هل تُعاني مدينتنا "المثالية" من مشكلة في المرور؟
تحقيق- سارة دره
هل تُعاني المدينة "المثالية"، مدينة الرحاب، من مُشكلةٍ في المرور؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فما السبب؟ هل السبب عدم وجود أماكن كافية لانتظار السيارات؟ أم الازدحام الشديد الذي ليس له أول ولا آخر؟ أم وجود العديد من مناطق الإصلاحات غير الممهدة التي تؤدي إلى إتلاف السيارات؟ أم الأعداد "المهولة" من الزوار الذين يجتاحون الرحاب بغرض التنزه؟ أم إن السبب يكمن في سلوكيات سكان الرحاب بصفة عامة؟
لا يمكن أن توصف أي لوحة فنية بأنها جميلة إلا إذا كانت عناصرها مُتكاملة، أو على الأقل شبه مُتكاملة، فإذا اكتملت كل عناصرها ما عدا عنصرين أو أكثر، أثرت العناصر غير المكتملة على الشكل الكلي للوحة، وكذلك الحال مع مدينة الرحاب؛ فعندما أُنشئت المدينة، كانت من أجمل مدن القاهرة، إن لم تكن أجملها، ولكن بدأ حال المدينة يتغير شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى الحال التي نراها الآن.
ارتفاع نسبة المستأجرين
ترى د. إيمان عبد السلام، الحاصلة على الدكتوراه في تحاليل الأنسجة، وتعمل بكلية طب عين شمس، أن السبب الرئيس لذلك هو الارتفاع الشديد في أعداد المُستأجرين "مافيش حد قلبه على الرحاب.. سنة.. سنتين وهيسيب الرحاب ويمشي".
سواء اتفقنا على أن المُستأجرين هم السبب الرئيس لذلك أم لا، فلا شك أن الجميع يتفق على أن المُشكلة لا تقف عند ذلك الحد، وأحد أمثلة هذه المشاكل، إن لم تكن أهمها، عدم وجود أماكن كافية لانتظار السيارات بالنسبة لبعض المناطق، مما يؤدي إلى مُشكلة كبيرة في المرور داخل المدينة، وخاصة في السوق التُجاري، فنجد "موتوسيكلات الديليفري" و"أقفاص" الخضار والفاكهة متروكة أمام المتاجر والمقاهي التي احتلت الأرصفة، ثم تأتي السيارات لتنتظر خلفها، فلا يتبقى مكان في الشارع إلا لمرور سيارة واحدة. ومع الزحام وضيق الطريق ترتفع أصوات البعض بالسباب ويقوم كل واحدٍ بإلقاء اللوم على غيره، وكذلك الحال دومًا.
أحد الحلول التي اقترحها البعض بالنسبة لمشكلة السوق خصوصًا، أن تُمنع السيارات من دخول السوق (باستثناء سيارات البضائع)، على أن تنتظر سيارات السكان في موقف سيارات السوق الجديد مجانًا، باعتبار أن ذلك أبسط حقوقهم، وأن تتوفر عربات التسوق التي يمكن للسكان، من خلالها، أن ينقلوا مُشترياتهم إلى موقف السيارات.
تصرفات خاطئة
كما تلعب التصرفات الخاطئة للكثيرين دورًا كبيرًا في استمرار وجود المُشكلة، حيث يوقف البعض سياراتهم في أماكن ممنوع فيها الانتظار، أو يوقفها صف ثانٍ، فيضيق نهر الطريق، أو يترك البعض مكانًا كبيرًا بين سيارته والسيارة التي تنتظر بجانبها لمُجرد أنه لا يُريد إضاعة الوقت في تغيير وضع السيارة ليتسع المكان لغيره من السُكان الذين يمتلكون نفس الحقوق التي يمتلكها هو، أو من باب الاحتياط حتى لا تتعرض سيارته للخدش عند دخول سيارة بجانبها أو خروجها.
