في البيت والعمل.. الناس أنماط مختلفة
• أصعب ما يقابل رب أسرة أو العمل هو التنبؤ بالمشكلات الشخصية التي تصدر عن أفراد الأسرة والمعارف والأقارب والعاملين معه.. وقد تتسع المشكلة وتتفاقم لتصيب المرء بالذهول، وتدفعه إلى اتخاذ مزيد من القرارات الشخصية التي قد تزيد الطين بلة. من هنا تنبع أهمية دراسة الشخصيات المختلفة للأفراد
• قديمًا اقتصر جانب كبير من العلاقات الإنسانية على مجرد التعامل، أما الآن فإن الجزء الأكبر يتم من خلال التفاعل.. ما عاد بإمكانك تحقيق أي نتائج دون إقناع الآخرين والتأثير فيهم من الداخل أولا. لذا أصبح من الضروري فهم الآخرين، دون الاقتصار على التسليم بالعجز عن فهمهم
• الخلاف في السمات الشخصية كفيل بأن يفسد أي قضية، حتى أبسط القضايا
• أربعة أنماط متمايزة من الشخصيات على الأقل. لكل واحد من هذه الأنماط الأربعة سمات تختلف عن الأنماط الثلاث الأخرى، يستمر كل نمط على نفس السمات الشخصية التي يمتلكها وتميزه عن غيره.. ونجاحك في التعامل مع من حولك لا ينتج إلا عن قوة فهم هذه الأنماط الشخصية المختلفة.
في السنوات العشرين الماضية، وفي محاولة لفهم الآخرين لتحسين مستوى التعامل معهم وعدم الاصطدام بهم، وضع علماء النفس والاجتماع الكثير من البحوث والنظريات في هذا المجال؛ وكل بحث كان يعتمد على النظر للشخصية من وجهة مختلفة.
بعضهم قسم الأشخاص إلى أنماط خاصة بالاهتمام بتحقيق الأهداف، أو الاهتمام بالعلاقات الإنسانية، وبعضهم قسمها تبعًا لأسلوب استقبال المؤثرات الخارجية وتلقي المعلومة، وآخرون ركزوا على الفروق في أسلوب التعامل مع الآخر.
وفي كتاب هذا الشهر (People Styles at Work ) اعتمد المؤلفان روبرت بولتون ودوروثي بولتون في دراستهما لأنماط الناس وشخصياتهم على مقياسين هما: القدرة على التعبير عن الذات، ودرجة الحساسية للآخرين.
لماذا ندرس شخصيات الآخرين؟ هذا ما بدأ به الكاتبان مؤكدين أن أصعب ما يقابل رب الأسرة أو العمل هو التنبؤ بالمشكلات الشخصية التي تصدر عن أفراد الأسرة والمعارف والأقارب والعاملين معه. وقد تتسع المشكلة وتتفاقم لتصيب المرء بالذهول، وتدفعه إلى اتخاذ مزيد من القرارات الشخصية التي قد تزيد الطين بلة.
من هنا تنبع أهمية دراسة الشخصيات المختلفة للأفراد داخل الأسرة الواحدة وللموظفين في العمل الواحد.
حدد الكتاب أن الهدف هو تحويل علاقة رب الأسرة ( أو العمل) بمن حوله من علاقة تعامل إلى علاقة تفاعل، فما كان بإمكانك تحقيقه في الماضي، كمدير يأمر وينهى، دون مناقشة أو مراجعة لم يعد ممكنًا اليوم. فما عاد بإمكانك تحقيق أي نتائج دون إقناع الآخرين والتأثير فيهم من الداخل أولا. قديمًا اقتصر جانب كبير من العلاقات الإنسانية على مجرد التعامل، أما الآن فإن الجزء الأكبر يتم من خلال التفاعل. وبذلك أصبح من الضروري فهم الآخرين، دون الاقتصار على التسليم بالعجز عن فهمهم.
فقد ثبت بالدراسات أن الخلاف في السمات الشخصية كفيل بأن يفسد أي قضية، حتى أبسط القضايا. ذلك أن الطبيعة الجادة للأعمال تفرض قدرًا كبيرًا من الضغط على أعصاب جميع الأطراف؛ رؤساء ومرءوسين، وعملاء ومتعاملين. وقد أثبتت الإحصائيات ارتفاع معدلات الجريمة واللجوء إلى العنف وتكرر حالات الإنهيار العصبي داخل المؤسسات والمنشآت بصورة تتجاوز كثيرًا ما يحدث في المنازل والمرافق الاجتماعية.
