الحرية قبل البدل.. والاستقرار قبل العلاوة
كتبت- أمل أحمد
قبل أسابيع من سقوط نظام مبارك، كان الداعية الشيخ خالد عبد الله قد بدأ سلسلة دروس عن قصة بني إسرائيل، بدأها بعلاقة بني إسرائيل بطاغية عصره فرعون، ومولد موسى ونشأته في بيت فرعون. وكل من يقرأ تلك القصة في القرآن الكريم ويرجع إلى تفسير آياتها، يعرف أن بها اسقاطات مهمة على كل فرعون وطاغية في كل عصر. ويمكن الرجوع إلى العروض التي قدمناها هنا عبر شبكة "رحابي. نت" للدروس السابقة لنرى ذلك.
هذا الأسبوع، عاد بعد انقطاع دام أسابيع، نشاط الدروس المسجدية التي تقام بعد صلاة العشاء في مسجد أحمد عفيفي أمام المطاعم المفتوحة بالرحاب، وكان أولها درس الشيخ خالد عبد الله، يوم السبت 19 فبراير، وكان معه الشيخ الدكتور محمد الصغير، حيث تقاسما الحديث، كما سيعاود الشيخ الدكتور عمر عبد العزيز القرشي إن شاء الله دروسه يوم الأربعاء.
في أول درس بعد أن تم انتزاع الكمامات عن الإفواه، جاء الحديث بلغة مختلفة، وأشار الشيخ خالد إلى أننا الآن سنسمع كلامًا كان يعد في السابق تجاوزًا للخطوط الحمر، ولم يكن الإحجام عن قوله في الماضي تقاعسًا ولكنه كان من باب المداراة والمناورة حتى لا يحال بيننا وبين الحديث للناس.
التحديات كبيرة
وأشار الشيخ إلى أهمية القصص القرآني عن فرعون وموسى، لنفهم طبيعة الفراعين، وكيف نتعامل معهم، ونفهم علاقات الشد والجذب بين الحق والباطل، ثم نرى سقوط أنظمة وطواغيت.
فبعض أولئك الطواغيت عاش عمره كله في الحكم كما هو حال طاغوت ليبيا الذي يحكم منذ 42 سنة، وحين يطول على أحدهم العمر في المنصب يصل إلى مرحلة أن يقول:أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟
ويشاء الله تعالى ان تسقط الطواغيت، وربما ظن البعض أن ذلك من قبيل الأحلام، ولو كان ظن أحدنا كذلك فهذا معناه أننا كنا نفتقد الثقة في الله بصورة حقيقية.. لم نكن نصدق، وكنا ننسى أنه قادر على خلع الظالم، وقد أراد الله ذلك فتحقق، ونحن نحمد الله ونترقب، ونفرح ولكن بحذر. فالتحديات المقبلة كبيرة والفتن كثيرة:
يتصور البعض أننا بسقوط النظام سنصل إلى القمة فجأة، وهذا غير صحيح لأنه لا بد من تغيير أمور أخرى كثيرة بداخلنا.
لقد رأى بنو إسرائيل غرق فرعون بأعينهم ومع ذلك ما إن تحركوا قليلا حتى طلبوا أن يعبدوا صنمًا. "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون" ( الأعراف 138)
لفد كانت المقاصد متحدة تجاه اسقاط النظام، أما الآن فهي تتفكك.. كانت الحركة في الاتجاه الإيجابي ولكن بعد تحقق المقصد حدث تمايز في الصف، وسنرى من يخرجون وينشرون أفكارهم وربما أثروا على الإسلاميين أنفسهم بتلك الأفكار.
وهناك من يريد اقصاء دين الله عن المشهد وهناك دفع نحو الاتجاه الليبرالي باعتباره ضد الدين وحتى بعض الملتزمين انقلبوا على شيوخهم، واعتبروا أن عدم تمايزهم عن الآخرين دلالة إيجابية.
