سعر النيل وسعر سوزان..!!
..ثم إن أحدث آيات ريادتنا الحالية في الخيبة القوية والإمعان في الانحطاط، عبارة عن نبأ أجمعت عليه الصحف ووسائل الإعلام أمس وبشرت فيه عموم المصريين بتفاصيل صفقة تاريخية شاذة ونادرة من شأنها أن تهدي عالم السوق والبزنسة والأعمال السوداء، آفاقا جديدة ومجالات مبتكرة تستطيع حضرتك أن تسميها وإنت قاعد مرتاح البال ومتهني، «التجارة في الأرواح» وبيع دماء القتلي وشراء البراءة من الفحش والإجرام بأعلي سعر قد يخطر بعقل إنسان، وقد لا يخطر بالمرة.
فأما ملخص النبأ الذي داهمنا ونزل بردًا وسلامًا علي قلوبنا فهو أن مفاوضات عسيرة ومساومات مضنية دارت علي مدي شهور طويلة في العاصمة اللبنانية بيروت والعاصمة الفرنسية باريس، انتهت أخيرًا علي خير والحمد لله بإعلان أسرة المغنية المغمورة المقتولة «سوزان تميم» تنازلها عن كل اتهام وجهته هذه الأسرة السعيدة إلي ملياردير «السياسات» البارز هشام طلعت مصطفي بالتحريض علي قتل ابنتهم في إمارة دبي، وذلك مقابل مبلغ تافه وعبيط قدرته بعض المصادر بأنه لن يزيد بأي حال من الأحوال علي 750 مليون دولار أمريكي أخضر بالتمام والكمال (حوالي 4 مليارات و250 مليون جنيه مصري بني فاتح بالتمام والكمال أيضا) وهو رقم أظن أنه لو تيسر لنا توزيعه بالعدل والقسطاس علي دول منابع نهر النيل الغلبانة التي تعاندنا هذه الأيام فسوف تنقلب مواقفها جميعًا وتوافق فورًا علي توقيع اتفاقية جديدة تمنحنا احتكار كل إيراد مياه النيل إلي يوم القيامة علي الأقل!!
علي كل حال هذه الصفقة الجنونية ـ إذا كانت صحيحة ـ فهي لا تمثل فتحا غير مسبوق في عوالم البزنسة و«السبابيب» الشاذة فحسب، وإنما تحمل أيضا في تلافيف أحشائها ثورة حقيقية في المفاهيم والمعاني والقيم التي تواضع عليها البشر، منها ـ علي سبيل المثال لا الحصر ـ إلغاء أي فرق وكل اختلاف بين أن يحمل الشخص صفة الأبوة أو الأخوة لامرأة، أو يكون هذا الشخص قوادًا عليها أو مجرد نخاس لا أخلاق تمنعه ولا مشاعر تردعه عن بيعها حية أو ميتة!!
كما أن تلك الصفقة لو أثمرت نتائجها المرجوة وحققت أهدافها المأمولة وآتت بالفعل أُكلها علي الصعيد القضائي والقانوني (المفروض نظريًا أنه مستحيل) فإن الانقلاب القيمي الثوري الذي تحمله سيطال بالتدمير والتخريب، ليس فقط جوهر فكرة العدالة ومعناها المستقر في الضمائر الإنسانية، بل سيتعداه حتما إلي هدم وتقويض ما تبقي من أسس ومظاهر أن للمصريين دولة قادرة علي فرض الحدود الدنيا من موانع انزلاق المجتمع نهائيًا إلي قاع مستنقع الفوضي والوحشية والهمجية الشاملة حيث لاقانون ولا أخلاق ولا شيء البتة سوي القوة الغشيمة العارية.. قوة المال المنهوب بغير حساب عندما يتزوج سلطة قمعية فاسدة ومُفسدة وغير شرعية.
و.. لاحول ولا قوة إلا بالله.
الدستور
|