إذا ما الحل؟
إذا كنت تعتقد أنه من المستحيل على أي شخص أن يرضي جميع الأطراف وأن يتكيف مع جميع الشخصيات المختلفة التي يقابلها ويعمل معها يوميًا، فأنت على حق! ولكنك مخطئ في افتراضك أن هذه الشخصيات مختلفة أصلا. فهناك قدر كبير من التشابه بين جميع الشخصيات أكثر مما يوجد بينها من خلافات. كل ما في الأمر أنك تعجز عن ملاحظة هذه التشابهات وتركز فقط على رؤية الاختلافات.
كيف تستطيع فهم الشخصيات ورؤية التشابهات؟
يقول روبرت ودوروثي بولتون في الكتاب:
بامكانك ملاحظة أربعة أنماط متمايزة من الشخصيات على الأقل. لكل واحد من هذه الأنماط الأربعة سمات تختلف عن الأنماط الثلاث الأخرى، يستمر كل نمط على نفس السمات الشخصية التي يمتلكها وتميزه عن غيره.. ونجاحك في التعامل مع من حولك لا ينتج إلا عن قوة فهم هذه الأنماط الشخصية المختلفة.
وقبل أن يشرح الكاتبان المنهج الذي وضعاه لفهم الأنماط الشخصية وتحديدها بسهولة وفاعلية، قدم الكتاب بعض المصطلحات الضرورية لدراسة الشخصية منها:
• الشخصية: شخصيتك هي ببساطة الطريقة التي يراك الناس عليها. ونحن هنا لا نهتم بما يقال عن أن هناك لكل إنسان شخصيتان؛ إحداهما ظاهرية، يراه الناس عليها؛ والأخرى باطنية داخلية، لا يراها الناس. فالسمات الشخصية التي نهتم بدراستها هنا هي تلك التي يراها الآخرون والتي تتبدى في شكل سلوكيات وأفعال وردود أفعال. ويستبعد من ذلك كل ما يقال عن النوايا أو البواطن الشخصية، فتلك لا يعلمها إلا الله.
• السلوك: هو طريقة يسلكها المرء في التعبير عن شخصيته، كالألفاظ والكلمات التي تكوّن مفرداته اللغوية، ودرجة ارتفاع أو انخفاض صوته، والإشارات والتلويحات الجسمية التي تصدر عنه للتعبير عن الغضب أو الفرح وغيرهما،بالإضافة إلى التعبير الإيجابي أو السلبي عن الذات في مواجهة الآخرين، والذي يبرز درجة ثقة الشخص في ذاته وإمكانياته.
وباختصار فالسلوك هو كل ما يمكن رؤيته من الشخصية، أما ما لا يمكن رؤيته فلا يندرج تحت بند السلوك.
• النمط: هو مجموعة السمات الشخصية المتوافقة وغير المتناقضة والتي يمكن أن تعطي صورة كاملة عن الشخص. ذلك أنه من الخطأ التركيز على سمة شخصية واحدة للفرد وفصلها عن بقية سماته، بل يجب رؤية الشخصية ككل متكامل، فقد يكون الشخص شجاعًا في مجال ما وجبانًا في مجال آخر. كذلك قد يكون الشخص متهورًا في بعض الأحيان لكنه يتردد في أحيان أخرى. فإذا ركزنا على السمات الفردية للشخص أو حاولنا الحكم على شخصيته من خلال بعض المواقف المفردة، فمن المؤكد أننا سنخطئ.
• العادة السلوكية: هي تلك السلوكيات والأفعال التي تصدر عن الفرد بطريقة متكررة، بحيث تدلنا على نمط شخصيته. لكن ذلك لا يعني أن الأفراد يتصرفون كالآليين فيكررون الأفعال التي هم مبرمجون عليها. كل ما في الأمر هو أن الناس يرتاحون إلى فعل السلوكيات التي قاموا بأدائها في السابق وأدت بهم إلى النجاح، من وجهة نظرهم. ومن العادات السلوكية المتكررة للموظف:
... يلتزم دائمًا بالحضور في الموعد سواء في الاجتماعات أو غيرها.
