من الجينات.. إلى.. المخ فى هذا الفصل سنرى كيف أن جيناتنا تقوم بدور مهم فى توجيه المخ لتقبل المفاهيم الروحية و الدينية. و ذلك كله يتم من خلال الناقلات الكيميائية (التى تتحكم فيها الجينات) و علاقتها بتوجيه كيفية تكوين الدوائر العصبية المخية، و تنشيط المراكز المخية المسئولة عن المشاعر. كما نعرض العلاقة التبادلية بين المخ و الإيمان فكما ثبت أن وجود مراكز مخية مسئولة عن المشاعر الدينية و الروحية فإن الممارسات الدينية و الروحية تحدث تغييرات إيجابية فى نشاط المخ، و المحصلة هى حياة أفضل أقل توتر و أكثر صفاء و نقاء.
جين الألوهية
إن الشعور بالإله و الرغبة فى التوجه إليه بالعبادات و الإيمان بأمور غيبية كالحياة بعد الموت و الجنة و النار و وجود كائنات إلهية لا يمكننا رؤيتها هى من الأشياء التى نجدها و كأنها مدموغة فى العقل البشرى مهما كانت بدائيته. نقول أن لكل أمة رسول و من الجائز أن تكون القبائل البدائية قد و رثت هذه الديانات عن رسل لها، و هو رأى يحترم. أما أن نقول أن معرفة الإله و الإيمان به هو أمر مدموغ فى المادة الوراثية فى الجنس البشرى فهذه معلومة تستحق الدراسة، و هذا ما أكدته الأبحاث عند دراسة الجينات المسئولة عن السلوك. أكد دين هامر رئيس وحدة أبحاث الجينات بالمعهد القومى للسرطان بالولايات المتحدة أن الإنسان يرث مجموعة من الجينات التى تجعل لديه إستعداد لتقبل المفاهيم الدينية و الأمور المتعلقة بالألوهية و من أهم هذه الجينات جين VMAT2 و هو المسئول عن تكوين ناقل كيميائى بالمخ و هو المسئول عن تحديد مستوى عدد من الناقلات الكيميائية التى تنظم عمل المخ (السيروتونين-الدوبامين-النورأدرينالين) كما أن له دور فى توجيه مراكز المخ المسئولة عن المشاعر الروحية و المفاهيم الغيبية.
نظرية الأخلاق الوراثية
هذه النظرية هى نتاج ما توصل إليه كلود كلوننجر و قد إعتمد فى أبحاثه على علم الجينات و بيولوجيا الأعصاب و ليس على الدراسات النفسية و الإحصائية فقط. و تقول هذه النظرية أن للإنسان أربعة مزاجات و ثلاث مجموعات من الأخلاق الوراثية توجه ما سيكون عليه سلوك الشخص و أخلاقه و تدينه. و عن المزاجات الأربعة فهى كالتالى:
1- الميل لتحاشى الضرر
2- البحث عن الجديد
3- الإعتماد على المكافأة (مادية أو معنوية)
4- المثابرة
و تقع مركز هذه المزاجات فى مخ الإنسان فى الجهاز الحوفى و القشرة المخية البدائية، و هى المناطق المسئولة عن السلوك الغريزى و العادات و المشاعر.
أما عن الثلاث مجموعات الأخلاقية فهى فى جيناتنا يورثها الأبناء عن الآباء، وهى كالتالى:
1- مصداقية الذات هى صفات الشخص و تشمل وضوح الأهداف و كونه أهلا للثقة
2- التعاون وهى صفات تحكم تعامله مع الآخرين وتشمل الإستعداد لمساعدة الغير و تحملهم و العزوف عن الإنتقام.
3- تجاوز الذات (السمو النفسى) و هى صفات خاصة بالمفاهيم الروحية و تشمل البعد عن المادية و الميل إلى الروحية و الإبداع و إنكار الذات.
