الشيخ كرم حلمي.. من "الكرنك" إلى الرحاب

حوار أحمد غانم
الشيخ كرم حلمي أحمد محمود، أحد الأئمة المميزين فى مدينة الرحاب؛ يعرفه الناس بابتسامته الهادئة، وكلماته الواثقة وملامح وجهه الصعيدية، من مواليد 27 سبتمبر 1975، تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1998 وحصل على تمهيدي ماجستير فى التاريخ الإسلامي من نفس الكلية ثم الماجستير في تاريخ المشرق العربي بعنوان"الحالة الأدبية والثقافية  في عهد التيموريين في إيران من سنة 807 إلى سنة 911 هـ، ويحضر حاليًا للماجستير في "علم الحديث".

التحق بالعمل بالشركة العربية للمنشآت العمرانية (طلعت مصطفى) عام 1999 كإمام وخطيب فى قرية "ماى فير" التابعة للشركة بمدينة الشروق وعمل بها 4 سنوات انتقل بعدها إلى  الرحاب عام 2003 ليتولى الإمامة بمسجد الرحمن بالمرحلة الثالثة والذي يعرف بالمسجد الأحمر، وبقي به حتى عام 2008 لينتقل بعدها إلى مسجد أحمد عفيفي بالمرحلة الثانية.

موقع "رحابي" التقى الشيخ كرم ليتعرف على جانب من مشوار حياته الذي بدأ في إحدى قرى صعيد مصر لينتهي به المطاف في الرحاب.

ماذا عن نشأة الشيخ كرم بصعيد مصر؟
أنا من مواليد قرية الكرنك, التابعة لمركز أبو تشت بمحافظة قنا في صعيد مصر؛ تلقيت أول دروسي في سن أربع سنوات في كَتاب الشيخ علي بالقرية الذي كان يتسع لـ 300 طفل يزداد عددهم إلى 500 طفل في الصيف, وهناك تعلمت القراءة والكتابة وبدأت حفظ القرآن الكريم علي يد الشيخ علي ومن بعده ابنه الشيخ عبد الرءوف. حفظت نصف القرآن الكريم وأنا في الصف الرابع الإبتدائي وكنت في مدرسة" نجع تركي" الإبتدائية وأتممت حفظ القرآن في نهاية المرحلة الإعدادية في مدرسة "الدكتور رشدي فكار" ثم حصلت على الثانوية العامة من مدرسة "فصول عزبة البوصة" الثانوية.

إذًا أنت من بلد العلامة الكبير الدكتور رشدي فكار؟
نعم، وهى تختلف عن مدينة الكرنك بمحافظة الأقصر المشهورة بالآثار الفرعونية، وإن كانت قرية الكرنك بمحافظة قنا من أقدم قرى مركز أبوتشت وفيها آثار تاريخية تعود إلى الأسرة الخامسة عشرة، وبها أقدم مسجد في مركز ابوتشت وهو مسجد الشيخ أبو علي السماسيري الذي تعود أصوله للمغرب لأكثر من 300 عام، كما قدمت الكرنك العديد من الشخصيات العامة التي نفتخر بها ومن أبرزهم العلامة الكبير د. رشدي فكار الذي قرأت له بعض المقالات ورأيته وجهًا لوجه مرة واحدة في حياتي كنت ساعتها تلميذًا بالصف الثاني الاعدادي وقد حضر بصحبة شيخ الأزهر لافتتاح معهد فتيات الكرنك الأزهري الذي يحمل اسمه، كما زار مدرستنا الاعدادية التى تحمل اسمه أيضًا وتحدث عن ذكرياته مع قرية الكرنك التى قضى فيها طفولته. والدكتور فكار من أسرة عريقة هى (آل فكار)، وبحكم التكوين القبلي للقرية نشأ على القيم والأخلاق الحميدة وحب الخير للجار.

من أهم الشخصيات التي تأثرت بها في حياتك؟
بالطبع, الشيخ علي شيخ الكتاب؛ فهو أول من تتلمذت علي يديه, ومدرس الرياضيات الأستاذ أحمد حماد, ثم مدرس الفصل الأستاذ جاد, الذي كان له أثر كبير في تعليمي الإصرار والرضا والابتسام في أشد الأزمات خاصة عندما تعرضت لحادث وأجريت لي عملية جراحية وأنا في الصف الثاني الابتدائي ولا أنسى أيضا فضل أساتذتي الكبار في كلية دار العلوم ومنهم د.عبد الصبور شاهين أستاذ علم اللغة, ود. صلاح سلطان أستاذ علم الشريعة كما تأثرت أيضا بعدد من المشايخ ممن حضرت لهم دروس علم مثل د. جمال عبد الهادي والشيخ محمد حسان وأبو اسحق الحويني ود.مصطفى العدوي ود.عمر عبد العزيز و.صبري عبد الرؤوف

هل مارست الخطابة قبل عملك بالرحاب؟
نعم كنت إمامًا وخطيبًا بمسجد الرحمة بمصر الجديدة، وكنت أخطب وأنا طالب بالمدينة الجامعية وخطبت أيضًا فى بعض المساجد بمنطقتي المهندسين والدقي.

