مراعاة المرأة لمشاعر زوجها
|
|
|
فهذا درس للنساء يتعلمن منه، وينظرن إلى هذا الوفاء، فإذا كان هذا الفعل يعكر على الزوج فلا تفعله، فإن عائشة رضي الله عنه ما قامت ودافعت، إنما قالت: (فنظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم هل يكره أن أنتصر؟)، فهذا درس تعلمه السيدة عائشة للنساء، أنها تراعي زوجها، فإذا كان زوجها يتعكر من صفة معينة، فلا يجوز أن تفعلها أبداً، وهذا هو مقتضى الوفاء والعشرة بالمعروف. وهذه أسماء رضي الله عنها تقول كما رواه البخاري في صحيحه: (تزوجني الزبير بن العوام وما له في الأرض شيء، غير أرض أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم إياها على بعد ثلثي فرسخ من المدينة)، والزبير بن العوام كان شديداً، وكان متزوجاً بامرأتين، فإذا أراد أن يضربهما ربط ظفائرهما في بعض حتى لا تهربان، فكانت المرأة الأخرى تتقي الضرب بيديها، أما أسماء فما كانت تحسن ذلك، فكان يظهر أثر الضرب عليها وينتفخ وجهها، فتذهب وتشتكي الزبير ، فيقول أبو بكر لها: (ارجعي يا ابنتي فإن الزبير رجل صالح).
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
وقال لها: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرأة لآخر أزواجها)، أي أن المرأة إذا مات زوجها، وكانت تحبه، وهي تستطيع أن تعيش وحدها بلا زوج، فلا تتزوج؛ حتى تكون زوجة زوجها الذي تحبه ومات عنها؛ لأن المرأة لآخر أزواجها، حتى إن أم الدرداء الفقيهة عندما أرسل إليها معاوية بن أبي سفيان يريد أن يخطبها، ومعاوية كان أمير المؤمنين، فقالت له أم الدرداء : (يا معاوية! ما مثلك يرد، ولكني عاهدت أبا الدرداء عهداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة لآخر أزواجها)، فقال لها أبو الدرداء : (تعالي نتعاهد -وهو حي- ألا تتزوجي بعدي)، حتى تكون زوجته في الآخرة. فكان أبو بكر يقول لـأسماء : (يا بنيتي! إن الزبير رجل صالح)، فقسوة الزبير رضي الله عنه وشدته كانت معروفة عنه، حتى إنه ذات مرة كان جالساً مع عمر بن الخطاب يتكلمون، فقال الزبير : (أنا مؤمن الرضا كافر الغضب)، يعني: عندما أرضى أكون كالنسيم، وعندما أغضب أتغير كثيراً، فقال له عمر مداعباً: (أظنها لو آلت إليك -يعني الخلافة- لظللت يومك بالبرحاء تقاتل على مد من شعير)، أي: من الممكن أن تعلن حالة الطوارئ القصوى إذا أخذ أحد قليلاً من الشعير، فكان هذا معروفاً عن الزبير رضي الله عنه، وهو أحد العشرة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة، وقال فيه : (لكل نبي حواري وحواريي الزبير بن العوام). فتقول أسماء رضي الله عنها أنها كانت تذهب إلى هذه الأرض التي كانت على بعد ثلثي فرسخ، وتأتي بالنوى، وتدقه للفرس، وذات مرة وهي آتية من هذه الأرض تحمل النوى على رأسها، رآها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يركب دابته ومعه نفر من أصحابه، قالت: (فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم البعير ودعاني للركوب خلفه، قالت: فاستحييت، وذكرت الزبير وغيرته، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم أنني استحييت مضى، فلما ذهبت إلى البيت ذكرت للزبير أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعاها للركوب خلفه، فذكرت غيرته فلم تركب، فقال لها الزبير : لمشيك أشد علي من ركوبك خلفه)، فمن شدة غيرته تراعي هذه المرأة الصالحة هذا الأمر عند زوجها، والزوج كما يقول بعض العلماء: مفتاح الجنة بالنسبة للمرأة، أو أحد مفاتيحها؛ للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأسماء بنت يزيد : (أي هذه! أذات بعل أنت؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه -أي: لا أقصر في طاعته- قال: انظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك)، فحق الزوج عظيم جداً. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (فنظرت إليه هل يكره أن أنتصر؟ فلما علمت أنه لا يكره أن أنتصر، قمت لها فأفحمتها، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إنها ابنة أبي بكر ) )، وانتهى الإشكال، بل لا إشكال أصلاً، فانظر إلى حلمه عليه الصلاة والسلام، وكل نشوزٍ أو جل النشوز في البيوت سببه الرجل؛ لأنه لا يقوم بحق القوامة، ولو قام بحق القوامة لقل أن تنشز المرأة، وأنا لا أقول هذا الكلام من كيسي؛ بل أقول هذا الكلام بالبحث الميداني، وقد رأيته بعيني، فلا تنشز المرأة إلا بعدما يهدر الرجل قوامته أو بعضها أو يتسامح فيها.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
فالمرأة ضعيفة وهي مجبولة على أن تأنس بالرجل، وقوتها في ضعفها، والذين أرادوا أن يحرروا المرأة أرادوا أن يحرروها من الزوج، وأرادوا أن تصير لها مواصفات الرجل، وهذا لا يمكن؛ إذ لا يمكن أن يعيش الرجل مع رجل في البيت أبداً، فالمرأة قوتها في ضعفها، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال لنا ذلك، فقد قال: (ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم منكن)، فلا يوجد أحد يستطيع أن يخدعك إلا المرأة، فقوتها في ضعفها. وأهم شيء عند المرأة أن تشعر بالدفء، وأول ما تبدأ تشعر بالبرودة، تبدأ تكبت وتخون زوجها مثلاً بالمال، فتسرق زوجها؛ لأنه ليس له أمان، وتكذب؛ لأن الرجل لا يقبل اعتذاراً، فالرجل هو الذي يعلمها الكذب، وهذا هو الإرهاب، لكن المرأة إذا أعطيتها الدفء تأخذ منها كل شيء، وتكون امرأة صالحة.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
المرأة تحب الأمان عند زوجها
|
|
|
فهذه المرأة تقول: (زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر).. أي: ليس ناراً على زيت حار، كلما يتكلم يتطاير الشر من عينيه، (ولاقر) أي: بارد ليس عنده إحساس أبداً، وقلما يتحرك، فهو لا هكذا ولا هكذا.. (ولا مخافة): أي: لا تخاف أنها تقول أي شيء بحضرته؛ لأنه يعذرها دائماً، كما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يفعلن، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـعائشة: (إني لأعرف غضبك من رضاك مع أن رضاها أو سخطها لا يضره؛ بل رضاه وسخطه هو الذي يضرها أو ينفعها يقول: ( إني لأعلم إن كنت عني راضية أو علي غضبى، فقالت: وكيف تعلم ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كنت عني راضية تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى تقولين: لا ورب إبراهيم)، مع ان المعنى واحد. ومثل هذا فعل ابن عمر، فقد كان له جارة عجوز، فكان يقول لها: (خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام)، فتبكي، مع أن خالق الكرام واللئام واحد وهو الله عز وجل. فـعائشة رضي الله عنها تعترف وتقول: (نعم والله ما أهجر إلا اسمك)، فتعترف وهي آمنة، طالما أنها لم تأت معصية لله عز وجل، فهي آمنة، حتى لو ساء خلقها مثلاً على زوجها، والمرأة تحب هذا الطراز من الرجال الذي تعيش آمنة في كنفه.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
وقالت الخامسة: (زوجي إذا دخل فهِد، وإذا خرج أسد، ولا يسأل عما عهد). اختلف شراح الحديث هل قولها هذا خرج مخرج الذم أم خرج مخرج المدح؟ لكن الظاهر أنه خرج مخرج المدح، فقولها: (زوجي إذا دخل فهد) يقولون: من طبع الفهد -وهو الحيوان المعروف- أنه كثير النوم، فهي تصفه بالغفلة، والرجل الذي يزيد ذكاؤه عن الحد، والذي يتتبع كل صغيرة وكبيرة، رجل متعب جداً، فلا بد من شيء من التغافل. قيل لأعرابي: من العاقل؟ قال: (الفطن المتغافل). يعني: الذي يتجاهل بإرادته، وليس لازماً أن يُعرفها أنه يعرف، ولكنه يتجاهل بإرادته؛ لأن هذا يضيع حلاوة التغافل.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
من أخلاق الزوج الجيد المداراة
|
|
|