وحذر الشيخ من ظاهرة يمكن أن تستشري في الفترة المقبلة وهي شراء الذمم، فقد تكون الانتخابات المقبلة نزيهة ولكن ماذا عن شراء الذمم؟ وهل تتغير الذمم خلال أيام قليلة؟ إن أشد الناس حزنًا على رحيل النظام هم الفاسدون غير الملتزمين بدين الله، الذين بمكن أن يلجأول لأساليب غير شريفة لتحقيق مرادهم.
ويعود الشيخ لقصة سقوط فرعون، وكيف عاش بنو إسرائيل في أمان ولكن حين قيل لهم ادخلوا الأرض المفدسة رفضوا.
وقال: لقد تصدقنا على الدنيا بالكثير من العمر، فلنتصدق بالبقية الباقية على الآخرة، وقد لا ننعم بالرخاء الذي قد يتأخر، وقد يحدث الصدام مع أعداء الدين في الخارج، فهم يبحثون عن البديل ولهم أذرع يخترقون بها المؤسسات، وقد كان بيت فرعون نفسه مخترقًا ولكن برجل صالح "مؤمن آل فرعون".
والمسألة ليست في الرخاء، وهو ليس غاية المسلم، ولكنه مطلب يعين على أداء الرسالة، وإلا فقد قال تعالى: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار والنار مثوى لهم" (محمد 12).
مرحلة تقديم المصلحة العامة
ثم تحدث الشيخ الدكتور محمد الصغير، الذي أشار أيضًا في بداية كلامه إلى التغير الكبير الذي حدث في مصر، والذي لم يكن متصورًا قبله أن يتحدث في أحد مساجد الرحاب. وركز الشيخ على أن المرحلة الحالية هي مرحلة تقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة، والوقوف وراء الأصلح، مشيرًا إلى أن الصحابة لم يكن همهم أن يحملوا الراية ويبلغوا الدعوة، ولكن أن تُحمل الراية، وتُبلغ الدعوة.
وعن التحديات المقبلة قال إن الكفر يتعايش فيما بينه لكنه يضيق بالإسلام؛ فقد كان "محمد بن عبد الله" سيد مكة، وابن عبد المطلب الذي دانت له رئاسة قريش دون منازع.. أما أن "محمدًا رسول الله" فلا، ويمنعونه عندئذ عن الطواف بالبيت، كما وقع سنة صلح الحديبية، حين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم معتمرًا.
ويسرد الشيخ قصة تدل على تغليب الصحابة للمصلحة العامة فقد طلب الرسول من عمر بن الخطاب أن يسير إلى قريش وقت الحديبية ليخبرهم أن الرسول ما جاء مكة إلا قاصدًا البيت؛ أي لم يأت محاربًا، لكن عمر وجد أنه ليس مؤهلا للمهمة رغم شوقه لمكة ورؤية البيت، فقد هاجر جهرًا متحديًا قريشًا، ومعه عشرون من المستضعفين، كما أنه ليس في بني عدي (بطن من قريش ينتمي إليه عمر) من يتبعه.
وقال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: أدلك على عثمان (بن عفان) ينزل على أبي سفيان وإبان بن سعيد. فعثمان من بني أمية التي ينتمي إليها إبو سفيان زعيم قريش، وأمه من بني هاشم، أكبر بطون قريش.
وحين دخل عثمان مكة رفض أن يحقق لنفسه منفعة خاصة بأن يطوف بالبيت رغم شوقه الشديد لذلك، حتى لا يسبق رسول الله إليه.
والخلاصة من القصة أن علينا النظر دائمًا إلى المصلحة العامة وتقديمها.. فالمصالح الصغيرة والمطالب الفئوية لا مجال لها اليوم، ولو تحققت الطالب العامة فستتحقق المطالب الخاصة تلقائيًا،
فالحرية قبل البدل، والاستقرار قبل العلاوة.