... يتأخر دائمًا عن مواعيد الاجتماعات.
... يتميز بالدقة والانضباط في العمل، ويهتم بالتفاصيل.
... غير دقيق ولا يهتم بالتفاصيل، وكثيرًا ما تحدث له مشكلات بسبب ذلك.
... يمكنه إدارة وقته بحكمة ويفعل ما يطلب منه.
... لا يستطيع إدراة وقته ولكنه يتفوق على زملائه ويتجاوز الأهداف المحددة له.
... تجده دائما في مكتبه.
لهذا فالمدير الذي يتناغم مع الفروق الفردية ليعدل من اتجاهات الموظفين سيجني أعظم النتائج.
إبدأ بنفسك
لكي تفهم الأنماط الشخصية للناس عليك أن تبدأ بنفسك أولا. ولكن تذكر أن شخصيتك لا تتكون من السمات التي تنسبها أنت لنفسك، بل السمات التي يراها الآخرون فيك، بغض النظر عن صحة ذلك أو عدمه من وجهة نظرك الشخصية. فالمهم في الشخصية هو شكلها الخارجي وسلوكياتها وليس نواياها الداخلية أو مشاعرها الباطنية.
اختر العبارة التي تصف عاداتك السلوكية من كل زوج من العبارات التالية:
o ... يلوح بيديه عندما يتكلم.
o ... لا يلوح بيديه وتقل حركته عندما يتكلم.
o ... يتراجع ويسند ظهره إلى الكرسي عندما يتكلم.
o ... يقترب ويميل إلى الأمام عندما يتكلم.
o ... صوته مرتفع أثناء الحديث وضحكاته رنانة.
o ... صوته منخفض أثناء الحديث وضحكاته نادرة ومتحفظة.
o ... يرتدي ملابس رسمية، عادة.
o ... يحب الملابس الموسمية غير الرسمية.
o ... يسأل أكثر مما يجيب على الأسئلة.
o ... يقدم إجابات ونادرًا ما يطرح أسئلة.
o ... يقاطع ويقدم اعتراضات كثيرة أثناء الاجتماعات، ويصارح برأيه حتى لو لم يطلب منه ذلك.
o ... يهادن ويسكت أثناء الاجتماعات، ونادرًا ما يصرح برأيه.
o ... يقضي مع الناس أكثر مما يقضي مع المهام، ويحب أن يعمل ضمن فريق.
o ... يقضي كل وقته في مكتبه، ولا يتفاعل مع الآخرين، ويحب أن يعمل منفردا.
o ... يتحرك ويتصرف ببطء.
o ... يتحرك ويتصرف بسرعة.
o ... يستخدم ألفاظـًا حساسة أو شاعرية وغير عملية في حديثه.
o ... يستخدم ألفاظـًا عملية بعيدة عن العاطفية في أحاديثه.
هل تريد معرفة النتيجة؟
أكمل القراءة .. ستعرف نمط شخصيتك بعد التعرف على محاور الشخصية في بحثنا هذا.
هناك محوران أساسيان لكل شخصية، هما:
التعبير عن الذات
الحساسية للآخرين
أولا : التعبير عن الذات:
ونقصد به أسلوب الشخص في تأكيد ذاته ووجوده في مواجهة الآخرين. ففي بيتك أو مؤسستك تجد شخصين مختلفين، أحدهما يقضي يومه بطوله وحيدًا حبيس مكتبه، لدرجة أنك نادرًا ما تحادثه، بينما يقضي الآخر معظم وقته بين مكاتب الزملاء، وتصادفه في كل مكان. ومن المرجح أن الشخصية الأولى تتكلم بشكل أكثر هدوءًا وأكثر احترافـًا من الشخصية الثانية.
أنواع الشخصيات في التعبير عن الذات:
(تذكر أن أسلوب الفرد في "التعبير عن ذاته" لا يدل على "ذاته")
أ- المنفتح:
هو الشخص الذي ينفق قدرًا كبيرًا من الطاقة في التعبير عن ذاته:
- يتحرك كثيرًا وبسرعة.
- يتكلم كثيرًا وبصوت مرتفع.
- يستخدم يديه وجسمه أثناء الاتصال بالآخرين.
- يتقدم أو يميل للأمام أثناء الحديث.
