قصاصات عن الصراع الأزلي بين
المسجد الأقصى الشريف
تحدثت جميع وسائل الإعلام في الفترة الماضية عن إقتراب موعد هدم المسجد الأقصى في العقيدة اليهودية، بل حدد له موعد 16مارس 2010، وترقبنا جميعا وقلوبنا تخفق .. هل فعلا سيتجرأ الإسرائليون على فعل هذا ؟ وماذا سيردهم والعرب والمسلمون جميعا أصبحوا متفرجين لا يملكون إلا الدعاء بقلوب اعتادت اللطمات؟ ومر اليوم المنتظر ولم يحدث شيء؟ ورغم أننا تنفسنا الصعداء لأن ماء وجهنا لم يراق أمام أنفسنا وأمام الله، ولكن ظل هناك سؤال تكرر على لسان الشباب الذين أقنعتهم الوقائع بأن كل ما تريده إسرائيل تفعله : لماذا لم يحدث شيء؟
وأنا أبحث لأستطيع الرد على أبنائي على هذا السؤال المخجل قرأت هذه القصاصات وأحببت أن تشركوني قراءتها
أسطورة البقرة الحمراء ونبوءة 16مارس2010
لا أعرف في الحقيقة سر العلاقة التاريخية القديمة بين اليهود والبقر؛ فبالإضافة لقصتهم مع البقرة الصفراء (المذكورة في القرآن) يعـتقد اليهود أنفسهم بوجود عشر بقرات تظهر كل منها كنبوءة أو مقدمة لحدث معين.. البقرة الأولى ظهرت في زمن موسى عليه السلام؛ والثانية عند دخوله أرض كنعان (أو فلسطين) ثم سبع بقرات حمراوات كإشارة لبناء الهيكل الثاني.. ومنذ ذلك الحين واليهود المتطرفون ينتظرون ظهور البقرة العاشرة لبـناء الهيكل الثالث وكإشارة لـنزول النبي الجديد (أو المسيح المنتظر من وجهة نظرهم) !!
فـهم يؤمنون بأن ولادة بقرة بهذا اللون إشارة من الرب لإعادة بناء هيكل سليمان (مكان المسجد الاقصى) ومقدمة لنزول المسيح المنتظر الذي سيسودون بـه العالم ويحكمون من خلاله الأمم .
وأسطورة البقرة الحمراء بدأت بنص ورد في سفر العدد بالتوراة (الذي يؤمن به المسيحيون أيضا) ويقـول: «وكلم الرب موسى وهارون قائلا هذه الشريعة التي آمر بها فكلم بني إسرائيل أن يأخذوا بقرة حمراء لاعيب فيها ولم يعل عليها نير ولا طوق فتعطوها للكاهن فتذبح ويأخذ من دمها بإصبعه وينضحه على خيمة الاجتماع ويحرقها أمام أعينهـم...(إلى آخر النـص) .
أنجاس باعترافهم
والهدف من ذبح البقرة وإحراقها هو تطهير بني إسرائيل من النجس حتى يتسنى لهم دخول منطقة الحرم الأقصى - التي يحرمونها على أنفسهم اعتقاداً أن تحتها هيكل سليمان - فاليهود يعترفون فيما بينهم أنهم " أنجاس " ،رافقتهم النجاسة منذ خالفوا أوامر موسى عليه السلام. والبقرة الحمراء - بالإضافة إلى أنها إشارة لبناء الهيكل - هدية من الرب يتطهرون برمادها من نجاسة رافقتهم لقرون.. أما كيف يمكن لرماد بقرة واحدة أن يطهر ملايين اليهود حول العالم!؟ فهناك اقتراحات كثيرة لتحقيق ذلك مثل رمى رمادها في خزانات الشرب الرئيسية أو توزيعها في قناني للتصدير أو يغتسل بها كبار الحاخامات نيابة عن الشعب اليهودي في خيمة الاجتماع !!
