حجاج الرحاب يصفون مشاعرهم عند أداء الفريضة
الشيخ محمد النمكي: فاضت الدموع من عيني لسعادتي بـ"التأشيرة الإلهية"
عماد حمدي: عندما يبدأ وقت الحج وأنا لم أذهب أشعر بألم وندم لأني متعلق بهذه الأماكن المطهرة
المهندسة لمياء: هناك يستطيع الإنسان أن ينفصل عن كل الدنيا ويكون مع الله وحده
كتب- محمود رضا
منذ وقت قصير رجع حجاج بيت الله الحرام إلى أوطانهم بعد رحلة يتمناها كل مسلم تدب فيه روح الحياة. ومن هؤلاء العائدين من الرحاب المقدسة بعض سكان الرحاب. "رحابى. نت" التقت عددًا منهم لمعرفة شعورهم عقب العوده من هذه الرحلة:
الشيخ محمد النمكى أحد شيوخ الرحاب، كان ضمن من أدوا الحج هذا العام، يقول: هذه المرة الأولى لي في الحج، وقد أكرمني الله بأداء الفريضة عن طريق القرعة التي كانت تحت إشراف شركة طلعت مصطفى، واصطفانى الله من بين عشرات المتقدمين أن أفوز بها، وعندما وجدت نفسي فائزا بالقرعة غمرتني السعادة ولم أتمكن من السيطرة على دموعي، التي فاضت من عيني فرحًا بهذه "التأشيرة الإلهية".
وأضاف: بعدها بدأت أجهز نفسي وأستعد للرحلة نفسيًا وروحيًا عن طريق الصفو بيني وبين الله سبحانه وتعالى، والاشتياق للمقابلة، وكنت دائمًا أستشعر لحظة الوداع الأخير للوصول لدرجة إيمانية عالية في العبادات، وهذا الشعور الذي كنت أطمح إليه يجعل المرء يزهد في الحياة ويجعل كل ما يدور في ذهنه هو الوصول لمكة ورؤية بيت الله الحرام.
وبالفعل تجهزت روحيًا ونفسيًا، وعندما ركبنا الطائرة نسيت كل ما يتعلق بحياتي الشخصية في مصر، فلا أدري كيف لا أفكر فى أولادي أو عملي أو زوجتي.. نسيت كل شئ عن مصر ولم يشغلني إلا الصلاة هناك، ورؤية تجمع المسلمين من كل الفئات والأجناس البشرية يقولون "لبيك اللهم لبيك".
وعندما وصلنا للكعبة شعرت كأني طفل صغير طال اشتياقه وحنينه لأمه التي لم يرها، وعرف أنها موجودة في هذه الرحاب الطاهرة، كما كان هناك شعور آخر يراودني كلما نظرت للكعبة وعيني لا تستطيع مفارقتها، وقتها شعرت كأن الله سبحانه وتعالى موجود هنا في هذا المكان، فكلما صليت هناك كان علي استحضار عظمة الله الذي أشعر أنه موجود يراني ولا أراه، فهو الذي اصطفاني وطلبني أن أقف بين يديه، شعور تعجز الكلمات عن وصفه، شعور بالحب ممزوج بلهفة، تتخلله رهبة وخوف. هذه المفارقات استشعرتها وأن أقف لأول مرة أمام الكعبة.
ويضيف قائلا: رأيت أناسًا يمسكون في أيدي من يقف بجوارهم خوفًا ورهبةً من ذلك الموقف، فأغلبنا يستشعر وجود الله، ومن ثم تجدنا خائفين منه لما ارتكبنا من الذنوب.
بعد إتمام العمرة، قبل الحج، بدأت أشعر بنقاء في النفس؛ شعرت وكأني كنت أحمل فوق ظهري عبئًا ثقيلا كالجبل، أما بعد مناسك العمرة فكأني مغسول من ذنوبي، نقي، وهذا الشعور لا يُكتب ولكن يُحس.
ويضيف النمكي: عقب العمرة دخلنا في مناسك الحج والتي تكمن متعتها في مشقتها، فأنت تفعل ما أمرك به الله ورسوله إرضاءًا لهما"
أصعب المواقف
ولفت النمكي إلى أصعب المواقف التي شعرها عند الوقوف بعرفة؛ ذلك المكان العظيم الذي يتجمع عليه ملايين المسلمين بلباس الإحرام، الكل سواسية لا فرق بين غني وفقير، ولا رئيس ومرؤوس؛ الكل أشبه بالموتى التي أحياها الله، لا شئ من زخارف الدنيا، الكل سواء في ذلك الموقف المهيب يتضرع لله راجيًا رحمته وعفوه ورضاه.. عندها استشعرت أني في يوم المحشر أرجوه العفو والغفران على كل الذنوب والخطايا التي اقترفتها عن قصد أو بدون قصد, فهو يوم مليئ بالبكاء والتذلل ولكن اللذة استشعرناها بعد انتهاء ذلك اليوم.