منطقة البنوك والمطاعم
ولا يقل الزحام في منطقة البنوك والمطاعم المفتوحة عنه في منطقة السوق، وقد اتفق الكثيرون على أن السبب الرئيس في تلك المُشكلة أن المدينة لم تُصمم لتستوعب هذه الأعداد الهائلة التي نراها الآن.
وترى أ/سناء رشاد، مديرة إحدى المدارس، أنه لا توجد مُشكلة في الأماكن الكافية لانتظار السيارات باستثناء منطقة البنوك والمطاعم المفتوحة، وتُدلل على ذلك بأن المُشكلة في تلك المنطقة ترجع إلى أن الشوارع ضيقة بالنسبة لعدد البشر والوحدات السكنية، وأنه كان ينبغي أن تكون الطرق أوسع. كما تقول د. إيمان عبد السلام إنه على الرغم من أنها تقطن بالقرب من منطقة المطاعم المفتوحة، إلا أنها تضطر إلي الوصول إلي منزلها عن طريق بوابة 9، وتسلك لذلك طريقاً طويلاً لتتجنب الازدحام الشديد أمام منطقة البنوك والمطاعم المفتوحة.
ولا يخفى على أحد تلك الأعداد الكبيرة جدًا من الزوار الذين يجتاحون الرحاب، لا في المواسم فحسب، بل يوميًا، وهم يتسببون في مشاكل كبيرة وكثيرة، ربما أقلها أن سكان الرحاب لا يجدون أماكن انتظار لسياراتهم، لأن الأماكن كلها سبقتهم إليها الأفواج القادمة من الخارج. أما السبب في تمكن هذه الأعداد من دخول المدينة فهو أنه على الرغم من أن جهاز المدينة قام بتحصيل أموال من السكان لاستخراج بطاقات ممغنطة لعبور سياراتهم، إلا أن الأمن لا يعترض على دخول غير السكان من غير حاملي بطاقات الزوار، لينطبق على المدينة وصف "وكالة من غير بواب"، أو في تلك الحالة، "وكالة من غير بوابات".
شوارع غير ممهدة
وإذا انتقلنا للحديث عن مُشكلة الشوارع غير المُمهدة، فسوف نجد أن المُشكلة لا تكمن فقط في المطبات المعدنية التي أتلفها الزمن.. أو غير الزمن، ولم يتم إصلاحها حتى الآن، بل تمتد لتشمل الطرق غير المُمهدة المُنتشرة بالرحاب. وذلك يدفع السكان للتساؤل عن المبلغ الكبير الذي تضطر كل أسرة لدفعه سنويًا للصيانة العامة، فعلى الرغم من ازدياد المبلغ كل عامٍ عن العام الذي سبقه، فإن حالة المدينة تسوء كل عامٍ عن العام الذي سبقه، وهو ما يراه السكان أمرًا غير مقبول ولا ينبغي السكوت عليه.
كما يرى البعض أسبابًا أخرى لسوء حالة المرور في الرحاب، فعلى سبيل المثال، اشتكى الكثيرون من انتشار "البيتش باجي" والذي يقوده أطفال متهورون، فضلاً عن أن أكثرها غير مُرخص.
اتحاد الشاغلين
وترى د.إيمان عبد السلام أن الحل في أن يكون هناك "اتحاد شاغلين" قوي يجتمع شهريًا، وأن يكون له ممثلون شرعيون أمام إدارة المدينة يتحدثون باسم بقية السكان، ويكون على دراية بالجهة التي توظَّف بها المصاريف التي يدفعها السكان سنويًا لأنه "ماينفعش إدارة الرحاب تبقى الخصم والحكم في نفس الوقت.. وإلا بدأنا في الانهيار الفعلي".
هناك الكثير من الآراء وكثير من الحلول، تهدف جميعها إلى محاولة القضاء على أزمة المرور في أنحاء المدينة. وحيث أن المشكلات يتسبب فيها أكثر من طرف، فإن الحلول كذلك يجب أن يشارك فيها أكثر من طرف. ولعل أبسط الحلول أن يُصلح كل شخص نفسه وأن يُراعي غيره.