تشغيل كوبري "الكيلو 4,5" .. هل ينهي معاناة الطريق إلى الرحاب؟
إيمان زكريا: أسعد خبر سمعته منذ سكنت بالرحاب
خالد إبراهيم: حل مؤقت لأزمة مرور مزمنة.. فلوس مرمية على الأرض!
دراسة علمية: الكباري والأنفاق ليست حلاً
كتب: أحمد غانم ونسمة جاد
صباح يوم الأحد 29 أغسطس الماضي، كان سكان مدينة الرحاب ومن حولها على موعد مع مفاجأة سارة على الطريق، لا تتكرر كثيرًا, فالسيارات تسير بانسيابية غير معهودة, مظاهر الزحام والتوقف الطويل اختفت, والطريق إلى مصر الجديدة الذي كانوا يقطعونه في حوالي الساعة أصبح وقته لا يتعدى الـ20 دقيقة.
كلمة السر كانت فى "كوبري (4,5)" الذي أقيم في إطار خطة تطوير مدخل طريق القاهرة/السويس لحل الأزمة المرورية عند مدخل القاهرة الشرقي مع طريق السويس عند منطقة الكيلو 4,5 المكتظة بالسكان.
الطريق الذي يشمله التطوير طوله 7,5 كم ، بعرض متغير ما بين 30 إلى 40 مترا، وقامت بتنفيذه القوات المسلحة بالتعاون مع جهاز تعمير القاهرة الكبرى بوزارة الإسكان، ومحافظة القاهرة، أما الكوبري فقد تم تنفيذه في 20 شهرًا، بتكلفة إجمالية بلغت 25 مليون جنيه، ويبلغ طوله 800 م في الاتجاهين بعرض 24,5 متر، وكل اتجاه عبارة عن 3 حارات مرورية، ويرتكز الكوبري على 28 قاعدة، ويتكون من 26 "بكية" خرسانية.
واجهت إنشاء الكوبري عدة مشكلات متمثلة في تعارض مسارات الكوبري مع المرافق التحتية، مثل خط غاز طبيعي قطره 400 مليمتر، وكابلات كهرباء، وخطي صرف صحي بقطري 400، و600 مليمتر، وكذلك خط مياه بقطر 400 مليمتر، وقد تم التغلب على تلك المشكلات بعمل التحويلات اللازمة.
"رحابي .نت" التقت عددًا من سكان الرحاب وسألتهم عن الكوبري وتأثيره عليهم من حيث توفير الوقت والجهد في القيادة:
يقول عمرو صابر، دكتور أمراض جلدية ويقطن بالرحاب منذ 6 سنوات،إنه سعيد جدًا بإنجاز الكوبري وتشغيله في فترة وجيزة، ويقول "محسن عبد التواب"، مدير شركة تعبئة وتغليف يسكن بالرحاب منذ 3 سنوات: "الدنيا هديت من زحمة هذه المنطقة، وخاصة فى أوقات الذروة أثناء الذهاب إلى العمل صباحًا والعودة إلى المدينة بعد الظهر.
وترى "هبه أحمد"، مهندسة تسكن بالرحاب منذ سنتين أن الكوبرى سهل الوصول إلى المدينة بشكل أسرع مما مضى.
ويقول "محمد عاصم"، محاسب يسكن بالرحاب منذ 5 سنوات: لم أكن أتصور أن يحل الكوبري أزمة المرور بمنطقة الكيلو 4,5 بهذه السرعة فأنا كنت زهقت من الكيلو 4,5 وموقف أتوبيس بدر وعدم وجود أمين شرطة "يوحد ربنا" يسأل فينا، والميكروباصات حاجة غير طبيعية، تمشي عكس الاتجاه وطول الوقت كلاكسات اعتقادًا منهم أنهم بذلك يحلون المشكلة ويسرعون حركة السيارات، لكن الوضع الآن اختلف كثيرًا، والحمد لله أنا سعيد جدا بتشغيل الكوبري.
وتعتبر"إيمان زكريا"، ربة منزل تسكن الرحاب منذ سبع سنوات، أن افتتاح كوبري الكيلو 4,5 هو أسعد خبر سمعته منذ سكنها بالرحاب، "فقد أحسست بالملل من ذهابي إلى عملي متأخرةًً كل يوم بسبب الازدحام الشديد بهذه المنطقة".
