألف من إخوة وأخوات، وقد يكونون متزوجين، تخيلوا وضعهم وقد تشتتوا في بقاع الأرض، فمنهم من فارق ظاهر الأرض إلى باطنها لأنه لم تسلم عائلة واحدة في العراق من التعرض لفقدان واحد أو اثنين على الأقل من أفرادها، ومنهم من فارق أرض بلده إلى بلاد عربية مجاورة، ومنهم من غادر إلى البلاد الأوروبية التي تمنح اللجوء الإنساني، فترى نفسك بعد أن كنت تتواصل مع أهلك وجهًا لوجه تتواصل معهم على الإنترنت؛ فهذا أخوك في سورية، والآخر في الأردن وتلك في مصر، والآخرون في أوربا أو أمريكا، ولا بد هنا أن نذكر نعمة الله علينا بوجود وسائل الاتصالات الحديثة ومنها الإنترنت الذي سهل لنا هذا التواصل، لأنني أتذكر كيف كان المصريون يتواصلون مع أهلهم عندما كانوا عندنا في العراق, وكنت حينها شابًا صغيرًا حين كانوا يستعينون بالرسائل التي قد تتأخر في الوصول، ثم أنهم إذا أحبوا أن يُسمعوا أصواتهم لأهلهم كانوا يسجلون أحاديثهم على شريط تسجيل ثم يبعثوه لأهلهم بيد من يسافر من أصدقائهم.
ممارسة الصيدلة
كونك صيدليًا لماذا لم تفكر في فتح صيدلية في مصر تمارس من خلالها تخصصك؟
هذا الموضوع من المواضيع الطريفة والمحزنة في نفس الوقت، فكوني حاصل على شهادة في اختصاص معين في بلد ما ثم أحصل على ما يفيد معادلة هذه الشهادة في بلد آخر فهذا يعني أن البلد الآخير يعترف بشهادتي وكوني مؤهلاً لممارسة اختصاصي، ما حصل أني ذهبت بشهادتي إلى المجلس الأعلى للجامعات في القاهرة وحصلت على معادلة الشهادة في اختصاص الصيدلة، وقمت بتصديقها من الخارجية، وذهبت إلى نقابة الصيادلة في القاهرة لأرى ما الأمور المطلوبة لكي أمارس عملي كصيدلي، فقالوا اذهب إلى وزارة الصحة. وبالفعل ذهبت إلى هناك فقيل لي إن الشروط كلها تنطبق عليّ ما عدا شئ واحد فقلت: ما هو؟ قالوا إن تأتي من العراق بكتاب تأييد يتضمن مبدأ المعاملة بالمثل! فقلت لهم أنتم اعترفتم بشهادتي وصدقتم عليها فلماذا هذا الشرط ؟ المهم عملت بما قالوا، وبالفعل ذهبت إلى العراق وطالبتهم بهذا التأييد المتضمن المعاملة بالمثل فإذا بي أتلقى جوابًا أشبه بالجواب المضحك المبكي.. قالوا نحن سنعطيك هذا التأييد بعد أن تأتي لنا بتأييد مماثل من مصر يتضمن مبدأ المعاملة بالمثل! فقلت لهم: كل واحد منكم عنده استعداد أن يعمل ذوو الاختصاص المصادق عليه عنده بشرط المعاملة بالمثل.. فليبدأ أحدكم بالموافقة وسيوافق الثاني ما دام الطرفان ليس لديهما مانع.
