الزمان: الجمعة 11 فبراير 2011 بعد صلاة المغرب.
المكان: خيمة منصوبة في الجزيرة الوسطى اللي في نهاية الشارع الموصل من المتحف المصري إلى ميدان التحرير.
كنت أنا وبعض الأصدقاء من الرحاب قاعدين بنختم الصلاة، وفجأة سمعنا صوت غير عادي، وناس كتير بدأت تكبّر وتهتف، طلعنا من الخيمة وسألنا الناس بلهفة إيه اللي حصل، فعرفونا إن عمر سليمان طلع وقال إن مبارك اتنحى.
ياااااااااااااااااااااااه ؟ أخيراً ؟؟
سبحان الله، دا أنا قبل كل خطاب من التلات خطابات اللي فاتوا، كنت بأقول خلاص هيطلع يتنحى، لكن كان بيخيب ظني ويحرقلي دمي، وبعد ما كنت خلاص يئست، تيجي كدة على غير المتوقع؟؟
آمنت بيك يا رب،
أنا كنت تعبت جداً من الحسابات، دماغي كانت هتنفجر من التفكير، وعلشان كدة في الأيام الأخيرة كان كل ما حد يسألني، وبعدين؟ كنت بأقول له جملة واحدة:
أنا مش منتمي لا لحزب ولا لجماعة ولا لتنظيم، أنا ما ليش قيادة بتمشيني، اللي طلعني من بيتي يوم 25 ومقعدني لحد النهاردة هنا هو ربنا، وربنا وحده هو اللي هينهي الموضوع ده.
لي جار حبيبي قوي ما عجبتوش الجملة دي، فقال لي مرة: ونعم بالله يا سيدي، بس لازم يكون فيه رؤية واستراتيجية، وكله في الآخر بأمر الله.
بس بعد اللي حصل، لقيته بيتصل بي وبيقول لي: والله معاك حق، فيه حاجات كتيرة قوي حصلت ما لهاش تفسير غير إن ربنا كان عايز كدة.
الموضوع ده كان حاضر في أذهان ناس كتير في لحظة التنحي، علشان كدة سمعت هتاف "الله وحده أسقط النظام" كبديل لهتاف "الشعب خلاص أسقط النظام"
****************************************************
بعد ما بدأت استوعب اللي حصل، بصيت حواليّ في الخيمة، لقيت كذا واحد بيسجدوا سجدة شكر، واحد من أصحابي لقيته بيعيط، قرّبت منه وسألته: مالك يا وليد؟ دي دموع فرح ولا حزن؟
قال لي: افتكرت الشهدا اللي ماتوا، الحمد لله إن دمهم ما راحش هدر.
وليد كان معايا يوم الأربع الإسود، 2 فبراير، وحضرنا سوى موقعة الجمل - زي ما بعض الظرفاء بيسموها -وشفنا بعنينا فجر الخميس اتنين ماتوا برصاص قناصة.
اللي استشهدوا في التحرير على فكرة كانوا 25، منهم 14 يوم 28 يناير، و11 يوم 2 و 3 فبراير.
24 من الـ 25 ماتوا بطلق ناري في منطقة الصدر والوجه وكانوا مقبلين غير مدبرين، أما الأخير فمات بحجر كبير اترمى على راسه من مسافة قريبة.
دول اللي استشهدوا، أما الجرحى فحدث ولا حرج،
أنا ما أعرفش حد من أصحابي الرحابيين إلا واتصاب يوميها، يا في راسه، يا في عينه، يا في مناخيره، يا في دراعه، يا في رجله.
****************************************************
الحقيقة أنا ما كنتش بمثالية وليد - ربنا يكرمه - ما جاش على بالي الشهدا والناس اللي ضحت، أنا الحاجة الوحيدة اللي فضلت تلح عليّ من ساعتها ولحد دلوقتي هي السؤال:
هاه؟ إيه اللي هيتغير في حياتنا من هنا ورايح؟
السؤال ده شاغلني لدرجة إني قررت أكتب الموضوع ده علشان أسألكم عن رأيكم.
أنا هأبدأ بنفسي
في رأيي إن أول حاجة هتتغير في حياتي هي شعوري بالحرية، وانعكاس الشعور ده على كل تصرفاتي، زي الحرية في العبادة، والحرية في التعبير، والحرية في انتقاد الأوضاع الخاطئة.
يا جماعة من حوالي شهر ونص بس، جه أمر من أمن الدولة لأئمة مساجد الرحاب بمنع المصلين من الجلوس في المقارئ بعد صلاة الفجر إلا بعد ما يجيبوا صور بطايقهم. وده خلى ناس كتير تبطّل تقعد في المقرأة، على الأقل علشان ما يتسببوش في أذى لأئمة المساجد.