فلابد للرجل -وإن كان سيداً مطاعاً أو ملكاً متوجاً- أن يداري رعيته.. والمداراة من خلق المسلم الحاذق، وكم من مشاكل تحصل في البيوت بسبب أن الرجل لا يداري! مع أنه يمكن أن تمر هذه المشاكل بسلام لو أن الرجل تغافل قليلاً، وقد أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا التغافل فقال: (إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته ظل على عوجه، فاقبلوهن على عوج). أي: أن المرأة فيها عوج، والمطلوب من الرجل أن يميل مع هذا العوج ولا يظل مستقيماً دائماً، وهذا معناه أن الرجل ينزل من مكان الرجولة إلى مستوى المرأة، والرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من مشى على الأرض بقدميه، وأعبد من عبد لله عز وجل، ما نقص من هذه المكانة العظيمة شيئاً لما قال للصحابة يوماً: (تقدموا، ثم قال لـعائشة : تعالي أسابقك، قالت: فسابقته فسبقته، قالت: فتركني حتى نسيت، وحملت اللحم -أي: صارت سمينة- وفي غزوة من الغزوات قال لهم: تقدموا، ثم قال لها: تعالي أسابقك، قالت: فسابقته فسبقني، فجعل يضحك، ويقول: هذه بتلك)، فهذا الفعل ما نقص من قدره صلى الله عليه وسلم؛ بل زاد فيه. فأنت إذا أردت أن ترفع مستوى المرأة حتى تصير مثلك؛ فكأنك تريد رجلاً آخر في البيت، وهذا لا يصلح؛ لأنك لا تستطيع أن تعيش مع رجل آخر، والمرأة لو كان فيها جدية وطبيعتها مثل الرجال فلن تستطيع أن تعيش معها أبداً، فاللازم أنك تكون على مستوى المرأة، وتنزل من مكان الرجل إلى مستوى المرأة، وهذا النزول اسمه: المداراة، فمثلاً: رجل من طبع امرأته أنها لا تكاد ترضى، بل دائماً تصفه بأنه لا يفهم، ولا يعرف شيئاً، والناس كلهم يخدعونه، فذهب واشترى حذاء مثلاً، والبائع أكرمه فعلاً. فتسأله: بكم اشتريته؟ فيقول: بأربعين جنيهاً، فتقول: لقد خدعك.. لو كنت أنا الذي أشتريه لاشتريته بعشرين جنيهاً فقط، فتكدر على الرجل هذه الهدية، بدلاً من أن تقول له: الله يبارك فيك، الله يحفظك، الله يوسع عليك، ونحن دائماً نتعبك .. مع أنها لن تخسر شيئاً إذا قالت هذا الكلام. والرجل إذا ذهب واشترى شيئاً وهو يعلم أن امرأته ستظل تقول له: لقد خدعوك، فإنه يتخلص ويقول لها: هذا هدية، وينهي الأمر بدلاً من أن يكدر حاله، فإذا كنت تعرف أن هذا الخلق موجود في المرأة، فلا داعي لأن تكدر الحياة؛ بل لا بد من المداراة؛ إذ هي خلق المسلم الحاذق، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يداري، وقد علمنا ذلك. أما دليل المداراة: فهو حديث في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (بئس أخو العشيرة)، فلما دخل الرجل، ألا الرسول عليه الصلاة والسلام له الكلام، واستقبله استقبالاً حافلاً، وأخذ الرجل حاجته ومضى، وعائشة رضي الله عنها ترى وتسمع الموقف، فقد قال له أولاً: (بئس أخو العشيرة)، وهذا ذم له، والآن يلين له الكلام، ويفرش له العباءة، فقالت: (يا رسول الله! قلت ما قلت وفعلت ما فعلت!) فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يتقى لفحشه)، أي: الذي تحترمه لأنه قليل الأدب، وتحترمه لأن لسانه شديد، فهذا شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة. فهذا الحديث أصل في المداراة، وهناك فرق واضح جداً بينها وبين النفاق. فهذه المرأة تمدح زوجها وتقول: (إذا دخل فهد)، فوصفته بالغفلة؛ لأن الفهد موصوف بالغفلة وكثرة النوم. ثم أردفت تقول: ولا تظنوا أنه مغفل في وسط الرجال؛ بل (إذا خرج أسد) أي: كالأسد، فوصفته بأنه يتغافل عما يكون في البيت، لكنه إذا خرج فهو رجل في وسط الرجال.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
عدم سؤال الرجل امرأته عن كل شيء
|
|
|
قالت: (ولا يسأل عما عهد)، فلا يأتي ويقول لها: أنا أعطيتك موزاً فأين ذهبتِ به؟ مثل ما يذكرون عن بعض البخلاء أنه كان كلما يحضر لحماً كان يعد اللحم، فيأتي فيلقى اللحم ناقصاً ثلاث قطع أو أربع. فيسأل: أين باقي اللحم؟ فتقول له: أكلها القط، فيأتي بميزانه إذا خرج، فيزن اللحم، ويزن القط، وبعد ذلك يذهب لعمله ثم يأتي، فيجد ثلاث قطع قد ذهبت، فيحضر القط ويزنه فلا يجد شيئاً .. وهذا لا ينبغي؛ بل كن كريماً، فربما كانت المرأة مثلاً تعطي بعض الشيء لأهلها، أو تتصدق، أو نحو ذلك، فلا تحرجها؛ بل وسع عليها، فالمرأة هذه تقول: (ولا يسأل عما عهد). وهذا من كرمه وإغضائه، إذاً: فهذه المرأة مدحت زوجها.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
وقالت السادسة: (زوجي إذا أكل لف، وإذا شرب اشتف، وإذا اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث). (إذا أكل لف): يلف: أي: يأكل من كل الأطباق، ولا يترك صنفاً إلا ويأكل منه، (وإذا شرب اشتف)، أي: يستمر يشرب حتى لا يبقي شيئاً، فهو نهوم، أكول، وهذا يدل على أن المرأة ماهرة، فما ترك شيئاً إلا أكل منه، ويشرب بنوع من النهم، وتكون النتيجة أنه عندما ينام يلتف لوحده، هذا هو الجزاء، ولا يشكر هذه المرأة التي طعامها جميل، وشرابها جميل، لدرجة أنه يأكل بشره، بل يكافئ المرأة بأنه إذا اضطجع التف، فهي تشتكيه.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
اللف في الأكل مخالف للسنة
|
|
|
ومسألة اللف مخالفة للسنة، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : (يا غلام! سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)، والبخلاء يستغلون هذا الحديث أسوأ استغلال، فيضع الجبن أمام الضيف، ويضع الديك الرومي أمامه، ويقول: كل واحد يأكل مما يليه، هكذا السنة! ومما يحكون في قصص البخلاء: أن رجلاً دعا آخر وذبح له ديكاً رومياً، وصنع ملوخية، والضيف عادة لا يمد يده إلى اللحم في البداية، بل تجده يأكل وبطنه تمتلئ أرزاً وخبزاً وهو يقول للديك: هيت لك! لكن يمنعه حياؤه وخجله أن تقع يده أول ما تقع على الديك، فالرجل وضع الديك الرومي أمامه، والملوخية لها اسم (الشريفة) فقال له: كل من (الشريفة)، والضيف يريد أن يمد يده إلى اللحم، والبخيل يقول له: كل من (الشريفة)، فكاد الضيف أن يشبع، فمدَّ يده إلى الديك، والبخيل يقول له: كل من (الشريفة)، فقال له: اتركني مع قليل الأصل!
|
|
أعلى الصفحة
|
|
من أدب الضيافة ألا تحوج الضيف إلى مد يده
|
|
|
فينبغي ألا تحوج الضيف إلى أن يمد يده، وهذا أدب نعلمه لربات البيوت، أدب تنظيم المائدة، وتنظيم الأكل، حتى لا تحوج الضيف إلى أن يمد يده؛ بل يوضع من كل الأصناف أمام كل الضيوف، حتى لا يحتاج أحد إلى أن يمد يده، فهذا أدب من آداب وضع الطعام.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
أهمية التخفيف عن المرأة بالكلمة الطيبة
|
|
|
هذه المرأة تقول: (زوجي إذا أكل لف، وإذا شرب اشتف، وإذا اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث)، إيلاج الكف: أن يولج الرجل يده على امرأته ويربت على كتفها، والمرأة تحتاج بعد عناء اليوم الطويل إلى هذه الكلمة الطيبة، فهي طوال يومها في المطبخ، وتطعم الأولاد، وتنظف البيت، فهي تحتاج إلى كلمة طيبة، كأن يقول لها: لقد تعبتِ اليوم، جزاك الله خيراً، ويتكلم بهذا الكلام، واعلم أنك عندما تقول هذه الكلمات، لو أن المرأة نقلت جبلاً من مكان إلى مكان؛ فإنه يزول عنها الهم، ويزول عنها التعب. فهي تحتاج إلى كلمة طيبة، وأنت كلما تدخل وتقول لها: جزاك الله خيراً، أنت تتعبين لأجلنا، وأنت أيضاً تتعب لأجلها، وهذه حقيقة معروفة، لكن أنت إذا اعترفت بجميلها اعترفت بجميلك، فأنت تؤدبها، وتعينها على أن تقدم لك الشكر. فتقول: (لا يولج الكف) على عادة الأزواج المحبين، (ليعلم البث)، البث: قد يكون الحزن، وقد يكون الحب، كأنها تقول: هو لا يولج كفه إيلاج الرجل الحنون حتى يعلم شكواي؛ بل يعلم أنني أشتكي ومع ذلك كأنه في عالم آخر، غير منتبه لأي شيء. وإذا حملنا البث على الحب، صار المعنى: أنه لا يولج الكف حتى أبثه النجوى، وحتى أحادثه.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
وقالت السابعة -وهذه ما تركت شيئاً في الرجل-: (زوجي عيايا غيايا طباقا)، (عيايا): من العي، (غيايا): من الغي، وهو الضلال البعيد، (طباقا): مقفل لا يتفاهم، (كل داء له داء): كل عيوب الدنيا فيه، كل داء تجده فيه. (شجك) يجرح وجهها، (أو فلك) يكسر عظمها، (أو جمع كلاً لك)، أي: إما يشج رأسها فقط، وإما يكسر عظمها فقط، وإما يكسر عظمها ويشج رأسها، فهذا الرجل عنيد جداً.
