بعد حكم بطلان العقد.. هل أصبح مشروع "مدينتي" في مهب الريح؟
** المحكمة: المتعاقدون على وحدات سكنية أو محلات أو وحدات سواء كانوا قد استلموها أو لم يستلموها، لن يضار مركزهم القانوني عند معالجة آثار الحكم وعلى الجهات المختصة مراعاة ذلك عند إعمال آثار الحكم ببطلانه
** الحكومة: الحكم لن يؤثر على حقوق المواطنين أو المستثمرين الذين تعاقدوا أو اشتروا في المشروع
** سيناريوهان مرجحان لما بعد الحكم .. كلاهما يرجح استمرار علاقة مجموعة طلعت مصطفى بالمشروع
كتب أحمد غانم
نزل الحكم الذي أصدرته الثلاثاء 14 سبتمبر 2010 المحكمة الإدارية العليا بشأن بطلان عقد "مدينتى" كالصاعقة على الجميع؛ سواء الحكومة ممثلةً في وزارة الاسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التي أسندت الأرض لمجموعة طلعت مصطفى بالقرار المباشر، بعيدًا عن قانون المزايدات والمناقصات، وكذلك على المجموعة صاحبة المشروع، وعلى المواطنين الحاجزين للوحدات والفيلات الذين دفعوا " شقا عمرهم" أملاً في الحصول على مسكن هادئ ونظيف، خاصة وأن هناك شكوكًا بأن "مدينتي" أصبحت في مهب الريح، ولا أحد يعلم المصير الذي ينتظرها.
من جانبها أكدت الحكومة على لسان المتحدث باسم مجلس الوزراء مجدى راضى أن الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا بشأن بطلان عقد "مدينتى" لن يؤثر على حقوق المواطنين أو المستثمرين الذين تعاقدوا أو اشتروا في هذا المشروع.
فيما أكد المهندس أحمد المغربى، وزير الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، احترام هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة الكامل لأحكام القضاء مع التأكيد على الحفاظ على ما استقر من أوضاع، وحماية حقوق جميع ذوى الشأن.
وأضاف في بيان صادر عن وزارة الاسكان أنه لن يضار أى من المواطنين والمستثمرين المتعاقدين مع الهيئة، خاصة في ضوء ما انتهت إليه النيابة العامة من حفظ التحقيق جنائيًا في موضوع العقد المشار إليه، لعدم توافر سوء النية.
وقد شهدت البورصة الثلاثاء تراجعًا في سهم مجموعة طلعت مصطفى بشكل حاد عقب صدور الحكم حيث تراجع السهم من 7.5 جنيه إلى 7.05 جنيه خلال دقائق من إعلان الخبر، ثم واصل الخسائر، إلا أن جهاد الصوافطة نائب رئيس شركة طلعت مصطفى، قال إن الشركة ملتزمة بتسليم الوحدات السكنية لعملائها في مشروع مدينتي, مشيرًا إلى أن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ستقوم بالتعاون مع القضاء المصرى بتصويب العقد وتوثيقه بما يتناسب مع القوانين المصرية، دون الإخلال بشروط التعاقد بين "طلعت مصطفى" والحكومة.
وأكد الدكتور شوقي السيد رئيس إدارة الشئون القانونية بمجموعة طلعت مصطفى والمستشار القانونى للشركة، الامتثال للحكم فى قضية "مدينتي"، وأنه لا نية للدخول مجددًا في صراعات قانونية أو طعون على أراضى "مدينتي" أو حتى التفكير في دفع مبالغ مالية مقابل سعر الأرض للحكومة، وخاصة أن قرار المحكمة نهائى.
وقال إن الشركة محتفظة بكامل حقوقها المادية فى الوحدات السكنية التى أقامتها على تكلفتها والتى تعد قيمتها من حق الشركة، لافتًا إلى أن الحكومة الآن هى المسئولة أمام المتعاقدين عن تنفيذ تعاقداتهم واستلام وحداتهم السكنية أو فسخ العقود، خاصة أن وزيري المالية والإسكان أكدا التزامهما الحكومى أمام المتعاقدين.
600 مليار جنيه
وعلى الجانب الآخر، وعقب صدور الحكم، ضجت قاعة المحكمة بالفرحة، وارتسمت الابتسامة على وجه المهندس حمدى الفخرانى صاحب الدعوى والمتضامنين معه.
وأكد الفخراني أنه منذ البداية كان على ثقة كاملة في القضاء المصرى النزيه، وأن هذا الحكم الصادر لصالحه إنما هو لصالح الشعب المصري كله الذي كانت ستضيع عليه 600 مليار جنيه، كان سيستحوذ عليها هشام طلعت مصطفى، مؤكدًا أنه تجب محاكمة جميع المسئولين المتورطين فى ذلك العقد، وفى تسهيل الاستيلاء على المال العام.