ويقول "معتصم محمد"،مهندس: قبل الكوبري كان ممكن أنتظر ساعة حتى أستطيع الخروج بسيارتي من منطقة الكيلو 4,5 ولكن بعد تشغيل الكوبري اختصرت كثيرًا من الوقت للوصول للمدينة, لكن أهم ما يعيبه أنه أثناء مجيء السيارات من مصر الجديدة أو الأتوستراد هناك دوران للخلف، من المفترض أن يكون تحت الكوبري، بمعنى "أن السيارة تسير تحت الكوبري وتلف وترجع لتفادى حوادث السيارات".
لكن "خالد إبراهيم"، أثرى يسكن بالمدينة منذ 6 سنوات له وجهة نظر مختلفة فهو يرى أن: الكوبري سيظل حلاً مؤقتًا، وفلوس مرمية في الأرض على الفاضي ومش حل جذري لأن طريق السويس حيوي جدًا مستقبليا وسيصبح أكبر مداخل القاهرة ويخدم كل التجمعات الجديدة في شرق القاهرة، وأعتقد أن الكوبري سيصبح زحمة ولن يحل الأزمة على المدى الطويل.
ويرى"كرم منير" محام، أن الحل الوحيد قبل كوبري الكيلو 4,5 هو نقل الرحاب خارج مصر أو عدم الخروج منها مطلقًا للتخلص من الزحام.
وتؤكد "عبير صابر" ربة منزل أهم ما يميز كوبري الكيلو 4,5 هو سرعة الوصول إلى المدينة سواء باستخدام الكوبري أو السير بالطريق المجاور له لكن أهم عيب هو أخذ الكوبري من مساحة الطريق كما قلل من مساحة حارة المشاة، كما أن الكوبري والطريق يصبان في النهاية فى طريق واحد وبالتالي سيحدث تكدس واختناق مروري مرة أخرى وسيؤدى إلى العديد من الحوادث.
وتقول "رانيا صالح" طبيبة من الرحاب: استخدمت الكوبري حتى الآن ثلاث مرات ولم أشعر بالاختلاف فلا تزال منطقه الكيلو 4,5 منطقة اختناق مروري، فعادة أنتظر من عشر دقائق إلى نصف ساعة للخروج منها.
قصيدة 4,5
الشاعر هلال عنتر أحد أعضاء جمعية "تطوير" بالرحاب عانى من مشكلة زحام منطقة الكيلو 4,5، وقد انتجت عن المعاناة زجلاً نشره في أحد أعداد مجلة "صوت الرحاب" قال فيه:
بص. . . . . بص . . . . . بص . . . . . . . عالكيلو 4,5
استنى وخس النص فى الكيلو 4,5
حبيبى قابلنى فى الكيلو 4,5 .. .. .. .. .. وطلب يتقدم لى فى الكيلو 4,5
وفرحنا كان فى الوايلى بعد 4,5 .. .. .. .. .. وقالى انه جايلى الساعة 4,5
يوميها اتصل بى م الكيلو 4,5 .. .. .. .. .. الساعه يا حبيبتى عدت عشرة ونص
خلاص اتجوزى انتى وأنا فى 4,5 .. .. .. .. .. مزنوق عمال بأغنى بص بص بص
قصة الكباري في القاهرة
بحسب آخر إحصاء فإن عدد كباري القاهرة 67 كوبري، يربط أغلبها بين ضفتي النيل ( القاهرة والجيزة ) على امتداد حوالي 50 كم، وتربط الضفتين عدة كباري منها: كوبري التحرير ( قصر النيل سابقًا الذي أنشئ عام 1875) وهناك كباري أزيلت أو جددت مثل كوبري الزمالك (1907) وكوبري الجيزة (1908) وكوبري أبو العلا ( 1909) وكوبري الجلاء (1911) وكوبري الجامعة (1957)
ويعد كوبري بنها أول كوبري شيد في مصر على الإطلاق وبدأ العمل فيه بالاتفاق مع جورج ستيفنسون مخترع القاطرة البخارية، وافتتح في عام 1856، أما أول كوبري يشيد على نيل القاهرة فهو كوبري قصر النيل، وقد بدأ إنشاؤه عام 1868، حين الانتهاء من بناء سراي الجزيرة على النيل من ناحية الجيزة، وبالتالي لم يعد من اللائق العبور بين ضفـتي النيل على صف من المراكب المربوطة إلى بعضها وممدود عليها ألواح خشبية، فقد كان سكان المدينتين يلقون مشقة كبيرة في العبور والتنقل بينهما، لذا اتجه تفكير إسماعيل لإنشاء سلسلة من الكباري لتيسير العبور وتسريع حركة العمران كان أولها كوبري قصر النيل، وتم بناؤه بطول (406 أمتار) وعرض (10,5 متر).