|
|
أعلى الصفحة
|
|
|
إن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الضرب إلا للإصلاح، والرسول عليه الصلاة والسلام قيد الضرب الذي جاء مطلقاً في كتاب الله في قوله تعالى:
وَاضْرِبُوهُنَّ
[النساء:34]، فالضرب هذا يحتمل أن يكون ضرباً شديداً وأن يكون ضرباً خفيفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اضربوهن ضرباً غير مبرح)، أي: غير شديد، فهذا الضرب مطلق في كتاب الله وقيد بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فعلى الزوج أن يضرب ضرب المحب لا ضرب المنتقم؛ إذ المقصود بالضرب هو الإصلاح. وانظر إلى المثل العالي الذي ذكره الله عز وجل في كتابه المجيد عن أيوب عليه السلام .. امرأته الوفية التي ظلت ثمانية عشر عاماً تخدمه وهو في شدة البلاء، صدر منها شيء، فحلف أيوب عليه السلام أنه إذا عافاه الله أن يجلدها مائة جلدة، مع أنها هذه المرأة الوفية وهي لا تستحق هذا الجلد، فقال الله عز وجل:
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا
|
|
اضافة رد |
06/09/2008
9:44:46 PM |
|
تاريخ التسجيل : //
عدد المشاركات : 8
|
ليلة في بيت النبى (3)
|
إن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الضرب إلا للإصلاح، والرسول عليه الصلاة والسلام قيد الضرب الذي جاء مطلقاً في كتاب الله في قوله تعالى:
وَاضْرِبُوهُنَّ
[النساء:34]، فالضرب هذا يحتمل أن يكون ضرباً شديداً وأن يكون ضرباً خفيفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اضربوهن ضرباً غير مبرح)، أي: غير شديد، فهذا الضرب مطلق في كتاب الله وقيد بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فعلى الزوج أن يضرب ضرب المحب لا ضرب المنتقم؛ إذ المقصود بالضرب هو الإصلاح. وانظر إلى المثل العالي الذي ذكره الله عز وجل في كتابه المجيد عن أيوب عليه السلام .. امرأته الوفية التي ظلت ثمانية عشر عاماً تخدمه وهو في شدة البلاء، صدر منها شيء، فحلف أيوب عليه السلام أنه إذا عافاه الله أن يجلدها مائة جلدة، مع أنها هذه المرأة الوفية وهي لا تستحق هذا الجلد، فقال الله عز وجل:
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا
[ص:44]، والضغث: هو مائة عود طري، مثل عود البرسيم، فيجمع مائة ويضربها بها ضربة واحدة، فيكون كأنه ضربها مائة ضربة؛ لأن هذه المرأة الوفية لا تستحق أن تجلد مائة جلدة، لكنه عليه السلام أقسم أن يضربها، وهو لا يحنث؛ بل لا بد أن يضرب، فقال الله عز وجل:
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا
أي: مائة عود
فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
[ص:44]. فالضرب المطلق في كتاب الله عز وجل قيده النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، لما قال: (واضربوهن ضرباً غير مبرح). وفي سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب النساء، فجاء عمر وقال: (يا رسول الله! زئرن النساء على أزاواجهن)، زئرن: أي: استأسدن، فعندما أمن النساء أنهن لن يضربن، استأسدن، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الضرب مرة أخرى، فما بقي أحد إلا ضرب زوجته، عوضوا عن المدة الماضية، فطاف ببيت النبي صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة، كلهن يشتكين أزواجهن، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكي زوجه، ليس أولئك بخياركم)، أي: ليس الذين يضربون هم خياركم، إنما يلجأ الإنسان إلى الضرب في وقته، ويكون ضرباً يسيراً، مثلاً بالسواك، ولكن تجد بعضهم يحمل نصف عرق خشب في جيبه ثخين وطويل، والذي يراه لا يعرف أن له مآرب أخرى، ويقول: هذا ضرب بالسواك!! فالإنسان لا مانع أن يضرب، لكن الضرب في كتاب الله عز وجل آخر مرحلة، وبعض الأزواج يبدءون بالضرب، وهذا خلاف تنفيذ تهديد المرأة الوارد في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ))، وأنا أقول: لا يلجأ الرجل إلى الضرب إلا لأنه عجز عن الهجر، ولو هجر حقاً فلن يصل إلى الضرب، فإذا اضطر إلى الضرب يضرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب ضرباً غير مبرح. تقول عائشة رضي الله عنها، كما في صحيح مسلم : (ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنه لما كان في ليلتي التي هي لي، جاء ففتح الباب رويداً رويداً، ومشى رويداً رويداً، ووضع جنبه على الفراش رويداً رويداً، فما هو إلا ريثما أن وضع جنبه على الفراش رويداً رويداً، حتى قام رويداً رويداً، وأخذ نعله رويداً رويداً، ومشى رويداً رويداً، وفتح الباب رويداً رويداً، وانطلق). (رويداً رويداً)، هذا من الأفعال التي تكرر في كل مرة، أي: بهدوء شديد، والرسول عليه الصلاة والسلام يظن أن عائشة نائمة، فكره أن يوقظها، وهذا من رأفته وحنانه عليه الصلاة والسلام، قالت: (فانطلق، فتصنعت إزاري وانطلقت وراءه -وكانت تظن أنه ذاهب إلى بعض نسائه- حتى ذهب إلى البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات يرفعها ويخفضها، قالت: ثم انحرف فانحرفت -انحرف راجعاً- فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر -أي: فمشى الهوينا- فأحضرت، فسبقته، فأول ما دخلت البيت دخلت تحت اللحاف، فقال: مالك يا عائش؟! حشيا رابية )، هل هناك شيء؟ لأنه تركها مستريحة، وجاء وهي تتنهد من تعب المشي.
|
|
|
|
تلطف النبي صلى الله عليه وسلم بأزواجه
|
|
|
فأول ما لقيها قال: (مالك يا عائش؟! )، وانظر إلى اللطف! يقول: يا عائش! وهذا هو الترخيم، والداعي له هو المحبة والمودة، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما كانت عائشة تشتكي، كان يكون معها في غاية اللطف، حتى إنها لما حصلت حادثة الإفك، وهي حادثة قوية اتهمت عائشة رضي الله عنها في عرضها، ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يبرئها من عند نفسه، وكانت تتمنى أن يبرئها بكل قوة، لكن سكوته عن تبرئتها كأن فيه اتهاماً، ولو كانت بريئة فلماذا لا يبرئها؟ ففي هذه المحنة كانت تبكي، تقول: (بكيت ثلاثة أيام بلياليهن حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي)، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يلاطفها، ولا يخفف عنها، ولا يقول لها: أنت بريئة؛ بل كل الذي كان يفعله عليه الصلاة والسلام أن يدخل وهي مستكينة مكسورة، ويقول: (كيف تيكم؟). تيكم: اسم إشارة للبعيد، فحتى هذه ليست إشارة للقريب، ويقف على طرف السرير قليلاً وبعد ذلك ينصرف.. تقول عائشة رضي الله عنها قبل أن تعلم بهذه الحكاية: (وكان يريبني أني لا أجد اللطف الذي كنت أجده منه حين أشتكي)؛ لأنها لما جاءت من هذه الغزوة -غزوة بني المصطلق- مرضت شهراً، وهي لا تعلم بحديث الإفك، وليس من عادته صلى الله عليه وسلم عندما تمرض أن يكتفي بأن يقول لها: (كيف تيكم؟)؛ بل تعودت أنه في حال مرضها يكون في غاية الحنان معها، فصار عندها إشكال، لكنها لا تعرف ما السبب. فيقول لها في هذا الحديث : (مالك يا عائش؟! حشا رابية، فقالت له: لاشيء، فقال لها: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، فقالت: يا رسول الله! مهما يكتم الناس يعلمه الله. -ثم حكت له الحكاية- فقال لها: أنت السواد الذي كان أمامي؟ قالت: نعم. قالت عائشة : فنهزني، -وفي الرواية الأخرى-: فلهزني في صدري لهزة أوجعتني -أي: ضربها بمجامع يده في صدرها- وقال لها: أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله؟)، مع أن القسم لم يكن واجباً في حقه عليه الصلاة والسلام، أي: أن يبيت عند هذه ويترك تلك، بل هذا باختياره، ومع ذلك فقد كان يعدل؛ لأن هذا من تمام الإحسان، فقال: (إن جبريل أتاني فناداني، ولم يكن ليدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فأجبته، فأخفيته منك وكرهت أن أوقظك فتستوحشي). لأن عادة النساء لاسيما إذا كانت صغيرة السن الاستيحاش والخوف، وقد قال لي أحدهم مرة: وجدت امرأتي حابسة نفسها في الغرفة. فسألتها: لماذا؟ فقالت: لأنه كان هناك صرصور يمشي في صالة البيت. والمرأة لو رأت فأراً ربما أصيبت بسكتة قلبية؛ لأنها تخاف وتستوحش لاسيما إذا كانت وحدها وفي هذا الوقت من الليل، فمن رحمته عليه الصلاة والسلام أنه لم يوقظها، وظن أنها نائمة، قال عليه الصلاة والسلام: ( فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم)، فـعائشة رضي الله عنها الذكية -وهذا أدب يجب على النساء أن يتعلمنه- غيرت دفة الحوار، وغيرت الكلام؛ لأن بعض النساء عندما تقول لها: غيري الموضوع، تقول: بل لابد أن نكمل. فقال: (إن جبريل أتاني فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قالت: يا رسول الله! وما أقول لهم إذا دخلت عليهم؟ قال: قولي السلام عليكم ديار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون .).. إلى آخر هذا الدعاء، وهو دعاء زيارة المقابر. فالرسول صلى الله عليه وسلم قلما كان يضرب، كما قالت عائشة : (ما ضرب بيده أحداً إلا أن تنتهك حرمات الله). فهذا من المواضع القليلة التي ضرب عائشة وأوجعها فيه، لكن هذا ضرب غير مبرح. فهذا الزوج المذكور كان إذا ضرب يشج الرأس، أو يكسر العظم، أو يشج الرأس ويكسر العظم.. (عيايا، غيايا، طباقا، كل داء له داء، شجك، أو فلك، أو جمع كلاً لك).