أنا في تصوري إن شيوخ ودعاة كتير، كان مستحيل نشوفهم في مساجد الرحاب، ممكن دلوقتي نشوفهم، وده هينعكس بدون شك إيجابياً على حياتنا وعلى حياة شبابنا وأولادنا.
تاني حاجة هتتغير في حياتي هي شغلي، أنا مهندس سيارات، كنت شغال في مرسيدس في ألمانيا في قسم التصميم والتطوير، ورجعت مصر من خمس سنين ونص علشان أحاول أنقل اللي اتعلمته هناك لبلدي، واشتغلت فترة استشاري مع هيئة التنمية الصناعية ووزارة الصناعة، مريت على كل مصانع السيارات وصناعاتها المغذية الموجودة في مصر، ولقيت ناس كتيرة قوي مخلصة، ووطنية، ومتفانية في شغلها، وأقسم بالله العظيم إننا نقدر نصنع سيارة مصرية بالكامل، والحاجة الوحيدة اللي كانت معطلانا هي "غياب الإرادة السياسية". هأدي مثال سريع أوضح بيه الفكرة: كنت مرة في أحد المصانع اللي بتنتج أعداد كبيرة من العربيات الملاكي سنوياً، سألت مدير القطاع الهندسي لما انتم بتجمعوا الأعداد الكبيرة دي، ليه بتستوردوا معظم المكونات من بلدها، مع إنكم ممكن تصنّعوها محلياً؟ انتم بالفعل عندكم mass production يسمح بجعل الإنتاج اقتصادي جداً؟
كان رده إن الكلام ده محتاج استثمارات، وإحنا ما عندناش مانع نقدم عليها، وعندنا الـ know-how اللازم، لكن نضمن منين إن وزير المالية ما يصحاش من النوم بكرة الصبح ويغير قوانين الجمارك ونخسر إحنا كل الاستثمارات اللي عملناها؟
الشاهد يعني، إن بعد الثورة، أتوقع إن الوزراء اللي هيمسكوا ملف الصناعة والمالية في البلد هيكونوا مخلصين ومتفانين وفاهمين كويس، وده هيخلي ناس كتير زي حالاتي وأحسن مني يقدروا يشتغلوا ويبدعوا.
تالت حاجة هتتغير في حياتي هي حاجة نفسية شعورية جوايا ..
من حوالي سنة كتبت مدونة حزينة بعنوان أشعر بالعار لكوني مصري، صحيح هي كانت بسبب دور مصر في الحرب على غزة، لكن العبرة مش بخصوصية الظرف، أنا كنت كاره لكل ما هو حكومي مصري، من سياسة داخلية فاشلة وسياسة خارجية مخزية بقيادة أبو الغيط، وإعلام متخلف بقيادة أنس الفقي، وصحافة رديئة بقيادة شخصيات حقيرة زي مجدي الدقاق وعبد الله كمال وممتاز القط وغيرهم و .. و .. و ...
الشعور بالعار ده خلاص انتهى، وحل محله شعور بالفخر والحمد لله.
حقيقي كنت بأتضايق قوي لما بأسمع ناس تقعد تمجّد في مصر وتقول إحنا ولاد حضارة 7 آلاف سنة وكل العرب بيكرهونا وبيحقدوا - آل إيه؟ علشان إحنا أحسن منهم - وكنت شايف ده نوع من الجهل أو في أحسن الأحوال نوع من ضيق الأفق، وكنت والله بأشفق على اللي بيقولوا كدة، وبأقول معلش مساكين ما طلعوش برة مصر، ما شافوش وزننا الحقيقي بين الأمم دلوقتي، ما شافوش البلاد اللي ما كانش موجودة ع الخريطة من خمسين سنة بس وصلت لفين واحنا وصلنا لفين.
بس الحقيقة اللي شفته في ميدان التحرير، خلاني أحس أد إيه الشعب ده عظيم، إحنا فعلاً والله متحضرين، ومبدعين، وخلاقين. أنا بجد بجد فخور إني مصري.
في رأيي إن أهم مكسب كسبناه من الثورة دي، مش إسقاط النظام، وإنما إننا استعدنا الثقة في نفسنا وفي قدراتنا،
إذا كنا قدرنا نغير نظام دولة مبارك، يبقى أكيد هنقدر نغير أي حاجة تانية، إحنا نجحنا في الصعب، فأكيد هننجح بإذن الله في اللي أسهل منه، هنقدر ننتصر على الفساد، هنقدر ننتصر على الفقر، هنقدر ننتصر على الجهل، في ظرف كام سنة بس هنتقدم وهنعمل معجزات اقتصادية زي ماليزيا وتركيا.
بأرجو من كل اللي قرأ الموضوع ده إنه يرد ويقول هو كمان إيه اللي اتغير وهيتغير في حياته هو شخصياً.
خلونا نعمل برين ستورمنج جماعي، أكيد اللي هيتكتب هنا هيكون مفيد ومُلهم لينا كلنا.
في انتظار ردودكم