و فى مراحل تكون الجنين و مرحلة الطفولة تقوم جينات أخرى بتكوين الدوائر العصبية المسئولة عن هذه الصفات فى المراكز الخاصة بالتعلم و المفاهيم المسبقة فى القشرة المخية الحديثة و التى يتميز بها الإنسان عن باقى الثدييات.
و تتبنى هذه النظرية فكرة عن الإنسان أكثر شمولاً من فكرة فرويد فقد نظرت للإنسان كوجود متكامل (جسم-عقل-نفس-روح) و أنه ينبغى دراسة هذه المكونات عند دراسة الشخصية. كما ترى هذه النظرية أن الإنسان يصير أفضل عقليا و روحيا بالتدريبات العقلية و الروحية. كالتأمل و الصلاة و مجاهدة النفس، تماماً كما يبنى جسمه بالتمرينات الرياضية.
التدين و المخ
إن القشرة المخية في الإنسان كبيرة جداً نسبياً وتملأ الجزء الأكبر من فراغ الجمجمة، أما في الحيوان فهي صغيرة جداً حتى في أعلى درجات الحيوانات (الشمبانزي وإنسان ياندرتال) الذي يلي الإنسان في درجة الرقي. ولذلك يمتاز الإنسان عن الحيوان في قدرته على التحكم في الكثير من حركاته اللاإرادية وكذلك في السيطرة على دوافعه الجسدية.
كيف يسيطر الإنسان على بعض الأفعال اللاإرادية وعلى الغرائز؟ سنضرب لك أمثلة ثلاثة:
· التبول فعل منعكس يتم عند امتلاء المثانة بالبول ويتحكم فيها مركز بالنخاع الشوكي، وهذا يتم في الحيوان وفي الطفل الوليد كلما امتلأت المثانة بالبول وحيثما أتفق وفي أي مكان بالليل أو النهار، فالطفل الوليد يشبه الحيوان في عدم قدرته على التحكم، ولكن عندما يكبر تنمو فيه الأعصاب الموصلة التي تصل المراكز العليا في القشرة بمركز التبول السفلي، عندئذ يستطيع الطفل التحكم فتتم عملية التبول بطريقة إرادية فيبدأ بعد السنة الأولى في التحكم فيها نهاراً وبعد السنة الثانية التحكم فيها أيضاً بالليل.
· الغضب انفعال يحدث مظهراً معيناً في الإنسان والحيوان، فالقطة عندما تغضب مثلاً تشد أقدامها وترفع ذيلها وتتسع حدقتا عينيها، ويحدث للإنسان شيء شبيه بهذا عندما يغضب، والمسئول عن هذا المظهر لإنفعال الغضب هو إحدى الغدد الصماء (وموجودة فوق الكلية) التي تفرز هرموناً خاصاً (الإدرنالين) وهو الذي يحدث هذه التغيرات الجسمية. ويسيطر على هذه الغدة وغيرها من الغدد الصماء غدة أسفل المخ اسمها الغدة النخامية، وهذه الأخيرة تتصل بالمخ بواسطة أعصاب وتقع تحت تأثير المراكز العصبية والقشرة، وعن طريقها يستطيع الإنسان أن يتحكم إلي حد بعيد في باقي الغدد الصماء. وتعتبر الغدة النخامية بالنسبة لباقي الغدد بمثابة "المايسترو" الذي يقود الفرقة الموسيقية ويوجهها وينظمها فالإنسان يستطيع أن يتحكم في انفعال الغضب عن طريق مراكزه العليا في المخ. ولا يستطيع الإنسان أن يقول إني لا أقدر أن أتحكم في غضبي لأن الله ميزه عن الحيوانات بإمكانية التحكم في غرائزه.
· الشهوة الجنسية: هي انفعال الغريزة الجنسية وهي تحدث نتيجة إفرازات الهرمونات الجنسية من الخصيتين في الذكر أو المبيضين في الأنثى. ويتحكم في هذا الغدة النخامية التي تؤثر على كل الغدد بواسطة إفرازات خاصة نوعية تفرزها لتنبيه كل غدة عند اللزوم وبالقدر المطلوب فإذا سمح إنسان لنفسه أن ينبه مراكزه العصبية بالمؤثرات الجنسية الخارجية التي تؤثر على الحواس، تنبهت الغدة النخامية وأفرزت إفرازاتها الخاصة بالجنس لتنبه الخصيتين أو المبيضين فتفرز في الدم الهرمونات الجنسية التي تحدث تورداً للدم في الأعضاء التناسلية مما ينتج عنه انفعال الشهوة.