إشارة إلهية عاجلة .. مغشوشة
ويـبدو أن تسرع اليهود هذه الأيام دفعهم لاستعجال ظهور بقرة عاشرة بهذا اللون (رغم اعتراض جماعات كثيرة على محاولة تهجينها عمدا)؛ فقد أنشأت "جماعة الهيكل الثالث" عام 1989 مزرعة لتربية أبقار من فصيلة ريدنفوس المائلة للحمرة لتهجين بقرة بالمواصفات المطلوبة. كما اقترح مجلس الحاخامات عام 1990 الاستعانة بالهندسة الوراثية لفبركة بقرة بهذا اللون.. وبعد ألفي عام من الانتظار تناقلت الصحف نبأ ولادة بقرة حمراء في مزرعة بكفر حسيديم رجح كبار الحاخامات أنها البقرة المنتظرة وفرضوا عليها حراسة مشددة ونظمت الزيارات للتبرك بها وأطلق عليها اسم ميلودي (حسب جريدة الاخبار المصرية 25/4/1997). وقاموا بإعداد المذبح المقدس لها وتم تدريب عدد من الحخامات على طريقة التطهير والذبح والحرق لبقرتهم بل أنهم قاموا بتصميم الهيكل الذى سيبنونه على أنقاض الأقصى بعد تدميره.
وقد أثارت ولادة هذه البقرة موجة من الحماس الديني في إسرائيل - اجتذب معه حتى العلمانيين اليهود . وكان يفترض أن يتوافق ذبح «ميلودي» مع بدء الزمن الثالث (زمن بناء الهيكل) قبل أن يـسحب الاعتراف بها لأسباب غير معروفة من مجلس الحاخامات الأعلى.. واليوم لا يفترض غلاة اليهود موعدا محددا لظهور هذه البقرة مما يجعل من ولادتها المفاجئة "إشارة إلهية عاجلة" لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم... وتعـرفون كيف ستسير الأحداث حينها !
ما سبق قصاصة من موضوع للكاتب الأستاذ فهد الأحمدي بعنوان
نبوءة الهيكل الثالث
هدم الأقصى عقيدة صهيونية
عندما أرى علي شاشة التليفزيون هؤلاء المتعصبين من الحسيديم وسواهم، وقد التمعت الفرحة الوحشية في عيونهم، أدرك بوضوح أنهم سيفعلونها لولا خوف العلمانيين هناك من فتح أبواب الجحيم. عندما دخلوا القدس في عام 1967 هرع أحد الحاخامات إلي القائد الإسرائيلي يقول له: هذا هو الوقت المناسب كي تضع تحت قبة الصخرة عدة أطنان من الديناميت وتزيلها نهائيًا. قال القائد الإسرائيلي إنه لا يتحمل عواقب هذا.
قال الحاخام في جنون: ومن الذي يمكن أن يعترض طريقنا اليوم؟
قال القائد الإسرائيلي: هناك دول إسلامية صديقة مثل تركيا وإيران وباكستان (وقتها) وبالتأكيد يهمنا ألا نخسرها.
عندها انصرف الحاخام وهو يبعثر لعناته، مؤكدًا أن القائد أضاع فرصته لصنع التاريخ. اليوم يبدو أن نتنياهو وجد فرصته لصنع هذا التاريخ.
هدم المسجد الأقصي جزء لا يتجزأ من العقيدة الصهيونية. لن يعود المسيح لمعركة (هرمجدون) ونهاية الزمن إلا بهدم المسجد الأقصي وإقامة هيكل سليمان. وبالطبع نعرف أن لهذه العقيدة أتباعًا مخلصين من مسيحيي الولايات المتحدة البروتستانت المتعصبين وذوي الأعناق. تمت أول محاولة جدية عام1969ممن يسمونهم
Jesus freaks
مع شاب استرالي مسيحي، ثم عام 1980 وعام 1982، ومحاولة اقتحام عام 1989 علي يد جماعة (جوش أمونيم)، دعك من دخول شارون له تحت حراسة 300 جندي عام 2000، مما أدي لنشوب الانتفاضة الثانية، ودعك من تاريخ طويل من الحفريات والأنفاق حتي صار الأمر أشبه ببيت نمل. علي كل حال اتفقت معظم هذه المنظمات علي هدم كل مساجد القدس مرة واحدة ساعة صلاة الجمعة علي سبيل الإبادة، كذلك جماعة أبناء الهيكل يتكرر ذكرها كلما تعلق الأمر بتهديد المسجد الأقصي.