وعن الخطوة القادمة، أكد أنه منذ اليوم يجب البدء فى تنفيذ الحكم لأنه نهائى لا رجعة فيه.
في حين يرى الخبراء أنه بعد صدور لحكم انتقلت تبعية المشروع بالكامل من الشركة إلى الحكومة، وأصبحت صيغة التعاقدات الآن مرهونة بوزارتى الإسكان والمالية ومدى تنفيذهما لنصوص التعاقد الذى تمت صياغته من مجموعة طلعت مصطفى، خاصة أن الحاجزين بالمشروع لهم حق قانونى فى نسبة من الأراضي بواقع 2% من حجم المنشآت والتى تحتسب من إجمالى قيمة المنشأة على الأرض.
ويرى البعض أن وزارة الإسكان ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية مسئولة عن تنفيذ بقية المشروع بنفس القيمة ونسبة الأرض فى التعاقدات وبنفس سعر مجموعة طلعت مصطفى، وفى الوقت نفسه مسئولة أمام الحاجزين عن توزيع حصة الأرض لكل وحدة سكنية للمشترين.
سيناريوهات الحال بعد الحكم
وعلى كل حال، هناك أكثر من سيناريو متوقع حسب كلام الخبراء، فإما أن تقوم الحكومة باسترداد الأرض فقط دون المشروع الذى سيظل مسئولية الشركة وتعيد مرة أخرى صياغة عقد آخر للأرض بعد إعادة تثمينها طبقًا لقانون المزايدات والمناقصات وبالسعر الجديد للأراضى في التوقيت الحالي، أو أن يتم تسعير الوحدات السكنية الموجودة على الأراضي وتتم محاسبة المجموعة عليها وتخرج من المشروع نهائيا كشريك، والتعامل معها فى بقية المشروع كمقاول من الباطن لتنفيذ بقية المشروع لضمان تسليمه وتنفيذه بنفس الشكل للوحدات الذى قامت به المجموعة على جزء من الوحدات.
لكن المؤكد هو أن مصير الحاجزين الآن أصبح فى يد هيئة المجتمعات العمراينة التي تعد المسئول عن إتمام التعاقد وتسليم المشترين فى مواعيدهم سواء اعتمدت على مجموعة طلعت مصطفى فى التنفيذ أو على غيرها، لكن هذا لا ينفي أن الحكم سيكون له تأثير سلبى على حركة البيع والشراء بجميع المشروعات العقارية وله أبلغ الأثر فى هز صورة الاستثمار العقاري وزعزعة الثقة في المشروعات العقارية الكبرى، خاصة وأن هناك توقعات بأن تتجه مجموعة من الحاجزين إلى سحب أموالهم من المشروع وإلغاء التعاقدات خلال الأيام القليلة المقبلة.
حيثيات الحكم
وأودعت المحكمة في حيثيات حكمها إن العقد محل التداعي وملحقه قد انفض على تصرف هيئة المجتمعات العمرانية إلى الشركة العربية للمشروعات والتطوير العمرانى في 8 آلاف فدان، وإقامة الشركة وحدات سكنية من الإسكان الحر لبيعها إلى الغير، ومن ثم يكون عقد بيع يخضع لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات في أوضح صوره.
وأضافت المحكمة أن هذا العقد مبرم في الأول من شهر أغسطس 2005 وملحقه في 21 ديسمبر 2005، أى في ظل العمل بأحكام هذا القانون ومن ثم يكون خاضعًا في إبرامه لأحكامه.
وأوضحت المحكمة أنه بمقارنة البيع الذي تم في تلك الحالة المعروضة، فإن الوضع بدا وكأنه أمر عجيب، ففي حالة عقد مشروع "مدينتي" بدا تصرفًا في المال العام محاطاً بالكتمان، لا يعلم أحد من أمره شيئا إلا طرفاه، فتمخض الأمر عن بيع أراضى الدولة بمقابل عينى ضئيل يتم أداؤه خلال 20 عامًا، يمكن زيادتها إلى 25 عاما، فضلا على اشتمال العقد على شروط مجحفة.
وأشارت المحكمة إلى أن العقد بادئ ذى بدء ينص على التصرف في 5 آلاف فدان، زادت في ملحقه إلى 8 آلاف فدان، إضافة إلى تقرير حق الشركة سالفة الذكر في الاستحواذ على مساحة 1800 فدان بالشفعة، وذكرت المحكمة أنه بالنسبة للحالات الأخرى فقد جرى الإعلان داخل مصر وخارجها، بل جرت حملة إعلانية ضخمة للإخبار عن مزادات بيع تلك الأراضي ومواعيدها، حيث وصل الإعلان إلى ذروته وغايته، وذلك قصدًا لتحقيق الشفافية والعلانية وتكافؤ الفرص، فقد تنافس الجميع وحصلت الدولة على أفضل الأسعار وفق أنسب الشروط.