- يتصرف بسرعة ويوصف بالتهور.
- يهاجم ويواجه ولا يفضل المهادنة أو السكوت.
- يحب المخاطرة ويكره البيروقراطية ويوصف بالمبتكر أو المتمرد.
- يحب التعبير عن رأيه ويقحم نفسه في كل شيء.
- انفعالي وسريع الغضب.
ب- المنغلق:
هو الشخص الذي ينفق قدرًا ضئيلا من الطاقة في التعبير عن ذاته:
- قليل الحركة وبطيئها.
- قليل الكلام وصوته يكاد يكون هامسًا.
- لا يستخدم يديه أو جسمه أثناء الاتصال بالآخرين.
- يتراجع أو يميل للخلف أثناء الحديث.
- بطيء التصرف ويوصف بالبرود.
- يحب الرسميات والإجراءات ويوصف بالبيروقراطية.
- يهادن ويفضل السكوت على المواجهة.
- كتوم ولا يصرح برأيه ولا يتدخل فيما لا يعنيه.
- حذر ونادرًا ما ينفعل أو يغضب.
2} الحساسية للآخرين:
المحور الأساسي الثاني لتصنيف الشخصيات هو درجة الحساسية للآخرين: وهي تعني سرعة الشخص في إصدار رد الفعل أثناء الاتصال بالآخرين والتفاعل معهم.
ويمكن تصنيف الأشخاص تبعًا لدرجة حساسيتهم للآخرين، إلى نوعين:
أ- الإيجابي:
وهو ذلك الشخص الذي يظهر مزيدًا من ردود الأفعال أثناء العمل أو الاتصال بالآخرين، كما يلي:
- يعبر عن مشاعره بكثرة وبسرعة.
- يظهر مشاعر الود لزملائه بإفراط.
- ينخرط في الأنشطة الاجتماعية وغير العملية بالمؤسسة.
- يحب سرد النكات والطرائف والقصص.
- يفضل ارتداء الملابس الموسمية وغير الرسمية.
- يركز على الجانب الإنساني أكثر مما يهتم بالجانب العملي.
- يفشل في إدارة وقته.
ب- السلبي:
هو ذلك الشخص الذي يظهر ردود أفعال محدودة وقليلة أثناء العمل أو الاتصال بالآخرين، كما يلي:
- نادرًا ما يعبر عن مشاعره، وإذا قام بذلك فبعد فوات الأوان.
- متحفظ في علاقاته بزملائه.
- لا ينخرط في الأنشطة الاجتماعية بالمؤسسة ويركز على العمل فقط.
- لا يخوض في الأحاديث الشخصية والجانبية.
- يفضل إرتداء الملابس الرسمية.
- يركز على الجانب العملي أكثر مما يهتم بالجانب الإنساني.
- يدير وقته بكفاءة.
ولكي تكتمل رؤيتنا للشخصية علينا الآن أن نجمع بين محوري الشخصية الأساسيين [أسلوب التعبير عن الذات + الحساسية للآخرين]. وبذلك تتألف لدينا أربعة أنماط شخصية، لكل منها مزيج مختلف من السلوكيات والسمات، كما يلي:
1. النمط الأول الهادئ (= المنغلق + السلبي):
هو قليل الحركة يفضل العمل منفردًا ينسحب من التجمعات وينعزل في مكتبه والباب مغلق عليه، ويفضل الإنترنت والاتصال المكتوب على الاتصال المباشر،كما أنه لا يحب أن يدخل عليه أحد.
يعرف الشخص الهادئ بقدرته على تنظيم وقته، وهو شخص ملتزم جدًا بالرسميات واللوائح، ويفضل الأمان على المخاطرة، لذا قد يصفه عديد من الناس بالبطء والبيروقراطية. لا تتوقع منه أن يقوم بمبادرات لتخطي الإجراءات أو ابتكارات في العمل، ورغم ذلك يمكنك دائمًا الاعتماد عليه في المهام الاعتيادية. فهو يلتزم تمامًا بمواعيده وبتوقيتات تسليم العمل.