بقعة سوداء أنقذت المسلمين
وقد صرح أعضاء هذه الجماعة بأن الهيكل (حيتبني يعني حيتبني).. وأن المسجد الأقصي ليس سوي مجموعة من الأحجار التي تزعجهم. عادل حمودة كتب مقالاً مهمًا عن هذا في التسعينيات، وكان ذلك بسبب ظهور البقرة الحمراء المقدسة في الجليل. المفترض أن هذه البقرة ستحرق ثم يتطهرون برمادها قبل دخول الهيكل، ضمن طقوس معقدة شبه وثنية. لحسن حظنا تبين أن هناك بقعًا سوداء في جلد البقرة مما أفسد دقة العملية، وهم شعب معروف بالتقوي ولا يقبل أنصاف الحلول. هكذا تم تأجيل العملية إلي حين، وقيل إنهم يحاولون بالهندسة الوراثية الوصول إلي بقرة متجانسة.
إقامة كنيس الخراب هو اللمسة الأخيرة هنا، وهو مشروع تتبناه الحكومة الإسرائيلية ماليًا ومعنويًا. هذا أكبر كنيس يهودي يقام علي بعد أمتار من المسجد الأقصي وحسب نبوءة حاخام يهودي من القرن الثامن عشر، تقضي بأن يقام كنيس الخراب يوم 16 مارس عام 2010 لم تسمح الحكومة الإسرائيلية بإقامة الكنيس فوق المسجد الأقصي، وإن سمحت بإقامته فوق مسجد آخر وفوق بيوت حارة فلسطينية قديمة، علي أن يكون أعلي وأشمخ من قبة الصخرة. مصادر أمريكية تقول إن موعد بناء الهيكل هو 25 مارس.
ما سبق قصاصة من موضوع للدكتور أحمد خالد توفيق
نبذة تاريخية للأقصى الشريف
يتبوأ المسجد الأقصى فى القدس مكانة خاصة لدى المسلمين من حيث أنه أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى نبيهم (ص) ومنطلق معراجه إلى سدرة المنتهى.
وقد ظل المسلمون فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجهون إلى الأقصى فى صلواتهم سبعة عشر شهرا إلى أن أمر الله رسوله (ص) بالتوجه إلى المسجد الحرام فى مكة المكرمة.
ليس هناك إجماع على هوية باني المسجد الاقصى المبارك فهو قديم جدا، قدم الانسان على الارض، طبقا لبعض المراجع التاريخية يعود بناءه إلى عهد سيدنا آدم -عليه السلام- ، فقد قام سيدنا آدم عليه السلام ببناءه بالخشب بعد 40 عام من بناءه للمسجد الحرام.
بالنسبة إلى التسمية فترجع إلى القران الكريم، حيث أطلق الله -عز وجل- تلك التسمية على المسجد في سورة الإسراء حين قال من بعد "بسم الله الرحمن الرحيم" {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير}.
قام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- بتجديد بناء المسجد الأقصى حوالي 15 هجرية.واليوم تضم الأرض التى أقيم عليها المسجد الأقصى عددا من المساجد والآثار الإسلامية الأخرى أهمها مسجد قبة الصخرة ومسجد عمر.
وكانت ثانى عمارة للمسجد الأقصى ومسجد الصخرة هى تلك التى بدأها الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان سنة (66 هجرية) (685 ميلادية)، وأكملها إبنه الوليد بن عبد الملك على (53) عمودا من الرخام و(49) سارية مربعة الشكل.
