الأخ الفاضل ابو شادى
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله
أما بعد
لقد تعرضت فى مداخلاتك لأمور عظام من أحكام فقهية وتفسير أحاديث و إفتراء على العلماء و ذكر أحاديث بدون مصدرها و تشبيه غريب لتصرف الله فى خلقه
وأوردت مصطلحا جديدا لم نسمع به من قبل و هو الصبر على الإثم فالصبر يكون على الطاعة أو عن المعصية أو على نشوز الزوجة و عصيانها لزوجها وليس هناك صبرا على الإثم وذكرت العرب ذاما لهم على صفة هى فى عموم الخلق و ليست خاصة بالعرب وحدهم وأنا أعلم جيدا أن كل هذا عن غير قصد و هذا بعض ما جاء فى مداخلاتك
المشكلة فينا كعرب أننا نستسهل ---- ذم العرب
الزوج لن يحاسب على عري زوجته. و لكن سيحاسب على عدم نصيحته لها ---- حكم فقهى
فلماذا تحاسب المرأة فيكون حساب المرأة يوم القيامة على الرجل لذلك يحرص الرجل على تصرّفات زوجته في الدنيا و هذا غير صحيح!! ----- حكم فقهى
مسألة أن الزوج راع لزوجته تعني النفقة و القوامة المادية هذا بجانب النصح ----- تفسير حديث
أما آية الحجاب فبرغم ايماني الشديد بفرضيتها فلا يستطيع أحد أن ينكر أن بعض العلماء يختلفون عليها ---- إفتراء على العلماء
اختلفت التفاسير بمقدار لم تختلف مثله عند تفسير آيات غض البصر التي جاءت أكثر وضوحا و صراحة ---- قول بلا سند
العفاف مسئولية المرأة بالحجاب و لكن الأهم أن يغض الرجل بصره ---- مفاضلة فقهية بين الحجاب و غض البصر لا أصل لها
والا كيف نفسّر أن يشيح رسول الله لوجه الصحابيّ الذي نظر الى المرأه الجميلة التي كانت تخاطب رسول الله ---- حديث لم يذكر سنده أو متنه
فاذا صبر الزوج على اثم زوجته بالنصيحة ----- الصبر على الإثم
الهنا جلّ جلاله يصبر على الكافر به ما دامت السموات و الأرض ---- تشبيه غريب بين الخالق و الخلق فأفعال الخالق و صفاته ليس مصدرا من مصادر التشريع فالدين و أحكامه و ما يترك و ما يفعل له مصادر أخرى
و كنت أحب أن أرد مبكرا و لكن لم يسعفنى الوقت منعا للإسترسال أكثر من ذلك فى أمور دينية لا يصح التعرض لها بالرأى و وجهات النظر فالكلام فى الدين يختلف عن غيره من الكلام فالدين علم له اختصاصاته و معاهده و كلياته و جامعاته و لا يختلف عن علم الطب أو الهندسة أو الكيمياء و الفيزياء و كما أننا لا نستطيع أن نقول بالرأى فى الطب و الكيمياء فالدين من باب أولى
و إليك بعض أقوال الصحابة و التابعين فى ذم القول بالرأى
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا واضلوا
إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم فضلوا وأضلوا
وعن عبد الله بن مسعود قال
قراؤكم وعلماؤكم يذهبون ويتخذ الناس رؤوساً جهالاً يقيسون الأمور برأيهم
وغيرهم
"اتقوا الرأي في دينكم"
"أهل الرأي هم أهل البدع"
فالدين بالإتباع و ليس بالإبتداع و الدين بالنقل و ليس بالعقل و كما قال على رضى الله عنه لو كان الدين بالرأى لكان المسح على ظاهر الخف أولى من بطنه فنحن نمسح على الخف من أعلى مع أنه يتسخ من الأسفل و لماذا نفعل ذلك لأن الرسول صلى الله عليه و سلم فعل هكذا فكل ما ورد فيه نص من كتاب أو سنة لا رأى فيه فلا إجتهاد مع النص و ليس بعد قول الله رأى و ليس بعد قول الرسول صلى الله عليه و سلم رأى