وبعد انتهاء وقفة عرفات شعرت وكأني طفل، ولد ورأى الحياة لأول مرة ولم يرتكب فيها ذنبًا، طفل نقي خالٍ من الذنوب، طفل لايحمل جبالا من الذنوب كما كنت أشعر في السابق، وفي ذلك الوقت تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة قوله عن الحجاج" جاءوني شعثًا غبرًا.. أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم".
لحظة الوداع
وعن لحظة وداع تلك الأماكن قال النمكي: شعرت بأني أودع شخصًا عزيزًا على نفسي، ينخلع لفراقه قلبي، فكنت أنظر لجدار المسجد الحرام وأسأل نفسي: هل يمكنني العودة لهذه الأماكن مرة أخرى أم ستكون الأخيرة؟.
وأوضح النمكى أنه بمجرد أن انتهى من مناسك الحج وجد نفسه منشغلا بأهله في مصر، ودائما يتصل بهم في لهفة لم تكن موجودة أثناء تأدية المناسك، خاصة بعد أن عرف بمرض نجله.
وعن الدروس المستفادة عقب الرجوع من الحج قال: استشعار فضل الله تبارك وتعالى ونعمه في كل شئ قائلا " أخذت درس الصبر وطبقته هناك حيث تجد ما يضغط على أعصابك دون قصد، وتحاول التعايش وسط الزحام فلابد أن تتحلى بالصبر.
ويلفت النمكي إلى درس آخر هو عظمة الإسلام عندما تجد مئات المسلمين يقفون ويصلون ويتجمعون على حب الله وخشيته راجين الرحمة والغفران.
ويتساءل قائلا: أين أعداء الإسلام ليروا الحجاج وهم يؤدون المناسك ويحاولون التقرب إلى الله، وأعينهم تفيض من الدمع؟ فالمنظر أكثر من رائع في الحقيقة.
وعن الآثار الباقية في النفس بعد الحج والعمرة قال النمكي:" أنت عائد من الحج صفحة بيضاء كما ولدتك أمك فحاول المحافظة على نفسك من الذنوب والمعاصي كي يرضى الله عنك، ودائمًا تدعو وتستغفر وتتمنى منه أن يجعلك من المقبولين، وأن تكون انتهيت من المناسك كما ينبغى وعلى خير وجه.
وعن سلبيات الرحلة يقول النمكى "شنطي لم تعد من المطار حتى الآن ولا أدري لماذا؟"
الرحلة الأسهل
ويقول عماد حمدى أحد العائدين من الرحاب المقدسة هذا العام إن هذه المرة هى الثالثة له بفضل الله ويضيف: أحب زيارة تلك الأماكن المقدسة التي يتعلق قلبي وروحي وجسدي بها بشدة؛ فعندما أجد وقت الحج قد بدأ وأنا لم أذهب أشعر بألم وندم لأني فعلا متعلق بهذه الأماكن المطهرة، وكلما ذهبت إليها يزداد الشوق.
وعن أهمية الحج قال: الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو أيضًا عبادة بدنية ومادية، فعندما تذهب تجد ملايين المسلمين يؤدون نفس المناسك في وقت واحد، وهذا به جهاد كبير كما أنك تدفع مالاً كثيرًا، ولو علم المسلمون مدى السعادة التي يكون فيها الإنسان بعد انتهاء تلك المناسك؟.. إنها سعادة لا يضاهيها مال؛ فالمال لا قيمة له مقابل الشعور برضى الله.
وأضاف: "عند الوصول نضع نية العمرة والحج، ولكن اللافت للانتباه هو التجمع الهائل للمسلمين من كافة بقاع الأرض على الرغم من اختلاف الأجناس والأشكال والثقافات واللغات إلا أن كل هؤلاء يجمعهم الحج والوصول لرضى الله، فلا توجد أمة غير الاسلام بها ذلك التجمع العظيم. بعض الأمم يتجمعون بشكل كبير ولكن بهدف مشاهدة الكرة مثلا, لكن الإسلام يجمعنا بهدف الوصول لرضى الله فنتجمع حول كلمة "الله " سبحانه وتعالى، وملايين البشر يقولون فيوى وقت واحد: لبيك اللهم لبيك"، كما تكون بغيتنا هناك الرجوع لبيوتنا كما ولدتنا أمهاتنا بلا ذنوب، ونحاول أن ننقي أنفسنا من المعاصي.
وأوضح حمدي أن تأدية المناسك لم تكن سهلة، فعند الطواف تجد آلاف المسلمين يطوفون معك في نفس الوقت فتجد زحاما شديدًا، فالمناسك تتم في وقت واحد، لا فرق عندئذ بين غنى وفقير، أو بين أبيض وأسود، أو بين مثقف وجاهل. الفرق يكمن في التقوى.
ويوضح حمدي: "تعد هذه الحجة الأسهل على الإطلاق رغم أن بعض الأشخاص وجدوا مشقة في تأدية الحج هذا العام، وربما يقولون ذلك لأنها الأولى لهم، والثالثة لي، فهذا العام كان أكثر تنظيمًا.