وتعتبر عمارة المسجد الأقصى الأموية فريدة من نوعها ولا يوجد فى العالم مسجد يشبه الأقصى كما تعتبر الفسيفساء والقيشانى التى كسيت بها بعض جدران المسجد من الداخل والخارج تحفة فنية تحسب فى عداد روائع الفن الاسلامى التزينى.
وفى العام الهجرى (141) أعاد الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور عمارته وزاره وصلى فيه، وفى العام الهجرى (163) وسع الخليفة العباسى (المهدى ) من مساحة المسجد وأعاد عمارته وجعل له ستة وعشرين بابا وهذه العمارة هى التى نراها اليوم.
وفى العام الميلادى (1023) أعاد الخليفة الفاطمى (الظاهر ) عمارته إثر زلزال هدم جانبا منه وقد حافظ الخليفة الظاهر على أسلوب عمارة الخليفة المهدى.
ومنذ ذلك الحين عنى ملوك المسلمين بزينة المسجد وترميمه ومن ذلك إعادة إعمار قبة الصخرة الذى قام بها الملك الناصر بن قلاوون، وأعمال الترميم العديدة التى قام بها السلاطين العثمانيون ومنهم السلطان سليمان الثانى والسلطان عبد المجيد.
وفى 15/7/1099 م دخل الصلبيون مدينة القدس فتجمع سبعون ألفا من سكانها وراء أسوار المسجد الأقصى ولكن الصليبين اقتحموا الأسوار وقتلوا أولئك الألأف السبعين فى يوم واحد ثم حولوا المسجد إلى كنيسة وبقيت فى أيديهم (88) عاما إلى أن حرر البطل المسلم صلاح الدين الأيوبى فلسطين كلها يوم 2/10/1187 م وأعاد لمساجد القدس ثوبها الإسلامى.
وزين المسجد بالمنبر بطل مسلم آخر هو نور الدين محمود الذى أعد المنبر ليضعه فى المسجد الأقصى إلا أن المنبر ظل بعيدا عن المسجد الأقصى حوالى اثنين وعشرون عاما ولكن صلاح الدين وضع هذا المنبر فى المسجد بعد وفاة نور الدين محمود.
وقد أحرق الاسرائيليون هذا المنبر يوم 21/8/1969 م فى المحاولة الشهيرة التى قاموا بها لإحراق الأقصى بواسطة يهودى استرالى يدعى ( دينس روبن ) زعمت السلطات الإسرائيلية أنه (مجنون ).
ما هو الهيكل في العقيدة اليهودية والإسرائيليات؟
يشغل الهيكل مكانة خاصة في وجدان اليهود الآن؛ إذ يعتبر أهم مبنى للعبادة حسب زعمهم، فقد مرَّ هذا الهيكل بعدة مراحل زمنية، وتبدأ قصته بأساطير حول كيفية بنائه، وتنتهي بخرافات مخلوطة بالحقائق حول طريقة ووقت إعادة بنائه .
"الهيكل" في العبرية "بيت همقداش"، أي بيت المقدس أو "هيخال" وهي تعني البيت الكبير في كثير من اللغات السامية، ويقصد به مسكن الإله .
مركز الدنيا
وكان التصوّر عند اليهود أنه في مركز العالم بوسط القدس الواقعة بمركز الدنيا (فقدس الأقداس الذي يقع في وسط الهيكل بمثابة سُرَّة العالم، وأمامه حجر الأساس: النقطة التي خلق الإله العالم عندها، والهيكل هو كنز الإله أثمن من السموات والأرض، بل إن الإله قرَّر بناء الهيكل بكلتا يديه قبل خلق الكون) .
وترجع قصة الهيكل إلى قديم الزمان؛ إذ كان العبرانيون يحملون تابوت العهد الذي يوضع في خيمة الشهادة أو الاجتماع، ومع استقرارهم في كنعان قدَّموا الضحايا والقرابين للآلهة في هيكل محلي أو مذبح متواضع مبني على تلٍّ عال .
