احتجاج بعض المصلين على د. جمال عبد الهادي أثناء خطبة الجمعة
كتبت_ دينا صقر
الجمعة الماضية 8 أبريل، احتج بعض المصلين على خطيب مسجد المرحلة الخامسة بالرحاب، أثناء إلقائه خطبة الجمعة.
بدأ أحد المصلين - وكان يقف بالقرب من الباب الأيمن الأوسط - بالصراخ على الخطيب اعتراضاً منه على طول الخطبة، الأمر الذي استفز عدداً من المصلين المحيطين به وعدّوا ذلك تطاولاً منه على الخطيب، واحتدم الموقف وانقسم المصلون حوله إلى قسمين: قسم يؤيده في اعتراضه، وقسم آخر يرى أنه ليس هناك أبداً ما يبرر الصراخ في المسجد أثناء الخطبة وخاصة أن الخطيب كان على وشك الانتهاء من الدعاء، ولم يهدأ الوضع سوى بإقامة الصلاة، لكن بعد نهاية الصلاة عادت المشادات والأصوات العالية مرة أخرى وتجمع عدد كبير من المصلين حول الشيخ منهم من أراد أن يشكره، ومنهم من أراد أن يعاتبه على التطويل، ومنهم من أراد حمايته.
الخطيب هو الدكتور "جمال عبد الهادي"، وهو أستاذ سابق بجامعة أم القرى بالسعودية، حلّ ضيفاً على الرحاب لأول مرة، وكان عنوان خطبته: "دور الفرد في مواجهة التحديات في ضوء الكتاب والسنة".
الخطبة وصفها أغلب من استطلعت شبكة رحابي آراءهم بأنها كانت جيدة جداً. لكن على ما يبدو أن البعض كان له رأي آخر.
ليس معلوماً على وجه التحديد سبب الاعتراض، هل كان طول مدة الخطبة، أم محتواها، أم كلاهما.
شبكة رحابي حاولت أن ترصد وجهات النظر المختلفة، فكان هذا التحقيق.
في البداية أجرينا حواراً مع "الشيخ سعيد جميل" – مشرف أئمة مساجد بالرحاب – و سألناه عن رأيه فيما حدث.
أعرب "الشيخ سعيد" عن استيائه الشديد مما حدث ويحدث من بعض المصلين من مشادات غير حضارية ازدادت في الفترة الأخيرة على وجه الخصوص.
ويرى الشيخ سعيد أن السبب الأساسي للمشكلة كان طول مدة الخطبة، وأن الخطيب الدكتور جمال عبد الهادي من أفضل الخطباء الذين ألقوا خطباً بالرحاب حتى الآن.
و أضاف أنه علم – في وقت لاحق من شهود عيان - أن الأستاذ الذي اعترض على الخطيب كان قد جاء للصلاة متأخراً ولم يحضر الخطبة من البداية.
قال الشيخ سعيد أيضاً، أنه قد ازدادت مؤخراً وبشكل ملحوظ المشادات من قبل بعض المصلين مع أئمة وخطباء المساجد بالرحاب، وهذا بسبب اعتراضهم على محتوى الخطب التى تتناول موضوعات اجتماعية وسياسية مختلفة، وتتكلم وبشكل مباشر عن الأحداث السياسية الجارية في مصر الآن، بعد ثورة 25 يناير.
وأضاف، إنهم يريدون من الخطيب ألا يتناول سوى الموضوعات الدينية البحتة مثل الصلاة والصوم والزكاة وما إلى ذلك، ويعارضون الحديث عن أية مواضيع سياسية.
وأكد في نهاية حديثه أن الخطب في المرحلة المقبلة سوف تتضمن توعية وإرشادات للمصلين بضرورة احترام آداب المساجد، كما سيكون هناك حرص على أن تكون مدة الخطبة مناسبة.
تحدثنا بعد ذلك مع الأستاذ "عبد الله محمد" أحد المصلين ويسكن في المرحلة الخامسة، وسألناه عن رأيه فقال:
"بشكل عام، أنا أراعي بشدة أن أصلي الجمعة خلف خطيب جيد، لذلك سعدت جداً عندما علمت بالخدمة التي تقدمونها على موقعكم وهي نشر أسماء جميع خطباء المدينة يوم الخميس مساءً في قسم "أجندة الفعاليات". هذا يساعدني في أن أنتقي بإرادتي الخطيب الذي سأصلي خلفه، ولا أتعرض للمفاجآت، خاصة وأن أذني تتأذى بشدة من الخطيب الذي يرفع المنصوب وينصب المرفوع.
بالنسبة لخطبة الدكتور جمال، أرى أنها كانت خطبة أكثر من ممتازة، بالفعل لم أستمع منذ فترة طويلة لخطبة بهذا المستوى، والحقيقة أنني لم أشعر إطلاقاً بطول المدة، أو دعيني أقول بشكل آخر إن طول المدة لم يضايقني. لقد أعجبتني الخطبة جداً وخاصة الجزء الذي تحدث فيه عن أن الإسلام لم يعرف أبداً الدولة الدينية، وكذلك الجزء الذي تحدث فيه عن تعامل المسلمين مع المسيحيين في مصر، لقد ذكر كلاماً لم أسمعه في حياتي من قبل، وهذا متوقع فالرجل أستاذ في التاريخ الإسلامي.
