قسم القدماء المادة إلى أربع عناصر أساسية يستحيل إحداها للأخرى (الماء، الهواء، التراب، النار) و صنفوا الكون من حولهم طبقا لهذا و لازال شئ من هذه العلوم قائم حتى الآن ففى الصين مثلا تصنف الأمراض و النباتات الطبية بإنتمائها لهذه العناصر الأربع فيتم اختيار الدواء ليعادل و يوازن الداء وهم يعالجون 80% من الأمراض بهذه الطريقة حتى الآن. إذا تأملنا خلق الله من ملائكة و جن و إنس. نجد الملائكة من نور و الجان من نار أما الإنسان فهو خليط من العناصر الأربعة. و هذا الخليط هو الذى مكن الله به للإنسان حتى يكون خليفة لله فى أرضه و لكى يحقق هذا الخليط غايته يجب أن يظل فى حالة اتزان كامل. و ذلك لا يتم إلا باتباع الكتالوج الإلهى الذى وضعه صانعه، و يمكننا الآن أن نقول أن كل العبادات و الأوامر و النواهى فى المعاملات هى موضوعة للحفاظ على توازن هذه العناصر الأربع من جهة و طاقة الإنسان الروحية من جهة أخرى و كلما تدرج الإنسان على سلم العبادات يتصاعد الإيمان النفسى و الطاقة الروحية و يرفع العبد إلى ربه درجة درجة. و فى مقال سابق تحدثنا فيه عن المخ البشرى و تطور ادراكه من الفص الأيمن إلى الأيسر و كيف أثر ذلك فى المكتسبات المعرفية التى حققها الإنسان و بنى عليها مقومات حضارته. و فى الفقرات التالية سنحاول النظر فى تكوين جسد الإنسان بما فيه من عناصر أربع و نرى قدرة الخالق البديع فى و ضع توازنات هندسية تمكن للإنسان من الإتصال بعناصر الكون كله حتى تتقد بصيرته و يعلم غاية خلقه. فالمادة الصلبة (التراب) فى الإنسان هى العظام و سنرى كيف أنشأها الله إنشاء هندسى دقيق. و المادة الرخوة و هى الماء تكون من 70-75% من جسم الإنسان و سنرى كيفية تغير التكوين البلورى للماء حسب ما يكتسب الإنسان من أعمال خير أو شر أول ما يضر أو ينفع بها هو نفسه. و نرى عنصر النار الذى فى الدم و سنرى كيف أن قرينك من الجان الذين يخدمون إبليس يجرون من بن آدم مجرى الدم الذى هو من عنصرهم النارى، و كيف حمانا الله من معظم تأثيرهم علينا إلا إذا ما اتفق مع هوى نفسك التى مقرها قلبك. و العنصر الرابع هو الهواء برئتيك اللتان تحملان قلبك كالجناحين.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ المؤمنون 12-14
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ غافر64
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ التغابن 3
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ التين 4
و لنبدأ مع المادة الصلبة و الهيكل و شفرة النسبة الذهبية. ففي الرياضيات، تكون قيمتين عدديتين تحققان النسبة الذهبية إذا كانت النسبة بين مجموع هذين العددين والأكبر منهما تساوي النسبة بين أكبر العددين والأصغر بينهما. وهو عبارة عن ثابت رياضي معرف بالرقم الذهبي. و هو نسبة معروفة على الأرجح منذ عصور ما قبل التاريخ. فقد استعمله مهندسون وفنانون كثر منذ العصور القديمة. فهرم "خوفو"، يظهر أن مهندسه استعمل الرقم الذهبي وكذلك شأن "البارثينون" بأثينا، الذي تم بناؤه في القرن الخامس ق.م وأيضا يوجدفى أهرامات الجيزة بمصر.
و في عصر النهضة، استعمل العديد من الرسّامين (مثل "بييرو ديلاّ فرانشيسكا" أو "ليوناردو دا فينشي") المظاهر الجمالية المرتبطة بالرقم الذهبي في لوحاتهم. وقد أبرز "دا فينشي" كذلك كتابا يبيّن الخصائص الرياضية والجمالية والعجيبة للرقم الذهبي ويسمى هذا الكتاب (التناسب الإلهي) وقد ألفه كاهن إيطالي اسمه "فرا لوكا باشيولي".
و يظهر الرقم الذهبي كذلك في ميدان الموسيقى ذلك أن صانع الكمانات الإيطالي "أنتونيو ستراديفاري" (و اشتهر "ستراديفاريوس") استخدم هو الآخر هذا الرقم في صنع كماناته الشهيرة مع نهاية القرن السابع عشر للميلاد.