الهيكل الأول
ظهرت مراكز العبادة الإسرائيلية في أماكن مختلفة، ولكن لم يصل لمرتبة المركز الديني الذي تجتمع عليه القبائل العبرانية المتناثرة، إلى أن قام نبي الله داود عليه السلام بشراء أرض من "أورنا" اليبوسي ليبني عليها هيكلاً مركزيًّا .
وتولَّى ابنه سليمان عليه السلام مهمة البناء التي أنجزها من الفترة 960 - 953ق.م؛ ولهذا سُمِّي "هيكل سليمان" أو "الهيكل الأول " ، وحسب الزعم اليهودي قام سليمان ببناء الهيكل فوق جبل موريا جبل بيت المقدس أو هضبة الحرم التي يوجد فوقها المسجد الأقصى، ويشار إلى هذا الجبل في الكتابات الإنجليزية باسم جبل الهيكل Temple mount ، وهو بالعبرية "هرهابيت" جبل البيت (بيت الإله).
وكان داود هو الذي نقل تابوت العهد والأحجار المنقوش عليها شريعة موسى إلى مدينة أورشليم بعد احتلالها من اليبوسيين. أما سليمان فبنى الهيكل في أورشليم ووضع فيه التابوت والأحجار وجعل المكان معبدا للرب. ويذكر سفر الملوك الأول (الأصحاح 6-9) أن بناء الهيكل استمر 16 عاما (من السنة الرابعة بعد توليه العرش وحتى السنة العشرين).
وقد كرَّس سليمان جزءاً كبيرًا من ثروة الدولة والأيدي العاملة فيها لبناء الهيكل، وبعد الانتهاء منه قامت عدة ثورات انتهت بانقسام مملكة سليمان إلى مملكتين صغيرتين، وبناء عدة هياكل في أماكن متفرقة، وهو ما شتَّت مركزية العبادة، وأفقد الهيكل كثيرًا من أهميته، وهجم فرعون مصر "شيشنق" على مملكة يهودا، ونهب نفائس الهيكل، كما هاجمه "يو آش" ملك المملكة الشمالية ونهبه هو الآخر، وقد هدم "بُخْتَ نَصَّر" البابلي هيكل سليمان عام 586م، وحمل كل أوانيه المقدسة إلى بابل .
إعادة ترميم الهيكل الأول
ومع هدم هيكل سليمان قام "زروبابل" أحد كبار الكهنة الذين سمح لهم الإمبراطور الفارسي "قورش" بالعودة إلى فلسطين بإعادة بناء الهيكل في الفترة 520 - 515ق.م، أي في أربعة أعوام، ولم يكن في عظمة هيكل سليمان، ومعظم الباحثين يميلون إلى القول بأنه لم يختلف كثيرًا عن الهيكل الأول في بنيته، ويعود هذا إلى أنه حينما هاجم "بخت نصر" الهيكل لم يهدمه، وإنما نهبه وأحرقه، فتآكلت الأجزاء الخشبية من البوابات والأسقف والحوائط، أما بقية الهيكل المعماري فقد بقيت كما هي، وقد لَعِب هذا الهيكل مثله مثل سابقه دورًا أساسيًّا في إسباغ شرعية على فئة الكهنة التي صارت الفئة الإدارية الأساسية في مقاطعة يهود أو"يهودا" الفارسية، واكتسبت النخبة الكهنوتية والعبادة القربانية (المعتمدة على تقديم القرابين) أهمية خاصة، إلا أن هذا الهيكل تعرَّض للنهب من قبل "أنطيوخوس" الرابع في القرن الثاني قبل الميلاد، وبنى فيه مذبحًا لزيوس "الإله الأب عند الإغريق"، ثم تلاه بومبي الإمبراطور الروماني، وبعده نهبه براسوس أيضًا .
