العصفور الثانى : أحمد عز
إذلال أحمد عز
ألف مواطن في الغردقة تجمعوا للفتك به.. وسميح ساويرس طرده من الجونة خوفا علي نفسه
هل يمكن أن تسقط صورة سياسي ورجل أعمال؟
لقد حدث هذا بالفعل، في نهاية نوفمبر الماضي كنا قد نشرنا مجموعة من الصور لأحمد عز التقطها الزميل الفنان أحمد حماد، كان أمين التنظيم خارجا من صلاة العيد في أحد مساجد دائرته بمدينة السادات، وقف عز في عنجهية شديدة مستسلما لمن يلبسه حذاءه.
كانت الصورة مستفزة، وهو ما جعلنا نضع لها عنوانا موحيا هو "انتخبوا جزمة أحمد عز"، فقد كانت الانتخابات البرلمانية التي اغتصبها واحتكرها عز وحده علي الأبواب.
فسر البعض الصورة بأنها تخدم أحمد عز، فنحن شعب نقدس الأقوياء ونعبد الفراعنة، وظهور أحمد عز بهذه القوة والفرعنة، كفيل بأن يجعل الجميع يدينون له بالطاعة، فالشعب خاضع ومن يحكم يتعالي ويتجبر ويتكبر.
التفسير الألطف كان من أحد القريبين من أحمد عز، كان يحدثني وأنا قادم من إجازة قصيرة ورائعة في رأس البر، قال لي إن ما ذهبت إليه من تفسير مساعدة مواطن لأحمد عز في ارتداء جزمته ليس كما ذهبت أنا، ولكن ما جري أنه قبل شهور وأثناء انتخابات مجلس الشوري، كان صفوت النحاس مرشحا في الانتخابات، وأثناء جولة انتخابية كان يصلي في أحد المساجد، وسرق أحدهم حذاءه، ولم يجد أمامه إلا أن يأخذ حذاء سكرتيره.
لكن ولأن المهندس أحمد عز - هكذا قال لي المقرب منه - مقاس قدمه صغيرة، فإنه لو وضع في موقف سرقة حذائه فلن يجد له مساعدوه حذاء علي مقاسه، قلت له أنت تسخر بالطبع، فقال لي جازما إنه يقول ما حدث. فاعتبرت أنها مجرد دعابة، في طريقي عودتي الذي كنت أتمني ألا ينتهي.
ليست مبالغة أن أقول إن هذه الصورة كانت نبوءة بسقوط أحمد عز. ونهايته، إن الرجل الذي استمر علي عرش الحياة السياسية المصرية أكثر من خمس سنوات منذ أن تولي أمانة تنظيم الحزب الوطني، كان مثل الطاووس الذي لا يري إلا نفسه، يعتقد أنه صاحب الحق المطلق، يحرك الحياة في مصر كما يريد، يعتقد أن الكل بلهاء وهو وحده من يفهم، ولما أخطأ خطأه الأكبر وأغلق البرلمان علي نفسه وحزبه وأتباعه ورجاله، كان أن سقط. لكن المذهل أنه لم يسقط وحده، بل أسقط معه النظام كله. إن النهاية التي انتهي إليها أحمد عز، هي الأسوأ سياسيا، فحتي الآن هناك حالة من الإذلال الكامل التي تمارس عليه وضده، الكل يبتعد عنه ويهرب منه، وكأنه مصاب بمرض معدي، رغم أن الجميع كان يتقرب منه ويفخر بأنه يعرفه. حتي من جعلوا أنفسهم في خدمته إعلاميا وروجوا له في صحفهم التي كان يدفع لها ولهم علانية ومن تحت الترابيزة، بدأوا ينقلبون عليه ويسخرون منه. وكأنهم لم يعرفوه يوما أو يجلسوا معه يوما أو ينتفعوا منه يوما أو ينفق عليهم وعلي بيوتهم يوما.
