في استفتاء الدستور.. سأقول "نعم" عن اقتناع
عقدت أمس الثلاثاء 15 مارس ندوة بقاعة المناسبات بالمسجد الأحمر عن التعديلات الدستورية تحدث فيها د. محمد فؤاد المستشار بمجلس الدولة. المستشار قال في البداية انه سيعرض وجهتي النظر لكن لأن رأيه رفض التعديلات فهو لم يستطع الوقوف على الحياد ودافع عن وجهة نظره تماما.. وفي السكة أخذ ينتقد مواقف ناس تانيه وخصوصا الإخوان المسلمين..طبعا من حقه يكون له موقفه الخاص لكن من حقنا ومن حق الناس أن تعرف مختلف وجهات النظر لأن هذه أول مرة نناقش فيها قضية وطنية على المفتوح ونشارك في استفتاء لا نعرف نتيجته مسبقا.
في رأيي أن معالجة موضوع التعديلات من البداية هي السبب في البلبلة اللي حاسين بها
نرجع ليوم 13 فبراير موعد صدور البيان الخامس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة حيث قرر المجلس تعطيل العمل بأحكام الدستور، لكنه قرر، في البيان نفسه، تكليف لجنة لتعديل بعض مواد الدستور! ومن هنا جاءت المشكلة. هل نحن أمام دستور معطل عدا المواد التي سيجري الاستفتاء عليها أم أمام إعلان دستوري يضم تلك المواد وحدها؟ بعد شهر تقريبا أوضح هذه النقطة اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقضائية، فقال يوم 12 مارس في برنامج تلفزيوني إنه بموجب "الإعلان الدستوري" الذي أصدره المجلس تم تعطيل دستور 71، وبالتالي فإن المواد التسعة المعدلة والمقرر إجراء الاستفتاء عليها سوف تشكل دستورًا مؤقتًا لحين إعداد الدستور الجديد. ثم أصدر المجلس الأعلى "رؤية حول التعديلات الدستورية" جاء فيها أن القوات المسلحة قامت في 13/2/2011 بإصدار الإعلان الدستوري متضمنا المقومات الأساسية للإعلان.
من الواضح بهذه الطريقة ان المعالجة اوجدت مشكلة.. لكن هذه مسألة إجرائية وليست في صلب الموضوع ويمكن تجاوزها بسبب الارتباك الذي تعيشه البلد في كل النواحي .. وعلى فكرة كل الدساتير المصرية السابقة كان فيها مواد تتعارض مع بعضها البعض
إذا المشكلة هي: هل نوافق على الإعلان الدستوري أولا ثم إجراء
الانتخابات البرلمانية والرئاسية ثم وضع دستور جديد، أم نضع دستورا جديدا أولا ونبقى في فترة فراغ دستوري طويلة بدون يرلمان منتخب ولا رئيس منتخب؟
لو قلنا: ندخل على مرحلة وضع الدستور الدائم مباشرة.. طيب الدستور الجديد ستقوم بإعداده لجنة تأسيسية منتخبة، فمن ينتخب اللجنة أو يختار أعضاءها؟ هل يختارهم المجلس الأعلى حاليًا أم يختارهم رئيس الجمهورية المنتخب أولا؟ حينئذ سيقال إن المجلس الأعلى أو الرئيس قد فرض إرادته على الشعب.
الأولى طبعًا أن يختارهم مجلس الشعب المنتخب، فقد أعطت التعديلات الحق لمجلسي الشعب والشورى، في عقد اجتماع مشترك لانتخاب الجمعية التاسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع، على الشعب لاستفتائه في شأنه.
إذًا ليست هناك أدتى مشكلة بخصوص تغيير الدستور بعد انتخاب البرلمان.
