هل ينتسب أحد من الخلق إلى الخالق؟
كتبت– أمل أحمد
يواصل الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي حديثه عن معنى الكفر بالطاغوت، وفي درسه الأخير بعد صلاة العشاء يوم الأربعاء السادس من أكتوبر في مسجد أحمد عفيفي ناقش المتحدث قضية "الولدية لله"؛ أي الزعم بانتساب أحد من الخلق إلى الخالق بعلاقة بنوة، وأن لله سبحانه ولدًا. وهذه الدعوى موجودة منذ زمن الصابئة الذين زعموا أن الملائكة بنات الله، ثم قال بعض اليهود إن عزيزًا ابن الله وبعدهم قال بعض النصارى إن المسيح ابن الله، بل إن هذه الدعوى موجودة في مذاهب أرضية مثل الكنفوشيوسية والزرادشتية والبوذية المنتشرة في جنوب شرق وجنوب غرب آسيا، لكنها لم تذكر في القرآن.
ولو تعلق الأمر بالتعبير المجازي للبنوة، لجاز تأويل الكلام، فعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"، لكن الادعاء ليس مجازيًا بل هو قول مقصود على الحقيقة كما ورد في القرآن الكريم: " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير" (المائدة 18)، كما أن هناك من ادعى أن له ابنًا وحيدًا.
وقد رد القرآن الكريم على كل تلك الدعاوى فقال تعالى: " وجعلوا الملائكه الذين هم عباد الرحمن إناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون" (الزخرف -19)، " فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون.. أم خلقنا الملائكة إناثًا وهم شاهدون.. ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون.. اصطفى البنات على البنين.. مالكم كيف تحكمون" (الصافات149- 154) فإذا كانوا لم يشهدوا الخلق فكيف يشهدون بما لم يروا؟
كما رد على من زعم أن عزيرًا ابن الله: "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون" (التوبة30)، وقد ذكر القرآن هذا الادعاء مرة واحدة في موطن الإنكار على اليهود هذا التقول الكاذب على الله، لأننا نكاد لا نسمع بهذه القضية هذه الأيام، وفي موضع آخر ذكر قصة العزير دون ذكر اسمه:" أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير"(البقرة259)
وكذلك قوله تعالى:"وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا.. لقد جئتم شيئًا إدًا.. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا.. أن دعوا للرحمن ولدًا.. وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا.. إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا.. لقد أحصاهم وعدهم عدًا.. وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا" (مريم 88-95)
وقوله تعالى: "قل هو الله أحد.. الله الصمد.. لم يلد ولم يولد.. ولم يكن له كفوًا أحد"
وقوله: "وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون" (الأنعام 100).
ولاستحالة حدوث ذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:"قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" (الزخرف81)، أي إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغة في الاستبعاد، أي: لا سبيل إلى اعتقاده، كقوله: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين".
والغريب أن يلجأ البعض إلى تحويل "النبوة" إلى "بنوة"، وترويج الخرافات بالحديد والنار، وبالمال والسلاح، وبالإغواء والإغراء وغير ذلك من الطرق.
هل يكون لله تعالى ولد؟
كما رد الله تعالى تلك الدعاوى بقوله: "بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم" (الأنعام101)، ثم إن الولد يكتسب صفات الوالد، فالملك يكون ابنه أميرًا، والغني ينشأ ابنه في عز والده وهكذا، فكيف لبشر أن يكتسب صفات الخالق عز وجل ويكون على نفس القدر من علو الذات؟.
والإنسان يحتاج للولد للعزوة بين الناس، وإذا ضعف يجد من يعينه، وإذا احتاج يجد من يساعده، وإذا مات كان هناك من يخلفه.. والله سبحانه غني عن ذلك؛ فهو العزيز القوي الغني الحي الذي لا يموت.
كما أنه لا توجد أي أدلة علية أو مادية على وجود ولد لله تعالى، ولذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم كما أسلفنا: "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" (الزخرف81)