أنا تعمدت أن أذكر ما أعجبني في الخطبة لإنني سمعت أحد المعترضين على الشيخ بعد الصلاة يقول إن الخطبة يجب أن تكون في المسائل التي لا خلاف عليها، وعندما سألته مثل ماذا؟ قال: مثل موضوع الوضوء والإسراء والمعراج الخ. والحقيقة أنني لو وجدت خطيباً يتكلم عن الوضوء في خطبة الجمعة فسأقاطعه بقية حياتي. خطبة الجمعة في رأيي هي الغذاء الروحي والفكري الذي يشحن به المسلم بطاريته من أسبوع لأسبوع، وتزداد قيمتها عندي كلما كانت قريبة من الواقع الذي نحياه، وكلما سمعت فيها إجابات عن الأسئلة التي تشغلني، وكلما شعرت بعدها بزيادة إيماني، وأرى أنه من الخسارة أن تضيع الخطبة في موضوع كالوضوء يمكن للمرء أن يقرأه في أي كتاب فقه.
غير أنني أتفهم أن ليس كل الناس كذلك، كما أتفهم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، مستحيل أن نجد خطبة يرضى عنها كل المصلين مهما كانت قامة الخطيب ومستواه.
هناك من يحضر الخطبة فقط لأداء الفريضة، ويتضايق من طول المدة، وأرى أن هناك حلاً جيداً لذلك يقوم به الأتراك والباكستانيون والأحناف عموماً ويمكننا أن نقتبسه منهم، فهم يخصصون ساعة قبل الخطبة يسمونها "ساعة الوعظ" وتجد المساجد ملئى في تلك الساعة، بينما لا تتجاوز مدة الخطبة الرسمية الـ 10 دقائق. يمكننا تطبيق هذه الفكرة في مصر، ولا يهم إن جعلنا الساعة قبل الخطبة أو بعدها."
بعد ذلك تحدثنا مع الأستاذ "هلال شريف" أحد المصلين ويسكن كذلك في المرحلة الخامسة، وسألناه عن رأيه فقال:
"إن ما حدث كان بشكل أساسي بسبب مدة الخطبة، ولكنه أيضاً بسبب تناول الخطيب للمواضيع السياسية وإدخالها في الدين، وهذا ما يعترض عليه قسم من الناس في الرحاب وأنا منهم.
وقد لاحظت أن هذا النوع من الاحتجاج من قبل المصلين على أئمة المساجد أصبح متكرراً بشكل كبير خاصة في الفترة الأخيرة، حيث حدثت نفس المشكلة أيضاً قبلها بأسبوعين في خطبة الجمعة، في مسجد أخر، وخطيب أخر. لذا يجب أن ننظر نظرة جادة في هذا الموضوع لتجنب تكرار حدوثه مرة أخرى.
لقد ذهبت عقب هذا الحدث للقاء "الشيخ سعيد" - المسئول عن المساجد بالرحاب – وأبلغته عن إستيائي مما حدث وتكلمت معه في ثلاثة نقاط أساسية أرى أنها تلخص أسباب الاعتراضات التي حدثت مؤخراً بالمساجد. هذه النقاط هي:
1 الأسلوب: أسلوب مخاطبة الأئمة للمصلين، فأنا أرى أنه لايتناسب مع الطبقة الثقافية النى ينتمي إليها سكان الرحاب، ويجب النظر فيه ومراجعته سريعاً حتى يتناسب مع الطبقة الثقافية للمصلين.
2 المضمون: مضمون الخطب التي تلقى في المساجد مؤخراً والتي تخلط السياسة مع الدين، وهو الأمر الذي لا يرضي جزءاً كبيراً من المصلين. بالتأكيد هناك جزء من المصلين يحبون الاستماع لمثل هذة الخطب التي تتحدث عن السياسة وتخلطها بالدين، ولكن هناك اعتراض من جانب جزء كبير أيضاً، وهذا ما يحدث عنه مشاكل وتطاولات، لذا من الأفضل أن لاتذكر مثل هده المواضيع الخلافية في خطب المساجد، ولا داعي لاستغلال المنبر لفرض حوار معين على المصلين، والحل من وجهة نظري أن يتم عمل دروس دينية في المساجد لمدة ساعة أو ساعتين، يقوم الشيخ بالتحدث في كافة المواضيع التي يرغب في التحدث عنها، حتى تعطى الفرصة و الحق لمن يرغب في الاستماع لمثل هذه المواضيع أن يحضر هذه الدروس ويستمع إليها، وفي نفس الوقت تجنب فرض موضوعات معينة يمكن أن تحدث مشاكل واعتراضات من قبل البعض. فالذي يأتي لصلاة الجمعة، يأتي للصلاة وليس للاستماع إلى خطب تتناول مواضيع يرفضها.
3 الوقت: النقطة والمشكلة الأخيرة هي طول مدة الخطب الدينية في مساجد الرحاب مؤخراً، والتى تضايق بعض المصلين، خاصة الذين يعانون من أمراض والمسنين بشكل خاص الذين لا يستطيعون الانتظار فترات طويلة حتى إقامة الصلاة. لذا فقصر مدة الخطبة هو الحل الأمثل لهذه النقطة.وقد تفهم الشيخ سعيد جيداً جميع النقاط، ووعد بالنظر فيها حتى نتجنب هذا النوع من المشاكل مستقبلاً.
في النهاية أريد أن أؤكد على أنه بالرغم من تأييدي لكل النقاط التي اعترض بسببها بعض المصلين، إلا أنني أرى أنه من غير اللائق التطاول على الخطباء وإحداث المشاكل داخل المساجد، نعم أنا معهم في سبب الاعتراض ولكنني ضد الطريقة التي استخدموها في التعبير عن اعتراضهم، كان عليهم التوجه إلى الخطيب بعد نهاية الصلاة في مكتبه بالمسجد، أو التحدث مع المسئولين. فالتحاور هو الحل، وليس التطاول.
وأنت عزيزي القارئ، هل كنت حاضراً في المسجد؟ ما رأيك فيما حدث؟
روابط ذات صلة:
تسجيل صوتي للخطبة