صحيح أن التعديلات الدستورية، "أو الإعلان الدستوري" غير كافية، ولكن لماذا لا نحصل عليها الآن ما دمنا نسير في الطريق المؤدي للتغيير الكامل للدستور؟ وما ضرورات تأجيلها؟
التعديلات الجديدة تسد الفراغ الدستوري لحين الاتفاق على دستور جديد، وتسرع تسليم المجلس العسكري للسلطة، كما تسرع من رفع حالة الطوارئ، وتحد من اللجوء إليها مستقبلا، وتعطي القضاء الحق في إدارة الانتخابات والإشراف عليها، وتحمي إرادة الشعب من التزوير، وتتيح إجراء انتخابات واستفتاءات حرة ونزيهة. كما أنها تلزم البرلمان والرئيس القادمين بانتخاب هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد، وهي تخفف شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وتحدد مدة الرئاسة، وتلغي قاعدة أن مجلس الشعب هو سيد قراره، وتؤكد احترام رأي القضاء، وتلغي المادة 179 من الدستور الخاصة بالإرهاب، وتلزم الرئيس المقبل يتعيين نائب له.
وفي المقابل فإن البديل أن نخوض في تعديل الدستور من الآن، وهو أمر يمكن أن يستغرق ستة أشهر، أو أكثر، خاصة مع توقع حدوث تغييرات جذرية في النظام السياسي، وربما تحوله من نظام رئاسي إلى نظام برلماني، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وإلغاء نسبة العمال والفلاحين في البرلمان أو الإبقاء عليها، وغير ذلك، وهي أمور تحتاج إلى حوار وطني واسع لحسم الاختيارات.
من حق الشعب، الذي حرم طويلا من إظهار إرادته الحقيقية في الانتخابات والاستفتاءات التي كانت مزورة على الدوام، إن يمارس هذا الحق دون وصاية. لماذا لا نمارس الاستفتاء ونترك الرأي للشعب؟ لماذا يخاف البعض من لحظة الاحتكام للشعب؟
وهناك من يرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتعجل في تسليم السلطة وإجراء الانتخابات. غريبة فعلا أن نجد أن المجلس الأعلى يسعى للتعجيل بتسليم السلطة لجهة مدنية منتخبة، بينما يطالب بعض السياسيين بتأجيل ذلك.
من المؤكد أن الخريطة السياسية في حالة سيولة منذ الثورة، حيث تقدمت قوى سياسية وتراجعت أخرى، واختفت ثالثة، وهذه من طبيعة الحياة السياسية التي تتسم بالحيوية والدينامية، وقد رأينا في الدول الديموقراطية أحزابُا تسيطر على السلطة لسنوات ثم تتراجع لتتقدم أخرى، ولا تتوقف الحياة السياسية في انتطار من يريد أن يتهيأ ويستعد أو يشب عن الطوق، ولكن الكل يبذل أقصى جهده لينال موقعًا متقدمًا في ساحة السبق. وقد أثبتت الثورة أن الشعب يتمتع بدرجة عالية من الوعي تجعله يستوعب المشهد السياسي بكل تحولاته.
ورغم أن القيود القانونية لم تنكسر بالكامل، لكننا نعيش ظروفًا لا تقاس بما سبق، وحرية التجمع وإقامة التكتلات السياسية والإعداد للاتنتخابات مكفولة للجميع دون حجر على أي اتجاه.
قبل شهور قليلة جرت الانتخابات البرلمانية في مصر، ووقف آنذاك بعض القيادات الحزبية ليعلن أنه مستعد للانتخابات، بل يقول إنه يمكن أن يحوز الأغلبية البرلمانية لو جرت الانتخابات بحرية ونزاهة، فلما جاءت الفرصة الآن وقفوا مذهولين من هول الموقف، يطلبون التأجيل.
لقد عانى الشعب المصري عقودًا طويلة، بل قرونًا طويلة من تسلط الحكام وتشبثهم بالسلطة، فلما جاءت الفرصة التاريخية النادرة إذا بالبعض يتصرف مثل من اعتاد العيش داخل زنزانة مغلقة، فلما فتح له الباب رفض أن يخرج.