هل وجدت بيتك نظيفًا .. بالصدفة؟
كتبت- أمل أحمد
استأنف الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي بعد عودته من الحج دروسه في العقيدة، بعد عشاء كل أربعاء بمسجد أحمد عفيفي أمام المطاعم المفتوحة بالرحاب، وفي درس الأربعاء 24 نوفمبر 2010 رد الشيخ على مزاعم القائلين بأن الخلق جاء صدفة أو بالطبيعة أو بالضرورة.
إن وجود الله تعالى لا يحتاج إلى دليل، ففي كل شئ له آية .. تدل على أنه الواحد.. فالآيات التي أمامنا لا تدل على وجوده فحسب، بل تدل على تفرده بالألوهية والربوبية. والعقول تقول إن الكون حقيقة لا خيال، حادث لا قديم، ومن ثم فإن هذا الكون الحادث المخلوق لا بدَ له من خالق، ولا يمكن أن يوجد من تلقاء نفسه من غير خالق يخلقه. "أم خُلقوا من غير شيئ أم هم الخالقون"(الطور 35)، فالمؤمن العادي يسأل الملحد: من الذي خلق فسوى، وقدر فهدى؟ ويجد الملحد نفسه عاجزًاعن الإجابة، ويلجأ إلى افتراضات جدلية؛ فيقول مرةً إن الخلق جاء بالصدفة، وثانيةً إنه جاء بالضرورة، وثالثةً إنه جاء بالطبيعة، المهم أن يكون هناك سبب غير السبب الحقيقي. ورغم تهافت تلك الشبهات إلا أننا نضعها تحت مجهر البحث العلمي:
الوجود بالصدفة
يقسم العلماء الصدفة إلى صدفة ممكنة، وصدفة غير ممكنة
ولو ضربنا مثلا للصدفة الممكنة نقول لو أن مهندسًا وضع الديناميت ليفجر نفقًا في الجبل، وبعد الانفجار تناثرت الأحجار وتكون منها ما يشبه الكوخ الذي يمكن أن يستظل فيه إنسان، لكنه يبقى غير آمن، لاحتمال تداعي الأحجار في أي لحظة.
أما الصدفة غير الممكنة: أن تكوّن هذه الأحجار بيتًا منظمًا فيه عدد من الغرف حسب الاحتياجات البشرية: غرف للنوم وغرفة للمائدة ومكان للضيوف وحمام ومطبخ .. الخ.
فما بالنا بهذا الترتيب الدقيق في كل المخلوقات؟ إنه يدعونا لأن نردد مع القرآن الكريم: "إنا كل شيئ خلقناه بقدر" (القمر 49)، "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين"(الدخان 38). فلو تركت بيتك غير منظم ثم عدت فوجدته نظيفًا منظمًا، والطعام مُعدًا، والملابس قد غُسلت، هل ستقول إن هذا حدث صدفة؟
وجود بالطبيعة
ويزعم القائلون بذلك أن الطبيعة خلقت الطبيعة؛ فالسماء خلقت السماء، والأرض خلقت الأرض. إن الإنسان جزء من الكون، أي أنه جزء من هذه الطبيعة، ومع ذلك فالإنسان أقوى من الطبيعة وهو يتحكم فيها ويستغلها، فكيف يكون مخلوقُا خلقته الطبيعة، أقوى منها ويتحكم فيها؟
والطبيعة صماء بكماء فكيف خلقت الإنسان العاقل الذي يسمع ويبصر ويتكلم؟، فإن قالوا إن الطبيعة قوة مفكرة لها إرادة فسنقول لهم: إذًا أنتم تتحدثون عن إله خالق، ولكنكم تسمونه بغير اسمه.
وجود بالضرورة
الزعم الثالث أن الضرورة هي التي أوجدت الأشياء، فالزعانف وجدت في السمك حتى يسبح، والضرورة أوجدت للزرافة رقبة طويلة حتى تقتات من ورق الأشجار العالية، وهذه تفاهات ومع ذلك نجدها تدرّس في كتبنا حتى اليوم على أنها نظريات علمية. وهذا الزعم لا يفسر بداية الخلق، كما أنه لا يفسر لماذا لا توجد لللأوز مثلا زعانف رغم أنه يعوم، ولماذا لم تطل رقاب البقر وباقي الحيوانات كالزراف، ولماذا لم ينبت للخفاش ريش وهو يطير؟
وكما قيل: "يكفي لفضح الباطل عرضه".
إن وجود الله عليه أدلة كثيرة في آيات الكون المنظورة وآيات القرآن المسطورة " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" (آل عمران 190)، "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" (الحجر 85)، فلا مجال للعبث:"أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون" (المؤمنون 115)، ولا مجال لوجود شيئ سدى"أيحسب الإنسان أن يترك سدى"(القيامة 36)، فالكون فيه عناية وإبداع يفوق كل تصور، وكل شيئ مخلوق بإحكام ودقة وقدر.
يقول الله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان" (الرحمن 5)، فلو تغير موضع الشمس من الأرض بعدًا أو قربًا لما صلحت الأرض لحياة البشر بسبب تغير درجة الحرارة، وكذلك القمر الذي يؤثر على حركة المد والجزر على الأرض ولو اقترب قليلا لأغرقت البحار الأرض اليابسة، ولو زادت نسبة الأوكسجين في الغلاف الجوي لاحترقنا، وهكذا إبداع في كل شيئ "وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون" (الذاريات 20-21)، ولو دخلت بستانًا ونظرت فيما خلق الله من فاكهة، هل ترى أن الصدفة أو الطبيعة أو الضرورة هي التي ميزت بين التفاح والبرتقال والموز والرمان، ووضعت في كل نوع خصائص وفوائد صحية تجعله غذاءًا ودواءًا؟
وهكذا عالم النبات والحيوان والحشرات والطيور وعالم البحار.
وماذا عن أعضاء جسم الإنسان، هل يمكن أن نستعيض عن مخ الإنسان بمخ إلكتروني؟وكم يبلغ حجمه؟
إن الماء الذي يشربه الإنسان يكون حلوًا على اللسان، مالحًا في العين، مرًا في الأذن، فكيف ذلك؟
وهكذا ترى أن الكون قرآن منظور، والقرآن كون مسطور، يدل على بديع خلق الله تعالى.