تدل مؤشرات عديدة على ان عام 2007 /2008 يمكن أن يسمى «عام الحسم» للملفات القديمة والمعلقة التي طالما رفضت الحكومات المصرية المتعاقبة الاقتراب الجدي منها مخافة المخاطر، تاركة إياها للحكيم الأكبر «الزمن». من بين هذه الملفات قانون الإيجارات القديمة، الذي يتأهب للدخول الى البرلمان لإجراء تعديلات كبيرة كما أعلن مسؤول رسمي، وذلك بعد تردد دام لسنوات طويلة، بل وتعمد تنحية الملف جانبا شراءً لراحة البال.
وتطارد الاتهامات الدولة خلال السنوات الماضية، كما يذكر المهندس حسين صبور الاستشارى ورجل الأعمال لـ «الشرق الأوسط» بأنها هي التي اثرت في قطاع الاسكان بمصر، بعد تحديد القيمة الايجارية او العمل بنظام الايجار القديم.
واشار صبور الى ان جعل الكثيرين يتخلون عن الايجار ويلجأون الى التمليك الذي لا يناسب الا ميسوري الحال وهم قلة قليلة.
وذلك منذ التحول إلى النظام الاشتراكي في بداية الستينات من القرن الماضي حتى الآن، اي ما يقرب من نصف قرن!!. لقد بدا تقييد الإيجارات في مصر منذ الحرب العالمية الثانية وتوسع في أيام الرئيس عبد الناصر وبالرغم من شيوع فكرة مسؤولية الحقبة الشمولية عن المشكلة الإسكانية منذ زمن في أوساط الحكومات ومجتمع الأعمال، إلا أن المخاوف من التغيير ظلت قائمة حتى مع اشتداد أزمة المساكن وقد ظل وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية نفسه المهندس أحمد المغربي الليبرالي التوجه (رجل أعمال سابق) يردد منذ اقل من عام تقريبا بأنه لا مساس بهذا الامر لا من قريب او بعيد، لأن الإيجارات القديمة ملف شائك لا نستطيع الخوض فيه، ولكن سبحان مغير الاحوال، فقد أصبحت الحكومة والوضع القائم أكثر سماحا للاقتراب من القانون العتيد، وعاد وزير الإسكان منذ أيام للقول بأن قانون الإيجارات يجب أن يتغير وانه سيدفع به الى البرلمان خلال الدورة الحالية، مركزا على ان أزمة المساكن في مصر بدأت مع ظهور هذا التشريع. ويقول متابعون: إن الحكومة أصبحت أكثر جرأة بعد ان سيطرت مجموعات الليبرالية الجديدة على القرار الاقتصادي وتمكنت من تمرير إصلاحات عديدة واتخاذ قرارات صعبة، آخرها إحالة جميع شركات الاسمنت المصرية والأجنبية الى النائب العام بتهمة الممارسة الاحتكارية ومن قبل تغيير نظم منح تراخيص المصانع الكثيفة الطاقة ونظم بيع الاراضي للمشروعات العقارية وتغيير نظم أسعار الغاز والكهرباء للمصانع مما جعل الحكومة تعتقد ان الرأى العام سيتقبل اي خطوات تمس المجتمع ما دام رأى أنها لم تتردد في مواجهة ما تجب مواجهته مع رجال الأعمال رغم وجود بعضهم في الحكم كوزراء. وفيما يعد سابقة، هي الاولي من نوعها، كشفت دراسة سكانية رسمية صادرة عن وزارتي الاسكان والاستثمار بالتعاون مع البنك الدولي والوكالة الامريكية للتنمية الدولية وخبراء من معهد ادارة الاراضي الحضرية بالولايات المتحدة الامريكية وخبراء من جامعة بنسلفانيا، ان العامل الرئيسي وراء التشوهات في سوق الإسكان المصري هو قانون «الإيجارات القديمة» الذي يخضع له 40 في المائة من الوحدات في القاهرة الكبرى وحدها. وما زالت بعض الوحدات السكنية في الاحياء الراقية بجاردن سيتي او الزمالك وبمساحات تتعدى الـ 200 متر، لا يتجاوز إيجارها الشهري 10 جنيهات (1.7 دولار).
