"ابكي" فأنت في مدينة الرحاب
روز اليوسف 19/11/2009 الكاتب محمد صلاح
قبل سنوات ابتكرت إحدي شركات الكاسيت وسيلة بديعة للإعلان، حيث وضعت عند مداخل كل مدينة في مصر لوحة كبيرة كتب عليها: "ابتسم فأنت في..."، كان قائدو وركاب السيارات المارة عبر الطرق السريعة يعرفون أنهم وصلوا إلي حدود المدينة "الفلانية"، ويمرون فيها، وضربت الشركة عدة عصافير بإعلان واحد، حيث ذاع صيتها ولبت حاجة أساسية عند الناس ليعرفوا المسافة التي قطعوها والمدينة التي وصلوها، تذكرت الأمر في مناسبة الحديث عن "المهازل" في مدينة الرحاب التي وعدت مجموعة طلعت مصطفي في إعلاناتها مشتري الوحدات السكنية فيها بمجتمع هادئ آمن ممتع فلم يجدوا فيها إلا مدينة صاخبة مخيفة مفزعة.
وعلي ذلك اقترح علي القائمين علي المجموعة وضع لوحات عند بوابات الدخول عليها عبارة: "ابكي" فأنت في مدينة الرحاب، كتبت من قبل تحت عنوان "الإرهاب في مدينة الرحاب" مقالا أحدث صدي بين سكان المدينة وكذلك الذين "شربوا المقلب" وخدعتهم الإعلانات وعزموا علي شراء وحدات في المشروع المعروف باسم "مدينتي"، وخشي هؤلاء من أن تتكرر مأساة سكان الرحاب في المشروع الجديد الذي يقال إنه سيشيد علي مدي سنوات، عموما تقول الحكمة إن "شر البلية ما يضحك" لكن حال سكان مدينة الرحاب و"بلاويهم" مع مجموعة طلعت مصطفي كثيرة ومتعددة ومتنوعة وهم تخطوا مرحلة الضحك ووصلوا إلي مرحلة البكاء.
وعلي ذلك فالشعار "ابكي فأنت في مدينة الرحاب" صار واقعا والحق أن مسئولي المدينة بادروا بمجرد نشر المقال السابق بالاتصال بالعبد لله للوقوف علي طبيعة شكاوي الناس خصوصا الضحايا سكان شارع عمرو بن العاص القريب من منطقة المطاعم والكافيهات الذين يعانون جنون سباقات السيارات وأشكال التحرش و"الصياعة" ومخالفة الآداب والقانون، أراح المسئول الأول في المجموعة النائب طارق طلعت مصطفي "دماغه" ويبدو أنه كلف نائبه السيد جمال الجندي بالاتصال واستمع الرجل لبعض الشكاوي وأبدي تجاوبا مذهلا وطرح كثيرا من العبارات الوردية وملأ البحر بكميات من الطحينة ووعد بحل المشاكل في 48 ساعة، لكن يبدو أنه لايعرف أن 48 ساعة تعني يومين وليست أسبوعين أو شهرين أو سنتين أو عقدين أو قرنين بالتوازي مع المكالمة سارع أحد مسئولي "مدينة الرحاب" ويدعي أحمد عبدالشهيد وحمل خرائط ورسومات وهبط بها علي شارحاً مفصلا واعداً بحل كل المشكلات.
وبالفعل صحي سكان الشارع في اليوم التالي علي أصوات الأوناش والمعاول ورأوا كتل الحجارة تلقي علي الأرض لسد الجزيرة الوسطي "سبب البلاوي" والحوادث، وانتهي الأمر عند وضع مطبين صناعيين في الشارع وبقيت الحجارة مكانها لأسبوع دون أن تسد الجزيرة ولا أي جزيرة أخري، استغرب سكان الشارع وسعوا إلي معرفة أسباب التأخير في سد الجزيرة، وقبل أن يفيقوا من صدمتهم عاجلتهم مجموعة طلعت مصطفي بالصدمة الجديدة، إذ أتت سيارة وحمل العمال الحجارة من مكانها ورحلوا بعيداً بعدما "وسعوا" مساحة الجزيرة وكأنهم يعاقبون السكان علي شكاواهم بمزيد من الحوادث ومظاهر التحرش و"الصياعة" والنطاعة في الشارع، أحد السكان صرخ مذهولاً، فالأهالي دفعوا الملايين لشراء وحدات سكنية في مجتمع هادئ، كما تقول الإعلانات، ووجدوا أنها صارت لا تستحق "الملاليم" لأنها أصبحت مجتمعا لا يطاق ويدعو إلي البكاء، وعرفوا بعدها أن مسئولا في المدينة أصر علي الإبقاء علي الجزيرة الوسطي لأنها موجودة في "التصميم الهندسي" وليذهب الناس إلي الجحيم، عملاً بالحكمة المصرية المعروفة بأن الطبيب ضحي بالأم من أجل الجنين.
بادر العبد لله بالاتصال بنائب رئيس المجموعة فرد الرجل علي هاتفه النقال هامسا وعرف أن شيئا لم يحدث، فجدد الوعد بإنهاء كل المشاكل في 48 ساعة "أيضا" ونبه الي أنه يحضر "Meeting" وبمجرد الانتهاء منه سيشرف بنفسه علي إنهاء معاناة الناس.. وعنها، اختفي مسئولو الشركة وبقي الحال علي ما هو عليه "ولحسوا" وعودهم بعدما "لهفوا" أموال الناس واسكنوهم مدينة "الإرهاب"، طبيعي ألا تنتهي شكاوي الناس من الحكومة لكن الحق أن وزارة الداخلية بادرت بالاتصال بالعبد لله بعد المقال السابق للوقوف علي طبيعة الوضع في "شارع الموت" في مدينة الرحاب، وسعت إلي تخفيف معاناة الناس بتنفيذ حملات لضبط المخالفين والمتحرشين، لكن طالما بقيت أسباب الخوف والرعب قائمة في المدينة فإن الحملات ستظل "مسكنات" تخفف الألم أو البكاء ولا توقفه، أما صديقي المحامي الشهير منتصر الزيات وهو أحد الضحايا ممن صدقوا الإعلانات واشتري بيتا في "الرحاب" فإنه اعتبر أن ما حدث "عملية نصب كبري" علي خلق الله وبدأ إجراءاته لتصعيد الأمر إلي القضاء بعدما رأي أنه شخصيا خسر أمواله التي سددها ثمنا للوحدة التي اشتراها بعدما اكتشف أن مدينة الراحة صارت مدينة الإرهاب، ولأنني كتبت من قبل مؤكدا أنه "يا أنا يا الإرهاب في مدينة الإرهاب" فإنني أعود مجدداً إلي تذكير مجموعة طلعت مصطفي بالعبارة نفسها، حتي لو أصرت المجموعة علي التضحية بالناس من أجل "التصميم الهندسي".
|