كيف نعيش مع اسم الله الرقيب؟
كتبت – أمل أحمد
قدم الشيخ بلال عبد المحسن درس يوم السبت الماضي، 16/10/2010 بعد صلاة العشاء في مسجد أحمد عفيفي، بعد أن اعتذر الشيخ خالد عبد الله عن عدم الحضور لمرضه، شفاه الله وعافاه. وكان موضوع الدرس عن اسم الله "الرقيب".
وكما يؤكد الشيخ بلال في أكثر من مرة عند تعرضه لأسماء الله الحسنى، فإن المعرفة بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى تزيد من معرفتنا بقدر الله تعالى، وكلما عرفنا الله أكثر كلما زادت استجابتنا لأوامره ونواهيه.
وكلمة الرقيب في اللغة لها عدة معانٍ منها:
المنتظر: كما جاء في القرآن الكريم: " وارتقبوا إني معكم رقيب(هود -93)
العارف: الذي لا يغيب عنه شئ
الحارس: الذي يحرس الجيش
الخلف: أي الشخص الذي يخلف أباه
وقد ورد الاسم في القرآن الكريم ثلاثَ مرَّات في قوله تعالى:
1-" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" (النساء-1)
فبعد أن أمرنا الله بالتقوى نبهنا إلى أنه الرقيب على أعمالنا.
2-" مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (المائدة-117) تؤكد الآية رقابة الله سبحانه على الإنسان في كل وقت.
3- " لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا" (الأحزاب-52)
فالله الرقيب هو المطلع على ما تكنه الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت, الذى حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير.
والرقيب والشهيد اسمان مترادفان لله عز وجل، كلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصورات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار فى الخواطر وما تحركت به اللواحظ، فما بالك بالفعال الظاهرة بالأركان.
فمتى علم العبد أن حركاته الباطنة والظاهرة قد أحاط الله بها، واستحضر ذلك العلم في كل أحواله، ستتكون لديه حراسة باطنة عن كل فكر يبغضه الله، وسيحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط ربه عليه.
والرقيب يأتى بمعنى الحافظ الذي لايغيب عنه شىء، فهو سبحانه وتعالى لايغفل عما خلق، فهو الرقيب على أحوال خلقه، الحافظ لهم بعلمه.. فهو يعلم جميع الخفيات فى الأرض والسموات، ثم إنه يقدر على ذلك ببصره الذى لا تأخذه سنة، وبسمعه المدرك لكل حركة وكلام. يقول تعالى:"وما تكون فى شأن وما تتلو من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين" (يونس-61)
" يَعْلَم مَا يَلِج في الْأَرْض وَما يَخْرج منها وَمَا يَنْزل مِن السّماء وَمَا يَعْرج فِيها وهو الرحيم الغفور"( سبأ2)
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَم ما في السَّمَوَات وما فِي الْأَرْض مَا يَكون من نَجْوى ثَلَاثَة إِلَّا هو رابعهم وَلا خَمْسَة إِلَّا هو سَادِسهم وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِك وَلَا أَكْثَر إِلَّا هو مَعَهم أَيْن مَا كَانوا ثُمَّ يُنبئهمْ بِما عَمِلوا يَوْمَ الْقِيَامَة إِن الله بِكُل شَيْء عَلِيم" (المجادلة-7)
"يَعْلَم خَائِنَةَ الْأَعْيُن وَمَا تُخْفي الصدورُ" (غافر-19)، فعِلْمه للسرِّ والخفاء يستوي مع علمه للجهر والعلانية
3 جهات رقابية
وقد زاد سبحانه برقابة الملائكة والنفس اللوامة وأعضاء جسم الإنسان؛ فالملائكة مكلفون بإحصاء الأقوال والأفعال؛ قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"(ق -18)، والرقيب هنا هو المَلَك الموكل.
ويقول تعالى:"وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين" (الانفطار-10)
وهناك النفس اللَّوامة التي تدفع الإنسان للخير والمعروف، وتضيق مما يُغضب الله، أما الأعضاء فقد جعلها الله شاهدةً عليك: " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاههم وَتُكَلمنَا أَيْدِيهِم وَتَشْهَد أَرْجلهم بما كانوا يكسبون" (يس- 65) فأعضاؤك تسجل عليك ما تقترفه من الذنوب والمعاصي.