وترتب على ذلك بحسب الدراسة نشأة الوحدات المغلقة وتزايدها الى 5.8 مليون وحدة شاغرة، ما أدى الى ارتفاع الأسعار في السوق حاليا لحجب العرض كرد على تدخل الدولة، وترتب أيضا على ذلك سيادة الاتجاه الى البناء للتمليك وهو لا يناسب اغلب مستويات الدخول لأغلبية المجتمع، كما أدى الى خروج المستثمر الصغير والمتوسط من سوق الاسكان، وايجاد سوق غير رسمي للإسكان (عشوائي أو أهلي) يتم فيه التعامل على 45 في المائة من المساكن في القاهرة الكبرى فقط سواء بالقانون الجديد للإيجارات الذي أطلق العلاقة الايجارية منذ سنوات لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين لكن بالنسبة للإسكان الجديد فقط فضلا عن العقود العرفية أو الشفوية في الإسكان غير المخطط، وبما يتفق والقدرة المالية لهذه الشريحة. شاعت العشوائية إذن وتعطلت آليات عمل السوق.
وزاد الأمر سوءا في غياب الاحصاءات والبيانات الدقيقة. و حسبما أوضحت الدراسة التي تحمل عنوان (إطار لإدارة سوق الإسكان في مصر) فقد انعكس الأمر سلبيا على سياسات الإسكان الكلية برمتها وعلى الاستثمار العقاري. فبالنسبة للاولى، تحول الطلب من طلب على السكن الى طلب على الادخار بمعنى حيازة الوحدات بهدف المضاربة عليها والاتجار فيها وتخزينها كاستثمار في القيمة، بالاضافة الى خلق سوق غير رسمي مواز للرسمي نتيجة لارتفاع تكلفة البناء وصعوبة الحصول على التراخيص اللازمة، وأيضا استمرار الفجوة بين العرض والطلب بالنسبة للفئات المتوسطة وما دونها وعجز الدولة عن الوفاء بهذا الاحتياج المتنامي. وتقترح الدكتورة كريمة كريم استاذ الاقتصاد بجامعة الازهر تشجيع تأجير الوحدات على الطريقة الفرنسية، بأن يتم تأجير الوحدات بأجور زهيدة ولفترات طويلة على أن يتمتع صاحب الوحدة بالاعفاء من الضرائب بشكل جزئي. وكرر رئيس شركة «المقاولون العرب» سابقا، إسماعيل عثمان «كلمة الايجار.. الايجار.. اكثر من مرة» ليدلل على انها الحل الاكيد لمشكلة الوحدات السكنية التي تفاقمت عبر الزمان والضحية هم الشباب، موضحا ان النظامين الموجودين للايجار القديم والجديد (الأخير صدر منذ 6 سنوات وهو ينص على أن العقد شريعة المتعاقدين ولكن في المساكن الجديدة فقط) غير مناسبين على الاطلاق، فالقديم لم يعد موجودا الا لورثة اصحاب الوحدات العاملة بهذا النظام، وفيه ايضا جور على حق مالك العقار، اما العمل بنظام الايجار الجديد الذي ترتفع فيه الايجارات بشكل مبالغ فيه مع زيادة سنوية تقدر بـ 10 فى المائة مع تحديد لأقصى مدة انتفاع بالعين المؤجرة وهي خمس سنوات، بعدها يحق لمالك الوحدة التجديد للمستأجر ام لا مما يربك استقرار الأسر. وفي كل الحالات فالإيجار في مصر حاليا قديمه وجديده يتم تبعا لآلية السوق العشوائي.. فما الحل إذن؟ اجاب عثمان بأنه الموقف الوسطي، الذي لا جور فيه على حقوق المالك او المستأجر، مشيرا الى أن هذا الضبط للسوق يحتاج حوارا غير متشنج بدأت تلوح علامات على انه يمكن أن يحدث الآن لإرجاع المقاول المتوسط والصغير الى السوق. ونبهت الدراسة الى أهمية ما ذكره إسماعيل عثمان باستعادة مشاركة القطاع الخاص الاهلي أو المؤسسي الى سوق البناء للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل، كاشفة أن وزارة الإسكان المصرية تعكف حاليا على إعداد قسم خاص بتمويل الإسكان في قواعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص المعروفة