هل تستطيع أن تحصي أسماء الله؟
كتبت –أمل أحمد
في درس يوم الأربعاء الماضي، الثامن من ديسمبر بمسجد أحمد عفيفي بالرحاب، عرض الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي مقدمة لقضية التوحيد التي سيتناولها في الدروس المقبلة إن شاء الله.
وأشار الشيخ إلى أن دعوة الأنبياء والرسل تركزت على قضية التوحيد أكثر مما انشغلوا بمسألة وجود الله، فقضية الوجود لم ينكرها إلا القليلون، فالمشركون والكفار لم ينكروا وجود الله "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" (من الآية 25لقمان، والآية 38الزمر)
"ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون" (العنكبوت 61)
والآية التالية تلخص قضية التوحيد" وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" (الأنبياء 25)
وقد شغلت قضية التوحيد ثلث القرآن؛ فالقرآن: توحيد وتشريع وقصص، ولكن التشريع والقصص يصبان أيضًا لتوكيد التوحيد، فالقصص لم يأت للتسلية والطرفة ولكن للعبرة "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" (يوسف111)
كما أن حديث التشريعات في القرآن يبدأ دائمًا بالعقيدة: "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" (لقمان13)
"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما"(الإسراء23)
فالشريعة مرتبطة بالعقيدة ولو لم تكن كذلك لكانت النتيجة هي البوار "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءًا منثورا" (الفرقان23).
"ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين"(المائدة 5) وقد يُطلق على التوحيد كلمة الإخلاص، أو كلمة التقوى.
معنى التوحيد
والتوحيد في اللغة هو الإفراد، وهو ضد التعدد، وضد الشرك؛ أي إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة في ذاته وأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته.
وهو كلٌ لا يتجزأ إلا أن العلماء لجأوا إلى تقسيمه تقسيمًا اصطلاحيًا، هو بمنطق العلم نوع من "المنهجية"، فقالوا: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الحاكمية، وتوحيد الولاء والبراء، وتوحيد الطاعة والانقياد، وتوحيد المحبة، وهذا التقسيم ليس مرادًا لذاته، وإنما القصد منه الإفهام والتعليم.
أسماء الله الحسنى
روى البخاري ومسلم عن أَبي هريرة رضي اللَه عنه أَن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: "إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أَحصاها دخلَ الجنة".
هذا العدد هو ما يمكن للبشر أن يحصيه من أسماء ويعلمه، وقد جرت محاولات عديدة لإحصاء الأسماء ولا تزال المحاولات مستمرة، بدأت من أيام الوليد بن مسلم(توفي في سنة 195هـ) الذي أحصى الأسماء من الكتاب والسنة، لكنها رواية مدرجة (ليست مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم) وعليها مآخذ، كما اهتم بذلك البيهقي والغزالي وابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين ومحمود عبد الرزاق، والكل يحاول إحصاء الأسماء.
والبعض قال إن الأسماء ليست توقيفية فأخذ من كل صفة اسمًا، ومن كل فعل اسمًا، وهذا يجعل الأسماء تزيد على تسعة وتسعين! إذا فالأسماء توقيفية، أي ما أثبته الله لنفسه أو جاءت به السنة المطهرة.
على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد، واستدل العلماء على ذلك بحديث: "ما أَصاب أَحدًا قطُّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللَّهمَّ إني عبدك، وابن عبدك، وابن أَمتك ... أَسأَلك بكل اسمٍ هو لك سمّيت به نفسك، أَو عَلَّمْته أَحدًا من خلقك، أَو أَنزلتهُ في كتابك، أَو استأْثرتَ بِه في علم الغيب عندك". صححه الألباني.
وفي معنى" علمته أحدًا من خلقك" قيل هم الرسل والأنبياء والملائكة، ففي موقف الشفاعة يوم القيامة يفتح الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمحامد فيها أسماء لم نكن نعرفها.
كما أن الملائكة يتصرفون في الكون باسم الله.
وهناك أسماء هي في علم الغيب، فلا يعرفها أحد،
ولم يطلع الله عليه أحداً من خلقه، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين.
ولم يخص الله سبحانه الأولياء بشئ من هذه الأسماء، كما يزعم بعض الصوفية، وإنما الاختصاص للأنبياء والرسل والملائكة.
فالأسماء كثيرة لمسمى واحد، هو الواحد الأحد
صفات ذاتية وفعلية
وهو سبحانه في كل صفة له ليس كمثله شئ، والتوحيد أن نؤمن بهذه الأسماء والصفات دون تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف.
وهناك صفات ذاتية: كالوجه واليد والعين والرجل،وصفات فعلية: كالضحك والغضب والعَجب والغيرة،وقد نفى المعتزلة عن الله سبحانه الأسماء والصفات والأفعال حتى جعلوا الله عدمًا محضًا!
وأثبت المجسمة الأسماء والصفات وشبهوا حتى جعلوا صنمًا!
الربوبية
إذا ذكر اسم "الرب" معرفاً بالألف واللام، فلا يطلق إلا على الله تعالى، كما أن كلمة (رب) غير مضافة ولا معرفة لا تطلق إلا على الله: " بلدة طيّبة ورب غفور"، ومعنى الرب السيد الحاكم المتصرف المدبر لأمر الكون. وتقال كلمة (رب) بالإضافة لله ولغيره بحسب الإضافة: "الحمد للّه رب العالمين"، أو "اذكرني عند ربك" (يوسف42) في قول يوسف عليه السلام لأحد صاحبيه في السجن، أو كما يقال: رب الدار، ورب الغنم.
والربوبية تعني إفراد الله بكل صور العبادة في حياتك ومماتك:"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" (الأنعام 162)، وكلمة التوحيد هي الفارق بين أهل الإيمان وأهل الكفر، ولكن هل كل من قالها يعد ناجيًا؟ لا، ولكن في من قالوها أهل نجاة وأهل هلكة؛ فالكلمة لها واجبات ومقتضيات، فمن اعتقدها وفهمها وعرف أن لا إله إلا الله، وأن لا معبود بحق إلا الله، فهذا يرجى له النجاة
فهي كلمة تقال باللسان وتصدقها الأفعال، وقد قال تعالى" فاعلم أنه لا إله إلا الله" ولم يقل"قل لا إله إلا الله" لأن العلم العلم يقتضي إفراد الله بالعبودية.
كما لجأ العلماء إلى تقسيمات من قبيل توحيد الحاكمية جمعوا فيها آيات الحكم، وتوحيد الولاء والبراء، وعلاقة المسلم بغير المسلمين، وتوحيد الطاعة والانقياد، لتوضيح حدود الطاعة في معروف وفي غير معروف، وطاعة الحاكم والعالم والوالدين.. الخ