بعد أن انفجرت الأحداث يوم الثلاثاء 25 يناير، كان أن وضع الشارع تصوراته، وكان أول شائعة من نصيب عز، قالوا إنه هرب، وفر بجلده، وكانت الشائعة منطقية لأن هذا هو المتوقع. أن يهرب أعداء الشعب من وجه الشعب الثائر.
لكن وبغباء سياسي منقطع النظير، أصر كهنة النظام أن يظهروا في صورة جماعية - هي الأخيرة بالمناسبة - قالوا إنهم كانوا يبحثون ما حدث يوم الثلاثاء، ظهر في الصورة صفوت الشريف - اختفي تماما الآن - وعلي الدين هلال - لم يعد أحد يسمع له صوتا -، ومفيد شهاب - لا يكاد يراه أحد-، وجمال مبارك - الذي انتهي أي حلم له ليس في وراثة الحكم فقط ولكن في أن يظل علي الساحة من الأساس - وفي النهاية أحمد عز. الذي كان ظهوره مستفزا لأقصي درجة، فقد شعر الشارع أنه يتحداهم ويخرج لسانه لهم.
لكن بعد جمعة الغضب. كان أن أصبح أحمد عز في خبر كان، قبل أن يعلن الرئيس أنه قبل استقالة أمين التنظيم من منصبه في الحزب، كان قد تحرك الشارع ليقول رأيه علانية. الفراغ الأمني كان قد فرض نفسه علي القاهرة، توجه الغاضبون إلي مقرات شركات أحمد عز في أماكن مختلفة وأخذوا كل ما وصلت إليهم أيديهم.
لم يكن هؤلاء لصوصا، لأنه إلي جوار شركات أحمد عز شركات آخرين من رجال الأعمال، كان بالقرب منها شركات محمد فريد خميس ومحمد أبو العينين، بل كانت هناك مقرات التوحيد والنور الكثيرة والمنتشرة، ولم تتعر ض هذه الشركات أو المقرات إلي أي اعتداء أو محاولات سرقة أو سطو.
كان الشعب يعرف هدفه، فقد رصدوا صعود أحمد عز السياسي، ورصدوا كذلك تضخم ثروته، التي أدركوا أنها ليست من حقه، فلولا نفوذه السياسي ما حققها ولا حقق نصفها أو ربعها، لقد رأوا أن هذه الثروة هي حق الشعب التي اغتصبت دون وجه حق، صحيح أن إرجاعها لا يكون بهذه الطريقة، لكن النظام لم يترك للشعب أي طريقة أخري ليحصل علي حقوقه إلا هي. فلم يترددوا في سلوكها مهما كانت النتيجة.
لم يكن أحمد عز مناسبا في مكانه، وهو الكلام الذي لم نتوقف عن ترديده أبدا، كان يتعامل في السياسة بمنطق رجل البيزنس، ولذلك لم يتردد في الإطاحة بخصومه علي طريقة تجار البلح، تخلص من هاني سرور وتخلص من هشام طلعت مصطفي. وهناك آخرون أزاحهم من طريقهم الذي كان يسلكه إلي جمال مبارك، فلم يعد فيه غيره. وكان طبيعيا أن يسقط بعد كل ذلك. لأنه قرر أن ينفرد بالساحة بمفرده.
لم تكن استقالة أحمد عز من أمانة التنظيم بالحزب الوطني الذي أحرق المصريون مقره الرئيسي علي كورنيش القاهرة، كاستفتاء حقيقي علي شعبية ودور ومكان ومكانة هذا الحزب اختيارا من الرجل الذي كان يحتاج إلي واسطة ليطول المنصة التي يتكلم أمامها في مؤتمرات الحزب، لكنه كان ضرورة، كأول طوق نجاة يستخدمه النظام ليخرج من ورطته.