الهيكل الثاني – هيكل هيرود
هو الهيكل الذي بناه الملك "هيرود" (27 ق.م) الذي عيَّنه الرومان حاكمًا يحمل لقب "ملك"، ويشار إلى هذا الهيكل بأنه "الهيكل الثاني ".
وترجع قصة الهيكل الثاني إلى أنه حينما اعتلى هيرود العرش وجد هيكل "زروبابل" متواضعًا للغاية، فقرر بناء هيكل آخر لإرضاء اليهود . وبدأ في بنائه عام 20 - 19ق.م، فقام بهدم الهيكل القديم، واستمرَّ العمل في البناء وقتًا طويلاً فمات دون إتمامه، واستمر البناء حتى عهد "أجريبا الثاني" (64م)، وكانت لا تزال هناك حاجة إلى اللمسات الأخيرة عندما هدمه "تيتوس" عام 70م .
ويفوق الهيكل الثاني الأول في المساحة، فقد وسَّع هيرود نطاق الهيكل بسلسلة من الحوائط مكونة من صفَّين من الأعمدة طولهما (5.50)، تضم منطقة مساحتها 915×152×1595×1025 قدمًا، ويمكن الوصول إليه من عبر بوابات وأربعة جسور .
وأعيدت تسميته فنسب إلى قيصر روما "مارك أنطوني"، وكان السور يضم أروقة معمّدة أكبرها الرواق الملكي الذي يتجمع فيه بائعو ذبائح القرابين والصَّرافون الذين يحوِّلون العملات إلى "الشيكل المقدس" الذي كان يدفعه اليهود للهيكل، ويوجد داخل هذه الأسوار مباشرة ما يُسمَّى "ساحة الأغيار"؛ لأن غير اليهودي كان مسموحًا لهم بالدخول فيها .
الهيكل الثالث
وهو مصطلح ديني يهودي يشير إلى عودة اليهود بقيادة الماشيح إلى صهيون؛ لإعادة بناء الهيكل في آخر الأيام، ويذهب الفقه اليهودي إلى أن الهيكل الثالث لا بد أن يُعاد بناؤه، وتقام شعائر العبادة القربانية مرة أخرى، فقد تمَّ تدوين هذه الشعائر في التلمود مع وصف دقيق للهيكل، كخطوة على طريق عودة يسوع المسيح، المسيّا وبداية معركة هرمجدون كنهاية للعالم ويتلو اليهود في صلواتهم أدعية من أجل إعادة البناء، والآراء تتضارب مع هذا، حول مسألة موعد وكيفية بناء الهيكل في المستقبل، والرأي الفقهي اليهودي الغالب أنه يتعين عليهم الانتظار إلى أن يحلَّ العصر المشيحاني بمشئية الإله، وحينئذ يمكنهم أن يشرعوا في بنائه، ومن ثَم يجب ألا يتعجَّل اليهود الأمور ليقوموا ببنائه، فمثل هذا الفعل من قبيل التعجيل بالنهاية .
ويذهب موسى بن ميمون إلى أن الهيكل لن يُبْنى بأيدٍ بشرية، كما ذهب راش إلى أن الهيكل الثالث سينزل كاملاً من السماء .
ما سبق من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (الجزء الرابع) - د. عبد الوهاب المسيري
هل نستحق عار " جيل هدم الأقصى"؟؟
أخاف يوما أن استيقظ علي نبأ عاجل بقناة الجزيرة" أنباء عن سقوط المسجد الأقصي، وقيام مغتصبون صهاينة بوضع أساس لكنيس ومجسم للهيكل".
ما هو شعورك لو سمعت ذلك الخبر.. هل ستموت حزنا، أم ستبكي كمدا، أم ستشل أطرافك، أم ستصاب بالخرس، أم.......، كلما أفكر في تلك اللحظة أشعر وكأن الأرض تلف بي وأتمني أن أموت ولا أري تلك اللحظة، وأقول لنفسي لماذا العيش بعد الأقصي إذا ذهب الحلم الجميل،إنه الأقصي ..مسرى الرسول ،إنه الأقصي.. مهد انطلاق الدعوة، إنه الأقصي.. شرف الأمة، إنه الأقصي.. تاريخنا وحياتنا.
