التوحيد.. رسالة مستمرة عبر الزمان
كتبت – أمل أحمد
يواصل الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي حديثه حول بدايات الانحراف العقدي الذي أصاب البشرية، بعد مضي عشرة قرون، ظل فيها آدم عليه السلام، وأولاده وذريته على دين الله الحق، وكيف وقع الناس في غواية الشيطان: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير"(فاطر6).
"كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
(الحشر 16-17)
رسالة واحدة
وفي المقابل جاءت الرسل والأنبياء برسالة واحدة: عبادة الله وحده، مع اختلاف في التشريعات:
" لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (الأعراف -59)
وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"( الأعراف -65)
وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (الأعراف -73)
وإلى مدين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره (الأعراف -85)
فالشيطان يريد أن يوقع البشرية في الشرك، وكان الغلو في حب الصالحين هو أول المداخل التي نفذ منها الشيطان، فقد صُنعت الأصنام والتماثيل للصالحين الذين ماتوا(ومن أشكال الغلو الذي لا يزال قائمًا أن تجد مقصورة قبر الحسين رضي الله عنه أو قبر السيدة زينب من الذهب والفضة).. كانت بداية الشرك في البشرية شركًا في الجمادات؛ قطع حجرية تُنحت وتُنصب وتُعظم ثم تُعبد.
ويحدث شبيه ذلك الآن عند مقامات الأولياء والصالحين، وهو وما سبقه مما ذكرنا في ميزان الإسلام سواء، لأن المطلوب هو إخلاص العبودية لله " ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا" (الكهف 110)، والخطورة التي يخشى منها في الصنمية، موجودة هنا أيضًا:( دعاء – استغاثة – نذر – ذبح – نداء للأضرحة والمقامات)، لذا فنحن ننهى عن هذه الصور مظنة أن تُوقع الإنسان بالشرك، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من حدث ذلك فقال: "... ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان".
ولكن قبل هدم التماثيل الموجودة في الشوارع والميادين، لا بد أن تُهدم في قلوب الناس ولا تُعبد ولا تُعظم؛ أي تُهدم في القلوب قبل أن تهدم في الواقع.
آلهة قوم إبراهيم
وقد قص القرآن الكريم قصة قوم سيدنا إبراهيم والأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم ثم يعبدونها:
"وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَ?ذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ
قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى? ذَ?لِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ
قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَ?ذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ
قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى? أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ
قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَ?ذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ
قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَ?ذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ
فَرَجَعُوا إِلَى? أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى? رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَ?ؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ
فَرَجَعُوا إِلَى? أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ
ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى? رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَ?ؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ
قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى? إِبْرَاهِيمَ
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء 51- 71).
عبادة العجل والشجر
وبعد قوم إبراهيم، عبدَ بنو إسرائيل العجل:" واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين"
(الأعراف -148)
ولم تنته عبادة الأصنام، وانتقلت من بلاد الرافدين وبلاد الشام إلى بلاد العرب وظلت هناك حتى مجئ محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام، وحين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا، كانت في يده حديدة يشير بها إلى الأصنام ويقول "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا"
ورغم ذلك لا تزال عبادة الأصنام موجودة في بعض البلاد، وكما عبدت الأصنام عبدت أشياء أخرى:
فهناك من يقدس بعض الأشجار ويتبرك بها، وقد كانت للمشركين شجرة تدعى "ذات أنواط" يتبركون بها، ويأتون إليها كل عام يعلقون عليها أسلحتهم طمعًا في النصر ويذبحون عندها، وسأل بعض أصحاب النبي (في غزوة حنين، وكانوا حديثي عهد بالجاهلية بعد قليل من فتح مكة) أن يجعل لهم "ذات أنواط" كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر.. الله أكبر.. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة. قال إنكم قوم تجهلون. إنها للسنن . سنن من كان قبلكم"
وفي السيرة أن الصحابة بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان المكان بين مكة والمدينة، فكان من يسافر على الطريق يأتي الشجرة ويستريح عندها، فبعث عمر بن الخطاب من يقطعها حتى لا يحدث تعظيم لها، وكم عندنا من أشجار لا بد أن تجتث من أصولها.
وإلى اليوم هناك عشرات القرى المليئة بأشجار يتبرك بها الناس، وهذا ليس من دين الله في شئ. فهل تصلح شجرة أن تكون ربًا ينفع أو يضر؟
وهناك عبادة البقر؛ فقد عبد قدماء المصريون عجل "أبيس"، وعبد بنو إسرائيل العجل، وصنعوه من الذهب، ولا يزال بعض الهنود يعبدون البقر، ويعدونها من أعظم آلهتهم.