الانتقال من المسجد الأحمر لمسجد عفيفي؛ هل تم بقرار إداري أم برغبة منك؟
برغبة شخصية مني لقناعتي الخاصة بضرورة تجديد الدماء فى المساجد كل فترة لأن مكوث الإمام فترة طويلة فى مسجد بعينه يصيبه ببعض الجمود.

بمعنى؟
هناك نوعان من الأئمة فى الخطابة، بعضهم يفضل الموضوعات المسلسلة كحلقات متوالية سواء فى الفقه أو العقيدة أو العبادادت أو الاخلاق أو السيرة، وهذا النوع يفضل الالتزام بمسجد واحد فترة طويلة لأنه يبني فكرة على أخرى وينتقل من موضوع لآخر فى نفس السلسلة ويرتبط معه رواد المسجد المنتظمين، لكن هناك نوعًا آخر من الأئمة –وأنا منهم- يفضل الحديث فى موضوعات متنوعة ومختلفة أو قد يعالج من خلال خطبه ودروسه بعض المشكلات التي تقع فى المجتمع، وهذا لا يهمه الارتباط بمسجد بعينه لأن تركيزه يكون على المشكلات والظواهر وطرق معالجتها.

هل تفرض عليكم الإدارة الحديث فى موضوعات بعينها أم أن هناك حرية لكل إمام فى اختيار ما يحب الحديث عنه؟
لا توجد أى تدخلات من أى جهة فى تحديد ما نتحدث عنه فى خطب الجمعة، والموضوع يتعلق بمجموعة الأئمة فى الرحاب فحسب، إذ نجتمع يوم الخميس من كل أسبوع لنناقش أهم الموضوعات التى يجب أن تثار على المنابر.

مثل؟
النواحي السلوكية سواء دخل الشارع المصري بشكل عام أو داخل الرحاب بشكل خاص، كالمعاكسات بين الشباب والفتيات، والعلاقات بين الجيران، والظواهر السيئة فى الأسواق، ومظاهر العري ومحاربة الرذيلة، وظاهرة وقوف الشباب على نواصي الشوارع والكافيهات، وقيادة السيارات بطريقة غير لائقة، وتفشي الألفاظ البذيئة وازعاج الآخرين برفع أصوات الكاسيت وغيره، وظاهرة عدم اهتمام السكان بالتعليم الديني لأبنائهم فهم يهتمون أكثر بتعليم أولادهم اللغات الاجنبية، وقليلٌ من يحرص على أن يعلم أولاده شيئًا من القرآن والسنة المطهرة، هذا بخلاف ظاهرة خطيرة مثل التفكك الأسري فترى كثيرًا من الآباء والأمهات لا يهتم بأولاده، وبعض الأزواج لايهتم بزوجته، والعكس صحيح. مثل هذه الأمور نناقشها على المنابر لأنه واجب الدعاة.

كيف تقوم بالتحضير لخطبة الجمعة؟ وهل يمكن تغيير الخطبة تبعًا لأي طارئ؟
 أقوم بإعداد الخطبة من أول الأسبوع, ولكن لو صادف أن هناك حدثًا يلزم الكلام حوله؛ فبالطبع أتناوله في الخطبة بل يمكن تغييرها لتكون حول هذا الموضوع.

ما المراحل العمرية الأكثر ارتيادًا للمسجد؟
رواد المسجد مزيج من المصريين وغير المصريين, بنسبة ثلاثة أرباع إلى الربع تقريبًا، وأكثر المراحل العمرية ارتيادًا للمسجد هم من سن 10 إلى 40 سنة.