وعندما يريد الهادئ أن يطلب منك شيئًا فإنه يطلبه بطريقة غير مباشرة، لأنه منغلق الشخصية. ولذا فكثيرًا ما يفشل في توكيد طلبه أو رغبته. لذلك عندما تطلب منه إنهاء عمل معين في توقيت معين، عليك أن تسأله أكثر من مرة إذا كان هذا التوقيت يناسبه أم لا، فمن الممكن أن يسكت عن التصريح برأيه، إذا ما تركته ينصرف، دون أن تطلب منه الكلام.
2. النمط الثاني المسالم (= المنغلق + الإيجابي):
إنه ينأى بنفسه تمامًا عن الصراعات، لدرجة أنه قد يتبنى موقف "خسارة/ربح" لصالح الآخرين، وعلى حساب نفسه، يتميز بحساسية عالية تجاه الآخرين، مع ضعف قدرته على التعبير عن نفسه. لذا فهو يبذل نفسه في سبيل زملائه، دون أن يتفاخر بعمله أو يسعى للتميز عنهم بأن ينسب النجاح إلى نفسه. وهو لا يبخل بوقته أبدًا على أحد من زملائه، لدرجة قد تؤثر سلبيًا على عمله هو. ولولا وجود الشخصية المسالمة بمؤسستك ما تمكن أفضل موظفيك من أداء مهامهم بكفاءة. لكن تواري هذه الشخصية وانحسارها بعيدًا عن الأضواء يبقيه خارج دائرة المرشحين للترقيات.
يتميز المسالم بالصبر في المواقف العصيبة. وهو يتكلم ببطء ونادرًا ما يدلي برأيه في الاجتماعات. يختار المسالم ملابسه من الأنواع الموسمية الفضفاضة، ولكنك تستطيع أن تجعله يرتدي الملابس الرسمية بمجرد توجيه الملاحظة إليه.
ولكنه لا يتميز بالحزم فهو متردد، لذا فهو لا يصلح لإصدار أوامر حاسمة أو لتقييم أداء الآخرين بموضوعية، إلا بعد تدريب طويل.
3. النمط الثالث المبتكر (= المنفتح + الإيجابي):
هو أكثر الأشخاص حماسًا ونشاطـًا في مؤسستك، دائم الحركة لدرجة أنك تجده أينما ذهبت. ولا يمكنك أن تخطئه، لأنه عادة ما يرتدي الملابس غير الرسمية والمتألقة الألوان. ينجذب المبتكر بغريزته نحو مركز الأضواء، ويبدو كأن لديه موردًا لا ينضب للطاقة والحيوية. فهو لا يكل ولا يمل، لدرجة قد تخيف شخصيات مثل الهادئ.
إذا ما اتصلت بالمبتكر في مكتبه فغالبًا سيجيبك أحد زملائه بأنه غادر المكتب لتوه ليذهب إلى المكتب المجاور، فإذا ما اتصلت بالمكتب المجاور ستجده يهم بالرحيل أيضًا. فمن الممكن أن تجد المبتكر في أي مكان عدا ذلك الذي يفترض أن تجده فيه. في الاجتماعات يمكنك أن تحدد المبتكر بدقة، ودون عناء، فهو أكثر الحاضرين مقاطعة وإثارة لنقاط النقاش وأكثرهم ضجة، فإذا ما فقد اهتمامه بموضوع الاجتماع وجدته يثير التعليقات الساخرة أو يفتح مناقشات جانبية. وتأبى طاقة المبتكر الهائلة عليه أن يبقى ساكنًا، فهو دائمًا يتحرك حتى أثناء الحديث، فإذا ما جلس تجده يتناول أحد الأشياء من فوق مكتبك ليفعل بها أي شيء، أو تجده يعزف لنفسه بعض الألحان باستخدام قدمه أو إصبعه.
يظهر المبتكر مشاعر الصداقة لزملائه، ولكنه على العكس من الشخصية المسالمة والهادئة، يجاهر بالعداء إذا ما شعر بذلك. وهو عادة من يبادر بالتعرف على الآخرين. ويعتقد المبتكر أن دوره في المنظمة مثل الدم بكراته الحمراء المغذية، وكراته البيضاء التي تقاوم الأمراض، لذا فهو يشعر بقدرته على تصحيح الأخطاء وعلى بناء أشياء جديدة. الغريب أن طريقة المبتكر في خوض التجارب أسرع من طريقة الهادئ في التفكير قبل اتخاذ القرار. فهو سريع الحركة وسريع التنقل بين التجارب المختلفة لدرجة تصيب الآخرين بالدوار.