وهل ستتوقف عند ذلك أم ستحاول مرة أخرى؟
آمل من الله أن أجد يومًا ما فرصة لأمارس ما درسته وما زاولته لسنين طويلة في العراق، فدراستي في الصيدلة لا تقل عن سبع سنين ما بين الحصول على البكالوريوس والدبلوم العالي، وخبرتي العملية استمرت ما يقارب خمس عشرة سنة، وها أنا ذا محروم من ممارسة اختصاصي المحبب إليّ، وهذا يحزنني؛ لأنني حرمت، لا مما هو من حقي فحسب، ولكنني أتأسف لأن ما درسته وتعلمته لا أستطيع نفع غيري به، فيعلم الله أني عندما مارست مهنة الصيدلة - والتي يبدو أنها مهنة لبيع الأدوية فقط - كنت صديقًا وناصحًا ومرشدًا لكثيرٍ من المرضى الذين كانوا يدخلون إلى الصيدلية في العراق، ثم يعاودون الرجوع إليها لما يجدون من اهتمامي بهم واعطاء الإرشادات فيما يخص ما يعانون من أمراض، سواء كانت هذه الإرشادات طبية أم نفسية، لما في العامل النفسي من أثر في الشفاء، بالإضافة إلى الأمور الروحانية التي تربط الإنسان بربه لما لها أيضًا من أعظم الأثر على المريض لقوله تعالى (وإذا مرضت فهو يشفين)
فقدان العشيرة
ماذا يمثل لك الخروج من العراق؛ بلدك الذي ولدت ونشأت وترعرعت فيه؟
دعني أقول لك إن ترك العراق لم يسبب لي ألم الفراق للأهل والأحبة فقط، ولم يفقدني وطني الذي عشت فيه فحسب، وإنما كان الأهل والأقارب وأبناء العمومة، والأبعد منهم، بمثابة دولتي المصغرة؛ فكان هؤلاء الأهل يمثلون لي المنظومة المصغرة التي أنتمي إليها ولي معها مشاركات اجتماعية ليست بالقليلة، لهذا لن يكون من السهل علي الابتعاد عنها أو نسيانها، بل ستشعر حتمًا بالخسارة, وهذه المنظومة المتآلفة من الأهل والأقارب كانت تمثل للواحد منا سندًا قويًا بعد الله سبحانه وتعالى. تشعر من خلاله بالعزة والإنتماء والفخر، فالأبوان والإخوة الأشقاء يمثلون لي الحلقة الاولى من هذه المنظومة، ثم تأتي الحلقة الأكبر من الأقارب وأبناء العشيرة (وتسمى العيلة هنا على ما أظن)، وعشيرتي التي أنتمي إليها تتكون في العراق مما يقارب 4 ملايين فرد في كل العراق، مقسمين إلى مجاميع، وكل مجموعة ترتبط بشيخ يسمى شيخ العشيرة، والذي يُختار على أساس الحكمة والشجاعة والمقدرة القيادية، ويرتبط كل شيخ بالشيخ العام للعشيرة، وكان لهذه العشائر دور مهم جدًا في حفظ الأمن وارجاع الحقوق للناس الذين سلبت حقوقهم في ظل غياب الدولة والقانون، وعندما تترك كل هذا ستشعر بخسارة ليست باليسيرة، وهناك أيضًا الصداقات التي ترتبط من خلالها بأناس عاصروك منذ الطفولة وعشت معهم آمال الحياة وآلامها.
إلى جانب فراق الأهل والأحباب ماذا تشعر بفقده هنا في مصر؟
أفتقد هنا ممارسة عملي المحبب في ادارة صيدلية خاصة بي، ومن أكثر ما افتقد الأخوة الإيمانية، وتلك العلاقة التي تربطك مع صديقك أو أخيك، والتي لا يكون أساسها أي مصلحة دنيوية، وإنما التلاقي من أجل المحبة الخالصة أولاً لله عز وجل، وحب الخير كل منا للآخر، والسعي في ذلك ثانيًا، وحب الخير للناس أخيرًا, كما أني أفتقد روح الإحساس بالأخوة العربية عندما أراجع بعض المصالح الحكومية, فهنا يعطونني لقب أجنبي! فأشعر أن حالي كحال أي شخص غير عربي إذ إنه يلقب بنفس اللقب، فأشعر ساعتها بالغبن, لذلك أدعو من لهم شأن بهذا الأمر أن يفرقوا بين العرب والأجانب؛ فليس من المعقول، وأنا عربي مسلم، أن أتساوى بالصفة مع الأوروبي أو الذي أتى من قارة أمريكا والذي يختلف اختلافًا جذريًا عن أمة العرب, فما الضير لو كان تصنيف الناس هنا إلى مواطن مصري وعربي وأجنبي حتى لو لم يترتب على ذلك أي فروق قانونية.