وهكذا أجبر أحمد عز علي الاستقالة، لكن النظام لم يحسن استخدام طوق النجاة، ترك الفرصة لأحمد عز أن يخرج من الحزب دون محاكمة. ولذلك حاول أن يخرج سالما، مستخدما ماله وطائراته الخاصة، دون أن يدري أن ماله دون سلطته التي كان يملكها لا يعني شيئا، ولذلك فقد فشل في الخروج من مطار القاهرة مرتين يوم الأحد الماضي.
حاول أحمد عز أن يخرج مع زوجته وأولاده في طائرته الخاصة، لكنه تم منعه في المرة الأولي الساعة الثالثة عصرا، حاول أن يستعين بمن يعرفه، أجري اتصالاته، استجدي المساعدة من الجميع، لكن الجميع أغلق الهاتف في وجهه، فلم تعد له قيمة أو لازمة أوضرورة، حاول مرة أخري أن يقترب من الطائرة في الساعة الخامسة عصرا، لكن كل الأبواب أغلقت في وجهه.
كان لابد أن يحصل أحمد عز علي تصديق من جهة عليا حتي يستطيع الخروج، ولأن الجهة العليا لم تمنحه التصديق فقد ظل حبيس المطار، فهناك احتمال أن يكون أحمد عز أحد كباش الفداء التي يمكن أن يقدمها النظام تحت أقدام الغاضبين - هذا إذا استمر النظام من الأساس - والحقيقة أن عز كبش فداء ثمين، فالذين يكرهونه كثيرون جدا، لأن من ظلمهم وشردهم وخرب بيوتهم في طريقه إلي مجده الزائف كثيرين أيضا.
قبل أن يصل أحمد عز إلي المطار كان ضيفا علي قرية الجونة التي يملكها سميح ساويرس، وهناك رأي أحمد عز لونا من الإذلال أعتقد أنه لم يره في حياته، كان يقيم في حجرته لا يخرج منها، أوصاه من استضافوه أن يظل في حجرته ولا يخرج حتي لا يستفز أحدا.
مساء السبت الماضي وهي الليلة التي كانت الأقسي والأعنف والأفزع في حياة المصريين، كان أن أخبرني أحد العاملين في الجونة أن هناك ألف مواطن من الغردقة يتجهون إلي الجونة لأنهم عرفوا أن أحمد عز يقيم فيها، وأنهم يريدون أن يصلوا إليه لتمزيقه.
لم يكن الخبر مؤكدا بطبيعة الحال، لكن أصحاب الجونة أخذوا حذرهم وطلبوا من العاملين معهم أن يحموا القرية بأجسادهم، وهو ما استجاب له العاملون بالفعل، ليس حبا في أحمد عز بالطبع، ولكن لأن القرية هي أكل عيشهم ومستقبلهم وحياتهم.
في الصباح طلب سميح ساويرس من أحمد عز أن يغادر الجونة فورا، فهو لا يقدر علي حمايته من ناحية، ثم إن وجوده نفسه لديه يمكن أن يسبب له حرجا لا يريده ولا يتحمله. فغادر عز القرية غير مأسوف عليه، وكأن الدنيا لم تخلق له، وكأنه لم يكن يوما متوجا علي العرش.
الآن وكما تشير أخبار من مصادر قريبة مما يجري، فإن أحمد عز تم التحفظ عليه لدي جهات أمنية عليا، وهذا في الغالب ليس من أجل حمايته، ولكن من أجل استخدامه في الوقت المناسب، فهو مثل العجل المقدس الذي لابد أن يستفيد منه النظام في الوقت الذي يحدده - وهذا للمرة الثانية إذا كان هناك أمل لهذا النظام في أن يستمر.
لا أحد يعرف مشاعر أحمد عز الآن. ولا أحد يعرف كيف يفكر ولا أي شيء يدور في عقله، المؤكد أن الحياة لديه الآن مثل خرم الإبرة، لا يعرف من أين ولا متي سينفذ منها. هذا إذا كان له مخرج.