ومن الكباري القديمة أيضا كوبري إمبابة الذي أنشئ عام 1890، وقبل إنشائه كان خط سكة حديد الصعيد ينتهي عند إمبابة، ويتم نقل المسافرين والبضائع الآتية من الوجه البحري بالمراكب الشراعية إلى البر الغربي من إمبابة حيث قطارات الركاب والبضائع في انتظارهم، وقد وصف الكوبري عند إنشائه بأنه أكبر كوبري في القارة الأفريقية ويبلغ طوله 490 مترا.
أما كوبري الجلاء الذي كان معروفا بكوبري البحر الأعمى فقد أنشئ عام 1872 وهو يقابل كوبري قصر النيل على الفرع الغربي للنيل ويصل الجزيرة بالجيزة، وقد عرف عند إنشائه بكوبري الإنجليز، وبعد ثورة يوليو أطلق عليه كوبري الجلاء.
أما كوبري الجامعة فهو أكبر كوبري شيد في عهد ثورة يوليو وافتتح في مايو 1958 على الفرع الغربي للنيل، ويصل ما بين شارعي القصر العيني ونهضة مصر المؤدي إلى جامعة القاهرة، ويبلغ طوله 484 مترا وعرضه 30 مترا.
دراسة علمية: الكباري والأنفاق ليست حلاً
تحت عنوان "الحل الاستراتيجي لمشكلة المرور في القاهرة بالإمكانات المتاحة" جاءت دراسة الدكتور سعد الدين عشماوي عميد هندسة الأزهر السابق وأستاذ تنظيم النقل الذي أنفق40 عاما من عمره علي دراسة مشكلات النقل في مصر والعالم حيث أكد في دراسته أن بناء الكباري العلوية وحفر الأنفاق ليس حلا لأزمة المرور رغم تكلفتها التي تتجاوز المليارات، واعتبرها نقلاً للمشكلة من مكان إلي مكان آخر, سرعان ما يتحول إلي عنق زجاجة جديد يزيد من إرباك المرور. ويرى عشماوي أن سبب الأزمة المرورية يكمن في قصور السياسات والقرارات غير السليمة التي جعلت من النقل العام في القاهرة الذي يتمثل في الأتوبيس وسيارة السرفيس والمترو والترام منظومة فوضوية الطابع, تفتقد التنسيق والترابط, إضافة إلي غياب الرشد في استخدام الإمكانات المتاحة التي كان يمكن أن تساعد علي تحجيم المشكلة.
فعناصر المشكلة الرئيسية تتبلور في قصور شبكة الطرق المتاحة, وتبديد جزء كبير من طاقاتها الاستيعابية وقدرتها علي تصريف المرور نتيجة الإشغالات التي حولت معظم الشوارع إلى جراجات بالليل والنهار, وعدم الانضباط الذي يسود الشارع المصري, ويشارك فيه الجميع ابتداء من قائدي سيارات النقل العام والخاص إلي المشاة
ويرى د. عشماوي أن مشكلة النقل والمرور في القاهرة أقل تعقيدا عنها في المدن الكبرى الأخرى مثل لندن وروما وطوكيو, التي تجاوز حجم سكان كل منها حجم سكان القاهرة كما هو الحال في طوكيو التي يسكنها 17 مليون نسمة, وتطول رحلة الراكب اليومية من مقر سكنه إلي مكان عمله في هذه العواصم عنها في القاهرة نظرا لزيادة مساحة هذه العواصم, وزيادة عدد السيارات الخاصة, حيث يتجاوز عدد السيارات في كل من لندن وباريس وطوكيو20 مليون سيارة.
ويشير د. عشماوي إلى أن سعة الطرق في معظم الدول الأوروبية لا تختلف كثيرا عنها في القاهرة, فعلي حين لا يتجاوز عرض شارع اكسفورد أهم شوارع لندن وأكثرها ازدحاما على20 مترا, يصل عرض شارع 26 يوليو في القاهرة إلي25 مترا, كما أن نسبة أعداد السيارات لأحمال شبكة الطرق لا تزيد في مصر علي24 سيارة للكيلومتر الطولي الواحد, في حين تصل في بريطانيا إلي62 سيارة لكل كيلومتر!