بـ PPP، (private public partenership ) واوضحت ان القسم سيتم من خلاله متابعة حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في كافة مدخلات الوحدات السكنية، بالإضافة الى تشجيع القطاع الخاص على القيام بأنشطة التشغيل والإدارة وخدمات الصيانة، كما سيتم وضع ضوابط مختلفة لحماية حقوق كافة الأطراف المشتركة في علاقات التنمية العقارية وكذلك إنتاج أدوات تأمينية جديدة توفر ضمانات للمطور العقاري والمستهلك. وركزت الدراسة حسبما تشير سحر التهامي المستشار الاقتصادي لوزير الاسكان على أهمية أنظمة المعلومات والبيانات التفصيلية عن سوق الاسكان والائتمان والتمويل والاراضي المتاحة للاغراض السكنية، سواء من الجهات الحكومية المختلفة او القطاع الخاص. أوصت الدراسة بضرورة إنشاء مجلس أعلى لسياسات الإسكان بين الجهات المختلفة بغرض الحد من التضارب والازدواجية. كما اوصت بضرورة النظر في حوافز ضريبية أخرى، بالاضافة الى قانون الضرائب العقارية المقرر مناقشته في البرلمان خلال دورته الحالية، وذلك بهدف تحرير رصيد الوحدات الشاغرة لتشجيع استغلالها حتى تستطيع المساهمة والحل في ازمة الاسكان، وحددت الدراسة معايير استخدام الاراضي وتخطيطها في سوق الاسكان، باستخدام الاراضي الحكومية جيدة المواقع لاسكان ذي تكلفة مناسبة ومستويات دخل مختلفة بكثافات اعلى، مع اتاحة الاستخدام المختلط التجاري مع السكني، وكذلك زيادة معدلات التنمية العمرانية وتعديل الاشتراطات الخاصة بارتفاعات المباني ونسبة الارض للمساحة واراضي الخدمات، ودفع الجهود الحالية لتطوير الاراضي والعقارات. هذا ولم تغفل الدراسة اهمية دور التمويل العقاري الذي لا يزال حديث العمل به فى 2003، ومستخدموه من فئة محدودة في سوق الاسكان، كما اشارت الى ضرورة الاستمرار في تحسين النظام القانوني ومراجعة العقود ثلاثية الاطراف مع اهمية وضع برامج جديدة لتأمين التمويل العقاري، وبشكل عام اوضحت اهمية استخدام الاستهداف الجغرافي وخرائط الفقر التي تم اعدادها اخيرا لرسم خريطة جديدة لمواقع المساكن في مصر مستقبلا. وتضمنت الدراسة شقا قام به رئيس فريق مشروع الدعم الفني لإصلاح السياسات بهيئة المعونة الأميركية لكشف مستقبل الطلب على الإسكان في القاهرة الكبرى في الفترة من 2001 الى 2006، تبين منها ان 52 في المائة من الأحياء السكنية في القاهرة الكبري غير رسمية بمعيار صافي المساحة للوحدة وان 60 في المائة من سكان العاصمة يعيشون في تلك المناطق. مضيفة إن 30 فى المائة من الرصيد الإسكاني في القاهرة الكبرى وحدات شاغرة وأنها زادت زيادة ملحوظة في الفترة من 1996: 2006. مع زيادة على الطلب على مساحات الوحدات التي تتراوح بين 63 الى 140 مترا مربعا. وأشارت إلى أن هناك تراجعا لنظام الإيجار القديم أمام الجديد خلال هذه الفترة، وأن نسبة العمل بالإيجار القديم أصبحت 20 في المائة فقط، في حين بلغت نسبة الإيجار الجديد 80 في المائة خلال السنوات الست الأخيرة. يذكر إن البعض ما زال يؤجر الوحدات بالقانون القديم وبالذات الوحدات القديمة مع تقاضي مبالغ ضخمة خارج العقود كتعويض عن ضعف قيمة الإيجار. كان البرلمان المصري قد رفض عدة مرات في الفترة من 1982 الى 2000 إدخال تعديلات على القانون، لكن الأجواء تغيرت كما تغيرت تركيبة البرلمان والحكومة ولا يعنى ذلك ان القانون سيمر بسهولة ولكن فرصته أفضل من اي وقت مضى في الحقبة الماضية.