الرجل الذي يتهته
شاهدت البرادعي أمس على قناة أون تي في وهو يتهته بالكلام لمدة ساعتين .
وبعيداً عما قال، وإتفاقي أو إختلافي معه...تذكرت حديث الكثير من الناس عن إفتقاد الرجل للكاريزما وطلاقة اللسان التي يجب أن يتمتع بها من يقود البلاد .
قد يبدو هذا أمراَ غير مهم لبعض الناس، ولكنه في الحقيقه مهم جداَ، لأننا كشعب وقعنا تحت تأثير الكاريزما والخطابه لسنوات وسنوات، في كل مجالات العمل والحياه وليس فقط في السياسه .
أنا شخصياَ أعمل في مجال – وهو الإعلانات والتسويق- يسيطر عليه ويقوده من يجيدوا الحديث، ويصل إلى أعلى مراتبه من يتمتع بالقدره على النقاش وتوجيه الحوار الى حيث يحقق له المكسب .
لقد شاهدت الكثير من المنقاشات والكثير من الجدل، إنتصر فيه الأكثر فصاحه وقدره على الكلام على من يملك الرأي الصائب أو الحلول الصحيحه لمجرد إنه إستطاع أن يغلب في الكلام دون أن يكون معه الحق أو المنطق .
ولهذا السبب تحديداً يحصل الكثير من خريجي بعض الجامعات الخاصه التي تدرب طلابها على أشياء مثل، مهارات العرض والخطابه العامه وكيفية أن تسوّق نفسك وتبدوا واثقاً، على وظائف أفضل وأعلى مرتباً من آخرين، قد يكونوا أكثر كفاءه ولكنهم أقل قدره على الكلام .
لست هنا أحارب القدره على الكلام والإقناع وإيصال الأفكار إلى الناس، فهي كلها صفات محموده يتحتم علينا جميعاً تنميتها، ولكن يحزنني ويخيفني أن تكون هذه المهارات هي طريقة حكمنا على الناس وإختيار قادتنا في المستقبل .
بالعربي كده...أخدنا إيه من الكاريزما والفصاحه؟
عبد الناصر كان يملك من الكاريزما ما يكفي ليجعل أرأر سندود رئيساً لحزب التجمع، أوعالمه من شارع الهرم وزيره للثقافه...وكانت خطبه التي يكتبها له هيكل حلوه الكلام وقوية التأثير... فـ إلى أين قادنا عبد الناصر؟ ( بالرغم من نظافه اليد وحسن النوايا وكل ذلك )
لقد كان حسني مبارك جهوري الصوت، وعندما يتحدث أو يلقي خطاباً، يستخدم كلاماً مقعراً ومصطلحات وشعارات بليغه مثل ( منعطفٍ خطير... ولكي نلحق بركب التقدم –اللي انا لغاية دلوقتي ما أعرفش مين اللي ركبه-... وعجلة التنميه – يمكن بقى اللي بيركب عجلة التنميه هو بس اللي مسموحله يلحق بركب التقدم-)...فماذا فعلت بنا أحاديثه المستنيره؟
أحمد عز كان دارساَ لما يسمى بلغة الجسد،فكان يمشي على مسرح الحزب الوطني كالطاووس، ويتحدث بثقه وحزم، ويقف في أوضاع سكسي آخر حاجه...فـ إلى أين أوصلنا أحمد عز؟
أتحدى أن يستطيع أحد أن يغلب صفوت الشريف أو فتحي سرور في الكلام - حتى لو إستنسخنا عشره من علاء الأسواني – فكلاهما يمتلك قدره غير إنسانيه على الإستهبال، والكلام في مواضيع ليس لها علاقه بالأسئله...و أيضاً كلاهما يتمتع بقدره تثير الإعجاب على الكلام المتواصل لساعات، دون أن يقولوا شيئاً أو تخرج منهم بجمله مفيده...وهي قدره أعتقد إن فيه كورس تأهيلي لها يتلقاه أي واحد بينضم للحزب الوطني...فهل ترضى يأيهما رئيساً للبلاد؟
لقد عانينا جميعاً ممن يجيدوا الحديث بطلاقه، ولكن لا يفعلوا شيئاً على الإطلاق .
أيضاً الأمور لا تقاس بالشعبيه، وأنه في أحيان كثيره لا يوجد سبب معين لأن يملك شخص تلك الشعبيه، إلا فصاحته والكاريزما التي يتمتع بها...فأنا مثلاً أحب عمرو موسى، ولا أعلم لماذا، يعني زيي زي شعبان عبدالرحيم...حاولت أن أتذكر ما هي الأسباب أو المواقف التي جعلتني أحبه، فلم أتذكر سوى موقف أو إثنين إتخذهما، مع الإعتبار إنه كان دائماً يمسك العصاه من المنتصف، ولم يعارض أو يواجه أبداً شخص مبارك أو النظام الفاسد الذي كان يمص دم المصريين .
في حين أن رجالاً مثل البرادعي، ومثل عصام شرف، تكلموا بمواقفهم، وليس لسانهم...لقد عارض البرادعي النظام الفاسد في أوج قوته، مع إنه يملك من المال والتقدير الدولي ما يغنيه عن ذلك...ولقد إنضم عصام شرف للثوار في التحرير، بالرغم من ما كان ممكن أن يتعرض له إذا فشلت هذه الثوره .
انا لا أقول نعم للبرادعي، ولا أقول لا لعمرو موسى، لقد أخذت على نفسي عهداً أن لا أبني رأيي أو أقول نعم أو لا، إلا عندما أرى ما يمكن أن يقدمه أيهما – أو أي مرشح آخر- لهذا البلد...ولقد عاهدت نفسي أن لا أبني آرائي على حبي لمرشح، أو فصاحته في الكلام .
لو كانت الأمور بالفصاحه، لكان تامر أمين مذيعاً أفضل من محمود سعد...ولو كانت الأمور بالشعبيه، فلنأتي بهيفاء وهبي أو أبو تريكه ليحكموا مصر .
وأهو لو هيفاء مسكت، والشعب مالقاش ياكل، على الأقل هيموت مبسوط .
لــِ
مصطفى حلمي