جمعية أحباء الرسول (صلى الله عليه وسلم)
حدثنا عن قصتك مع جمعية أحباء الرسول (صلى الله عليه وسلم) التى تدير فرعها في الرحاب؟
جمعية "أحباء الرسول" جمعية اجتماعية خيرية مشهرة برقم 5184 القاهرة، فرعها الرئيسي في مدينة نصر، ورئيس مجلس إدارتها الأخت الفاضلة مدام ميرفت زينهم.. أما قصتي مع الجمعية فقد بدأت حين رأيت "بروشور" الجمعية فاتصلت لأعلمهم برغبتي في الإنضمام إليها، وحينما علمت مدام ميرفت بأني من سكان الرحاب أخبرتني عن رغبتها في افتتاح فرع للجمعية في المدينة، ووعدتها بالسعي لايجاد مكان، وبالفعل وفقنا الله في ايجاد المكان، ومن هنا بدأت المعرفة وبعدما تعززت الثقة بيننا أوكلت إلي إدارة فرع الجمعية في الرحاب بعدما أتممنا الموافقات اللازمة من وزارة التضامن الإجتماعي لصلاحية المكان كجمعية.
وماذا عن أنشطة الجمعية؟
رعاية الأيتام والفقراء والمرضى، ومساعدة الفتيات اليتيمات فى نفقات الزواج، ومساعدة الطلبة فى مصاريف المدارس والجامعات. وقد أطلقت الجمعية حملة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعنوان "اعرف نبيك وحقوق النبي على أمته"، بهدف الرد على الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم. كما تهدف الجمعية إلى نشر الثقافة ومحو الأمية التربوية والتعليمية وحماية البيئة ومكافحة التدخين ورعاية المرضى المسنين، ومساعدة الطلاب وكفالتهم وتحفيظ القرآن الكريم ودورات في التنمية البشرية وصيانة المساجد وترميمها ورحلات حج وعمرة وتوفير مقابر شرعية وسيارة لاغاثة المرضى وأخرى لدفن الموتى ودورات في العلاقات الأسرية المتميزة.
إذًا أنتم تهدفون إلى تحقيق التكافل الإجتماعي في المجتمع؟
نعم بالطبع، فالجعية تكفل حوالي500 أسرة أيتام، وترعى حوالي 200 طالب علم بالأزهر والجامعات والمدارس، وكذلك مساعدة الكادر التدريسي من خلال توفير الأقراص المدمجة لتطوير المناهج الدراسية وغير ذلك. وتقدم الجمعية أكثر من 300 شنطة طعام وتقبل التبرعات العينية والمادية بمقرها الرئيسي في مدينة نصر: 65 شارع جمال الدين دويدار، أو مقر الرحاب: مجموعة 5 عمارة 6 شقة 1 أو على رقم الحساب 911 بالبنكين التجاري الدولي والأهلي المصري كما نسعي لتجميع الملابس المستعملة التي يستغني عنها الناس ومحاولة ايصالها لمستحقيها، ونتعاون مع باقي الجمعيات في أعمال الخير كجمعية رابعة العدوية، ففي حالة وجود نقص في جمعيتنا نتوجه إلى جمعية رابعة ليقفوا معنا لسد العجز. ونحن كذلك حين يفيض عندنا شيء ما نقوم بايصاله إليهم ونساعد في تزويج البنات اليتيمات بمحاولة تجهيزهن بما ينقص في جهاز العروس.
ولدينا مكتب تيسير الزواج حيث يتم جمع بيانات من يريد ايجاد شريك العمر، حيث يأتي الينا من يرغب بالزواج من كلا الجنسين ويترك بياناته التي تساعد الطرف الآخر في التعرف عليه، كما يسجل الصفات المطلوبة في شريك الحياة لكي يتسنى لنا التوفيق بين من يتقدم إلينا. كما أن لدينا أيضًا نشاط الوفاق الاجتماعي، ومهمته حل المشاكل الإجتماعية أو الأسرية التي تقع بين الناس من خلال وجود كادر يتألف مني مع إمام لأحد مساجد الرحاب بالإضافة إلى محام في حالة الاحتياج لاستشارة قانونية، والحمد لله تمكنا من الوصول إلى حلول مرضية لبعض الحالات مثل تفادي حالات طلاق، وكذلك التدخل في انهاء خلافات عائلية، ويحكمنا في كل أعمالنا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ( خير الناس أنفعهم للناس).