وعن هذا الطريق يستطيع الإنسان أن يتحكم إلي حد بعيد في انفعال الشهوة.
ويمكننا تشبيه قدرة المراكز العليا في قشرة المخ على التحكم في المراكز السفلى بغرفة العمليات في القيادة العليا للقوات المسلحة التي تتحكم في توجيه الكتائب والألوية، كما يشبه العقل في تحكمه في الغرائز بفارس يركب حصاناً جامحاً ولكن الفارس يستطيع من خلال اللجام أن يكبح جماحه ويسير بجواده نحو هدفه في سلام إلا طرحه الجواد أرضاً. وإذا كان رجال علم النفس قالوا لنا إن الغرائز أو الدوافع البيولوجية لها ثلاث مقومات في الإنسان هي الإدراك والانفعال والنزوع بمعنى إن المخ يدرك فيحدث الانفعال ثم ينفذ الإنسان ما تتطلبه الغريزة أو قد يكبت الرغبة ولا ينفذها.. إذا كان هذا في الإنسان فيصبح مفتاح التحكم في الغريزة الجنسية عند الإنسان هو العقل. فإذا كانت حواسه طاهرة كان فكره طاهراً وإن كان فكرة طاهراً فإن الانفعال لا يحدث إلا في المجرى الطبيعي الذي وضع من أجله وهكذا تكون الغريزة سائرة في وضعها السليم.
فالصفة الأولى في الدافع الجنسي عند الإنسان إنه ليس مجرد فعل منعكس وإنما طاقة يمكن ضبطها وتوجيهها يتحكم فيها العقل وتسيطر عليه الإرادة... ويخطئ هنا الإباحيون الذين يقولون إن الجنس طاقة لا يمكن التحكم فيها وإن ضبطها والتسامي بها يضر الإنسان، على العكس سنرى إن الإباحية تؤذي الإنسان في حياته ليست الجنسية فقط بل في كيانه ككل متكامل.
عقلان و ذاكرتان
بالملاحظة اليومية للسلوك الإنسانى يمكننا القول أن ردود الأفعال للحدث الواحد قد تتعدد بإختلاف الأشخاص. و يرجع هذا أن لدينا نظامين مختلفين تماما للمعرفة و الإدراك يتفاعلان فيما بينهما لتشكيل حياتنا العقلية و الشعورية. الأول هو العقل المنطقى و الثانى هو العقل الإنفعالى. أما عن العقل المنطقى فهو المسئول عن فهم الأمور الواضحة فى وعينا و هو أيضا مسئول عن التفكير بعمق و تأمل. و مركز العقل المنطقى هو القشرة المخية الحديثة و لهذا العقل جهاز ذاكرة خاص به هى منطقة فرس البحر أحد أجزاء الجهاز الحوفى و الذى يقع فى مركز المخ و هو المسئول عن تسجيل الأمور المدركة حسيا و عقليا لتقوم بعد ذلك بتمرير المعلومة إلى القشرة المخية حيث يتم فهمها و تسجيلها بشكل أكثر تفصيلا و دقة.أما العقل العاطفى و هو نظام قوى مندفع يتعامل مع المشاعر و الأمور الغامضة فى فكرنا و هى أمور لا ندركها على المستوى الواعى على الإطلاق و مركز العقل الإنفعالى هو لوزة المخ أحد أجزاء الجهاز الحوفى و تقوم لوزة المخ بتسجيل الدلالات العاطفية المصاحبة للأحداث . و نستخلص من هذا أن تصرفنا و رد فعلنا تجاه الأحداث هو محصلة تفاعل عقلين و بنكى معلومات منفصلين تماما. الأول عقل منطقى له مركز خاص بالوقائع المادية و هو منطقة فرس البحر ثم القشرة المخية، و الثانى هو عقل إنفعالى له مركز خاص بالإنفعالات المصاحبة للوقائع و هو اللوزة المخية.