|
|
|
|
06/09/2008
9:44:58 PM |
|
تاريخ التسجيل : //
عدد المشاركات : 8
|
ليلة في بيت النبى (3)
|
إن الله سبحانه وتعالى لم يشرع الضرب إلا للإصلاح، والرسول عليه الصلاة والسلام قيد الضرب الذي جاء مطلقاً في كتاب الله في قوله تعالى:
وَاضْرِبُوهُنَّ
[النساء:34]، فالضرب هذا يحتمل أن يكون ضرباً شديداً وأن يكون ضرباً خفيفاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اضربوهن ضرباً غير مبرح)، أي: غير شديد، فهذا الضرب مطلق في كتاب الله وقيد بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فعلى الزوج أن يضرب ضرب المحب لا ضرب المنتقم؛ إذ المقصود بالضرب هو الإصلاح. وانظر إلى المثل العالي الذي ذكره الله عز وجل في كتابه المجيد عن أيوب عليه السلام .. امرأته الوفية التي ظلت ثمانية عشر عاماً تخدمه وهو في شدة البلاء، صدر منها شيء، فحلف أيوب عليه السلام أنه إذا عافاه الله أن يجلدها مائة جلدة، مع أنها هذه المرأة الوفية وهي لا تستحق هذا الجلد، فقال الله عز وجل:
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا
[ص:44]، والضغث: هو مائة عود طري، مثل عود البرسيم، فيجمع مائة ويضربها بها ضربة واحدة، فيكون كأنه ضربها مائة ضربة؛ لأن هذه المرأة الوفية لا تستحق أن تجلد مائة جلدة، لكنه عليه السلام أقسم أن يضربها، وهو لا يحنث؛ بل لا بد أن يضرب، فقال الله عز وجل:
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا
أي: مائة عود
فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
[ص:44]. فالضرب المطلق في كتاب الله عز وجل قيده النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، لما قال: (واضربوهن ضرباً غير مبرح). وفي سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب النساء، فجاء عمر وقال: (يا رسول الله! زئرن النساء على أزاواجهن)، زئرن: أي: استأسدن، فعندما أمن النساء أنهن لن يضربن، استأسدن، فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الضرب مرة أخرى، فما بقي أحد إلا ضرب زوجته، عوضوا عن المدة الماضية، فطاف ببيت النبي صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة، كلهن يشتكين أزواجهن، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكي زوجه، ليس أولئك بخياركم)، أي: ليس الذين يضربون هم خياركم، إنما يلجأ الإنسان إلى الضرب في وقته، ويكون ضرباً يسيراً، مثلاً بالسواك، ولكن تجد بعضهم يحمل نصف عرق خشب في جيبه ثخين وطويل، والذي يراه لا يعرف أن له مآرب أخرى، ويقول: هذا ضرب بالسواك!! فالإنسان لا مانع أن يضرب، لكن الضرب في كتاب الله عز وجل آخر مرحلة، وبعض الأزواج يبدءون بالضرب، وهذا خلاف تنفيذ تهديد المرأة الوارد في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ))، وأنا أقول: لا يلجأ الرجل إلى الضرب إلا لأنه عجز عن الهجر، ولو هجر حقاً فلن يصل إلى الضرب، فإذا اضطر إلى الضرب يضرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب ضرباً غير مبرح. تقول عائشة رضي الله عنها، كما في صحيح مسلم : (ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنه لما كان في ليلتي التي هي لي، جاء ففتح الباب رويداً رويداً، ومشى رويداً رويداً، ووضع جنبه على الفراش رويداً رويداً، فما هو إلا ريثما أن وضع جنبه على الفراش رويداً رويداً، حتى قام رويداً رويداً، وأخذ نعله رويداً رويداً، ومشى رويداً رويداً، وفتح الباب رويداً رويداً، وانطلق). (رويداً رويداً)، هذا من الأفعال التي تكرر في كل مرة، أي: بهدوء شديد، والرسول عليه الصلاة والسلام يظن أن عائشة نائمة، فكره أن يوقظها، وهذا من رأفته وحنانه عليه الصلاة والسلام، قالت: (فانطلق، فتصنعت إزاري وانطلقت وراءه -وكانت تظن أنه ذاهب إلى بعض نسائه- حتى ذهب إلى البقيع، فرفع يديه ثلاث مرات يرفعها ويخفضها، قالت: ثم انحرف فانحرفت -انحرف راجعاً- فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر -أي: فمشى الهوينا- فأحضرت، فسبقته، فأول ما دخلت البيت دخلت تحت اللحاف، فقال: مالك يا عائش؟! حشيا رابية )، هل هناك شيء؟ لأنه تركها مستريحة، وجاء وهي تتنهد من تعب المشي.
