مئات الآلاف من مخالفات البناء يصعب حصرها وملاحقتها
إنهيار بناية الإسكندرية يفجر قضية فساد الإدارة في مصر
وسط أجواء حزن وترقب من قبل ذوي الضحايا وجيرانهم، تمكنت قوات الإنقاذ المصرية التي تفحص أنقاض البناية المنهارة المكونة من أربعة عشر طابقًا، والتي سقطت يوم أمس الاثنين بمدينة الإسكندرية الساحلية شمال مصر، من إنقاذ سيدة تدعى ياسمين محمد عبد العال، وهي عروس تزوجت قبل شهرين، وكانت تقيم مع زوجها بدولة الإمارات، ثم عادت إلى منزل أسرتها لقضاء إجازة عيد الاضحى، بينما إرتفع عدد الجثث التي تم انتشالها إلى إحدى عشرة والمصابين إلى خمسة أشخاص حتى الآن، وما زالت أعداد الضحايا مرشحة للتزايد. وقال مسؤول امني مصري إن 12 شخصًا على الاقل قتلوا من بينهم طفلة في الرابعة من عمرها، وما زال قرابة 15 اخرين في عداد المفقودين. وتم الثلاثاء استخراج اربع جثث من تحت الانقاض الثلاثاء لترتفع حصيلة القتلى الى 12 شخصًا بينما لا يزال قرابة 15 شخصًا في عداد المفقودين، حسب ما اكد المسؤول الامني الذي طلب عدم ذكر اسمه.
وتحدث بعض قاطني البناية عن مخالفات جسيمة ارتكبتها مالكة العقار، المدعوة هانم مصطفى، التي تقيم حاليا بدولة الكويت، قائلين إنها قامت قبل نحو عشرة أيام بهدم بعض الأعمدة الخرسانية بشقتها الكائنة بالطابق الأول من البناية، ورفضت الإنصات هي والعمال التابعين لها لتحذيرات السكان، وأوكلت استكمال المهمة لأحد المقاولين قبل أن تعود إلى الكويت مجددًا.
وعلمت (إيلاف) من مصدر مطلع أن السلطات المصرية بصدد إعداد مطالبة قضائية لدولة الكويت عبر الطرق الدبلوماسية لضبط وإحضار مالكة العقار للمثول أمام سلطات التحقيق، ومواجهتها بالاتهامات المنسوبة إليها في ما يتعلق بمخالفة شروط البناء ومعايير السلامة .
انتقادات ومخالفات
وجدد انهيار هذه البناية إثارة موجة من الانتقادات الحادة لأداء السلطات المصرية بصفة عام وأجهزة الحكم المحلي بشكل خاص، لا سيما في ظل السمعة السيئة لانتشار الفساد والإهمال في دهاليز المحليات، وهو ما اعترف به مسؤولون كبار في مصر مرارًا، ولعل أشهر تلك الانتقادات ما ورد على لسان زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية حين أعلن في مجلس الشعب (البرلمان) عبارته الشهيرة بأن الفساد في المحليات وصل إلى (الركبتين) .
وتبارت الصحف الحكومية والمستقلة والمعارضة في توجيه الانتقادات لتراخي الأجهزة الإدارية المسؤولة، خاصة بعد أن تواترت كوارث انهيار العقارات، التي جرى بناؤها أو تعليتها من دون تراخيص أو رقابة جدية من قبل السلطات على التزام الملاك والمقاولين بالمواصفات الهندسية والفنية واشتراطات الأمان، وغيرها من القواعد الواجب اتباعها في البناء .
وعلى الرغم من تشديد العقوبات بحق شركات البناء والمقاولين المخالفين في العام 1996، إثر مقتل 64 شخصًا اثر انهيار بناية في حي مصر الجديدة شرق القاهرة، إلا أن مخالفات البناء في القاهرة ومدن مصرية أخرى أضخم من أن تحصى أو يمكن تنفيذ القرارات الصادرة بشأنها، خاصة في ظل أزمة السكن المستفحلة في مصر وارتفاع أسعار العقارات خلال الأعوام الماضية بشكل حاد، فضلاً عن تدخل بعض المسؤولين للحيلولة دون تنفيذ قرارات الإزالة، التي تصدر بحق المباني المخالفة، بزعم المواءامات السياسية في ظل أزمة الإسكان المتفاقمة .