أما المسائل التي ليست فيها نص من الكتاب أو السنة أو النص غير واضح الدلالة، أو غير صريح الدلالة ، فهذه مسائل إجتهادية فقد يكون هناك نص غير ظاهر الدلالة ، فتختلف أنظار العلماء وأفهام العلماء فيه، وبعضهم يستدل به على قضية، والآخر يستدل به على عكس القضية ،وأيضاً من مسائل الاجتهاد المسائل التي ليس فيها نص بالمرة، ويكون مستند العلماء فيها أن يقيسوا مسألة غير منصوصة على منصوصة للتشابه بينهما
فيلجأ للقياس إذا لم يوجد نصاً في المسألة والذين يقيسون هم المجتهدون ،ويجوز لك أن تقلد في مثل هذه المسائل الاجتهادية عالماً من علماء الأمة، وأن تأخذ بفهمه لهذه القضية، ولا يعترض مجتهد على مجتهد، ولا مَنْ قلد، يعني لا يعترض مَنْ قلد مجتهداً على من قلد مجتهداً آخر، طالما أن المسألة ليس فيها نص صريح من الكتاب أو السنة
و لكن ما هو الإجتهاد و من له حق اإجتهاد
الاجتهاد أن تحصل أدوات الاجتهاد ، تدرس القرآن ، وتعلم ما به من ناسخ ومنسوخ ، ومطلق ومُقيد ، وخاص ، وعام ، وكذلك تدرس أحاديث النبي ، أو على الأقل تعرف مواقعها في كتب السنة ، وتدرس اللغة العربية ، وتدرس الأصلين أصول الحديث ، وأصول الفقه ، ثم إذا حصّلت أدوات النظر المباشر والاجتهاد من حقك أن تجمع النصوص وأن تجتهد ، فهذه منزلة الاجتهاد ، وهي لخواص الأئمة من العلماء الذين حصلوا أدوات الاجتهاد ، وفي مقابل هذه المنزلة هناك منزلة التقليد فالتقليد جائز للجاهل المحض الذي لا يفهم المقصود من الآية والحديث
ويجب على كلّ داعٍ أن يُلمّ ويتعلّم أصول الفقه حتى يعرف الأدلّة المتفق عليها بين فقهاء الأمّة. ومصادرها القرآن والسّنة وجُمهور العُلماء والإجماع والقياس والتي إختلفوا فيها بعد ذلك بين مثبت ونافٍ، ومضيق وموسع ومتوسط، وغيرها من أدلّة ما لا نصّ فيه ويكون من الإستحسان والإستصلاح والإستصحاب. وعلى الرّغم من أن الإجتهاد وسيلة مهمة جدّاً، غير أنّ ذلك ليس أمراً دون حدود أو ضبط ولو كان الأمر كذلك لأصبح الإجتهاد وسيلة للتحريف والتّغير
شروط الإجتهاد أو المجتهد
أن يكون على علمٍ باللغة العربية وأساليبها وبلاغتها
أن يكون محيطاً بأحكام القرآن وتفسير آياته وعلومه
أن يكون محيطاً بالسّنة النّبوية وعلوم الحديث وأسانيده
أن يكون متمكناً من علم أصول الفقه ومجيداً له
أن يكون تقيّاً مُنصفاً وحريصاً على طلب الحقيقة ، فلا يتعصب لمذهب أو فكر
قال الشافعي
ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي: العلم بأحكام الله: فرضه، وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامه، وخاصه، وإرشاده ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإذا لم يكن إجماع فبالقياس و لايكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبله من السنن، وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك
فأمّا من تمّ عقله ولم يكن عالماً بما وصفناه فلا يحل له أن يقول بقياس؛ وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه،
فماذا يفعل مهندس مجال عمله إنشاء الأبنية، وطبيب مجاله علاج المرضى، وفلكي مجاله ارتياد الفضاء، وغيرهم ممن يمارس نشاطات مختلفة في حياتهم. ليس لهم إلا اللجوء إلى عالم ورع. فمدار الخلاف هو أيَ عالم يختار. فالعاقل يلجأ إلى علماء كرسوا حياتهم لخدمة دين الله ويأخذ برأيهم، خلافا لمن يتبع رعاة الإسلام الحديث الذين تركوا قدوة أجدادهم الأمجاد
قال ابن مسعود: "إن الله عزوجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيء ".