يفضل المبتكر العمل طبقًا للفرصة المتاحة وليس طبقا للجدول الزمني. لذا فهو يصلح للأعمال الابتكارية أكثر مما يصلح للأعمال الاعتيادية.
خلال الاتصال مع الآخرين ينزع المبتكر إلى المقاطعة واحتكار النقاش وفرض رأيه، ولكن بطريقة ودية، دون أن يشعر محدثه بذلك. فهو يصرح برأيه حتى قبل أن يفكر فيه، لدرجة قد تدهش محدثه. كذلك تمتلئ أحاديث المبتكر بالنكات والقصص المسلية التي تبعد المناقشة عن الطابع العملي.
المبتكر هو عادة أفضل من يخبرك برأيه في أي موضوع فهو لا يخشى الصراحة، لذا فهو يستطيع تقييم عملك أو عمل الآخرين بصراحة، ولكن ذلك لا يعني أنه قد يفعل ذلك بموضوعية. ذلك أن مشاعره كثيرًا ما تتحكم فيه رغمًا عنه.
4. النمط الرابع المحرك (=المنفتح + السلبي):
هو من يسعى لتوكيد ذاته حتى لو على حساب الآخرين. وهو ذلك النوع من الناس الذي يتبنى سياسة "ربح/ خسارة" فهو مبرمج على السعي نحو النجاح مهما كلف ذلك الآخرين. ولكن هذا لا يعني أن هذه الشخصية لا تشعر بمن حولها، كل ما نقصده هو أنها تستطيع أن تظهر الحزم في مواجهة الآخرين. كما أنها لا تلين في المواجهات.
يعرف المحرك هدفه بدقة ويعرف الطريق لتحقيقه، ولذلك فهو يعمد إلى فرض رأيه على الآخرين. وليست لديه أي مشكلة في اتخاذ القرارات، كما يحدث لدى الشخصية الهادئة أو المسالمة. لذا كثيرًا ما يدهش الناس من عمليات تحويل المسار وتغيير القرارات التي يقوم بها المحرك بشكل حاسم ومفاجئ. يبرع المحرك عادة في إدارة وقته، ويتميز بالنشاط وسرعة الحركة والتواجد في أماكن الأحداث، كذلك تتميز ملامحه بالجدية والجرأة والطاقة الهائلة التي تميزه وتجعله جديرًا بالنجاح.
وهو محدد وواضح للغاية لدرجة قد تخيف الشخصية المسالمة أو الهادئة. ورغم ذلك فكثيرًا ما يساء فهم أهداف المحرك إذا لم يشرحها للناس، فهم يظنون أنه أناني يسعى لمصلحته الشخصية، لكنه بمجرد أن يجتمع بهم ويشرح لهم وجهة نظره يبدد ما لديهم من مشاعر المقاومة أو الاستياء .
ولكن انتبه!
الأنماط الشخصية التي شرحناها تمثل الحالات الطبيعية والاعتيادية التي يكون عليها الأفراد في أوضاعهم الاعتيادية في المنزل أو في المؤسسات وفي بيئة العمل.
لكن ماذا يحدث لهذه الشخصيات أثناء الأزمات والمواقف الحادة؟
في أوقات الأزمات، يلجأ كل نمط إلى ما يمكن أن نطلق عليه "الشخصية الحدية".
فعندما تزداد مستويات الضغط الواقع على الشخصية العادية عن الحد الطبيعي تنفجر بعض صمامات الأمان لتسمح بتفريغ قدر من الغليان الذي يعتمل داخل الشخصية. وهنا تخرج الشخصية عن إطارها الاعتيادي لتصبح ما نطلق عليه شخصية حدية أو استثنائية: أي أنها تظهر فقط في الظروف الاستثنائية.
وهنا يقوم الشخص بالتصرف خارج هذه الأطر التي تم تناولها آنفا. ولكن عندما يفاجئك أحد الأنماط بأسلوبه الخاص في التعبير عن الغضب، اعلم أنك لست مستهدفًا لشخصك بل إنه يفرغ ما لديه من شحنات غير طبيعية مع تصادف وجودك أمامه في هذه الحالة، وأنه سرعان ما سيعود إلى حالته الطبيعية بعد فترة قصيرة.