· التفكير و الإنفعال و محصلة أى إنسان هو نتيجة التفاعل بين العقل المنطقى و العقل الإنفعالى و هناك توازن دقيق بين هذين العقلين. و مركز مشاعر التدين هو اللوزة المخية (العقل الإنفعالى)، كما تقع هذه المشاعر تحت تحكم القشرة المخية (العقل المنطقى)، و أى خلل فى التفاهم و التناغم بينهما يؤدى إلى ردود أفعال غير متوازنة.
· العقل الإنفعالى أما فى حالات عدم التوافق بين العقل المنطقى و الإنفعالى كما فى حالات تغلب المشاعر فإن العقل الإنفعالى يتسيد الموقف و يكتسح العقل المنطقى و يرجع ذلك إلى أن الإشارات التى تحملها الدوائر العصبية من اللوزة إلى القشرة المخية أكثر غزارة من الإشارات العكسية. و لهذا فإن الدوائر العصبية بين اللوزة و القشرة المخية إما أن تكون ساحة معارك بين التفكير و الشعور أو ساحة إتفاق. و هنا يدخل دور القلب الذى لديه هو الآخر قدرات هائلة أولها أنه يمتلك جهاز عصبى خاص به الذى ينظم ضربات القلب و يحسن من وظائف القشرة المخية. و ثانيها أن القلب يعمل كغدة صماء تفرز ستة هرمونات منها ما يكون له دور كبير فى إعداد الجسم للتعامل مع التوتر. و ثالثهم أنه يعمل كمغناصيس قوى و كمولد كهربائى يرسل برسائل كهروماغناصيسية ليس إلى سائر أعضاء الجسم فقط بل للمنطقة المحيطة على بعد 2-3 أمتار مما له دور كبير فى توجيه المخ و التهدأة من النشاط الكهربى للمخ بنسبة 50%.
· الذكاء الروحى و بناء على ما تم دراسته من نشاط و تحليل لوظائف مراكز المخ المتعددة حتى الآن كانت هناك ضرورة لإدخال نوع جديد من الذكاء الإنسانى ألا و هو الذكاء الروحى. و يمكن فهم المقصود بمقارنته مع بعض أنواع الذكاء الأخرى فمثلاً الذكاء المنطقى يختص بأفكارى، و الذكاء العاطفى يختص بمشاعرى، أما الذكاء الروحى فيختص بالمفاهيم غير المادية و بمن أنا؟ و قبل أن نذكر المعايير التى يجب أن يخضع لها الذكاء الروحى فى القياس نذكر سريعا أن علماء النفس قسموا الذكاء إلى ثمانية أنواع و ليس فقط القدرة على التحصيل الدراسى. و لكل نوع من الذكاء تبين أن له نظام مستقل خاص به و مركز مستقل فى المخ تم تحديده تماما. و هذا ما يعرف بنظرية الذكاء المتعدد لهارود جاردنر. و الأنواع تم تقسيمها كالآتى:
1- الذكاء اللغوى
2- الذكاء المنطقى الرياضى
3- الذكاء المكانى
4- الذكاء الموسيقى
5- الذكاءالجسمى-الحركى
6- الذكاء الإجتماعى
7- ذكاء فهم الذات
8- الذكاء التصنيفى
ثم ألحق جاردنر نوع آخر من الذكاء هو الذكاء الروحى و لما وجد معارضة شديدة من المجتمع العلمى إذ يعدون الروح شئ غيبى لا يمت للعلم بصلة! فسماه الذكاء الوجودى و قد تم تعديد مكوناته فى النقاط الآتية:
1- الوعى بالذات و حقيقتها و موقعى من الوجود
2- إدراك أن العالم المادى جزء من حقيقة أكبر
3- القدرة على طرح الأسئلة المعرفية النهائية و القدرة على فهم الإجابة عليها
4- القدرة على التسامى على المفاهيم المادية
5- الحياة تبعا للمبادئ و العقائد و المثل
6- أخذ المفاهيم الروحية فى الإعتبار فى تعاملاتنا اليومية
7- إمتلاك قناعة شخصية تجاه الأمور و إن اختلفت مع الأغلبية
8- التواضع و إدراك أننا جزء يؤثر و يتأثر بالكون
9- قبول الآخر و إن اختلف عنا
10- الإستجابة لنداء الفطرة لمساعدة الآخرين
11- الإستقامة الأخلاقية
12- الشعور بأن سعادتى تنبع من داخلى و ليس الإنجاز العملى أو المادى
