حين سأل فرعون: "وما رب العالمين؟"
كتبت-أمل أحمد
لو سُئلت يومًا: ما معنى رب العالمين التي تكرر قراءتها في الفاتحة 17 مرة على الأقل كل يوم، فماذا تجيب؟
عن معاني وخصائص الربوبية تتواصل دروس العقيدة التي يلقيها الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي كل يوم أربعاء بعد صلاة العشاء، في مسجد أحمد عفيفي بمنطقة المطاعم المفتوحة بالرحاب.
وقد أشار الشيخ إلى المواجهة التي وقعت بين سيدنا موسى وفرعون الذي قال للمصريين "أنا ربكم الأعلى"، إذ نجد فيها إشارات عدة إلى بعض خصائص الربوبية، تدحض سخافات ذلك الطاغية وادعاءاته الباطلة، ومن ذلك أن الرب هو الخالق والرازق.
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)
قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26)
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30)
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32)
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)
الخالق:
فحين تساءل فرعون متهكمًا: وما رب العالمين، أعطاه موسى بعض خصوصيات الرب وأولها أنه "الخالق" الذي خلق السموات والأرض، وخلقكم وخلق آباءكم. وإن كان فرعون يدعي أنه ربكم فمن إذًا رب آبائكم الذي خلقهم. وحين أحس فرعون بحرج موقفه وقوة حجة موسى عليه السلام لجأ إلى كيل الاتهامات غير العقلانية فاتهم موسى بالجنون، وهدده بالسجن، لكن كليم الله لم يأبه لقوله ولم يضيع وقتًا في الرد على تهمةٍ كذبها واضح، فقال إن رب العالمين هو رب المشرق والمغرب، إن كنتم أنتم عقلاء تعقلون ما يدور في الكون، كما أكد لفرعون أن عنده دليلآ قويًا مؤكدًا ومؤيدًا من عند الله وهو العصا، واليد البيضاء.
والمثير للسخرية أن فرعون يأمر كبير حراسه هامان أن يبني له صرحًا ليصعد بضع درجات في السماء " وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحًا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين"( القصص38)، وكيف يكون إلهًا وربًا وهو يحتاج إلى مساعدة الآخرين، ولا يعرف إن كان إله موسى موجودًا أو غير موجود. إله يظن ولا يستيقن!، ولا يعرف حجم الكون واتساعه؟
وكذلك النمرود الذي ادعى أنه يستطيع أن يحيي ويميت، كونه يستطيع أن يعفو عن شخص محكوم عليه بالموت، أو يقتل بريئًا، وظن أن هذا هو معنى الحياة والموت، فنقل سيدنا إبراهيم المناقشة إلى ما هو أكبر فقال له إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب.. فبهت الذي كفر.
إن من أدلة وجود الله سبحانه وتعالى، إن كان وجوده يحتاج إلى دليل، دليل الخلق الذي يختص به سبحانه؛ فهو الذي خلق الكون من عدم. وهذا أمر مترسخ في أفئدة الخلق" ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله"(الزمر 38)،
ولكن المادية تدعي أن الخلق جاء صدفة أو ضرورة أو بالطبيعة، كما "فبركت" قضية النشوء والارتقاء، حتى لا نهتف جميعًا أن الخالق هو الله. "يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون" ( فاطر3).
الرازق:
ومن صفات الرب أيضًا أنه رازق، يرزق الكافر الذي يكفر به، والمشرك الذي يشرك به، والملحد الذي لا يؤمن به، لأنه سبحانه رحمن الدنيا، ورحمته وسعت الجميع في الدنيا، أما في الأخرة فهو رحيم؛ ورحمته آنذاك تخص المؤمنين وحدهم.
وكون الرزق مضمون لا يعني التواكل وعدم طلب الرزق، بل المطلوب السعي في طلب الرزق"فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"، يقول العلماء إنه ليس مطلوبًا لطلب الرزق أكثر من المشي، بينما في طلب الآخرة نجد أن القرآن يحثنا على المسارعة والمسابقة "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين" (آل عمران 133)
"سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله" (الحديد21)
"ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين" (الذاريات 50)
وقد يُحرم المسلم الرزق بسبب المعاصي، فمعصية الله تعالى تحرم العبد الرزق، سواء كان مالاً، أو علمًا، أو صحةً
وقد روى أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه عن ثَوبان رضي الله عنه قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلم :" لا يزيد في الْعمر إلَّا البر ولا يرد الْقدر إلا الدعاء وَإِن الرجلَ لَيحرم الرزق بِخَطيئَة يعملها".
كما أن هناك أسبابًا تجلب الرزق كالاستغفار والتوبة والدعاء وبر الوالدين وصلة الأرحام، والصدقة، فالطاعة ليست شرطًا للرزق، لأن الله تعالى يرزق المؤمن والكافر، ولكن الاستغفار والطاعة سبب في توسيع الرزق ونزول البركة، وكثرة الخير.
وقد أمر الله الناس ألا يقتلوا أولادهم سواء كانوا فقراء أو يخشون الفقر؛ لأن رزق الجميع من عند الله.
والرزق قد يكون محسوسًا أو غير محسوس، والأخير كأن يبارك الله لك في صحتك وقوتك وزوجك وأولادك.
الحاكم:
ومن خصائص الرب أن له الأمر والحكم؛ فالإنسان صبغة الله وفي قراءة"صنعة الله"، وصاحب الصنعة أدرى بصنعته، وقد جعل لنا دليلا ومنهاجًا نعرف به الحق من الباطل، "ألا له الخلق والأمر" (الأعراف 54)، فمن خلق له أن يأمر، أما من لم يخلق ثم يأمر ويشرع للناس بما يخالف شرع الله فإنه يتعدي على الله؛ فالله تعالى إذ خلق علم ما يصلحهم فأمر به، وما لا يصلحهم فنهى عنه وزجر. فلما علم حكم فقال على لسان سيدنا يوسف"إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (يوسف40).
والحكم بمعنى الشريعة والمنهاج، ويلاحظ هنا أنه قدم الشرائع(الحكم) على الشعائر(العبادة) على عكس الترتيب المعروف، لأن الناس قد لا يهملون الشعائر؛ فيصلون ويصومون ويزكون، لكنهم قد يعطلون ويهجرون الشرائع، وربما يحاربونها.
إن الدين القيم هو الشرائع والشعائر معًا، ولا يجوز الفصل بينهما، ولن ينصلح حالنا إلا بأن نعود لشرع الله الذي لا تجد فيه هوى ولا قصورًا ولاجهلا، فالذي يعلم طريق صلاح البشرية في كل زمان ومكان، وقطر ومصر، هو خالق الزمان والمكان والأقطار والأمصار.