أنادي كل شريف.. كل مسلم.. كل موحد ..هل نحن جيل هدم الأقصي، هل نحن نستحق تلك الخيبة ..ماذا سنقول لنفسنا ولأبنائنا وأحفادنا.. ستذكرنا كتب التاريخ بأننا جيل ضياع القدس والأقصي.. السؤال مطروح هل سنقبل بذلك أم سنموت في صمت مثلما سيضيع الأقصي -لاقدر الله- في صمت؟!!
ما سبق قصاصة من موضوع للصحفي محمد سعيد
مظاهرات ودعوات .. وجرافات
ولكن هناك من يرى تصور آخر لرد فعل المسلمين لو هدم الأقصى، رد فعل يصور ما وصل إليه المسلمون من خنوع وتغيير للحقائق لمجرد حفظ ماء وجوهم أمام من ؟ لا نعلم؟ فبالتأكيد كل من يشارك فيها ليس لديه اليقين بأننا جميعا سنسأل عن كل ما يحدث الآن.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا. استيقظت متثاقلا. شاشة التلفزيون أمامي تبث خبرا عاجلا، يقول: انهيار المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وقوات الاحتلال تحيط بالموقع وتمنع دخول أحد إلى الحرم القدسي.
بعد يوم واحد من انهيار المسجد الأقصى يتداعى العرب إلى قمة عربية عاجلة لبحث الحدث الجلل، بيان منسوخ عن القمم السابقة سوف يصدر وتهديد ووعيد لإسرائيل، واتصالات سرية معها، لطلب صبرها على الغضبة العربية المباعة للجماهير فقط. مسيرات ومظاهرات في الشوارع من موريتانيا إلى باكستان. مواجهات مع شرطة. القمع في كل مكان وحرائق لدمى تمثل نتنياهو وأوباما، وبضع حجارة تتساقط على سفارات غربية هنا وهناك، ومسيرات غاضبة في الضفة الغربية يتم إطلاق مليون رصاصة فيها إلى السماء، بدلا من العدو على الأرض، وشموع في فلسطين الثمانية والأربعين، وغضب عارم في غزة.
اليوم الثاني تزداد حدة المظاهرات والمسيرات، وتمتد إلى دول أخرى، وقد تأمر بها أنظمة شمولية لاستيعاب رد فعل الجماهير. ودعوة لقمة إسلامية عاجلة، يتم خلالها إصدار بيان آخر يشابه بيان القمة العربية، واعتذارات من تحت الطاولة لإسرائيل، لأن البيان حاد قليلا في اللغة، وشكوى يُقرر العرب والمسلمون تقديمها إلى "اليونسكو" باعتبار أن الأقصى أثر تاريخي، وليس مسرى محمد ومعراجه صلى الله عليه وسلم، وشكوى إلى الأمم المتحدة، وقرار دولي يُندد ويبقى حبرا على الورق، ويضاف إلى سلسلة القرارات التي تصدر ويمسح دبلوماسيو الأمم المتحدة أفواههم بها، بعد تناول "السوشي" في مطاعم نيويورك الفاخرة والآسيوية.
في اليوم الثالث، يتم توزيع رسائل عبر الموبايل لقراءة سورة "الزلزلة" على إسرائيل، وقراءة سورة "الكافرون"، ونواح على شاشات التلفزة من فقهاء مستأجرين لهذه الغايات، يقولون لك بشكل خبيث إن ما جرى دليل على الحقد الصهيوني، وإن هذا قضاء وقدر، ويأتي شيخ مُعمم من أولئك الذين باعوا عرضهم وضميرهم للشيطان، فيقولون إن النصر قريب، وإن النصر صبر ساعة، وإن الأرض كلها طهور، وإنه يجوز الصلاة في أي مكان في القدس، باعتبار أن كل القدس حرم، وإنه يجوز الصلاة فوق الأنقاض، ربما، وإنه أيضا هناك وعد رباني لليهود بقيام دولتهم، وقوتهم، وإن الله يُمددهم بأموال وبنين لا قبل لنا بها، وإن الله سينتقم من الأعداء.