تحقيقات النيابة
أما على صعيد التحقيقات الرسمية فقد قرر النائب العام المصري ضبط وإحضار مالك عقار الإسكندرية، وكذلك ضبط المقاول المنفذ لأعمال الترميم والمهندس المشرف على التنفيذ والتحفظ على ملف العقار وضمه للتحقيقات التي تجريها النيابة العامة، وأكدت تحريات المباحث أن مالكة العقار تدعى هانم مصطفي وتقيم حاليًا بدولة الكويت .
كما قرر النائب العام المصري أيضاً تشكيل لجنة فنية من أساتذة كلية الهندسة لإجراء الفحص الفني ومعرفة أسباب الانهيار، وتحديد مدى مسؤولية موظفي الإدارة مع التصريح بدفن جثث المتوفين وما قد يعثر عليه من ضحايا آخرين وسرعة رفع الانقاض وإنقاذ الضحايا .
وكشفت التحقيقات الأولية للنيابة العامة أن العقار المنهار سبق صدور عدة قرارات بتنكيسه وترميمه أخرها في عام 2002 ولم تنفذ تلك القرارات بسبب وجود خلافات بين ملاك العقار والسكان، حيث أسفر الحادث حتى الآن عن وفاة وإصابة ستة أشخاص على الأقل .
وأكدت المعاينة المبدئية للجنة الهندسية التي عاينت العقار المنكوب أن العقار ليس مطابقاً للمواصفات القياسية في ما يتعلق بكمية حديد التسليح، إضافة إلى وجود غش في مواد البناء، كما قامت اللجنة بأخذ عينات من حطام العقار وإرسالها للمعامل المختصة لتحليلها .
وكان محققو النيابة العامة قد انتقلوا إلى مكان الحادث حيث أجروا معاينة للعقار الذي يتألف من 12 طابقًا وقد انهار بالكامل أثناء إجراء عمليات الترميم في الطابق الأول .
واستمعت النيابة العامة إلى أقوال عدد من شهود العيان في الحادث وكذلك بعض الناجين وينتظر أن تباشر النيابة تحقيقاتها على الفور مع ملاك العقار والمسئولين عن عملية الترميم عقب القبض عليهم لتحديد ظروف وملابسات الحادث وتحديد مسئولية مرتكبيه .
شهادات الناجين
وحول ملابسات الحادث وشهادات الناجين، أفادت السيدة فوزية محمود عبد المعطي التي تم إنقاذها من تحت الأنقاض وتخضع للعناية المركزة بالمستشفى، أنها كانت تعتقد أثناء الانهيار أن هناك زلزالاً حيث كانت في حجرة نومها وظلت تحت الأنقاض حتى أنقذها رجال الدفاع المدني .
وأضافت أنها سمعت صوت أنين تعتقد أنه صوت أمها التي تدعى سميرة أحمد شكري، وكانت معها أيضًا في الشقة ابنتها أميرة علي طه، موضحة انها وابنتها كانتا قادمتان توًا من الولايات المتحدة لاصطحاب والدتها والعودة بها إلى هناك .
بينما أشارت السيدة ليلى محمد صفوت أنها كانت لحظة سقوط العقار تتجه للوضوء وظلت حوالي أربع ساعات تحت الأنقاض، وشاء القدر أن تكون أسرتها محظوظة حيث توجه زوجها علي محمود صباحا لشراء بعض احتياجات المنزل وخرجت ابنتها مروة إلى العمل .
ورجحت مصادر ضمن قوات الإنقاذ أن يرتفع عدد الضحايا مع مواصلة أعمال إزالة الأنقاض، وأشار عدد من قاطني العقار والجيران في عقارات ملاصقة إلى أن أسرًا كاملة لم تزل في عداد المفقودين، وأنه يصعب إجراء حصر قبل الانتهاء الكامل من رفع الأنقاض .