فهمى هويدي يكتب(جد هنا ولعب هاك)
لماذا تحقق مصر إنجازاتها الكبيرة فى مباريات كرة القدم فى حين تخيب جامعاتها ولا تذكر فى أى تصنيف عالمى محترم، وتعجز عن إزالة القمامة من العاصمة؟، السؤال تتداوله بعض الألسنة بعدما انتهت الفورة وجاءت الفكرة. وهو ما سمعته من أكثر من واحد، أحدهم سأل: لماذا لا يعين الكابتن حسن شحاتة رئيسا للوزراء لكى ينقذ البلد من المنحدر الذى يتدحرج عليه؟
لقد فرح المصريون كثيرا، حتى إن القاهرة على الأقل لم تنم فى تلك الليلة التى فازت فيها مصر بكأس الأمم الأفريقية، وهو فرح مستحق لا ريب، وأحسب أن المبالغات التى وقعت أثناءه لم تكن كلها لأن المنتخب المصرى حقق إنجازه الكبير، وإنما كان بعضها لأن الناس أصبحوا بحاجة ملحة لأن يفرحوا، خصوصا بعدما تكاثرت همومهم وعزت ابتساماتهم، وشحت نكاتهم، وما عادت ضحكاتهم تنبع من أعماقهم، ورغم أن الفوز بكأس أفريقيا لم يغير شيئا فى حياتهم، إلا أنه أضاف شيئا مختلفا إلى معنوياتهم، على الأقل من حيث إنه ذكرهم بأن ثمة لمعة ضوء فى العتمة المخيمة ذكرتهم بلحظات السعادة والفرح.
المقارنة بين الفوز بكأس أفريقيا والفشل فى الأمور العملية الأخرى بمثابة استدعاء للمقارنة بين الرياضة والسياسة، وتساؤل عن أسباب النجاح فى الأولى دون الثانية، وردى على ذلك التساؤل أن العوامل الرئيسية للنجاح واحدة فى الحالتين، لكن تلك العوامل توظف فى الرياضة ويتم تجاهلها فى السياسة، فعنصر الكفاءة مثلا يتم التعامل معه بمنتهى الشدة والحزم فى الرياضة، بينما الأمر ليس كذلك فى السياسة، فكفاءة المدرب ولياقة اللاعب البدنية وموهبته فى الأداء، هذه كلها أمور لا يمكن التسامح فيها فى الرياضة، ثم إن لها معايير واضحة لا يمكن التهاون فيها. والأمر مختلف فى السياسة حيث قد تعد الكفاءة أحد العوامل التى تتدخل فى اختيار المسئول، لكنها ليست العامل الوحيد أو الحاسم. ذلك أن المسئول التنفيذى يختار أحيانا لأقدميته أو لصلة قرابة تربطه مع من هو أكبر منه، وأحيانا يختار اطمئنانا إلى ولائه السياسى.
الشفافية عامل أساسى آخر فى الرياضة، وهو نسبى فى السياسة وأحيانا ينعدم تماما. ذلك أن 90٪ من النشاط الرياض يمارس أمام الناس وتحت أعينهم. فهم يرون من أصاب ومن أخطأ، ويعرفون أسباب اشتراك البعض فى اللعب وغياب البعض الآخر. وباستثناء المناورات والمشاحنات التى تقع فى الكوابيس بين الإداريين، فإن تفاصيل كل مباراة مكشوفة على الملأ، أما السياسة فهى إن كانت فن الممكن عند البعض، فإنها أيضا مستودع الأسرار والألغاز، خصوصا فى الدول غير الديمقراطية، فالمفاتيح كلها بيد السلطان، هو الذى يحاسب وهو من يكافئ، وهو الذى يتخير من يشاء ويقصى من يشاء، وليس بمقدور أحد أن يسأل لماذا حوسب شخص أو كوفئ آخر، ولماذا دخل فلان وخرج علان وذلك ما يفسر الفتور الشديد الذى ينتاب المشاهدين فى لعبة السياسة، والحماس البالغ الذى يبديه المشاهدون فى مباريات كرة القدم.
المساءلة قيمة ثالثة حاضرة بقوة فى عالم الرياضة، وهى غائبة بنفس القوة فى عالم السياسة. فالكروت الصفراء والحمراء جاهزة لإنذار اللاعبين، وقرارات الإبقاء أو الاستغناء تهدد المدربين والإداريين إذا لم يحققوا الإنجاز المرجو منهم، وهتاف الجماهير جاهز للاعب المجيد وصفيرهم واستهجانهم حظ اللاعب المقصر أو المسيىء، أما فى السياسة فالأصل أن السلطان لا يسأل عما يفعل، ووحده صاحب حق مساءلة الجميع، وهو المسئول الأول عن كل إنجاز وغير المسئول الأوحد عن أى إخفاق.
عندى إجابة أخرى عن السؤال لماذا يتم الإنجاز فى الرياضة ويلاحقنا الفشل فى السياسة والإدارة، خلاصتها أننا نتصرف بمنتهى الجدية فى الرياضة لأن سيف الحساب ينتظر الجميع، فى حين أننا نلعب ونتدلل فى السياسة لأن هراوة الأمن المركزى تهدد الجميع
|