الغلو في تعظيم الصالحين.. أول طريق الشرك
كتبت – أمل احمد
متى عرف الإنسان ربه؟ هل خُلق الإنسان مشركًا ثم ارتقى إلى التوحيد أم أنه عرف التوحيد منذ بداية الخلق؟ لقد خاض البعض في هذه الفرضية وادعى أن الإنسان خُلق مشركًا، لا يعرف التوحيد، فعَبدَ الحجر والشجر، والنجوم والكواكب، ثم عرف التوحيد على طريقة إخناتون ثم عرف التوحيد الخالص. وهذا غير صحيح لأن الله خلق أبا البشر سيدنا آدم موحدًا، واصطفاه وجعله نبيًا.
كان هذا مدخل درس الدكتور الشيخ عمر عبد العزيز القرشي بعد مغرب الأربعاء 21 يوليو 2010 بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب.
فالكون كله أسلم لله، ولم يشذ الإنسان عن ذلك في البداية:
" أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون"( آل عمران -83)
" ولله يسجد من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدو والآصال" (الرعد -15)
" تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا" (الإسراء -44).
إن الخلائق – عدا الإنس والجن - مجبولة على طاعة الله، كما أن عالم الحيوان والطير مسخر:" ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء" (الحج -18)
أما في عالم الانس والجن فنجد أهل التوحيد والإيمان وأهل الشرك والكفر، أهل الطاعة وأهل المعصية؛ لأن الإنس والجن مخيران في التكليف والعبادة، فمنهم من أطاع ومنهم من عصي، يقول الجن عن أنفسهم: " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون" (الجن 14)، والقاسطون هنا معناها الكافرون، ففي اللغة القاسط هو الظالم الجائر المنحرف عن العدل، أما المقسط فهو العادل، والعدل في أعلي درجاته هو( القسط ): ( إن الله يحب المقسطين)
ونجد عند ترتيب الخلق أن الملائكة خُلقت قبل الإنسان: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" (البقرة 30)، ثم خُلق الجن "والجان خلقناه من قبل من نار السموم" (الحجر 27) أي قبل الإنسان.
ثم خلق الله الإنسان؛ فخلق آدم أبا البشر، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، وقد شاء الله أن يخلق آدم ليعمر به الأرض، ويجعل فيها خلائف إلي أن تقوم الساعة
"يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا" (النساء 1)
"ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون" (الأعراف -10).
آدم خُلقَ ليعيش على الأرض
فقد خلق الله آدم ليكون في الأرض لا في السماء، أما مرحلة بقائه في الجنة فقد كانت مرحلة مؤقتة ثم نزل إلي الأرض، وتلقى آدم من ربه كلمات، قال العلماء هي "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" (الأعراف 23)
فنزل آدم إلي الأرض وجعله الله نبيًا واصطفاه " إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" (آل عمران 33)
ومضى الأمر، توحيدًا وإسلامًا مدة عشرة قرون( أي ألف سنة) علي التوحيد، ولكن وقع الناس في الشرك بالغلو في الصالحين؛ فقد كان هناك أناس من أهل الصلاح والتقوى، هم من الصالحين المعروفين بأسمائهم، فلما ماتوا حزن الناس عليهم حزنًا شديدًا، فكان هذا مدخلا من مداخل إبليس المتربص بالإنسان دائمًا " (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين" (ص82 )، فلا يكتفي إبليس أن يوقع الإنسان في المعصية، لكنه يريد الوصول به إلى الكفر" إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" (فاطر 6)،
فوسوس إبليس للناس بصنع تماثيل لهؤلاء الذين ماتوا يذكرونهم بها، فقال لهم" ماذا لو صنعتم لهم صورًا (أي تماثيل)تجعلونها في ناديكم تذكرونهم بها؟، فلقيت الفكرة قبولا وصنعوا التماثيل لهؤلاء الصالحين يذكرونهم ويدعونهم وتطور الأمر ليطلبوا منهم الدعاء ويتبركوا بهم شيئًا فشيئًا، فوقع الغلو حتي جاء جيل يقول: ما عظم آباؤنا هؤلاء إلا لأنهم آلهة، فعبدوهم من دون الله، ووقع الناس في الشرك.
"وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرا" (نوح 23)، فأرسل الله لهم أول رسول وهو نوح عليه السلام، وظل يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، هو عمر دعوته، ومع إصرار قومه أخذهم الطوفان إلا من أنجى الله مع نوح عليه السلام في سفينته، ثم تعاقب الرسل هود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وموسى حتى محمد عليهم السلام.
وإلى الآن هناك أصنام تُعبد على أنها آلهة