وأكدت المحكمة أن الفارق بدا شاسعًا بين عقد بيع أراضي مدينتي، وسعر البيع في الحالات الأخرى اللاحقة، رغم أن البيع اشتمل في بعض الأحيان على أراضٍ في ذات منطقة القاهرة الجديدة التي بها مشروع "مدينتي"، وأن هذه البيوع تمت بفاصل زمني في بعضها لا يزيد عن بضعة أشهر.
وأوضحت المحكمة أنه بدا أيضًا أن مقابل البيع في أراضي "مدينتي ضئيل" وغير متناسب مع قيمة الأرض المباعة، حيث أداؤه وفق مراحل زمنية تصل إلى 20 عاماً، أو تزيد، وفي الحالات الأخرى بدا ثمن الأرض المبيعة عادلاً ومتوافقاً مع سعر السوق، والذي تم تحديده من خلال مزادات علنية عامة علم بها من بالداخل والخارج، فانبسط الأمل واتسع الرجا، وبدت صحارى مصر أراضٍ سكنية ومجتمعات عمرانية بدت وكأنها كنوز لا تنفد، ومعين لا ينضب جدير بحمايتها والحرص عليها من أن تبدد بأثمان بخسة.
وأكدت الحيثيات أنه في حالة أرض "مدينتي" اهتزت الثقة في السوق العقاري إثر علم المستثمرين بظروف وملابسات بيع أرض المشروع، ومقابله وشروطه، وداخل الناسَ الشك في أسلوبه، وكيفية إخراج المال العام من ذمة الدولة إلى الغير، وتحديداً إلى مستثمر بعينه، أما في الحالات الأخرى فقد أقبل المتنافسون في مزادات في وضح النهار، فزادت موارد البلاد وأخذ الاستثمار العقاري طريقه إلى النمو والازدهار.
وقالت المحكمة إن العقد المتداعى هو عقد بيع اشتمل على بيع مساحات شاسعة تكفي لإنشاء مدينة بأكملها، فقد جرى إبرامه بالأمر المباشر في خروج سافر وإهدار بواح لأحكام قانون المناقصات والمزايدات، وما تقتضيه أصول الإدارة الرشيدة من أن يجري إبرامه من خلال مزايدة علنية أو مظاريف مغلقة يتبارى فيها المتنافسون، وهو ما يعيب الإدارة التى انعقد بموجبها العقد، بل ويلقى بظلاله ويعكس آثاره على التوازن المالي مقابلاً وشروطاً للعقد، وهو ما من شأنه أن يسىء العقد بوصفه بالباطل.
وأشارت المحكمة إلى أنه بالنسبة للمتعاقدين على وحدات سكنية أو محلات أو وحدات أخرى بقصد الاتجار والاستثمار، سواء كانوا قد استلموها أو لم يستلموها، فإن مركزهم القانونى "لن يضار" عند معالجة آثار الحكم ببطلان أرض بيع أراضي المشروع، وأوضحت المحكمة أن المتعاقدين تعاملوا مع بائع ظاهر بحسن نية، ولن يضار أحد منهم من آثار الحكم وعلى الجهات المختصة مراعاة ذلك عند إعمال آثار الحكم ببطلانه، والتي مؤداها إنهاء العقد وإعادة الأرض محل العقد إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مع تقييد التصرف فيها بإتباع الإجراءات القانونية السليمة بالمقابل العادل في الوقت الحالى.
وأكدت المحكمة أنه لا صحة للقول بأن حكم بطلان العقد المشار إليه سيلقى بظلاله على كل من سبق أن خصصت له قطعة أرض من الأشخاص الطبيعيين أو النقابات أو النوادي، أو غيرها من الجهات التى تقدم على تأدية الخدمات لأعضائها، ولا تستهدف الربح، مشيرةً إلى أن التخصيص الذي تم لهؤلاء كان وفق القواعد المقررة للهيئة ولائحتها العقارية بشأن الإسكان الاجتماعي، لخروجه عن المفهوم الذي يخضع لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات المشار إليه، والذي يلزم إتباع المزايدة بشأن إجراءاتها المقررة فى القانون.
وذكرت المحكمة أن لا ينال مما تقدم أن النيابة العامة قررت التحفظ على التحقيق فى بلاغ إهدار المال العام محل التداعي، وذلك أن أمر بطلان العقد من عدمه مسألة مستقلة عن هذا التحقيق الذى يتعلق بالمسئولية الجنائية، وعما إذا كان هناك إهدار للمال العام من عدمه.