|
|
|
|
تلطف النبي صلى الله عليه وسلم بأزواجه
|
|
|
فأول ما لقيها قال: (مالك يا عائش؟! )، وانظر إلى اللطف! يقول: يا عائش! وهذا هو الترخيم، والداعي له هو المحبة والمودة، والرسول صلى الله عليه وسلم عندما كانت عائشة تشتكي، كان يكون معها في غاية اللطف، حتى إنها لما حصلت حادثة الإفك، وهي حادثة قوية اتهمت عائشة رضي الله عنها في عرضها، ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يبرئها من عند نفسه، وكانت تتمنى أن يبرئها بكل قوة، لكن سكوته عن تبرئتها كأن فيه اتهاماً، ولو كانت بريئة فلماذا لا يبرئها؟ ففي هذه المحنة كانت تبكي، تقول: (بكيت ثلاثة أيام بلياليهن حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي)، ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يلاطفها، ولا يخفف عنها، ولا يقول لها: أنت بريئة؛ بل كل الذي كان يفعله عليه الصلاة والسلام أن يدخل وهي مستكينة مكسورة، ويقول: (كيف تيكم؟). تيكم: اسم إشارة للبعيد، فحتى هذه ليست إشارة للقريب، ويقف على طرف السرير قليلاً وبعد ذلك ينصرف.. تقول عائشة رضي الله عنها قبل أن تعلم بهذه الحكاية: (وكان يريبني أني لا أجد اللطف الذي كنت أجده منه حين أشتكي)؛ لأنها لما جاءت من هذه الغزوة -غزوة بني المصطلق- مرضت شهراً، وهي لا تعلم بحديث الإفك، وليس من عادته صلى الله عليه وسلم عندما تمرض أن يكتفي بأن يقول لها: (كيف تيكم؟)؛ بل تعودت أنه في حال مرضها يكون في غاية الحنان معها، فصار عندها إشكال، لكنها لا تعرف ما السبب. فيقول لها في هذا الحديث : (مالك يا عائش؟! حشا رابية، فقالت له: لاشيء، فقال لها: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، فقالت: يا رسول الله! مهما يكتم الناس يعلمه الله. -ثم حكت له الحكاية- فقال لها: أنت السواد الذي كان أمامي؟ قالت: نعم. قالت عائشة : فنهزني، -وفي الرواية الأخرى-: فلهزني في صدري لهزة أوجعتني -أي: ضربها بمجامع يده في صدرها- وقال لها: أظننت أن يحيف عليك الله ورسوله؟)، مع أن القسم لم يكن واجباً في حقه عليه الصلاة والسلام، أي: أن يبيت عند هذه ويترك تلك، بل هذا باختياره، ومع ذلك فقد كان يعدل؛ لأن هذا من تمام الإحسان، فقال: (إن جبريل أتاني فناداني، ولم يكن ليدخل عليك وقد وضعت ثيابك، فأجبته، فأخفيته منك وكرهت أن أوقظك فتستوحشي). لأن عادة النساء لاسيما إذا كانت صغيرة السن الاستيحاش والخوف، وقد قال لي أحدهم مرة: وجدت امرأتي حابسة نفسها في الغرفة. فسألتها: لماذا؟ فقالت: لأنه كان هناك صرصور يمشي في صالة البيت. والمرأة لو رأت فأراً ربما أصيبت بسكتة قلبية؛ لأنها تخاف وتستوحش لاسيما إذا كانت وحدها وفي هذا الوقت من الليل، فمن رحمته عليه الصلاة والسلام أنه لم يوقظها، وظن أنها نائمة، قال عليه الصلاة والسلام: ( فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم)، فـعائشة رضي الله عنها الذكية -وهذا أدب يجب على النساء أن يتعلمنه- غيرت دفة الحوار، وغيرت الكلام؛ لأن بعض النساء عندما تقول لها: غيري الموضوع، تقول: بل لابد أن نكمل. فقال: (إن جبريل أتاني فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قالت: يا رسول الله! وما أقول لهم إذا دخلت عليهم؟ قال: قولي السلام عليكم ديار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون .).. إلى آخر هذا الدعاء، وهو دعاء زيارة المقابر. فالرسول صلى الله عليه وسلم قلما كان يضرب، كما قالت عائشة : (ما ضرب بيده أحداً إلا أن تنتهك حرمات الله). فهذا من المواضع القليلة التي ضرب عائشة وأوجعها فيه، لكن هذا ضرب غير مبرح. فهذا الزوج المذكور كان إذا ضرب يشج الرأس، أو يكسر العظم، أو يشج الرأس ويكسر العظم.. (عيايا، غيايا، طباقا، كل داء له داء، شجك، أو فلك، أو جمع كلاً لك).
|
|
|
|
|
وقالت الثامنة: (زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب). وهي تمدحه (مس أرنب) أي: ناعم البشرة، ناعم الملمس، كجلد الأرنب، رفيق رقيق، (والريح ريح زرنب)، الزرنب: نبات طيب الرائحة، وهذا أدب ينبغي أن نتعلمه، فينبغي على الرجل والمرأة أن يحرصا على أن تكون روائحهما طيبة، ومن الأشياء المنفرة التي هدمت بيوت بسببها هذا الموضوع.. والرسول عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام مسلم عن شريح بن هانئ قال: قلت لـعائشة : (بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)، فأول ما يدخل البيت يستاك، وهذا نوع من إزالة الرائحة الكريهة التي يمكن أن تكون في الفم، فالإنسان ينبغي عليه أن يحرص على هذا، فهذه المرأة تمدح زوجها بأنه طيب العشرة، ولم يفتها أن تصفه بطيب الرائحة.
|
|
|
|
|
وقالت التاسعة: (زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد)، وهي أيضاً تمدحه.. (رفيع العماد) أي: طويل، لكن هناك فرق بينه وبين العشنق، فهذا طويل وهذا طويل، لكن شتان بين طويل وطويل، فهذا رجل رفيع العماد، طويل، ذو هيئة حسنة، (طويل النجاد)، النجاد: هو جراب السيف، فهذا رجل عندما يلبس السيف يكون الجراب الخاص به طويلاً، وهذا أمر يمتدح به.
|
|
|
|
|
(عظيم الرماد): إشارة إلى كرمه، أي: لكثرة ما يشوي للضيوف من اللحم ويطبخ لهم صار عنده رماد كثير، فهي تمدحه بالكرم، وهذه الصفة من الصفات التي كان يحرص العرب عليها كثيراً، والسخاء يغطي كل عيب، كما أن البخل لا يظهر حسنة، فالبخيل ليس له حسنة، والكريم ليس له عيب. وهناك آيات في ذم البخل؛ كقوله تعالى:
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
[النساء:37]، وفي القراءة المتواترة الأخرى: (ويأمرون الناس بالبَخَل)، والرسول عليه الصلاة والسلام تكلم في أحاديث شتى عن ذم البخلاء، وامتلأت الكتب بالإزراء على هؤلاء البخلاء، وصارت سيرتهم على كل لسان سيئة جداً، بخلاف الكرم، فمثلاً: حاتم الطائي، يضرب به المثل في الكرم، فيقولون مثلاً: هذا كرم حاتمي، هذا حاتم الطائي، وقد رأى ابنه مرة يضرب كلبة له، فقال له: (يا بني! لا تضربها، فإن لها علي يداً، إنها تدل الضيفان عليَّ)؛ لأن الضيف إما أن يرى النار أو يسمع نباح الكلب فيأتي.
|
|
|
|
|
وهذا بخلاف البخلاء .. يذكر أن رجلين كانا يمشيان، وكان هناك بخيل يسبح، فأشرف على الغرق، فنادى: أدركوني، فقال أحد الرجلين: هات يدك، فلم يعطها له، وكان الثاني أذكاهما، فقال له: خذ يدي، ولم يقل: هات يدك؛ لأن الإعطاء ليس مذهبه، حتى لو يؤدي به ذلك إلى الموت؛ لأنه غير معتاد على كلمة (هات) أبداً. وهناك رجل آخر اسمه أبو نوح، وكان بخيلاً جداً، فاستضاف عنده رجلاً فاكتوى من شدة الجوع، فأنشد قائلاً: يجوع ضيف أبي نو ح بكرة وعشيـة أجاع بطني حـتى وجدت طعم المنية وجاءني برغيـف قد أدرك الجاهلية فقمت بالفأس كيما أدق منه شظيـة يريد أن يقطع لقمة، فلا يستطيع إلا بالفأس .. ثلم الفأس وانصاع مثل سهم الرمية أي: أن قطعة اللقمة التي خرجت، خرجت كأنها قذيفة. فشج رأسي ثلاثاً ودق مني ثنية هذا كله عملته لقمة!! والثنية هي مقدم الأسنان، فهذا رغيف أدرك الجاهلية، أي: مخضرم!! فضيف أبي نوح أكله في الإسلام، فهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، من إنتاج شركة الحديد والصلب!! ومصنوع في أفران الحديد والصلب!! ورجل آخر يقول: دخلوا على رجل بخيل فتأخر عليهم.. فقال أحدهم: يا ذاهباً في بيته جائياً من غير ما فائدة جن أضيافك من جوعهم فاقرأ عليهم سورة المائدة وهناك نوادر كثيرة للبخلاء، تقرؤها مثلاً في البخلاء للجاحظ، أو البخلاء للخطيب البغدادي، أو البخلاء لـابن الجوزي ، فالبخل عار وشنار على أهله.
