الشيخ خالد عبد الله وحديث عن "العبادة المهجورة"

كتبت- أمل أحمد
بعد أن قدم الداعية الشيخ خالد عبد الله عددا من جرعات الدواء التي تعين الإنسان على تزكية النفس انتهى الحديث في دروسه بمسجد أحمد عفيفي يوم السبت من كل أسبوع، انتهى إلى الجرعة الأخيرة من جرعات الدواء، وهي عبادة جليلة، مسنونة عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعن الأنبياء من قبله، نتذوق من خلالها جمال الصنع، ونرى حكمة الخلق، ونشاهد آثار وجود الله ونستدل على أسمائه وصفاته، فتتدفق المشاعر بحب الله وخشيته، وتزداد المعرفة به.

إنها عبادة التفكر، ومرادفها التذكر والنظر أو التأمل أو الاعتبار أو التدبر والاستبصار، تلك العبادة الجليلة التي أصبحت اليوم مهجورة عند كثير من الناس وسط زحام الحياة، والانشغال بأمور أخرى.
آيات بكى منها النبي صلى الله عليه وسلم

روي أن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سُئلت عن أعجب ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت ثم قالت: كان كل أمره عجبا، أتاني في ليلتي التي يكون فيها عندي، فاضطجع بجنبي حتى مس جلدي جلده، ثم قال: ياعائشة ألا تأذنين لي أن أتعبد ربي عز وجل؟ فقلت: يارسول الله، والله إني لأحب قربك، وأحب هواك – أي أحب ألاّ تفارقني وأحب أيضًا مايسرك – قالت: فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي ويتهجد فبكى في صلاته حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الفجر، رآه يبكي فقال يارسول الله: مايبكيك وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال له: ويحك يابلال، ومايمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة هذه الآيات: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ... فقرأها إلى آخر السورة (أي الآيات 190- 200 من سورة آل عمران) ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.

 وكان صلى الله عليه وسلم يقرأها حين يقوم للصلاة في الليل.
وقد حث القرآن الكريم والسنة المطهرة على التفكر في الأنفس والآفاق، يقول الإمام ابن القيم إن الفكر هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها، وهذا يكشفك عن فضل التفكر وشرفه، وأنه من أفضل أعمال القلب وأنفعها له، حتى قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة.

مزايا التفكر

يقول ابن القيم إن الفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة، ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم ورحبه، ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار، إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور، ومن مصيبة العمى والصمم والبكم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه "ولقد ذرانا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (الأعراف-179)، ومن امراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدور
وبالجملة فأصل كل طاعة إنما هي الفكر. فالإنسان تأتيه خاطرة، ثم تنقلب إلى فكرة، فإن لم يتفحص هذه الفكرة انقلبت إلى شهوة، فإن لم يقيّم الشهوة انقلبت إلى إرادة، فإن لم يقف في وجه إرادة لا تليق به انقلبت إلى عمل، فإن لم يتب أصبحت عادة، ومن أصعب الأشياء أن يدع الإنسان عاداته.. فالخير يبدأ من فكرة، والشر يبدأ من فكرة، وأصل الخير والشر من قِبل التفكر.

قال بكر بن خنيس: قلت لسعيد بن المسيب وقد رأيت أقوامًا يصلون ويتعبدون: يا أبا محمد ألا تتعبد مع هؤلاء القوم? فقال لي: يا ابن أخي إنها ليست بعبادة، قلت له: فما التعبد يا أبا محمد? قال: التفكر في أمر الله والورع عن محارم الله وأداء فرائض الله تعالى.

والتفكر عبادة، لأن الله تعالى مدح المتفكرين في كتابه الكريم، وذم معطلي العقول والأفكار،  وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفكر في آيات الله تعالى ويأمر أصحابه بالتفكر، وهو يجدد الإيمان ويزيده، ويبعث على التواضع أمام عظمة الله تعالى، ويقود إلى التوبة التي هي ثمرة من ثمرات التفكر.  وهو من أعمال القلب التي هي أفضل من أعمال الجوارح. 

أنواع التفكر

وهناك أنواع من التفكر, كالتفكر في القرآن، للوقوع على مراد الرب تعالى منه، ومعاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه، أي في آيات الله المسموعة وآياته المشهودة

فإذا تأملت ما دعا الله سبحانه عباده إلى التفكر فيه أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه، وفيها من العجائب ما يدل على عظمة الله، ولو فكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقها عن الكفر بالله .. "قتل اإنسان ما أكفره من أي شئ خلقه"

وهناك التفكر في عظمة الملك، قال بشر بن الحارث: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوه.

وهناك تفكر في خلق السموات والآرض وهناك تفكر في أحوال الآخرة، كان عبد الله بن المبارك جالسًا يطيل التفكر فسأله سهل بن عدي: إلى أين وصلت؟ قال ابن المبارك: الصراطـ، أي أنه كانت يتفكر في يوم القيامة وكيف يعبر الصراط. ولو عاش الإنسان هذه الأحوال متفكرًا فيها في ادنيا فلن يستغربها حين يراها رأي العين يوم القيامة.

وهناك نفكر في عيوب النفس، يقول الفضيل بن عياض: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك، فجلسات الفكر تريك نفسك على حقيقتها.