في اليوم الرابع، تبدأ جرافات الاحتلال الإسرائيلي بإزالة الأنقاض، تجرف كل حجارة المسجد الأقصى، وكل البنيان، وتزيلها من المنطقة، فيما تقوم القوات باعتقال المئات من أبناء القدس، من سكان البلدة القديمة والشيخ جراح وسلوان والمناطق المجاورة، وتنقل إسرائيل الأنقاض إلى ساحة "المصرارة" قرب أسوار القدس، وتمنح المقدسيين فرصة لأخذ حجر لكل بيت على سبيل التذكار، من حجارة المسجد المهدوم، تحت شعار "العوض بسلامتكم"، وقد تتبرع إسرائيل بإرسال حجارة على سبيل التهادي إلى دول عديدة، على أساس "تهادوا تحابوا".
في اليوم الخامس، يتدفق المتطرفون والحاخامات الإسرائيليون إلى الموقع الذي تم تنظيفه ويصلون بضع صلوات شكرا وحمدا على هذا الإنجاز، ويحرق المتطرفون أطنانا من الصحف العربية والقرارات، في موقد يقام للتدفئة في ذلك الموقع، كون الفصل فصل شتاء، وتمنع دول عربية وإسلامية المظاهرات، باعتبارها مضيعة للوقت، وأن قضاء الله قد حل، وأن لا راد لأمر الله، وأن للبيت ربا يحميه، ويخرج "دجال" عبر الشاشة ليقول: إذا كان ربه لم يحمه كمسجد، فهل سنقدر نحن على حمايته والعياذ بالله، ومن نحن يا عبيد حتى نقدر على شيء لم تفعله إرادة الله. نسكت ونفكر في الكلام، ونبدأ بدخول عهد الردة بشكل رسمي، لأننا فهمنا أننا أحسن الخلق، وأننا نستحق نزول الملائكة عند كل مشادة.
في اليوم السادس، يعود العرب إلى بيوتهم. بعضنا يشتري أغراض المقلوبة. البعض الآخر يفكر بصحن فول مُدمس ساخن. البعض الثالث يُفكر بتهريبة مخدرات تقيه شر الفقر عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. البعض الرابع يقرر أن يبحث عن حل عبر ليلة حمراء فى اى مقهى. البعض الآخر يطالب بقطع أيدي النساء وأرجلهن باعتبار أن كشف العورة أدى إلى كل هذه الهزائم. والبعض الآخر يرتد عن أمته ودينه والعياذ بالله، والبعض الأخير يتيه في بحر مالح، أمام هذه الفتنة، وبعض آخر يريد فتوى تسمح له بزواج المتعة.
في اليوم السابع، ويكون يوم جمعة، تقام صلاة الجمعة في كل مكان، عدا المسجد الأقصى. نأخذ دشا ساخنا في الصباح، بعد ليلة باهته أو ساخنة، لا فرق. نذهب إلى المساجد القريبة. نُصلي وندعو على الكافرين، ونعود إلى جبل من الأرز لالتهام الغداء والنوم مثل سلحفاة مقلوبة على ظهرها. فيما تضع إسرائيل حجر الأساس لبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى، ويخرج خطيب مستأجر لهذه السلطة أو تلك ليقول إن المسجد الأقصى ليس مهما يا جماعة، ولو كان مهما لما انتقلت القبلة منه إلى الكعبة ذات زمن.
ما سبق من مقالة رائعة من تاليف الاستاذ الكبير ماهر ابو طير الكاتب الاردني
بعنوان سبعة أيام بعد هدم الأقصى