هل رأيتم إلهًا يغرق؟!.. قصة نهاية طاغية
كتبت – أمل أحمد
مع عودة الدروس المسجدية بعد انقضاء شهر رمضان المبارك وإجازة العيد، عاود الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي دروس العقيدة التي يلقيها على رواد مسجد أحمد عفيفي أمام المطاعم المفتوحة بمدينة الرحاب بعد مغرب كل أربعاء، كما عاد الشيخ خالد عبد الله لإلقاء درسه الأسبوعي يوم السبت (ستكون الدروس بعد صلاة العشاء مع بداية التوقيت الشتوي).
ويستكمل الدكتور القرشي حديثه عن التوحيد الذي هو إيمان بالله وكفر بالطواغيت، من الأرباب الباطلة والألهة الزائفة، من عبادة الشجر والحجر والبقر، والشمس والقمر وصنوف من البشر، ويقول: إننا لو أردنا اختيار حاكم أو مسئول أو مدير لشركة أو أي منصب من هذه المناصب فإننا نحس بأهمية المنصب ومدى خطورة مسئوليته، فكيف بالألوهية يزعمها لنفسه زاعم؟ قد يملك إنسان الدنيا كما حدث من النمرود ولكن هل يخلق الدنيا؟ لا بكل تأكيد.
قصة نهاية طاغية
لم يكن فرعون كالنمرود من حيث الملك؛ فقد حكم النمرود الدنيا، بينما حكم الفرعون مصر وحدها، لكن فرعون زعم لنفسه ما لم يزعمه النمرود، فقد قال للمصريين: ما علمت لكم من إله غيري، وقال: أنا ربكم الأعلى، وهاتان الكلمتان عناهما القرآن بقوله تعالى: "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى"(النازعات -25)، لم يأخذه الله أخذًا سريعًا، بل أمهله، وسنة الله في الظالمين أن يملي لهم حتى نستبطئ نقمة الله منهم، ونتعجب من حلم الله عليهم، ولكن كما جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد (البخاري).
إن في مصر منذ ماقبل فرعون وبعده خير كثير، وقد قدر الله في الأرض أقواتها وجعل لمصر نصيبًا وافرًا، كما جعل أرض الشام مباركة، ونحن بجوار أرض الشام وأكنافها ونرجو أن يكون لنا نصيب من هذه البركة، كما نرجو أن يكون لنا نصيب من أكناف بيت المقدس.
وهب الله تعالى مصر النيل والأرض الخصبة، ولذا قال فرعون:"أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟"(الزخرف 51)، وهي ذات حضارة قديمة منذ بدء الخليقة.
هناك بلدان لم تستعمر، أي لم تعمر إلا حديثًا، أما مصر وبعض البلدان فقد عرفت العمران منذ القدم، حتى أن سيدنا إدريس عليه السلام (واسمه أيضًا إخنوخ)، وهو حفيد مباشر لسيدنا آدم السلام، وُلد في إدفو بصعيد مصر، كما هاجر إلى مصر سيدنا إبراهيم، وجاء إليها سيدنا يوسف وإن كان عبدًا، لكن الذي اشتراه كان كريمًا، والأصل في أهل مصر أنهم كرماء، ثم جاء سيدنا يوسف بإخوته الأسباط وأهله وهم بنو إسرائيل أبناء سيدنا يعقوب، فسكنوا مصر، ولما انتهى هذا الحكم بدأت مرحلة استضعاف بني إسرائيل، وبدأ فرعون يستذلهم ويستخدمهم في الخدمة القاسية " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين" (القصص-4). وقد رأى فرعون رؤيا منامية أولت على أن ملكه سيزول على يد واحد من بني إسرائيل، فقرر أن يقتل كل أطفال بني إسرائيل من أجل أن يبقى ملكه! وجعل "القابلات" اللاتي يساعدن النساء على الولادة عيونـًا له، فإذا وُلدَ لبني إسرائيل ولدٌ أرسل الزبانية ليقتلوا أو يذبحوا الطفل ولو أمام أمه.
وكان الرجال من بني إسرائيل يخدمون عند علية القوم فلما كبروا وضعفوا أو ماتوا تشاور القوم مع فرعون بشأن نقص اليد العاملة فقرروا أمرًا غريبًا وهو أن يقتلوا الأطفال عامًا ويتركونهم عامًا! وما أدراهم أن يكون الطفل المنتظر ممن يولدون في عام الاستبقاء؟! ولكنها القرارات الحمقاء وما أكثرها. وقد أنجبت أم موسى سيدنا هارون في عام الاستبقاء ثم أنجبت سيدنا موسى في عام القتل، ففزعت لذلك، فأوحى الله تعالى إليها وحي إلهام أن ترضعه بالليل فإذا جاء النهار وخافت عليه تضعه في صندوق وتلقيه في اليم، وكانت تربط الصندوق بحبل، فانفلت الحبل يومًا وسار الصندوق مع الماء في النهر حتى وقف أمام حديقة قصر فرعون. وعلمت آسيا بنت مزاحم زوج فرعون بوجود الطفل وألقى الله محبة الطفل موسى في قلبها، وكانت تتمنى أن يكون لها طفل, ولكن فرعون لا ينجب.
