القاهرة – "اليوم هو يوم عرس للشرفاء الوطنيين".. "يا ريس ربنا يخليك لينا".. "يا قائد مسيرتنا ورافع رايتنا".. "يا أحب الرجال وأغلى الرجال".. "لقد جعلتنا نبتسم لكل أيامنا".. "نحن نحتفل اليوم بعيد ميلادك.. نرد لك بعضا من جميلك".
بمثل هذا الخطاب الإعلامي المعتمد على عبارات المدح والإطناب في الثناء على شخص الرئيس حسني مبارك والتفخيم من مناقبه، احتفت الصحف المصرية الحكومية (المملوكة للدولة من الناحية القانونية) بعيد ميلاد الرئيس الثمانين اليوم الأحد الرابع من مايو، وهو ما اعتبره عدد من خبراء الإعلام "مغالاة فجة" و"نفاقا معيبا" و"استخفافا" بهموم المواطن العادي الذي يفترض أنه المالك الحقيقي لتلك الصحف.
وشدد هؤلاء الخبراء في تصريحات لـ"إسلام أون لاين.نت" على أن مثل هذا الخطاب الإعلامي الذي تهافت من خلاله رؤساء تحرير هذه الصحف على كسب ود قارئ واحد هو شخص الرئيس قد "عفا عليه الزمن"، والأخطر من ذلك "يسيء" إلى صورة الحاكم لدى المواطنين.
وقال الدكتور حسن عماد مكاوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: "إن ماراثون النفاق المحموم الذي خاضته الصحف العريقة تزلفا للرئيس مبارك فاق كل التصورات، وخرج عن نطاق المجاملات المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات والتي يمكن قبولها".
وأضاف أن "ما حدث يعد أمرًا مؤسفًا لكونه يتعارض مع كافة الأعراف المهنية والعلمية والموضوعية لمهنة الصحافة".
وفي السياق ذاته اعتبر الدكتور صفوت العالم أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة أن "تجميل الواقع على طريقة رؤساء تحرير الصحف الرسمية يعد دليلا على افتقاد هؤلاء الصحفيين إلى القواعد المهنية الأساسية للعمل الصحفي".
وأوضح قائلا: "إنهم لا يقيمون وزنا للقارئ الذي كان ينتظر منهم أن يكونوا منطقيين في التعامل مع مناسبة عيد ميلاد الرئيس الثمانين.. لكن الطريقة التي تنافسوا بها على مدح الرئيس وإظهار مميزاته والحديث عن قدرات غير عادية له تعتبر نفاقا معيبا".
وكتب ممتاز القط رئيس تحرير أسبوعية "أخبار اليوم" الرسمية السبت 3 من مايو الجاري قائلا: "يا ريس كل سنة وأنت طيب وربنا يخليك لينا.. في عيد ميلادك يا ريس ندعو الله لك بالعمر المديد.. سنوات مرت وكأنها حلم جميل داعبنا، وجعلنا نبتسم لكل أيامنا.. فنحن سيدي الرئيس قدرك، وأنت قدرنا، لمن غيرك نشكو"!.
عجز مهني
الطريقة التي وصفها الخبراء بـ"المديح المبالغ فيه" لمعالجة عيد ميلاد الرئيس مبارك، اعتبرها الدكتور مكاوي دليلا على العجز المهني الذي يعاني منه رؤساء تحرير الصحف الحكومية الحاليين.
وفي هذا السياق قارن مكاوي بين رؤساء التحرير الحاليين ونظرائهم في الماضي من أمثال موسى صبري وإبراهيم سعدة (أخبار اليوم) وإبراهيم نافع (الأهرام) ومحسن محمد (الجمهورية) في طريقة المعالجة المهنية لمثل هذه المناسبات الخاصة بالحاكم.
وقال: "في العهود السابقة كانت هذه المناسبات تغطى بشكل وقور وغير مبالغ فيه.. بشكل يحترم عقل القارئ.. فلو تم الحديث عن إنجازات الرئيس يوم عيد ميلاده مثلا يتم ذلك بمعالجات تراعي المصداقية.. وهو ما جعل من هؤلاء الصحفيين برغم ولائهم للنظام يحتلون مساحة من المصداقية عند قرائهم".
ومضى يقول: "ما نشرته الصحف الحكومية من افتتاحيات يوم 4 مايو هذا العام -تكيل المديح للرئيس مبارك وتسرف في إحصاء مناقبه وقدراته- يعد سابقة لا مثيل لها في أي مجتمع متحضر يعرف قيمة مهنة الصحافة".
ومن جهته اتفق د. فاروق أبو زيد العميد السابق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة مع د. مكاوي فيما ذهب إليه بشأن مبالغات رؤساء تحرير الصحف الرسمية في الإعلان عن إخلاصهم وولائهم للنظام، معتبرًا أنهم "لم يوفقوا في تقديم صورة طبيعية لشخص الرئيس".
ورأى أبو زيد أن الطريقة التي تعاملت بها الصحف الرسمية مع مناسبة عيد ميلاد رئيس الجمهورية "يعد أسلوبا قديما عفا عليه الزمن، حيث لم يعد يصلح في الوقت الحالي الذي يتميز بالانفتاح الواسع على العالم من خلال أدوات غير تقليدية، ولم تعد فيه وسائل الإعلام الرئيسية تقتصر على الصحف المطبوعة التي تعد على أصابع اليد الواحدة".
رد فعل عكسي
وشدد الخبير الإعلامي على أنه "يجب الإقلاع عن هذه الطريقة التي تضر بالصورة الذهنية للمواطن عن شخص الرئيس، وتفتقد القدرة على الوصول إلى الرأي العام الذي ينتظر من الصحف الاشتباك مع قضاياه ومشاكله واهتماماته في المقام الأول".
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور العالم على أن "الذي لا يدركه رؤساء تحرير الصحف الحكومية أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن اللجوء إلى النفاق بهذه الصور الصارخة الخالية من أي مضمون يأتي بنتائج عكسية؛ فالمدح غير المدروس الذي لا يستند إلى حجج وبراهين قوية يأتي برد فعل سلبي على شخص الرئيس ذاته".
وأوضح قائلا: "بهذا المديح المفرط يكون هؤلاء الكتاب قد أساءوا إلى صورة الحاكم بدلا من تحسينها، وتكون النتيجة أن يخسر الجميع وتنتهي مصداقيتهم إلى الأبد؛ لأن الانطباع الذي يبقى لدى القارئ أن هذا الكاتب منافق للحاكم".
ويمارس مجلس الشورى (غرفة البرلمان الثانية) الذي يسيطر عليه الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) حقوق الملكية على الصحف الرسمية التي تعرف في مصر بـ"القومية"، ويختار المجلس رؤساء مجالس إدارات هذه المؤسسات، ورؤساء تحرير الصحف الصادرة عنها.