هل هناك أي نشاطات أخرى فى المسجد إلى جانب عملكم كإمام وخطيب؟
بالطبع هناك دروس أيام السبت والأربعاء والجمعة؛ السبت للشيخ خالد عبد الله فى الرقائق بعنوان "ترويض النفس"، والأربعاء درس د.عمر عبد العزيز القرشي فى العقيدة، والجمعة ألقي درسًا فى السيرة، وهناك أيضا دروس تجويد عامة أيام الأحد والثلاثاء والخميس، إلى جانب حديث الفجر"من رياض الصاحين"، و"مقرأة الفجر"، أما بالنسبة للأطفال فهناك حلقات تعليم أحكام التجويد فى الشتاء يومي السبت من 10 صباحًا وحتى صلاة الظهر، والجمعة من بعد صلاة الجمعة وحتى العصر، وفى الصيف ثلاثة أيام للبنين وثلاثة أيام للبنات.

كم عدد الأئمة فى الرحاب ومدينتي؟
نحن 14 إمامًا موزعين على 10 مساجد كبيرة ومصليات صغيرة: 8 بالرحاب وهي مسجد الهداية بالمرحلة الأولى وأحمد عفيفي بالثانية والرحمن بالثالثة وطلعت مصطفى بالرابعة وأسامة مرعي بالخامسة ومسجد بلال بالسوق ومسجد النادي ومصلى العمال بالرحاب(2)، وفي "مدينتي" يوجد مصلى الإدارة ومصلى العمال، وهناك تبادل فى الإجازات نظرًا لسفر بعض الأئمة إلى قراهم بانتظام وأنا منهم.

هل أنت متزوج؟
نعم؛ ولدي ثلاثة أبناء معاذ تجاوز 3 سنوات، والتوأم رغد وحنين، شارفتا على السنتين.

هل توفر لكم الإدارة مسكنًا عائليًا؟
الإدارة توفر مكانًا للإمام بمفرده، لكن من يرغب منا فى السكن العائلي يقوم باستئجار سكن فى تجمعات القاهرة الجديدة القريبة من الرحاب.

ولماذا لا تقيم بأسرتك قريبا من الرحاب؟
هذه رغبتي الشخصية، فإلى جانب زوجتي وأولادي هناك والدي ووالدتي وهما كبيران فى السن، وليس هناك من يرعاهم سوى زوجتي، وأولادي هم سبب بهجتهم وفرحتهم، ومن باب بر الوالدين فضلت ترك زوجتي وأولادي معهما فى القرية آملاً من الله تعالى أن يثيبني خيرًا على نيتي ويمنحني ثواب بر الوالدين، لذا فأنا اضطر للسفر كل 20 يوم إجازة لمدة 10 أيام وأضحي براحتي من أجل إسعاد أبي وأمي، وأسال الله أن يتقبل مني هذا العمل ويكون في ميزان حسناتي يوم القيامة.

لو خُيرت بين الاستمرار فى الرحاب والعودة لقريتك فى قنا أيهما تختار ولماذا؟
بالطبع سأختار الرحاب؛ فرغم ما بها من مشكلات إلا أن المدينة تتميز بتجمع واعٍ ومتحضر ومتدين بنسبة كبيرة قلما تجده فى مجتمع آخر، وهو تدين مستقيم وعاقل ومتزن لما يتمتع به سكان المدينة من فهمٍ للدين.

بدأنا شهر رمضان، كل عام وأنتم والمسلمين بخير، فهل لمساجد الرحاب برنامج مختلف فى هذا الشهر الكريم؟
نعم مساجد الرحاب لها برنامج متميز فى رمضان، وهو يتغير من عام لآخر، فمثلا نحن نقسم المساجد فى صلاة التروايح بين القراءة بجزء، ونصف جزء، وربع جزء، وربع حزب بحيث تكون هناك خيارات متعددة أمام المصلين، كلٌ حسب مقدرته،  وهناك دروس أثناء صلاة التروايح. ومن ضمن البرنامج أيضًا وجود 4 ختمات للقرآن فى مساجد المدينة؛ ختمتان ليلة 27 رمضان فى صلاة التراويح وختمتان ليلة 29 فى صلاة التهجد، كما تنظم بعض المساجد مقارئ لتعليم أحكام التجويد للأولاد بعد صلاة الفجر أو العصر بخلاف المعتكف فى العشر الأواخر من رمضان، وهناك مائدة الرحمن لعمال "مدينتي".

وماذا عن صلاة العيد فى الرحاب؟
صلاة العيد هنا لها طعم مختلف حيث تقام الصلاة فى ساحتين؛ أمام مسجد طلعت مصطفى وفى النادي، ويصل عدد المصلين فى الساحة حوالي 15 ألف مصلي، كما يتم فتح مسجدين لكبار السن، ونقوم بتزيين ساحات الصلاة وتكون هناك هدايا للأطفال بهذه المناسبة السعيدة.