|
|
|
|
|
يذكر عن رجل كريم اسمه معن بن زائدة، يضرب به المثل في الكرم، أن أحد الشعراء أراد أن يقابله، وكان معن بن زائدة في بستان، فأبى البواب على الشاعر أن يدخل، فنظر الشاعر فوجد جدول ماء يمر من تحت الجدار إلى داخل البستان، فكتب الشاعر بيت شعر ونقشه على خشبة ووضعه على الماء، فحمله الماء إلى معن بن زائدة الذي كان جالساً عند الماء، فوجد الخشبة طافية على الماء، فأخذها فقرأها، فأعجب بالبيت جداً، فطلب الرجل، فقال: أنت الذي كتبت هذا؟ قال: نعم. قال: كيف قلت؟ فأنشد له البيت، فأعطاه أربعة آلاف دينار، ثم كان من الغد فأرسل إليه، فقال له: كيف قلت؟ قال: قلت كذا وكذا، فأعطاه أربعة آلاف دينار، ثم أرسل إليه في اليوم الثالث فقال له: كيف قلت؟ قال: قلت كذا وكذا، فأعطاه أربعة آلاف دينار. وعندما أخذ الشاعر الأربعة ألف دينار الثالثة هرب، فقد ظن أن هذا الرجل مجنون، وأنه سيفيق فيأخذ المال، فهرب من البلد كلها، فأرسل إليه في اليوم الرابع، فقيل له: إنه ولى الأدبار، فقال: (والله لقد أساء الظن، أما والله لو بقي لأعطيته مالي كله مقابل هذا البيت). فهناك أناس مطبوعون على الكرم، وعندهم سجية العطاء، لا يستريح إلا إذا أعطى، وقيمة الإنسان في العطاء وليست في الأخذ، وانظر إلى هذه الأبيات الجميلة التي تكتب بالذهب.. التي قالها أمية بن أبي الصلت في عبد الله بن جدعان، يقول: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يومـاً كفاه من تعرضه الثنـاء أبيات في غاية الجمال، وفي غاية الرقة! يقول له: (أأذكر حاجتي) أي: هل أذكر أنني محتاج، أم يكفيني أنك تفهمها، (إذا أثنى عليك المرء يوماً)، يعني أول ما يقابله ويقول له: الله يحفظك، وجزاك الله خيراً، فعندما يقول له يعطي له المال، فلم يحوجه أن يريق ماء وجهه في السؤال.. يقول له: أنت تريد شيئاً، أو يقول: يا أخي! كن صريحاً، تريد كذا، ليس عندي مانع .. وهكذا. فلا يحوجه إلى أن يريق ماء وجهه، فهذا الرجل أول ما يسمع الثناء فقط يعرف أنه رجل محتاج، فلا يحوجه إلى السؤال، فيقول له: أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يومـاً كفاه من تعرضه الثنـاء وبهذا التخريج خرج الإمام الكبير العلم سفيان بن عيينة أبو محمد الهلالي ، شيخ أحمد بن حنبل وشيخ الشافعي ، حديث دعاء الكرب: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض وما بينهما ورب العرش الكريم). فهذا ثناء، وليس دعاء، فلماذا سموه دعاء الكرب؟ عندما قيل لـسفيان بن عيينة: إن هذا ليس دعاء، بل هو ثناء، قال: نعم، وأنشد هذين البيتين، وقال: إذا كان هذا مخلوق وكفاه الثناء فكيف بالخالق عز وجل. فعندما تقول: لا إله إلا اله الحليم الكريم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم.. هذا ثناء على الله، وإذا كان العبد فهمها وعرفها، فكيف بالخالق عز وجل. تقول هذه المرأة: (رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد)، ومن الأدلة على كرمه: أنه (قريب البيت من الناد)، الناد: هو منتدى الجلوس، فليس بيته في آخر البلد لأجل أن يفر من الضيفان؛ بل بيته بجانب النادي، وأي أحد يقصده على مدار الوقت، ومثل هذا عندما يكون البيت أقرب بيت للمسجد، ونريد أن نشرب ماء، فأقرب بيت هو الذي نقول له: هات لنا الماء، فهو يعرض نفسه لأقرب مكان لمنتدى الناس، كأنما قيل لها: ما دليل كرمه؟ فقالت: لأنه (قريب البيت من الناد).
|
|
|
|
|
وقالت العاشرة: (زوجي مالك، وما مالك!)، أي: اسمه مالك، ثم قالت: (وما مالك!) أي: هل تعرفون شيئاً عن مالك؟ (مالك خير من ذلك)، مالك خير من كل ما يخطر ببالك، وهذا مدح عالٍ، (له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح)؛ لأنه يتوقع أن يأتيه الضيوف، فلا يجعل الغلام يسرح بكل الإبل؛ لئلا يأتي الضيف فلا يجد شيئاً يذبحه، (له إبل كثيرات المبارك) باركة باستمرار، (قليلات المسارح) قلما يسرحها، (إذا سمعن صوت المزهر)، وهي الإبل التي في الزريبة، إذا سمعن صوت المزهر، (أيقن أنهن هوالك)، يعرفن أن إحداهن ستذبح، فإذا سمعن هذا الصوت علمن أن الضيف وصل، والرجل يحيي الضيوف، ويستقبلهم بالطبل البلدي، فيعرف الجمل الذي بالداخل أنه سينحر؛ لأنه قد حل ضيف.
|
|
|
|
|
والغريب: أن بعضهم استدل على جواز العزف على الموسيقى بهذا الحديث! ونحن فعلاً في زمان العجائب! ولو أن العلماء الذين قعدوا أصول الاستنباط، نظروا إلى عصرنا؛ لماتوا بالسكتة القلبية! إذ ليس في هذا دليل؛ لأن الحكاية هذه كلها حصلت في الجاهلية ولم تحصل في الإسلام، فهؤلاء ليسوا نسوة مسلمات، بل عائشة تحكي عن إحدى عشرة امرأة جلسن فتعاهدن وتعاقدن، فهذا كان في الجاهلية. ويجيب هؤلاء فيقولون: نحن لم نحتج على المشروعية بمجرد الفعل، بل بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام. ويجاب: بأن المرأة التي تكلمت على زوجها بالسوء قد اغتابته، فهل نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت عن الغيبة ورضي بها؟ فنقول: على هذا تجوز الغيبة والنميمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع كلام النسوان -والنسوان كلمة عربية فصيحة- على أزواجهن وسكت؟! فهذا أراد أن يبني مسألة جزئية فهدم أصلاً، وليس في هذا دليل لا من قريب ولا من بعيد على حل الموسيقى، لاسيما إذا علمنا أن هناك دليلاً قائم على حرمة الموسيقى كلها، وهذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر) الحر: هو الفرج، وهو كناية عن الزنى، (يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فهذا دليل من أدلة أخرى يحتج بها أهل السنة والجماعة على تحريم الموسيقى كلها، أما الذين أباحوا الموسيقى فإنهم إذا أجمعوا لا ينعقد الإجماع بهم، فكيف يخرقون الإجماع؟ فليس في هذا دليل أصلاً على حل الموسيقى، إنما هذا كان من فعل هذا الرجل في الجاهلية، وهؤلاء أناس لا ندري أكانوا على التوحيد أم لا؟! وهذا الرجل كان من إكرامه لأضيافه أنه يعزف على المزهر، وهي آلة مثل العود أو نحو ذلك، فإذا سمعت الإبل صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
|
|
|
|
|
والمرأة الأخيرة هي بيت القصيد، وهي أم زرع التي سمي الحديث بها. قالت أم زرع: (زوجي أبو زرع فما أبو زرع!)، هل تعرفون شيئاً عن أبي زرع؟. وحيث إننا لا نعرف شيئاً عن أبي زرع، فهي تعرفنا من هو أبو زرع. تقول: (أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي). هذا كله غزل، (أناس من حلي أذني): النوس يعني الاضطراب والحركة، ومنه الناس؛ لأنهم يتحركون ذهاباً وإياباً. ومنه الحديث الذي في البخاري ، قال ابن عمر: (دخلت على حفصة ونوساتها تنطف)، النوسات: هي الظفائر، تنطف: يعني تقطر ماء، فقد كانت مغتسلة، وإنما سميت الظفيرة بهذا الاسم لأنها تتحرك إذا حركت المرأة رأسها. (أناس من حلي أذني): أي: ألبسها ذهباً في آذانها، وهي تتحرك، فالذهب يتحرك في آذانها بعدما كانت خالية، فهي الآن تحمل ذهباً في كل أذن. (وملأ من شحم عضدي): بدأت المرأة بالذهب لأنه أهلك النساء الأحمران: الذهب والحرير، فالنساء عندهن شغف شديد بالذهب، (وملأ من شحم عضدي)، تريد أن تقول: إنه كريم.. يعني أنه أخذها نحيلة والآن امتلأت. (وبجحني فبجحت إلي نفسي)، يقول لها: يا سيدة الجميع! يا جميلة! يا جوهرة! حتى صدقت ذلك، من كثرة ما بجحها إلى نفسها، (فبجحت إلى نفسي): أي: فصدقته، مع أنها قالت: (وجدني في أهل غنيمة بشق)، يعني: شق جبل، أي أنها كانت تعيش في حارة بشق، وفي بعض الروايات الأخرى (بشق): يعني كانت تعيش بشق الأنفس، فقيرة فقراً مدقعاً تقول: (وجدني في أهل غنيمة)، غنيمة: تصغير غنم، أي أن حالتهم كانت كلها كرب، حتى الغنم صار غنيمة، دلالة على حقارة المال. قالت: (وجدني في أهل غنيمة بشق)، فنقلها نقلة عظيمة، (فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق)، هذه نقلة كبيرة من أهل غنيمة بشق، نقلها إلى (أهل صهيل): أصحاب خيل، (وأطيط): أصحاب إبل؛ لأن الخف الخاص بالجمل لين، فعندما يكون محملاً حملاً ثقيلاً تسمع كلمة: أط أط أط، خلال مشيه، فهذا يسمى أطيطاً، والإبل كانت من أشرف الأنعام عند العرب، (ودائس) أي: ما يداس، وهذا كناية عن أنهم أناس أهل زرع فلاحون، فإن الزارع بعد حصد الزرع يدوس عليه بأي شيء حتى يخرج منه الحب، فهو كناية عن أنهم أهل زرع. (ومنق): المنق: هو المنخل، فالعرب ما كانوا يعرفون المنخل إنما كان يعرفه أهل الترف، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منخلاً بعينيه)، فقال عروة: (فكيف كنتم تأكلون يا خالة؟ فقالت: كنا نذريه في الهواء)، فالتبن يطير في الهواء، والذي يبقى مع الشعير يطحنونه كله ويأكلونه، والنبي عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة : (مات ولم يشبع من خبز الشعير)، ليس من خبز القمح، فإن القمح هذا لم يأكلوه أبداً! تقول: وما أكل خبزاً مرققاً). فكلمة (منق) فيها دلالة على الترف، فعندهم من كل المال، فهم أغنياء، عندهم خيل وإبل وزرع، وعندما يأكلون عندهم منخل؛ لأنهم كانوا لا يفصلون التبن عن الغلة، فيطحنونها دقيقاً يسر الناظرين. (فعنده أقول فلا أقبح) تقول: مهما قلت فلا أحد يجرؤ أن يقول لي: قبحك الله.. فقد كان عزها من عز الرجل ومكانتها من مكانته، فلا يستطيع أحد أن يرد عليها بكلمة. (وأرقد فأتصبح): تنام حتى وقت الضحى، وهذا يدل على أنه كان معها خدام؛ إذ لو كانت تعمل بنفسها لما كانت تنام بعد صلاة الفجر، وهذا كسائر نسائنا؛ لأنه بعد صلاة الفجر يريد الأولاد أن يذهبوا إلى المدارس، وتريد أن تصنع الطعام لهم، والرجل سيخرج إلى العمل، فتعمل باستمرار، فإذا كانت تنام حتى تشرق الشمس وترسل سياطها إلى الأرض وهي نائمة، فمعنى ذلك أن هناك خدماً يكفونها المؤنة. (وأشرب فأتقمح): وفي رواية البخاري : (فأتقنح)، بالنون، وهناك فرق بين اللفظين، أما لفظ (فأتقمح) فإنه يقال: بعير قامح، أي إذا ورد الماء وشرب ثم رفع رأسه زهداً في الشرب بعد أن يروى، فهي بعدما تشرب العصير، تترك نصف الكأس؛ لأنها قد ارتوت، وأما (أتقنح) أي: تشرب وتأكل تغصباً، فتأكل حتى تشبع، فيقال لها: كلي، فتتغصب الزيادة، وهذا لا يكون إلا إذا كان هناك دلال وحب. فقولها: فأتقمح أو أتقنح فيه دلالة على أنها تترك الأكل والشرب زهداً فيه لكثرته، فجمعت بين التبجيح والتعظيم الأدبي وبين الكرم.
