كرسى فى الكلوب
ليل جديد
لسبب ما أصبح يشعر أن حياته كلها أصبحت ليلا طويلا
حتما ليس السبب أنه ينام نهارا ويمارس حياته ليلا
ربما لأنه يحب السكون والهدوء والتأمل.. وهى أشياء من الصعب أن يجدها إلا ليلا
عندما يحنو العالم عليه ويقرر أن يعطيه فرصة ليفهمه
لذلك فقد كان أول ما شعر به عندما تطلع من نافذته الى الشارع ووجدهم ينصبون أعمدة خشبية بطريقة منظمة ويصلون كل عمودين رأسيين بثالث أفقى
عندما رأى هذا أدرك أن الليلة ستكون سوداء بحق
هذا احتفال بعُرْس آخر ..
هو بطبيعته شخص مرح، يحب المزاح والصحبة والود والتعارف بالآخرين ولكن
يحب كل هذا عندما يختاره لا أن يجبره أحدهم عليه
وأحدهم هذا لم يكن واحد يسهل الفكاك منه.. ولكنها عائلة باكملها.. بل عائلتان.. وكلتاهما تود أن تفرح بابنها أو ابنتها ولا تطيق أن ياتى شخص يحب الهدوء ليقول لهم
في بساطة ألا يفرحوا
ليس أمامه إذا إلا أن يستسلم للأمر الواقع.. ولتمر هذه الليلة
وفي سرعة من يريد ان يفعل أكبر قدر ممكن من الخيرات قبل الموت، انشغل في أشياء كثيرة يريد انهائها قبل أن يبدأ العُرس
وعلى الرغم من أن الصيف يعد دائما بليالٍ تبدأ متأخرة، إلا أنه في تماما السابعة مساء انطلقت المدفعية الثقيلة.. موسيقى أجنبية صاخبة تعلن أن العرس قد بدأ
*******
ولكن فجأة تلاشى الصوت فالتمعت عيناه في أمل توارى سريعا عندما عاد الصوت محملا بأغنية عربية هذه المرة.. كان المطرب هشام عباس في رائعته الخالدة أسماء الله
الحسنى
نسألك يا من هو الله الذى لا اله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس
لا اله إلا الله -
هكذا هتف لنفسه وهو يضرب كفا بكف
ليست لديه مشكلة شخصية مع المطرب المذكور لكنه تعجب من سخافة العقول التى تصر على الجمع بين أسماء الله الحسنى وموسيقى الهيفى ميتال الصاخبة
وفي قرارة نفسه عرف ألاّ مجال الليلة للقراءة أو الهدوء
امتدت يده الى جهاز التحكم عن بعد وضغط زر تشغيل التلفاز وهو يسمع صوت المطرب يقول
الغااااافلوووووون
وفي سرعة انطلقت أصابعه تقلب في قنوات التلفاز حتى استقر أخيرا على قناة لم تكن يوما مملة
قناة الجزيرة..
اخذ يقرأ شريط الأخبار المتحركة أسفل الشاشة وأحدهم يمسك بمسماع المكبر الصوتى ويردد
العروسة.. وكمان العروسة
وفي قناة الجزيرة التي رفع صوتها الى أقصى درجة ممكنة ليتمكن من سماع مقدم البرامج يقول
هذا وقد حذر رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية من محاولات الصهاينة المستمرة لتهويد القدس العربية وأكد أيضا أن
كانت تحية العروس قد انتهت وانطلق فاصل غنائي لمطرب ما.. غالبا هو سعد الصغير.. هو قادر على تمييزه الآن بعدما ساهم التلفاز المصرى في شهرته.. كانت أغنية
من أحد أفلامه يغنى فيها لحماره ويقول
بحبك يا حمار.. وعلشان انت حمار
وفي العراق مازال مسلسل الجثث المشوهة مجهولة الهوية مستمرا بينما يؤكد الرئيس الأمريكي أن بقاء القوات الأمريكية في العراق غير محدد بوقت
*******
لا يعرف كم مضى من وقت وهو جالس أمام التلفاز يشاهد الجزيرة بينما يقتحم صوت الفرح رأسه وعقله دون استئذان
ودلوقتي معادنا مع فاكهة السهرة.. الراقصة اللولبية.. سنيّة
وفى لبنان مازالت الإشتباكات دائرة في الجنوب بينما الصراع السياسى على أشده بين كافة الأطراف من أجل تشكيل الحكومة
كان يتابع الأخبار في الجزيرة بنصف عقل والنصف الآخر موزع ما بين الإشمئزاز من العُرس والبحث عن شيء يفعله
وفي ملل حقيقي أخذ يتابع نشرة الأخبار مختارا، والعُرس مجبرا
وفي مصر حيث مازال التحقيق جاريا مع رجال الشرطة الثلاثة المتهمين بالقتل العمد لأحد المواطنين أثناء تعذيبه
أسمع اجمل سلام للمعلم عبد الجبار.. يعنى المزاج وآخره.. والليل بطوله.. والنهار اللى منعرفوش.. وووش
كما أكد سيف الإسلام القذافي على أن الإهمال هو المتهم الأول في قضية الممرضات البلغاريات و
ماذا؟ -
هكذا هتف لنفسه ذاهلاً.. بعد كل هذا الشد والجذب؟
وسمعني سلام من خاف سلم يامعلم.. يعني الادب.. دب.. والاحترام.. آآآم.. والكبير اللي منقولوش لأ.. أء
*******
وفي مرارة حقيقية لا يعرف إن كان مصدرها العرس أم الجزيرة وأخبارها، امتدت يده الى زر جهاز التحكم، ليغلق التلفاز واندفع الى حجرته مستلقيا على فراشه وإن كان
يعلم انه لن ينام
كيف ينام وفي اعماقه مشاجرة لا تكاد تهدأ إلاّ وتبدأ من جديد
ولكن عندما تناهى الى مسامعه تلك الأصوات القادمة من الشارع حيث العُرس أدرك أن مشاجرته الخاصة قد انتهت
لقد بدأت مشاجرة حقيقية
اندفع الى الشرفة ودفع زجاجها في سرعة وأزاح الستائر وهو يلقى ببصره عبر النافذة
لقد انقلب العرس الى شجار
وعلى الرغم منه علت شفتيه ابتسامة غريبة
أخيرا سيتمكن من القراءة
وسيحاول فهم العالم من جديد
|