بين عبادة الملائكة.. وعبادة الجن
كتبت- أمل أحمد
بالدرس الذي قدمه الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب بعد صلاة العشاء يوم الأربعاء الثالث عشر من أكتوبر 2010 يختتم الشيخ بابًا من أبواب العقيدة وهو الكفر بالطاغوت، أو القسم الأول من شهادة "لا إله إلا الله" مؤكدًا أنه حين نقول الكفر بالطاغوت فالمقصود هو الفعل وليس الشخص، فعبادة عزير أو المسيح أو الملائكة طاغوت، ولكن لا نقول أن عزيرًا أو المسيح أو الملائكة طاغوتًا.
وبعد الحديث عن عبادة البشر والحجر يتحدث عن صنف من الناس عبدوا الملائكة على أنهم بنات الله، والعرب يطلقون اسم الولد على الذكر والأنثى، فقد زعم الصابئة الذين عبدوا الملائكة والنجوم وأشياء أخرى أن الملائكة عباد الله، وقد رد عليهم القرآن " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون" (الزخرف-19).
"فاستفتهن ألربك البنات ولهم البنون ..أم خلقنا الملائكة إناثًا وهم شاهدون..ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين مالكم كيف تحكمون"(الصافات 149-154)
فمن شهد فليشهد.. لكنهم لم يشهدوا شيئًا: "ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدًا"(الكهف -51).
وقد كانوا يكرهون البنات ويفضلون البنين، ومع ذلك فقد نسبوا البنات إلى الله سبحانه وتعالى:
"ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون" ( النحل 62)
"وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون وكمن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين" (الأنبياء 26- 29)
فالملائكة مخلوقات نورانية تعبد الله وتأتمر بأمره "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" (التحريم6)
بل افترى المشركون على الله أكثر من ذلك فادعوا أنهم لا يد لهم في تلك العبادات "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم.. ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" (الزخرف -20)
عبادة الجن
والجن والشياطين من جنس واحد، غير أن الجن فيهم الخير وفيهم الشر، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، أما الشياطين فهم شر محض.
وقد بدأت عبادة الجن بالاستعاذة بكبراء الجن؛ ذلك أن العرب في الجاهليَّة كانوا إذا سافروا فأمسوا في أرض قفر تتناوشهم الجن، ويحس الأنس بآثارهم لكنهم لا يرونهم، فأخذوا يقولون: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، أَي: الجن، فلما رأت الجن خوف الأنس منهم زادوا في تعنتهم وإيذائهم.
كما كان المشركون يتوسلون بالجن، ويطلبون منهم استراق السمع، فكانت الجن تسترق السمع وتتلقط أخبار السماء، فتأخذ كلمة صادقة وتضيف إليها مائة كذبة وتنزل بها على الكهان والدجالين، الذين يدعون أنهم يعلمون الغيب. ولو كانت الجن تعلم الغيب لعلمت بموت سيدنا سليمان: " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" (سبأ- 14)
وقد آمن بعض الجن بعد أن سمعوا القرآن:"وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين"(الأحقاف 29 – 32)
والغريب أن المشركين ظلوا يتوسلون بالجن المسلم، وأولئك الذين قال الله عنهم: "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا" (الإسراء 57).
هل يمكن أن تكون هناك آلهة مع الله؟
وفي نهاية هذا القسم من دروس العقيدة يناقش الشيخ القرشي الاحتمالات المجردة لمعنى وجود أكثر من إله في الكون، وليكن المثال بأقل الجمع وهو رقم 2: يقول الله تعالى: " وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون" (النحل51)، ويقول: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" (الانبياء25)،
فماذا يقول الإله الثاني؟ فإن قال إنه لم يسمع هذا الكلام فهو عاجز عن السمع فكيف يسمع عباده إذا دعوه؟
وإن سمع وسكت، فهذا ضعف والإله لا يكون ضعيفًا.
وإن سمع ولم يسكت فستحدث "حرب بين الإلهين"، ولهذا قال تعالى:" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون" (الأنبياء22).
المحيي والمميت
وافتراض ثان: أن يقول الإله الأول أنا سأحيي فلانًا ويقول الثاني: أنا سأميته
فإما أن الأول أحياه والثاني أماته وهذا يعني أن الشخص حي وميت في الوقت نفسه وهذا مستحيل
أو أن الأول أحياه ولم يستطع الثاني إماتته، وبالتالي كان عاجزًا، والعاجز لا يكون إلهًا.
"ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون" (المؤمنون91).
خالق الكون
والمثال الثالث أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وهو في قبضته "وسع كرسيه السموات والأرض" والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة، فلا يقدر قدر العرش إلا الله، فأين الإله الثاني، وكيف يسيطر على كونه ومخلوقاته؟! وهل ينازع على العرش؟
"قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا" (الإسراء42)
افتراضات جدلية تؤكد أن الكون له رب واحد وإله واحد هو الخالق البارئ المصور، لا إله غيره. وما ذكر الشيخ في الدروس السابقة لا يشمل كل من عُبد من دون الله، ولو ذهبنا إلى الهند مثلا لوجدنا معبودات غريبة وكثيرة، والأصل أننا حين نقول" لا إله .. إلا الله" أن نكفر بكل معبود باطل وكل رب زائف، أيًا كان هذا الذي لجأوا إليه أو سيلجأون إليه في المستقبل.