وعن الدروس المستفادة من الحج قال: هو درس التجرد من الدنيا؛ فكل الحجاج يخرجون عن ثيابهم وأموالهم وزخارفهم ويرتدون لبس الإحرام؛ لباس أبيض بلاجيوب أشبه ما يكون بالكفن، وعندها لا ينفعك إلا عملك، فتسعى للوصول إلى ربك بكافة السبل، فإن قبلك الله فعندها تشعر بأن حجك مقبول وذنبك مغفور وتشعر أيضًا بسعادة كبيرة.
وهناك درس آخر وهو الشعور بنعم الله فأنت تلبي أوامر الله سبحانه وتعالى، وتشعر أن الكون يلبي معك أيضًا، ولكن المخالف لأوامره سبحانه وتعالى هم عصاة الإنس والجن، تشعر بالانقياد لأوامر الله وأنت تؤدي مناسك الحج في كل حركاتك وسكناتك.
ومن أكثر الاشياء التي نتمناها في الحج المغفرة فأجمل إحساس في الكون حين يخرج الإنسان من عرفات ويوقن بأن الله قد غفر له
وأكد حمدي أن الحج ليس هدايا يدخل بها الحاج على أهله وأخوانه، رغم أهميتها، لكني أتمنى ألا تأخذ وقتًا كبيرًا من الرحلة، فهي بالفعل تدخل السرور على من يعرفك، ولكن أريد التنويه إلى أن العبادة هناك تساوى الكثير، فيجب الحرص على تأدية المناسك على خير وجه وعدم الانشغال بغيرها.
وقال: أحب التنويه إلى أهم المحاذير التي يقع بها بعض المسلمين وهي عدم الإلمام بتأدية المناسك المطلوبة على وجهها الصحيح؛ فلا يعرف المطلوب منه في هذه الرحاب الطيبة، لذا يجب على كل إنسان ينوي الحج أن يعد العدة ويتجهز بالعلم النافع.
ويضيف حمدي "عقب الانتهاء من الحج يجد الحاج نفسه مشتاقًا لأهله ويتابع أحوالهم لأن الفرد مخلوق لرعايتهم والحرص على راحتهم".
انفصلت عن الدنيا
المهندسة لمياء، ربة بيت، انتقلت إلى الرحاب منذ سنة، لتسكن بالمرحلة الرابعة بعد أن كانت تسكن في منطقة الشيراتون.. وقد عادت من رحلة الحج مؤخرًا بعد أن أدت الفريضة للمرة الأولى.
وعن شعورها عند الوصول للرحاب المقدسة، تقول: كنت سعيدة جدًا، فهذه أول مرة أؤدي فيها فريضة الحج، وإن كنت قد أديت العمرة قبل ذلك والحمد لله.
وعن أداء المناسك تقول السيدة لمياء: كانت الأمور ميسرة في عرفات فقد صلينا فجر يوم التاسع من ذي الحجة في عرفات وبقينا هناك حتى بعد المغرب، هناك يستطيع الإنسان أن ينفصل عن كل الدنيا ويكون مع الله وحده. بعد عرفات توجهنا إلى مزدلفة وهي تهيئة من الله تعالى للعودة الى أرض الناس والاجتماع بهم مرة أخري، وقد كان الوضع متعبًا، لأننا بتنا الليلة في الشارع وسط الزحام وعوادم السيارات وجموع كبيرة من البشر. أما منى، وبعد التوسعات الجديدة فقد كانت الإقامة فيها سهلة جدًا، وكذلك رمي الجمرات، إذ لا يوجد زحام وتمكنت من الذهاب في الأيام كلها والوصول إلى الشاهد الذي نرمي عنده الجمرات دون مشقة وفي الأوقات الصحيحة. فطريق رمي الجمرات أصبح مكونًا من 4 أدوار، وهذا خفف الزحام كثيرًا.
وأثناء ذلك هطلت امطار شديدة، ونزل البَرَد، مع حدوث رعد وبرق، مما جعلنا نعيش جوًا شتويًا جميلا.
وقبل أن نذهب لمكة لطواف الإفاضة وصلتنا رسائل تحذيرية على المحمول من هيئة الدفاع المدني السعودي تنصحنا بعدم الذهاب إلى الحرم في أول يوم بعد صلاة العيد بسبب الزحام الشديد، فتأخرنا حتى ليلة ثاني أيام العيد، حيث أدينا الطواف بعد منتصف الليل في هدوء.
وعن أهم درس خرجت به من تلك الرحلة، تقول السيدة لمياء: الدرس المهم أن نشعر أننا جزء من هذا العالم الإسلامي الكبير، ففي الحج نجد كل الناس وقد أتوا متلاحمين من كل فج عميق، يتكلمون عشرات اللغات ومئات اللهجات لكنهم جميعًا يدعون ربًا واحدًا ويطمعون في رضاه ومغفرته.
وعن الآثار الباقية في نفسها بعد رحلة الحج، تقول: شعرت بسلام وهدوء نفسي وطمأنينة، نسأل الله أن يتقبل الحج وأن يكون حجًا مبرورًا، فهذا معناه غسل كل الذنوب والخطايا وأن يرجع الإنسان كيوم ولدته أمه.