|
|
|
|
|
اضافة رد |
06/09/2008
11:30:49 PM |
|
تاريخ التسجيل : //
عدد المشاركات : 8
|
ليلة في بيت النبى (4)
|
ثم قالت: (أم أبي زرع فما أم أبي زرع! ) وهي عمتها، فلم تذكر عنها شيئاً من الكلام الذي نسمعه حول العمات وما إلى ذلك، بل قالت: أم أبي زرع فما أم أبي زرع .. هل تعلمون شيئاً عنها؟ هذه السيدة الفاضلة، وهذا على القاعدة: حبيب حبيبي حبيبي، فالمرأة عندما تحب زوجها، تدين لأمه بالفضل أنها أنجبته، وهذه منة في عنق الزوجة للأم أنها أنجبت مثل هذا الإنسان. (عكومها رداح) الرداح: هو الواسع، يردح: أي: يطيل في الكلام، ويتوسع في المقالة، والعكوم: هي الأكياس التي تخزن فيها الأطعمة، فمثلاً: عندما تخزن الأرز لا تخزنه في كيس صغير، بل تخزنه في كيس قطن، فقولها: (عكومها رداح) فيه دلالة على أن البيت كله خير، وبيتها فسيح، ومن المعروف أن اتساع البيت أحد النعم.
|
|
|
|
|
ثم قالت: (ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع! ) يفهم من هذا أن أبا زرع كان متزوجاً، قبل ذلك.. (ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة)، مسل الشطبة: عندما تأتي بجريدة النخل وتأخذ منها سلخة للسكين، السلخة هذه هي السرير الخاص به، فهذا الولد نحيف، لكن عضلاته مفتولة، والإنسان النحيف مع قوة ممدوح عند العرب؛ لأن هذا ينفع في الكر والفر، فهذا مدح تمدح به الولد، تقول: إنه مفتول العضلات وليس بديناً، ولا صاحب كرش عظيم؛ بل سريره كمسل شطبة، فتستدل على جسمه بسريره الذي ينام عليه، وإلا فمسل الشطبة لا يكفي واحداً ثقيلاً بديناً. (ويشبعه جراع الجفرة): الجفرة: هي أنثى الماعز الصغيرة، فلو أكل الرجل الأمامية للشاة فإنه يشبع، مع أن هذه لا تكفي الواحد، ومع ذلك فإن هذا الولد يشبع إذا أكل ذراع الجفرة، وهذه صفات ممدوحة عند الرجال، بخلاف النساء.
|
|
|
|
|
ولما جاءت تصف بنت أبي زرع قالت: (بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع!، طوع أبيها وطوع أمها)، أي: مؤدبة،( وملء كسائها) مالئة ملابسها، وهذا مستمدح في النساء بخلاف الرجال، (وغيظ جارتها): الجارة هي الضرة، فقد كان زوجها متزوجاً اثنتين أو أكثر (فغيظ جارتها) أي: من جمالها، وأنها ملء كسائها، وبذلك تغيظ جارتها.
|
|
|
|
تسمية الزوجة الثانية (جارة)
|
|
|
وهنا تعبير لطيف عن المرأة الأخرى، فلم تقل: وغيظ ضرتها، بل لفظ الجارة لفظ أجمل، وقد كان محمد بن سيرين يقول: (إنها ليست بضرة، ولا تضر ولا تنفع)، وكان يكره أن تسمى المرأة الثانية بالضُرة، إنما يقول: جارة، وهذا الأدب استخدمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث ابن عباس الطويل في البخاري ومسلم، يقول ابن عباس: ( في أوله يا أمير المؤمنين! من المرأتان اللتان قال الله فيهما
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
[التحريم:4]؟ فقال: واعجباً لك يـابن عباس! إنهما عائشة وحفصة )، وساق حديثاً طويلاً، وفيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (فراجعتني امرأتي ذات يوم فصخبت عليّ، وفي رواية خارج البخاري قال: (فتناولت قضيباً فضربتها، فقالت: أوفي هذا أنت يـابن الخطاب! لم تنكر علي أن أراجعك وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يهجرنه الليل حتى الصبح؟!). إذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الذين هن القدوة يهجرنه من الليل حتى الصبح، أفتنكر عليَّ أنني أكلمك وأراجعك؟! فقال: (أوتفعل حفصة ذلك؟) لم يقل: أوتفعل عائشة؟ ، أوتفعل أم سلمة؟ لأن الأب يسأل أولاً عن ابنته، ثم قال: (خابت وخسرت)، وذهب إلى حفصة فقال لها -من ضمن الكلام-: (لا يغرنك أن كانت جارتك -التي هي عائشة- أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ...)، يعني لا تقلديها؛ لأنها لها دلال، وهو يحترمها، فيمكن أن يسامحها، فأنت تحاولين أن تقلديها وليس لك عنده ما لـعائشة ، فيجب أن تعرفي قدرك ولا تقلدي عائشة، فقال: (لا يغرنك أن كانت جارتك)، ولم يقل: ضرتك؛ لأنه حتى لفظ الضرة لفظ قبيح؛ لأنه مشتق من الضر، بخلاف الجار، فإنه مشتق من الجوار، والجوار له حرمه، ونحو ذلك.
|
|
|
|
|
قالت: (جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع!)، والمرأة من حبها للرجل تذكر كل شيء حتى الجارية، قالت: (لا تبث حديثنا تبثيثاً)، فأي شيء يحصل في البيت لا يعرف به أحد من الخارج، فهي أمينة لا تنقل الكلام، (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاًَ)، أي: لا تبذر في الطعام، فلا تجد مثلاً الأرز ملقى على الأرض، فهي امرأة مدبرة، تخاف على المال، (ولا تملأ بيتنا تعشيشاً) أي: البيت ليس فيه زبالة، كعش الطائر، فعش الطائر عبارة عن ريش وحشيش وقش وحطب، فتقول: بيتنا ليس كعش الطائر، إنما هو بيت نظيف. وفي بعض الروايات خارج الصحيحين: (وظلت حتى وصفت كلب أبي زرع)، فالكلام هذا كله غزل، والغزل هنا مستحب، ولا أقول: غزل عفيف، إنما هذا غزل مستحب؛ إذ هي تتغزل في زوجها، وتعدد فضائل زوجها، وتشعر بنبرة الحب عالية في كلام المرأة. قالت: (فخرج أبو زرع والأوطاب تمخض)، كان الوقت ربيعاً، واللبن كثير، والناس يحلبون لبنهم، وفي هذا الوقت خرج أبو زرع (، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين)، معها اثنان من الأولاد في منتهى الرشاقة، (يلعبان من تحت خصرها برمانتين)، فأعجبه هذا المنظر، فقال: هذه المرأة لابد أن أضمها إلي، فضمها إليه، لكن ما الذي حصل؟ قالت: (فطلقني ونكحها)، لأنه لايبقي عنده إلا امرأة واحدة، رجل يحب التوحيد!!