إن أحمد عز يمثل في الحياة السياسية المصرية لغزا هائلا، أعتقد أن فهمه سيحتاج منا إلي سنوات طويلة. لقد بدأ كعازف درامز لأكثر في فرقة حسين الإمام، ولدينا بوسترات عليها أحمد عز عازف الدرامز، لكن وفي سنوات قليلة صعد الشاب إلي قمة السلطة والبيزنس. ولم يملك المصريون أي تفسير لما جري إلا الحكمة الشعبية البليغة «:ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب». الله يرزق من يشاء فقف علي حد الأدب.
لكن حقيقة الأمر أننا لم نتوقف عند حد الأدب. بل بالغنا في مناقشة أحمد عز والاعتراض عليه وفضحه احتكاره وفساده السياسي، الذي كانت نهايته خراب الحياة السياسية كلها. بل إن ما فعله يمكن أن يمتد إلي أجيال عديدة، ما لم تدركنا يد العناية الإلهية.
إننا ومنذ سنوات طويلة هنا في «الفجر». وفي صحف أخري كان أحمد عز هدفنا، تنبهنا لخطورته، ولم نتردد في أن نقف أمامه، لم يرهبنا سيف المعز ولم يغرنا ذهبه، كانت هناك محاولات كثيرة من أحمد عز مرة لضمنا إلي صفه بالإغراءات ومرات بالترهيب من خلال القضايا الكثيرة التي وصلت بنا إلي محكمة الجنايات، لكننا لم نقبل فيه أي مداهنة.
كنا نري ما لم يره الآخرون. كانوا يتعاملون معه علي أنه سياسي ملهم لديه مشروع كبير للتغيير، وكنا نتعامل معه علي أنه ليس إلا مفسد للحياة السياسية المصرية، كانوا يتعاملون معه علي أنه مفكر كبير وكنا نراه مجرد زكيبة أموال استطاع أن يسيطر علي الحزب الوطني من خلالها لا أقل ولا أكثر. بل إنه ضاق بأن يتعامل معه رجال الحزب علي أنه مجرد خزنة فقال لهم أكثر من مرة إنهم ليس ممولا فقط. لكن التجربة أثبت أنه ليس إلا ممول، فهذه هي قيمته فقط، كانوا يتعاملون معه علي أنه كاتب وباحث، وكنا نعرف أنه يسخر الشباب ليبحثوا له ويخرج هو وكأنه عارف بكل خفايا الأمور، رغم أنه لا يعرف إلا قشورها.
النهاية التي انتهي إليها أحمد عز حتي الآن ليست كافية. إننا لا نعرف أين هو؟ ولا ما هو المصير الذي يمكن أن ينتهي إليه؟ وهل يمكن أن يبسط النظام حمايته عليه إن استمر أم لا؟
إن هناك نهاية واحدة مرضية للشعب فيما يخص أحمد عز. وهو أن تتم محاكمته محاكمة علنية، لابد من محاسبته ليس علي إفساده الحياة السياسية فقط، ولكن علي جرائمه الاقتصادية التي ستتكشف في الأيام القادمة. فحجم ما فعله علي مدار السنوات الماضية لا يعرفه أحد ولا يقدره أحد. لكن الأيام القادمة لن يكون هناك إخفاء ولن تكون هناك مواربة. فالبلد لن تكون بلده يتحكم فيها كيفما يشاء. يرفع من يريد ويسقط من يرغب. يوزع الأرزاق والمناصب والأماكن والثروة.
لقد انتهت دولة أحمد عز. وبقي أن يدفع ثمن كل ما فعله. إننا لا نطلب بأن يظلمه أحد. لكننا نطالب بالعدل فيه وهذا ليس كثيرا أبدا.
هروب أحمد عز من الغردقة
قبل الطبع بساعات قليلة تأكد لنا من مصادر قريبة مما يدور في الكواليس أن أحمد عز قد هرب نهائياً خارج مصر، حيث أخذ طريق البحر من الغردقة إلي جهة غير معلومة، وإن كان يرجح أنه توجه إلي أثينا