13- نفاذ البصيرة و قوة الحدس
أما عن مردود الذكاء الروحى على سلوكنا و حياتنا اليومية فيمكن تحديدة فى النقاط التالية
1- التعامل الحكيم مع المحن و الشدائد
2- إتخاذ مواقف إيجابية تجاه المشاكل
3- الشكر على كل شئ حتى المحن
4- عدم التعامل بأنانية
5- رؤية الجمال الداخلى فى كل شئ
6- التماس الأعذار و قبول الإعتذار
7- الشعور بالحنو و الشفقة عند التعامل مع الآخرين
8- المحافظة على البيئة
9- استخدام الأشياء بحكمة و رفق و عدم تبديدها
10- ترك أى مكان أفضل و أنظف مما كان عليه.
و ليس بالضرورة أن يرتبط الذكاء الروحى بالإيمان بديانة معينة. فربما يتمتع شخص بقدر كبير من الذكاء الروحى و لا ينتمى لديانة معينة و قديكون متدين متعصب و ليس له من الذكاء الروحى إلا القليل.
مراكز التدين فى المخ
و فى نهاية الكلام عن المخ البشرى نعرض ما قاله مؤسس علوم المخ و الأعصاب المستكشف و الرحالة فى مخ الإنسان راماشاندران رئيس مركز أبحاث المخ و الأعصاب بجامعة كاليفورنيا، و الذى ذكر إن الإيمان بأمور ما وراء الطبيعة منتشر فى جميع الحضارات القديمة و الحديثة بشكل يحتم علينا أن نبحث عن أصوله البيولوجية فى المخ فلا شئ يميز الإنسان عن باقى الكائنات مثل هذا لأمر.
· مركز التدين فى العقل الإنفعالى أثبتت الأبحاث عن الجهاز الحوفى فى وسط المخ و المسئول عن الوظائف الشعورية و الإنفعالية أن تنشيط هذه المنطقة باستخدام المجال المغناطيسى يحدث استجابات جسدية و شعورية و انفعالية منها الشعور بنشوة روحية جارفة و صفها البعض أشعر بوجود الإله أشعر أنى على إتصال بالإله أشعر بالتوحد مع الوجود... ويرى راماشاندران أن عموم الناس يمرون بلحظات ارتقاء روحى يكونون فيها قريبين من حقيقة الوجود عندما يشاهدون منظر طبيعى خلاب أو يستمعون إلى الموسيقى الهادئة و لكن على فترات. أما الصوفية و الرهبان فهم يدركون هذه المشاعر بشكل أكثر إلحاحا و عمقا. و من الجدير بالذكر أنه يمكن تنشيط الجهاز الحوفى بالمجال المغناطيسى ليس عن طريق المخ فقط بل إن القلب يعمل كمغناطيس قوى له مجال يصل 5000 ضعف المجال الصادر من المخ و الذى يمكن أن يقاس على بعد 2-3 أمتار من الإنسان. و لذلك عند ممارسة شئ ينشط القلب و يوجد فيه التناغم فإنه ينشط الجهاز الحوفى فى المخ و يساعد فى الإرتقاء الروحى. و لوجود مركز الشم بجوار الجهاز الحوفى فسر أيضا استخدام البخور فى دور العبادة حيث أنها تنشط مراكز الشم الذى ينشط مركز المشاعر الروحية بالجهاز الحوفى. و من مظاهر هذا الإرتقاء ما وصفه عالم الفيزياء الشهير أينشتين أنه يشعر بأحاسيس روحية تجتاحه كلما تعمق فى بحث أمر من أمور العلم و الكون. و لا شك فى أن الأفكار التى طرحها أينشتين غيرت مفاهيم العلم. و هذا يذكرنى بالإختلاف الكبير بين الفلسفات الشرقية القديمة و المدنية الغربية الحديثة. فالفلسفات الشرقية القديمة كانت ترتكز كليا على معلمى و ممارسى الرياضات الروحية و الذين لهم قدرة على رؤى أثناء اليقظة و كأنهم إخترقوا حاجزى الزمان و المكان و منهم من كتب عن خلق الكون ما هو متفق بشكل محير مع أحدث النظريات الفيزيائية، و نجد منهم من يستطيع أن يأتى بأشياء مذهلة ضد كل قوانين البيولوجيا كتعطيل أو تبطىء التنفس ليس لدقائق فقط بل لساعات و أحيانا لأيام.