"من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً. قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه؛ فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".
كل هذا يوضح و يبين خطورة القول بالرأى فى الدين بدون الرجوع لأهل العلم ولا تتخيل أو تعتقد أن حفظك لحديث أو قرآن يعد علما فقد تعلم حديثا مؤيدا لرأيك و تجهل العديد من الأحاديث المعارضة و قد تفهم آيه فهما خاطئا لم يقل به أحد من السلف أو الخلف و يكفى أن تعرف أن بين الحلال و الحرام عدة مراتب لا يعلمها إلا أهل العلم مثل
حرام، مكروه، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، مُباح، مندوب، واجب، فرض، فرض عين، فرض كفاية، سُنّة، سُنّة مؤكّدة، سُنّة غير مؤكّدة ، حلال
ومن أجل توضيح و تعميق خطورة هذا الأمر سوف أحاول أن أفسر برأيى بعض الآيات القرآنية وانظر معى إلى غرابة التفسير و بعده كل البعد عن تفسير أهل العلم والدين بالرغم من مطابقته للنص
فال تعالى
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ?هود: 108?
فهذا دليل واضح على عدم الخلود فى الجنة حيث استثنى الله البعض حسب مشيئته
قال تعالى
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ?النحل: 93?
هذا دليل على إن الله هو الذى يضل و هو الذى يهدى فلا حساب فى الآخرة على الحقيقة و إنما مجرد سؤال كما ورد بالآية
قال تعالى
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ?الأعراف: 31?
و هذا دليل على وجوب لبس الزينة و الأكل و الشرب فى المساجد و يأثم من يخالف ذلك فقد خالف أمرا و نصا صريحا
قال تعالى
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَ?لِكَ أَمْرًا ?الطلاق: 1?
وقال تعالى
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ? فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى? يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ?15?
فهذان نصان صريحان على أن من تأتى بفاحشة يجوز إمساكها فى البيت حتى الموت أو إرسالها خارج البيت لحال سبيلها
قال تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ --التغابن: ١٤
وهذه نصيحة من الله بالحذر من الأولاد و الأزواج و أخذ الحيطة اللازمة فى التعايش معهم حيث أنهم أعداء لا يؤمن جانبهم
قال تعالى
٣. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ---التغابن: ١٦
وهذا نص صريح يدل على أن التقوى أمر نسبى تختلف من شخص إلى آخر كل بحسب إستطاعته و طاقته فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها فمن إستطاع أن يتقى فليفعل و من لم يستطع فلا حرج عليه فيما فعل
قال تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٩﴾ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٠﴾ َ --الجمعة
وفى هذه الأيات فرض الله على الناس صلاة الجمعة و أمرهم أن ينتشروا فى الأرض بعد الصلاة فكل من رجع إلى بيته بعد الصلاة و آثم مخالف لنص الأيات
و أكرر حتى لا يختلط الأمر أن ما سبق هو تفسير فاسد قد يصدر من أى شخص يقرأ و يتخيل أنه من السهل أن يقول برأيه فى القرآن و السنة دون الرجوع لأهل العلم فى ذلك
هذه بعض الأمثلة البسيطة و تخيل معى لو تعرضنا بالرأى لكل الآيات و الأحاديث
أرأيت أخى الكريم خطورة أن نتكلم برأينا فى دين الله و هذا ما سيحدث فى آخر الزمان كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا
رواه البخارى و مسلم
لذلك قال أهل العلم
كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامسة فتهلك
فالدين علم مثل باقى العلوم و كما أنك تلجأ إلى الطبيب فى حالة المرض فيجب عليك أن تلجأ إلى أهل العلم إذا ما تعرضت لأمر فى الدين و إياك إياك أن يكون رأيك و عقلك هو المرجع فالأمر أكبر و أخطر من ذلك
قرآن و سنة و صحابة و تابعين وأئمة و إجماع و لسان عرب و علوم لغة و أصول فقه و أصول حديث و عمل و تقوى
والله تعالى أعلى و أعلم
اللهم إنفعنا بما علمتنا و علمنا ما جهلنا و زدنا علما
ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين