الشيخ خالد عبد الله: منهج القصص القرأني .. وغايته
كتبت- أمل أحمد
بعد صلاة العشاء يوم السبت 30 أكتوبر كان الموعد في مسجد أحمد عفيفي بالرحاب مع سلسلة جديدة من دروس الداعية الشيخ خالد عبد الله عن "القصة القرآنية وعلاقتها بالواقع"، وقد خصص الدرس الأول منها للحديث عن سبب اختيار الموضوع.
فقد حفلت آيات القرآن الكريم بقصص الرسل والأنبياء السابقين، وقصص أقوام صالحين، وآخرين خالفوا شرع الله ورسالات المرسلين، فما صفات هذا القصص؟ وما منهجه؟ وما هدفه وغايته؟
للقصص القرآني صفات يتميز بها:
- فهو القصص الحق، وهو الحقيقة، فالقصص الحق نجده في القرآن لا في شطحات المؤلفين ولا سيناريوهات الأفلام. "إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم" (آل عمران 62)
-وهو أحسن القصص لأن في طياته الصدق والحق:" نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين"(يوسف3)، وتأمل السياق القرآني هنا "إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص"، فقد جاءت كلمة "نحن" بكل ما تحمل من عظمة الله وجلاله، وهو الذي يقص القصص على نبيه صلى الله عليه وسلم، ليقرأه الناس إلى يوم الدين.
جاء ذلك في سورة يوسف، وهي السورة الوحيدة التي اشتملت على قصة حياة نبي، بتفاصيل وافية فيها "آيات " للسائلين، فقد سردت المكائد والابتلاءات، والرؤى والمكانات، وانتهت القصة بنهايات سعيدة لكل الأطراف؛ يوسف عليه السلام الذي خرج من السجن وتبوأ مكانة عالية في الدولة المصرية، وأبوه يعقوب عليه السلام الذي رد الله إليه ابنه ورد عليه بصره، وإخوة يوسف باستغفار أبيهم لهم، وأهل مصر الذين حماهم الله من المجاعة، بل والمناطق المجاورة التي وفدت على مصر لتنال حظًا من غلتها.
-يعلم الله أن الكون به أمور تتجدد، ولذا نحن نستفيد من قصص الماضي لاستقراء الواقع وتوقع المستقبل، وكما يقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: استدل على ما لم يكن بما كان فإن الأمور اشتباه, ونحن نرى الصراع بين الحق والباطل مستمر عبر أجيال وعصور، وإن تغيرت أشكاله وتعددت صوره. ومن رحمة الله بنا أن قص علينا هذا القصص" ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد" (هود 100)، حتى لا نستغرب ما يمكن أن يحدث من حروب ضد الدين وأصحاب العقيدة "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" (الأعراف 176)، فمن القصص القرآني – والقصص النبوي أيضًا- يمكن أن يحدث إسقاط على الواقع الذي نعيشه، لنستفيد من التجارب؛ وهي تجارب موثقة.
الغاية من القصص القرآني
- وفي القصص القرآني منهج يخاطب العقول والقلوب معًا، ولا يهدف لمجرد الإمتاع والتسلية، ولكن له أهداف وغايات منها:
1- التفكر"لعلهم يتفكرون"، وقد تحدث الشيخ في آخر درسين عن التفكر الذي هو فريضة قرآنية وواجب مهم، وهو عملية عقلية بها يشّكل الإنسان نفسه. ونحن نرى اليوم ألوانًا من القصص الصحفية التي تعد من الأمور المشينة، إذ تخوض في أعراض الناس، وتشيع الفاحشة، ومن خلال هذا القصص البشري تستطيع أن تعرف الناصح المخلص من المحارب للدين الكاره له.
2- تثبيت الفؤاد؛ فقد حفلت سورة "هود" بقصص الأنبياء والمرسلين، ثم قرب نهايتها يبين الحق تعالى إحدى حكم القصص:" وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين" (هود 120)، فقد أراد الله تعالى أن يثبت بالقصص فؤاد النبي على الحق، ويعطيه إشارات للمعارك التي لا يخلو منها زمان بين الحق والباطل.
3- عبرة لأولى الألباب: نلاحظ أن سورة يوسف جاء في مطلعها "نحن نقص عليك أحسن القصص"، وفي آخرها: " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثًا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" (يوسف 111)؛ ففي البداية بيان للمنهج، وفي الختام تذكير بالهدف من القصة.
و"العبرة" من العبور، أي المرور على أحداث الماضي للاستفادة؛ فالتدبر يجعلك تحيا واعيًا لا تهتز مهما رأيت وسمعت.
كما أن العبور يعني عدم المكوث طويلا والاستغراق في التفاصيل التي تحرفنا عن الهدف من القصة. وللأسف فقد لجأ كثير من الكتاب، والدعاة المتحدثين للإسرائيليات، واهتموا بها كثيرًا رغم أن ما فيها لا يفيد، وقد قال الله عن الذين جادلوا في عدد أصحاب الكهف "رجمًا بالغيب"، وقال "فلا تمار فيهم إلا مراءًا ظاهرًا ولا تستفت فيهم منهم أحدًا"
يقول أحد المسئولين إن على الدعاة ألا يتكلموا عن الغيب! كيف لا يتكلمون عن الغيب، والله سبحانه من الغيب، والملائكة، واليوم الآخر، والحساب، والجن والشياطين من الغيب، والله يقول" تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين" (هود 49).
4- التبين والتثبت: يقول الحق تعالى" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (الحجرات6)، وهذا أمر بالتوقف عند روايات الفاسقين، فكيف نأخذ من الإسرائيليات، وهم الذين كذبوا على الله تعالى وحرّفوا كتابه، وكذبوا على الأنبياء والرسل، بل وقتلوا منهم؟ وكيف نأخذ من آراء الفاسقين المحدثين الذين يحاربون الدين ويتهمونه بالنقص وعدم القدرة على مسايرة العصر، ومن يفتري على النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤذي أزواجه وصحابته؟ ومن يترك المصائب التي ألمت بالناس ويتفرغ للهجوم على الدعاة؟
الدرس المقبل: مع أول قصة في القرآن الكريم.. بقرة آل إسرائيل