الشيخ بلال عبد المحسن.. ومعنى ذكر الله تعالى
كتبت – أمل أحمد
حول معنى ذكر الله تعالى كان درس الشيخ بلال عبد المحسن في مسجد أحمد عفيفي يوم السبت الماضي الموافق 24 يوليو 2010، وذلك بعد أن اعتذر الداعية الشيخ خالد عبد الله عن عدم الحضور.
ما معنى ذكر الله؟ يقول الشيخ بلال إنه ليس المقصود بالذكر إقامة حلقات يجتمع فيها الناس ليذكروا الله، ولا ترديد اللسان لكلمات فيما القلب مشغول بأمور أخرى. ولكن نحاول فهم معنى الذكر من قول الله تعالى:"ولذكر الله أكبر" (العنكبوت 45) أي أن يكون ذكر الله تعالى أكبر من كل ما يشغل الإنسان في حياته.. أكبر من كل ما يكبر في شعورك واهتماماتك وأحاسيسك. . وأن يصغر كل شئ في قلبك ليكبر ذكر الله، فذكر الله أشرف ما يخطر بعقل، وينطق به لسان، وتتحرك به شفتان، ويرد على خاطر.. وليكن الذكر على الدوام وبكثرة..
حالات الذكر
وليس لذكر الله وقت معين لأنه ينبغي أن يشغل كل الأوقات والأحوال، وفي كل موقف عليك أن تسأل نفسك: أين ذكر الله في هذا الموقف؟ وماذا يعني بالنسبة لك؟
- فمن الناس من تنتابه المخاوف على المستقبل، وما يمكن أن يخبأه له الغد، فيأتي ذكرُ الله عاملَ طمأنينة للنفس، وسكينة، وراحة، وهداية.. لتعلم أنك تأوي إلى ركن شديد "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (الرعد 28).
- ومن الناس من يجعل كل همه الدنيا، والجري وراءها لتحصيل حياة مادية صرف، حتى المسلمين؛ هناك نسبةٌ عالية منهم أصبح كل همها الدنيا، وهنا فإن ذكر الله يعني أن تعلم أن الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف، بل هناك حياة آخرة هي الأبقى: "فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا" (النجم 29)
"ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا" (الكهف 28)
- ومن يعتقد أن ذنبه كبير ويترك الفروض والواجبات ويتمادى في المعصية، يعاقبه الله بأن يظل في المعصية، والعقاب هنا لسوء ظنه بالله، ففي الحديث القدسي: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة" (رواه الترمذي)
يقول تعالى:" والذين اذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" (آل عمران 135)
والمسلم حين يقع في المعصية يعلم أن له ربًا غفورًا: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" (الأعراف 201)، أما الفاسق فيظل في معصيته.
- حب المال وحب جمع المال: إن الشيطان يغري الإنسان بالشح والبخل، ويخوفه الفقر ونقص المال.. ومن الذكر نعرف أن هناك رازقًا واحدًا هو الله، لا ينبغي أن يشغلنا عنه شئ:" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون" (المنافقون9).
- وفي طريق الكفاح، يوسوس الشيطان للناس ليوقعهم في الوهن، أو يحذرهم من قوة العدو، وفي المواقف الحرجة يوسوس الشيطان للإنسان: لو قلت الحق ستتعرض للمصائب، ولو اتخذ موقفًا لنصرة الحق جاء حديث النفس: ابق لنفسك وأهلك.. ماذا بوسعك أن تفعل؟ وهنا يكون ذكر الله تعالى: ": يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون" (الأنفال45)، وأن النصر والتثبيت من عند الله: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا . إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا
هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا"(الأحزاب9-11)
- وقد يسرح الخيال في آمال عريضة قد لا تتحقق في الدنيا، ويحمل المرء الهم ويعلوه الغم، وبدلا من ذلك ليكن ذكر الله في القلب: من رزقك؟ ومن آواك؟ ومن أطعمك وكساك؟ "الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحين" (الشعراء 78 -81)، نتيقن من ذلك لنصل إلى مرحلة" ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه" فكان من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله.
الذكر يجب أن يكون كثيرًا
يقول الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا وسبحوه بكرة وأصيلاً" (الأحزاب 41- 42)، ويقول: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" (الأنفال 45)، ويقول:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" (الجمعة 10)
" فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق" (البقرة 200)
ومن الذكر الكثير أن تتوجه إلى الله مبتدأ كل طلب، لأنه: "ما تعسر طلبٌ أنت طالبه بربك، وما تيسر طلبٌ أنت طالبه بنفسك".
وأن تستعن بالله؛ فنحن نردد خلف المؤذن حين يرفع الأذان ونقول مثل ما يقول، لكن إذا وصل إلى "حي على الصلاة.. حي على الفلاح" لا نقول مثل ما يقول وإنما نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي أننا نستمد الحول والطول والقوة والنشاط والحيوية والحركة من الله سبحانه.
وفي حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد صحيح.
وأنت إن لم تنشغل بالذكر انشغلت بما لا يفيد، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
ومن الذكر الكثير أن لا يغيب الله عنك، وقد سئل أحد الصالحين: ألا تشتاق إلى الله؟ قال إن الإنسان يشتاق إلى الغائب، ومتى غاب الله عني حتى أشتاق إليه؟
قال تعالى عن الشعراء (وشبيه بهم الإعلاميون في عصرنا هذا): "والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرًا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (الشعراء224-227)
وقد كان صلى الله عليه وسلم دائم الذكر لله في جميع أوقاته حتى وهو نائم: فعن جابر بن عبد اللَه رضي الله عنه قال: " جاءَت مَلائكَة إِلَى النبي صلى الله عَلَيه وسَلم وهو نَائِم فَقَال بعضهم إِنَّه نَائم وَقَال بعضهم إِن العين نائمة والْقَلْب يقظان فَقَالُوا إِن لصَاحبِكم هَذا مثَلا فَاضربوا لَه مَثَلا فَقَال بعضهم إِنَّه نَائمٌ وَقَال بعضهم إن العين نَائمةٌ وَالْقَلْب يَقظَان فَقَالُوا مَثَلُه كَمَثَل رَجل بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدبَةً وبَعَث داعيًا فَمَن أَجَاب الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنْ الْمَأْدُبَةِ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ الْمَأْدُبَةِ فَقَالُوا أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا فَالدَّار الْجنة والداعي محمد صلى اللَّه عليه وسلم فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صَلى الله عَلَيه وَسَلمَ فَقَد أَطَاعَ اللّه وَمَنْ عَصَى محمدًا صلّى اللَّهُ عَلَيْه وسلّم فَقَد عَصَى اللَّهَ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ"( صحيح البخاري)
وقد علمنا صلى الله عليه وسلم أن نذكر الله في كل حال؛ عند النوم وعند الاستيقاظ وعند دخول البيت وعند الخروج، وفي الصباح والمساء، وفي كل الأحوال