و في القرن العشرين، اهتم العديد من المهندسين والرسامين بالرقم الذهبي في إنجازاتهم، وبالخصوص المهندس الفرنسي "لو كوربيسيي" والرسّام الإسباني "سلفادور دالي"، ويستخدم الرقم الذهبي أيضًا في الأسواق المالية وأسواق العملات والمعادن، بل هو من أهم الأدوات المستخدمة في التحليل الفني لتلك الأسواق؛ فعندما تقوم أسعار الأوراق المالية - أو العملات أو المعادن - بتصحيح مسارها (بمعنى أن تنخفض بعد اتجاه صعودي، أو ترتفع بعد اتجاه هبوطي) يقوم المحللون الفنيون لتلك الأسواق بحساب نسب ارتدادات الأسعار (أي تحديد مدى ذلك الارتفاع أو الانخفاض)، وتلك النسب كلها مشتقة من الرقم الذهبي.
يمكن مشاهدة الصورة المرفقة
لم يظهر الرقم الذهبي في العديد من الإنجازات الإنسانية فقط، ولكن أيضا في الطبيعة بعض الأحيان وبصورة عجيبة. فلو لم يكن مفاجئا إيجاد الرقم الذهبي في نجم البحر الذي يمتاز بشكل خماسي الأضلاع المتداخل، فإن المرء قد يفاجئ حين يعلم أنه بالإمكان إيجاد هذا الرقم في قوقعة الحلزون، أو في زهرة دوار الشمس أو في حراشف الصنوبر ("تفاح الصنوبر")، كما أنه يدخل فى تركيب المجرات الحلزونية. ويبدو أيضا أن النسبة الذهبية تظهر فى تركيب الإنسان بشكل مذهل فخارج قسمة الطول الإجمالي لجسم الإنسان على ارتفاع السرة عن الأرض مساو، هو الآخر للرقم الذهبي. و كذلك فكل جزء فى جسم الإنسان كالذراعين، الكفين، الأرجل، الجمجمة و الوجه كل يخضع فى تكوينه و أبعاده للنسبة الذهبية. فهل يكون هذا مصادفة؟ و هل كانت الدولمن أو المناطير التى أنشأها الإنسان البدائى بمختلف البلدان بنفس الطريقة مصادفة؟ ولماذا قامت حضارات الإنسان القديم على أختلافها الزمنى و الجغرافى ببناء المعابد بمراعاة وجود النسبة الذهبية فى أعمدتها و مقاييسها، هل كان ذلك محض صدفة؟
لا لم يكن ذلك صدفة و لكن كان بصنع عليم حكيم، علم من خلقه الأتقياء ما لم يكونوا يعلمون.
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ العلق 1-5
و لتعلم أخى القارئ أن كل ما حولنا هو طاقة حتى نحن و الطاقات لها مستويات مختلفة من الذبذبات. و كل ما يمارسه الإنسان من أفعال و أقوال ينتج طاقة إما أن تكون إيجابية أو تكون سلبية تؤثر فى آخر نقطة فى الكون، وهذا ليس كلام فلسفى بل هو حقائق علمية أوضحتها لنا نظرية الكم. و لذلك سن الله لنا العبادات على لسان أنبيائه الأصفياء، فالعبادات الإلهية هى التى تنظم استقبال و ارسال الطاقات الروحية المختلفة. أما الكذب، و الحسد، والغيبة و ما شابه كلها طاقات سلبية تصدرها أنت للكون من حولك و هذه هى غاية الشيطان حتى تعم الطاقات السلبية من حولنا لتمده بالطاقات التى يستطيع التوليف معها، و في المقابل يكون اتصالنا نحن بالطاقة الروحية الإيجابية من أصعب ما يمكن لتعم الفحشاء و الرذيلة.
و لذلك نجد أن الهيكل البشرى يكاد لا يخلو أحدأجزائه من النسبة الذهبية، و بالبحث عن السبب سنجد أن أحد الطاقات الروحية هى طاقات لها ذبذبات ترددية هى النسبة الذهبية. و كما أشرنا من قبل أن الموجات من نفس الترددات تدخل فى حالة رنين ذبذبى حتى يتم تبادل معلوماتى عن طريق ظاهرة الرنين، فإن الهيكل البشرى بما يحتوى عليه من نسب و مقاييس أبدعها الله حتى تجعل الإنسان فى حالة رنين ذبذبى مع هذه الطاقات الروحية فلا يفقد الصلة بربه أبداً. و كل العبادات هى الخاصة بتنقية مراكز و بؤر الطاقة فى الإنسان نتيجة لما يرتكب من فواحش فتكون مهيأة دائما لإستقبال هذه الطاقة الروحية الإلهية و بأعلى كفاءة.