بين كرة القدم والسياسة - مقال ممتاز لفهمي هويدي
منتشيا بأداء المنتخب المصرى لكرة القدم أمام فريق البرازيل وفوزه على إيطاليا تساءلت: لماذا حظوظنا فى كرة القدم أفضل منها بكثير فى السياسة؟ لا تقل لى إننا جيدون فى اللعب وفاشلون فى السياسة، لأنه لكى تنجح ينبغى أن تكون جادا فى الحالتين، وحين حاولت أن أبحث عن إجابة للسؤال وجدت أن ثمة فروقا مهمة بين الكرة والسياسة أجملها فيما يلى:
< فى كرة القدم ينبغى أن يكون اللاعب موهوبا، وذلك فى بلادنا ليس شرطا فى السياسى، الذى تتدخل فى اختياره عوامل أخرى مختلفة، عائلية أو مالية أو علاقات شخصية، وقد تكتشف فى السياسى موهبة يوما ما، لكن ذلك يظل مزية لاحقة تبرز بمحض الصدفة، وإذا لم تتحقق تلك الصدفة، فإن ذلك لا يؤثر على مكانته أو استمراره.
< الأصل فى لاعب كرة القدم أن يتم اختياره بعد أن يقطع شوطا طويلا فى الملعب يثبت فيه جدارته، ومن ثم يتدرج فى مستوى الفرق حتى يفرض نفسه على الصف الأول، أما الأصل فى السياسى عندنا فإنه يحتل مكانته إذا حالفه الحظ وخدمته الصدف السعيدة. إن شئت فقل إن اللاعب لابد أن يكون له تاريخ فى الملعب، أما السياسى فلا يهم أن يكون له تاريخ، وفى أحسن فروضه فقد يكون له تاريخ فى موقع آخر، وفى كل الأحوال فإنه يظل واثقا فى أنه فى موقعه يصنع التاريخ ويكتبه.
< اللعبة فى كرة القدم لها قواعد وقوانين وخطط ينبغى أن يلتزم الفريق بها حتى يضمن الفوز، أما السياسة عندنا فهى بلا قواعد أصلا، وكثيرا ما يكون مزاج السلطان هو الفيصل فى أمور كثيرة، ثم لا تنس إنه سيد قراره، بمعنى أنه من يضع القواعد والقوانين التى تناسبه.
< فى الكرة لابد من وجود مدرب، وهناك تدريبات يومية، ولا عذر لأحد إذا تخلف عن التدريب ما لم تكن هناك ضرورة قصوى، والمدرب هو الذى يضع اللاعب المناسب فى المكان المناسب، أما فى السياسة فالأمر مختلف تماما، إذ لا حاجة إلى مدرب أو تدريب، لأن الإرادة السلطانية كفيلة بكل شىء، فهى التى تحدد خطة «اللعب» وتوزيع المهام على اللاعبين، أما تحديد المناسب وغير المناسب فهو يتم من خلال انطباعات ذاتية أولا وأمنية ثانيا.
< فى الكرة لا مكان لواسطة أو وراثة أو أى اعتبار آخر غير الكفاءة، فى حين أن هذه المعايير المستبعدة فى الرياضة أصبحت هى الأصل فى السياسة، لذلك فإن أى موهوب يمكن أن يكون لاعبا كبيرا، لكن ذلك ليس حاصلا فى السياسة المحصورة فى شرائح بذاتها.
فى الكرة والرياضة عموما يتم اللعب على المكشوف، والجمهور هو الحكم والفوز يقاس بتحقيق الأهداف، التى يراها الناس بأعينهم. أما السياسة عندنا فهى تنتمى إلى عالم الأسرار والألغاز، وأهم قراراتها تطبخ فى الظلام، والجمهور يتلقى ولا يشاهد، ولا رأى له فيما يحدث، أما الفوز فوسائل الإعلام هى التى تعلنه وتسجله وتصر عليه، حتى إذا لم ير الناس له أثرا.
< ليس هناك لاعب إلى الأبد فى كرة القدم أو الرياضة عموما، وكل لاعب لابد أن يعتزل يوما ما. إذا لم يتخير هو موعد اعتزاله، فإن الجمهور قادر على أن يفرض علىه ذلك. أما فى السياسة، فالقائم على الأمر يصر على أن يشغل موقعه حتى آخر نفس، وعزرائيل وحده هو الذى يمكن أن يجبره على الاعتزال.
< فى كرة القدم استمرار المدرب فى موقعه مرهون بقدرته على الإنجاز، وفشله يفقده منصبه وإنهاء عقده، أما فى السياسة فالفشل لا يرتب أى مسئولية أو حساب وإذا كان الطالب يتعرض للفصل إذا تكرر رسوبه فى الامتحان، إلا أن تكرار الرسوب فى السياسة لا يرتب هذه النتيجة بالضرورة، لأن العبرة فى السياسة ليست بالإنجاز أو القدرة، لكنها بقوة السند.
< فى كرة القدم يقتصر دور الأمن على حراسة الملعب، أما فى السياسة فالأمن هو الحكم، وأحيانا يكون وحده الذى يلعب ــ والله أعلم.
|