|
|
|
|
|
قالت: (فنكحت بعده رجلاً ثرياً)، من ثراة الناس وأشرافهم، (ركب سرياً)، السري: نوع جيد من أنواع الخيل، كان الأغنياء يركبونه؛ لأنه كان مفخرة عندهم، وحتى تكتمل صورة الأبهة قالت: (وأخذ خطياً)، الخطّي: هو الرمح، فهو واضع تحت إبطه رمحاً وراكب على الخيل، متعجرفاً ومهيباً.
|
|
|
|
انتقال صفات المركوب للراكب
|
|
|
والذي يركب الخيل ويدمن ركوبها، تنتقل صفات الخيل إليه، ومن تلك الصفات: الكبر، وقد ورد هذا في كلام الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: (الكبر والبطر في أهل الخيل، والسكينة والوقار في أهل الغنم)، فالغنم تنزل رأسها، وتمشي في طريقها، فكل واحد يأخذ من صفات ما يعايشه من الحيوان، فهذا المنظر التعيس البريء الحزين -منظر الغنم- إذا ظلَّ طوال عمره فيه، فلابد أنه سيأخذ بعض هذه الصفات في الانكسار، والثاني الراكب على خيل، والخيل يقفز ويتراقص به وما إلى ذلك، فينتقل إليه هذا الشعور. وقد حدثني بعض الإخوان من الذين كانوا يركبون دائماً أحدث السيارات، حتى من الله عليه بالالتزام، أن الذي يركب سيارة فارهة يحس أنه انتقل إليه ثمن السيارة، فيتعامل مع الناس بثمن السيارة.
|
|
|
|
بدعة تسمية السيارات باسم الجالب لها ونحوه
|
|
|
ونحن عندنا في مصر بدعة قبيحة، هذه البدعة: أن تسمى السيارة باسم الذي جلبها وركبها، فمثلاً: ماركة المرسيدس، يقولون: هذا راكب بودرة، والألمان الذين يصنعون السيارة لا يعرفون التمساح والخنزير والضفدع والتسميات التي عندنا، بل كل هذا عندنا فقط، ولا تجده حتى في الدول العربية، فيسمونها البودرة؛ لأنه ما كان يركبها إلا تجار الهيروين؛ لغلو ثمنها الفاحش، وكذلك أيضاً يسمون بعض السيارات: الشبح، تيمناً بالطائرة الشبح التي ظهرت في حرب الخليج، التي كان يقول عنها المحللون العسكريون الذين عقولهم منضبطة: إن الطيارة الشبح يمكن أن يرى الطيار منها ماركة الثياب التي تلبسها!! وغير مستبعد أن يقولوا: إنه يمكن أن يأخذها وهو مار ويقرأ الماركة ثم يرجعها ثانية!! ومن العجب أن تجد من يصدق هذا الكلام، ويقول: هذه الطائرة الشبح وأنت جالس تجدها عندك!! وممكن أن الطيار يضرب القذيفة وينزل يتغدى ثم يأتي صوتها وراءه!! فسموا السيارة الجديدة السريعة هذه بالشبح، وكذلك السيارة المسطحة المدرعة اسمها: الفاجرة؛ لأن التي أدخلتها راقصة. والسيارات التي بهذا الثمن الباهظ تصل قيمتها إلى مليون وسبعمائة ألف.. ولو صدمت في شجرة لانتهى المليون والسبعمائة ألف، فالذي يركب السيارة هذه وهو يكلمك ويشعر أنه يلبس المال عندما يتكلم معك. يقول لي صاحب هذه السيارة: لما كنت أنزل من السيارة لأحضر موزاً من الفاكهي، كنت أشعر أن صدري ينتفخ مني لوحده، وأقفل الباب بقرصنة، يقول: كنت أحس هكذا، وهذا الإحساس عندي شعرت به زماناً طويلاً، وهذا مثل ركوب الخيل تماماً. وهناك دراسة لعلماء الأغذية، يقولون: إن الإنسان تنتقل إليه صفات المركوب الذي يركبه، وفي هذا البحث يقول الدكتور الزراعي: إن هذا حتى في الأكل، فلو أن الإنسان أدمن أكل لحم معين، فإنه ينتقل إليه بعض صفات المأكول، فمثلاً: لو داوم شخص على أكل لحم الضأن، فيمكن أن ينطح بمقتضى هذه الدراسة!! فهي تقول: (ركب سرياً) والسري: هو الخيل النفيس، (وأخذ خطياً) أي: وضع الرمح، وإنما سمي الرمح خطاً لأن هناك بلداً في البحرين كان اسمها الخط، وكانت الرماح تأتي من الهند إلى هذه البلد في البحرين وتوزع على سائر بلاد العرب، فنسب الرمح إلى هذا البلد.
|
|
|
|
|
تقول: (وأراح علي نعماً ثرياً)، أي: أعطاها مالاً وفيراً، (وأعطاني من كل رائحة زوجاً)، وفي رواية: (وأعطاني من كل ذابحة -أي: ما يصلح أن يذبح- زوجاً، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك)، أي: وأعطي أهلك أيضاً، فهذا الرجل ليس فيه أي عيب، إلا أن المرأة تقول: (فلو أني جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع ). فانظر إلى هذا الوفاء! مع أن المرأة المطلقة لا تكاد تذكر لزوجها السابق حسنة، وهذا الرجل لم يقصر في حقها، بل قال لها: (كلي أم زرع وميري أهلك)، أنفقي على أهلك، لكنها تقول: (فلو أني جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع). فما هو الفرق بين هذا الرجل وبين أبي زرع؟ الفرق: هو الحنان، والحب، هذا هو الفرق، فلم تشعر المرأة مع الرجل الثاني بهذا الحنان والحب الذي شعرت به لما كانت زوجة لـأبي زرع. لذلك فأنت لا تستطيع أن تشتري قلب المرأة بالمال أبداً، حتى لو كان عندك من الإبرة إلى الصاروخ في البيت، وكل الناس تتطلع إليك، ولا ينقصك شيء، فإن المرأة ينقصها قلبك، وهي لا تريد شيئاً غير ذلك، بل الكلمة الطيبة هي التي يعتد بها عندها، فلو أتى الرجل لأهله بكل غال ونفيس، وبطعام جيد الكل يتمناه، ودخل وهو يتكلم بقسوة، وفتح الباب، وقال: كلوا وانفجروا عسى أن ينفع هذا فيكم! فصرف خمسمائة جنيه في اللحم والفاكهة وما إلى ذلك، ثم قال هذه الكلمات، فستذهب هذه الأموال سدى دون أن يكون لها قيمة من أجل هذه الكلمات. إنما لو دخلت بطعام متواضع، وقلت مثلاً: والله لو استطعت أن أحضر لبن العصفور لما تأخرت، وأنتم تستحقون أكثر من هذا، لكن هذا جهد المقل، والحمد لله، أنتم صابرون علي، وربنا يعوضنا الجنة .. إذا قلت هذا الكلام ودخلت خالي اليدين كان هذا كافياً؛ لأن المرأة تريد دفء الحنان والحب، وهذا هو الفرق بين الرجل الأول والرجل الثاني.
|
|
|
|
|
أضف إلى ذلك: أن الرجل الأول كان أول رجل في حياة المرأة، وهذا له تأثير وفرق كبير عند المرأة، فلو تزوجت رجلاً لأول مرة وأحبته، فإن حبه منقوش على الصخر، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بزواج الأبكار، فقال: (تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير). وعندما رجع جابر بن عبد الله الأنصاري من غزوة مسرعاً، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أعجلك يا جابر؟.. قال: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس، قال بمن تزوجت؟ قال: قلت: بأيم كانت في المدينة -أي: امرأة مات زوجها- قال: فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك)، وفي رواية للطبراني: (وتعضها وتعضك)، وهي رواية ضعيفة، وأقول: ضعيفة لأن لها مفاسد، فلا يعتد بها، والرواية الصحيحة: (فتلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك، فقال: يا رسول الله! إن عبد الله ) يعني أباه ، وعبد الله بن حرام رضي الله عنه مات يوم أحد في أول من قتل، وفي ليلة أُحد عبد الله نادى ابنه جابراً وقال: (يا بني! إنني أرى أنني سأقتل في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فاستوص بأخواتك خيراً)، فقد كان هو الولد الوحيد، وعنده تسع بنات، وفعلاً أول ما دارت رحى الحرب كان أول من قتل هو عبد الله بن حرام رضي الله عنه، صدق الله فصدقه، فقال: يا رسول الله! (إن عبد الله ترك تسع نسوة خرق -يعني عقولهن صغيرة لأنهن بنات- فكرهت أن آتيهن بخرقاء مثلهن، فقلت: هذه أجمع لأمري وأرشد). فهذه امرأة زوجها مات، وصارت امرأة عاقلة، وتعودت على تربية الولد، ستكون بمثابة الأم لهؤلاء البنات. فالمهم الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: (أصبت ورشدت). أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
|
|
|
|
اضافة رد |
|
| | | | | |
| | |