في المقابل كان فرعون يرغب في قتل الطفل إذ ربما يكون من بني إسرائيل، ولكنه أمام عجزه عن الإنجاب وعدم قدرته على إرضاء زوجه ترك الطفل، وهكذا شاءت إرادة الله أن يولد موسى رغمًا عن أنف فرعون, بل ويدخل قصره مُرحبًا به.
علمت أم موسى أن ابنها قد جرفه التيار فزاد جزعها "وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين"(القصص -10)، فطلبت من أخته أن تتحسس أخباره فعلمت أنه في بيت فرعون، وأنه يرفض الرضاعة من النساء اللاتي أحضرن له، فدلتهم على أمها، التي قبل الطفل الرضاع منها، وهكذا عاد الطفل إلى أمه، وزاد على ذلك أنها كانت تأخذ أجرًا من فرعون على الرضاعة!
وتستمر القصة؛ إذ يكبر موسى ويكون ذا قوة، ثم تحدث مشادة بين مصري وإسرائيلي، فوكز موسى المصري فمات، وفي اليوم التالي يتشاجر الإسرائيلي نفسه مع مصري آخر، ويشيع خبر أن موسى هو من قتل المصري ويتآمر الملأ على قتله فيخرج إلى مدين وهناك يتزوج ويبقى عشر سنوات ثم يعود ومعه أهله لمصر، وعند الوادي المقدس طوى يكلمه الله عز وجل ويكلفه بالرسالة ويعطيه آيتين هما العصا واليد البيضاء فيطلب من الله تعالى أن يشد عضده بأخيه هارون، ويدخل موسى وهارون على فرعون ليبلغه رسالة ربه فيزداد كبر فرعون ويتحدى موسى ويحشد السحرة لإبطال سحر موسى كما يظن، لكن السحرة، وهم أدرى بالخدع التي يقدمونها، علموا أن ما عند موسى ليس سحرًا، وأن الحية التي التقمت حبالهم وعصيهم ليست من السحر، فآمنوا، وبذلك خسر فرعون معركة مهمة، لكنه لم يعد للصواب بل واصل عتوه وتحديه وتعذيبه للمؤمنين من بني إسرائيل، حتى زوجته آسيا التي آمنت عذبها، فأوحى الله إلى موسى أن يخرج بالمؤمنين من مصر ليلاً، فخرجوا حتى أتوا شاطئ البحر، ورغم أنهم خرجوا خوفًا من فرعون إلا أن موسى ظل ينتظر ما يؤمر به من ربه، حتى وصل جيش فرعون فقال أصحاب موسى: إنا لمدركون. قال موسى: كلا إن معي ربي سيهدين. وتتضح الحكمة الربانية بعد قليل، فقد ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وظهر فيه اثنا عشر طريقًا بعدد الأسباط، واتبعهم فرعون حتى إذا عبر موسى ومن معه انطبق البحر بأمواجه المتلاطمة على فرعون وجيشه، وأدرك فرعون الغرق فقال آمنت أنه لا إله إلا .. ولم يعرف بمن يؤمن، ولم يوفق إلى نطق اسم الله تعالى.. فقال "الذي آمنت به بنو إسرائيل"، وقد شاء الله أن يخرج بدن فرعون من الماء ليكون آية وعبرة لمن بعده، ولا يزال محفوظًا في المتحف المصري.
سلسلة من الفشل
مات فرعون شر ميتة، مات كافرًا بربه، فاشلا في تأمين ملكه، عاجزًا عن إدراك أن الطفل الي يربيه في بيته هو الذي سيكون على يديه هلاكه وضياع ملكه، عاجزًا عن منع السحرة من الإيمان برب هارون وموسى، عاجزًا عن إدراك موسى ومعه بعد أن خرجوا، بل حتى عاجزُا عن الإنجاب.. فكيف لهذا العاجز الفاشل أن يدعي الألوهية والربوبية، ومن الصفات اللازمة للإله والرب القدرة المطلقة والمعرفة المطلقة، حتى يقال إن إبليس طرق على فرعون الباب فقال فرعون: من؟ فرد الشيطان: تبًا لك أتدعي الألوهية ولا تعرف من بالباب؟!