منظومة النقل الجماعي
الحل الجوهري للأزمة كما جاء بدراسة الدكتور عشماوي هو إعادة التخطيط العلمي السليم لمنظومة النقل الجماعي بمختلف أنواعه, التي تشمل مترو الأنفاق والنقل العام والشركات الخاصة للنقل الجماعي, وأوتوبيسات المصالح والمؤسسات التي لا تعمل في اليوم أكثر من 4 ساعات ويصل حجمها الآن إلي ضعف حجم أسطول النقل العام, وميكروباصات السرفيس التي تؤكد الإحصاءات أنها تنقل ضعف الأعداد التي ينقلها النقل العام
وأكدت الدراسة أن انخفاض مستوي خدمة النقل الجماعي وعدم وجوده في كثير من المناطق وفي توقيتات منتظمة ومتقاربة, هو الذي يدفع الأفراد إلي استخدام سياراتهم الخاصة، علمًا بأن الانتقال بالسيارة الواحدة يعني الحاجة إلي20 ضعف من مساحة أرضية الشارع عما لو تم الانتقال بالأوتوبيس, خصوصا أن الدراسة تؤكد أن40 % من أصحاب السيارات الخاصة يضطرون إلي تملكها واستخدامها لعدم وجود وسيلة نقل مناسبة لرحلة الذهاب إلي العمل, كما تقدر الدراسة أن80 % من أصحاب السيارات الخاصة يمكن أن يتوجهوا طوعا لاستخدام النقل الجماعي, إذا كان بمستوى خدمة لائق.
ومن المفارقات العجيبة التي تؤكدها الدراسة, أن الدولة تدعم السيارات الخاصة بأكثر من3 مليارات جنيه هو حجم الدعم الذي ينفق علي شراء البنزين بقيمة لا تتجاوز خمس قيمته الحقيقية, علي حين ينحصر حجم الدعم الذي تقدمه الدولة للنقل الجماعي في حدود287 مليون جنيه تدعم بها هيئة النقل العام, لأن كل وسائل النقل الجماعي الأخرى تغطي تكاليفها وتحقق أرباحًا.
ومن المفارقات الغريبة أيضًا, أن التسهيلات والقروض والاستثمارات التي يتم توجيهها لشراء السيارات الخاصة, أضعاف التسهيلات والقروض التي تذهب لتمويل شراء الأوتوبيسات, وفي عام 2006 بلغت قيمة بيع السيارات في مصر17 مليار جنيه ذهب معظمها لتمويل شراء أكثر من132 ألف سيارة خاصة مقارنة بـ38 ألف أوتوبيس وباص, وعلي حين يتم تمويل السيارة الخاصة بمعدل فائدة لا يتجاوز11 %, يتم تمويل مركبات النقل الجماعي بمعدل فائدة يزيد علي13 %
ومن المفارقات أيضا –كما تذكر الدراسة- أن معدل ملكية السيارات الخاصة في القاهرة 8 سيارات لكل مائة مواطن, في حين لا يتعدى هذا المعدل في سنغافورة سيارة واحدة لكل مائة مواطن.
مترو الأنفاق
وتؤكد الدراسة أخيرا, أهمية توسيع شبكة مترو الأنفاق لتغطي مختلف أرجاء القاهرة الكبرى, لأن المترو لا يزال علي المدى المتوسط والبعيد، المشروع الأقل كلفة, لأنه يرقي بخدمة النقل الجماعي إلى وضع متحضر كما تزداد قيمته باعتباره مشروعا اقتصاديا يدر عائدا مجزيا كما تظهر نتائجه في وفر الوقت وتقليص مساحة الشارع إلى حدود الصفر, وحجم الراحة التي تتحقق للراكب.
وفضلا عن ذلك فإن خط المترو الواحد يعادل12 طريقا يتكون كل منها من ثلاث حارات, وتقدر الدراسة أن تحديث خط مترو مصر الجديدة إلي عبد المنعم رياض سوف يؤدي إلي خفض حركة المرور علي شبكة الطرق بين مصر الجديدة ووسط القاهرة بأكثر من150 ألف سيارة ساعة الذروة، بمعدل50 ألف سيارة في الساعة الواحدة, بالإضافة إلي تخليص وسط القاهرة من أماكن انتظار جزء كبير من السيارات, تحتل ما يزيد علي ثلث مساحة الشارع.