فمن يعلم أن الله عليه رقيب، وأنه وكل به ملكين وأعضاء جسده يحصون أقواله وأفعاله، وأن الجزاء من الله بحسب هذه المراقبة؛ لم يضيع عمره فى البطالة والغفلة، بل يصل الليل بالنهار فى طاعة ربه. ومن راقب الله فى سره وجهره، وأتقاه فى أمره ونهيه يترك المخالفات استحياء من الله وهيبة له أكثر مما يتركها من يدع المعاصي خوفًا من العقوبة، وفي الحديث أن جبريل جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وقد أجاب عن الأخير بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. إن أحلى الإيمان أن تعبد الله كأنك تراه.
قال عبد الله بن عمر: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي، فقال: "اعبد الله كأنك تراه، وكنْ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"؛ أخرجه أحمد وغيره، وصححه الألباني.
وقد تعلم سهل بن عبد الله التستري من خاله، وكان عابدًا، أن يقول: الله معي.. الله شاهدي.. الله ناظر إليّ، ومن علم ذلك وعمل بما يعلم لم يقع في معصية. والمراقبة إحدى ثمرات الإيمان فمن قارف معصية وهو يعلم أن الله يراه فما أجسره وما أخسره، ومن ظن أن الله لا يراه فما أظلمه وما أكفره.
إن الراعي الذي رفض أن يبيع شاة من غنمه ويقول لصاحبها إن الذئب أكلها، وابنة بائعة اللبن التي رفضت أن تضيف الماء إلى اللبن، كلاهما كان يعيش حال المراقبة مع الله.
كان شيخٌ يقرب أحد تلاميذه دون بقية أقرانه، فلما شكوا ذلك، أراد أن يُعطيهم درسًا، فأعطى كلَّ واحد منهم طائرًا، وقال: ليذهب كل واحد منكم إلى حيث لا يراه أحد، ويذبح طائره، فذهب الجميع وعادوا وقد ذبحوا الطُّيور، إلا هذا الغلام، واعتذر بأنه كلما ذهب إلى مكان وجد من ينظره ويطلع عليه؛ وجد الله مُراقِبه، ومن هنا قال الشيخ: لهذا أقرِّبه.. لما يحمل من يقين في قلبه، وترجمة عمَليَّة لما يَعْتقده
تعالوا نطبق اسم الله الرقيب فى حياتنا
إذا عشنا حالة المرافبة وتيقنا أننا مراقبون من الله سبحانه فى كل وقت، قاعدين أم قائمين، نعمل أو نرتاح، نتحدث أو نصمت، فكيف نتجرأ على الذنوب؟
قد تستطيع أن تخبئ سرًا عن زوجتك، أو فكرة عن مديرك، لكن الله مطلع عليك، والسر والجهر عنده سواء، نطقت به أم لم تنطق "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين"(الأنعام 59)‘ فإذا كانت الورقة تقع تحت علم الله، فما بالنا بالإنسان المكلف؟ فكيف تفعل المعاصي والله رقيب عليك؟ كيف يسرق السارق ويرتشي المرتشي؟ وكيف يتجاوز الطبيب والمهندس والمحامي؟ وكيف يغش التاجر وصاحب المصنع؟ إن اسم الله الرقيب من أشد الأسماء الحسنى التصاقًا بحياة البشر. فلنعش في كل لحظة مع اسم الله الرقيب.
وفي رمضان لو شاء أحد من الناس أن يتناول طعامًا أو شرابًا دون أن يَشعر به أحد لفعل ثم يدعي أنه صائم، لكن تمنعه من ذلك مراقبته لله سبحانه رقابة داخلية.
لو عشنا مع اسم الله "الرقيب" ، لو علا الوازع الدَّاخلي عند الناس باسم الرقيب، سينصلح داخلنا ويكون مثل ظاهرنا.
لو تربينا على هذا المعنى لا بد أن تتغير أحوالنا ومجتمعاتنا، ويكون اسم الرقيب أفضل للمجتمع من ألف شرطي وألف كاميرا، فمراقبة الله هى مفتاح التغير للأحسن.