الشيخ خالد عبد الله.. وختام الحديث عن تزكية الأنفس
كتبت- أمل أحمد
اختتم الداعية الشيخ خالد عبد الله بعد صلاة عشاء يوم السبت 23 أكتوبر2010 بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب سلسلة جرعات الدواء التي تعين الإنسان على تزكية النفس، واستكمل الحديث عن الجرعة الأخيرة، وهي عبادة التفكر، تلك العبادة الجليلة التي أصبحت اليوم مهجورة عند كثير من الناس مستعرضًا أمرين مهمين.
التفكر في عواقب الأمور
هل نفكر فيما سيؤول إليه أمرنا بعد الممات، أم نتلهى بالدنيا وما فيها حتى تفاجئنا النهاية غير السعيدة؟ إن الإسلام يدعونا لأن تكون لنا رؤية للأمام، وتقدير لعواقب الأمور التي نفعلها الآن، يقول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" (الحشر 18)
فاتقوا الله بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه، ولينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال, هل هي من الصالحات التي تنجيه أم من السيئات التي توبقه؟ يقول قتادة: ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد, وغد يوم القيامة والآخرة، والأمس هي الدنيا "كأن لم تغن بالأمس", والعرب تكني عن المستقبل بالغد، وذكر الغد تنبيهًا على أن الساعة قريبة; كما قال الشاعر: وإن غدًا لناظره قريب، ولا شك أن كل آت قريب; والموت لا محالة آت.
إن التفكر في عاقبة الخير تدعو للعمل به، والتفكر في عاقبة الشر تدعو إلى تركه، يقول سلمة بن دينار: انظر الذي تحب أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم، وانظر الذي تكره أن يكون معك ثَمَّ فاتركه اليوم. وقال له عمر بن عبد العزيز: عظني يا أبا حازم، قال: اضطجع، ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظر ما تحب أن تكون فيه تلك الساعة فخذ فيه الآن، وما تكره أن يكون تلك الساعة فدعه الآن.
التفكر في كل ما حولك
وليس المقصود هنا التفكر فيما حولنا من أمور الدنيا ولكن أن تأخذ من كل منا يدور حولك عبرة وعظة، وأن تتعلم من المواقف التي تمر بها، والمشاهد التي تراها.
فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء، يقول أنس: كانت العضباء لا تُسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي، فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "حق على الله عز وجل أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه"، لينبه بذلك أمته صلى الله عليه وسلم إلى ترك المباهاة والفخر بمتاع الدنيا.
كما يروي عمر بن الخطاب أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا إمرأة من السبي تحلَّب ثديها تسقي؛ إذ وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟"، قالوا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، قال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"(متفق عليه)
وحين مر صلى الله عليه وسلم بجدي أسك (أي صغير الأذنين وهذا كان عيبًا فيه) ميت، فتناوله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن يكون هذا لَه بدرهم؟ فقال الصحابة: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: تحبون أَنّه لَكُم من غير ثمن؟ قالوا: والله لو كان حيًا لكان عيبًا، فقال صلى الله عليه وسلم: واللّه لَلدُنيا أهون عَلَى الله من هذا عليكم.
وكذلك كان حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومن ذلك موقف أبي الدرداء لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما أظهروا، فقد جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي، فقال له جبير بن نفير: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يومٍ أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال رضي الله عنه: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى"
ويقول ابن الجوزي "لو صفت له فكرة كان لك في كل شيئ عبرة"، فلنعتبر بما نرى ونسمع.
أسد يطاردك
يروى أن رجلا رأي أنه يسير في البرية فهجم عليه أسد، ففر منه باحثًا عن ملاذ يلوذ به فلم يجد ما يحميه إلا بئرا كانت أمامه فألقى نفسه فيها، فلما سقط في البئر وجد في قاعها حية عظيمة، وإذا هو بحبل يتدلى من أعلى البئر فتعلق بالحبل فارتفع عن الحية، وإذا بشق في جدار البئر، أدخل يده فيه فإذا هي خلية عسل، فأخذ يأكل من العسل.. وبينما هو كذلك إذ بفأرين أحدهما أبيض والآخر أسود يقرضان الحبل يوشكان أن يقطعاه.
وكان تفسير الرؤيا أن الأسد هو الموت الذي يلاحق الإنسان ولا مفر له منه:"أَيْنَما تَكُونُوا يُدرككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُم فِي بُرُوج مشَيَّدَةٍ"( النساء78)
وأما الحبل فهو عمر الإنسان.
وأما العسل فهي الدنيا تلهي الإنسان حتى لا تدع له وقتًا يفكر بمصيره المحتوم: "لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّن هَذَا فَكَشَفْنا عَنك غِطَاءك فَبَصَرُك الْيَوْمَ حدِيد"(ق22)
وأما الفأران الأبيض والأسود فهما الليل والنهار، يقرضان عمر الإنسان حتى يدنيانه من الأجل.
وأما الحية فهي ما ينتظر الإنسان المفرط، الذي انشغل بالدنيا ولم يتفكر في عاقبة أمره.
ويقول ابن القيم يرحمه الله: إذا فكر العبد في عواقب الأمور، وتجاوز فكره مباديها وضَعها مواضعها، وعلم مراتبها؛ فإذا ورد عليه وارد الذنب والشهوة، فتجاوز فكرُه لَذته (أي لذة الذنب)، وفَرحَ النفس به إلى سوءِ عاقبته، وما يترتب عليه من الألم والحزن ... فإنه لا يكاد يُقدم عليه، وكذلك إذا ورد على قلبه وارد الراحة والدعة والكسل والتقاعد عن مشقة الطاعات وتعبها، حتى عبر بفكره إلى ما يترتب عليها (أي على الطاعات) من اللذات، والخيرات، والأفراح التي تغمر تلك الآلام ....كلما غاص فكره في ذلك، اشتد طلبه لها، وسهل عليه معاناتها واستقبلها بنشاط وقوة وعزيمة.
وكان أحد الصالحين يخاطب فراشه ويقول: أعلم أنك لين لكن فراش الجنة ألين منك.
وباختتام الحديث عن عبادة التفكر تنتهي سلسلة دروس الداعية الشيخ خالد عبد الله عن تزكية الأنفس، ويبدأ من السبت المقبل إن شاء الله سلسلة جديدة بعنوان: القصة القرآنية وعلاقتها بالواقع"