· مركز التدين فى العقل المنطقى تمت هذه الأبحاث التى أجراها مركز أبحاث المخ و الدراسات الروحية بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة على أعداد من المؤمنين بديانات مختلفة لمعرفة مدى تأثير المشاعر الروحية على وظيفة و نشاط المخ.و توصلت هذه الأبحاث إلى أن الممارسات الدينية تحدث تغيير حقيقى فى نشاط المنطقة المسئولة عن الإستيعاب و الإدراك و الواقعة فى الفص الجدارى الأيسر من المخ أمكن ملاحظته و تسجيله مما قاد فى النهاية بالقول بأن المخ البشرى قد تم تشكيله بحيث يستجيب للمشاعر الدينية كما أصبح الإستنتاج الذى لا مفر منه هو أن الشعور بالإله قد تم غرسه فى المخ البشرى كما تم غرسه فى جيناتنا و أن هذه المشاعر تجاه الإله ليست مجرد أوهام أو تخيلات. و يمكن تلخيص مردود نشاط المخ بممارسة العبادات على حياتنا اليومية فى أربع نقاط رئيسية:
1- إن الإيمان بإله رحيم كفيل بأن يقلل القلق و الإكتئاب و التوتر و أن يزيد شعورنا بالحب و الأمان.
2- إن الصلاة و التفكر و التأمل بإخلاص و عمق كفيل بإحداث تغيرات صحية فى وظيفة و نشاط المخ يصحبها سمو فى قيم الإنسان و فى نظرته للحياة.
3- لا يقف تأثير الصلاة و الممارسات الروحية على خفض معدل و حدة ما يصيب الإنسان من توترات، بل إن القيام بهذه الممارسات و الطقوس لمدة عشرين دقيقة يوميا كفيلة بأن تبطئ من اقتراب الشيخوخة.
4- إن ما يتبناه المتطرفون الدينيون من أفكار يورثهم القلق و التحفز للآخرين كما يحدث تدمير للخلايا العصبية بالمخ.
و يمكن أن نستخلص أن القول بأن الشعور بوجود إله و الرغبة بالتوجه إليه بالعبادة ليس و هم أو تخيلات بل هو حقيقة تم دمغها فى جيناتنا التى تتحكم فى الناقلات الكيميائية و المسئولة عن توجيه كيفية تكون المراكز الشعورية بالمخ و التى تستجيب و تنشط بالمجال المغناطيسى. و هنا سيظهر دور القلب المؤمن الذى يقوم بدور مغناطيس له مجال قوى يصل إلى 5000 ضعف المجال المغناطيسى الصادر من المخ فيتم تنشيط كلا من المراكز الشعورية و المنطقية بالممارسات الروحية و الطقوس الدينية و العبادات و لذلك فإن العبادة حاجة و ضرورة للإنسان. و ننتقل الآن لوصف معجزة أخرى كبرى ألا و هى قلب الإنسان.
يتبع بإذن الله